عندما نمتدُّ في الزَّمن، فنعيش هذه المرحلة كما عاش آباؤنا وأجدادنا، لنتحرَّك في كلِّ سنة مع ذكرى عاشوراء، في ذكرى الإمام الحسين (ع) والصَّفوة الطيِّبة من أهل بيته وأصحابه، علينا أن نفكِّر ما هي علاقتنا بعاشوراء، أو هل إنّنا في كلِّ سنة نقوم برحلة في التَّاريخ، لنستغرق في أحداثه ونتابع قضاياه، فننسى الحاضر ونغفل عن المستقبل، أم أنَّ للذّكرى وظيفة أخرى تتَّصل بمسؤوليَّاتنا، من خلال ما واجهه الإمام الحسين (ع) وأهل بيته وأصحابه من مسؤوليَّات؟!
على خطى عليٍّ (ع)
وفي هذا الاتجاه، قد يكون من الخير لنا أن ندرس واقع الأمَّة كما درسه الإمام الحسين (ع)، لأنَّ الحسين (ع) لم يرتجل حركته، ولم تكن ردَّ فعلٍ لدعوة النَّاس إيَّاه، ولكنَّ الحسين (ع) عاش مع أبيه الإمام عليّ (ع) الّذي واجه كلّ التَّعقيدات الصَّعبة الَّتي أبعدته عن موقعه الطبَّيعيّ، والَّتي أربكت خلافته، من خلال كلِّ الأحداث الَّتي صنعها الآخرون في خطِّ مسيرته، فعطَّلوا عليه تنفيذ منهجه الَّذي لو استطاع أن ينفِّذه منذ البداية، لتغيَّرَ وجهُ التَّاريخ الإسلاميّ، وقد شهدَ له بعض الَّذين تقدَّموه من الخلفاء، قائلاً: "والله لئِنْ وليَها، ليحملنَّهم على المحجَّةِ البيضاءِ"، لأنَّ عليّاً (ع) كان الحقَّ كلَّه، ولذلك كان الضَّوءَ كلَّه، ليس للباطلِ شأنٌ بعليّ، وليس للظَّلامِ أيُّ دورٍ في عقل عليّ وفي قلبه وفي طاقاته وفي حياته، ولذلك، كان عليّ يمثِّل العصمة كلَّها، وإذا كان هناك شيء فوق العصمة، فإنَّه (ع) يمثِّل ذلك، لأنَّ عليّاً اندمج بالإيمان بالله وبمحبَّة الله، كما لم يندمج أحد بعد رسول الله (ص)... لقد عاش الحسين (ع) معه، وكان يدرس كلَّ آلام أبيه (ع)، عندما كان يخرج إلى الفلاة ويتأوَّه، ويقول: "إنَّ هاهنا لعلماً جمّاً لو وجدْتُ له حملَة".
معيارُ الحقِّ والباطلِ
كان عليّ (ع) يريد أن يثقِّف الأمَّة ليرفع مستواها، لتتعرَّف الحقَّ والباطل، لا في خطوط المفهوم، بل في خطوط الواقع، لأنَّ المشكلة، أيُّها الأحبَّة، في المسيرة الإنسانيَّة، أنَّ النَّاس بأجمعهم يهتفون بالحقّ، ويرفضون الباطل، ولكنَّ الأمر يشتبه عليهم عندما ينزلون إلى أرض الواقع، فتختلط عليهم الأمور، وتتداخل عندهم ملامح الحقّ بملامح الباطل، فيحسبون الحقَّ باطلاً والباطل حقّاً، لأنَّ أهل الباطل يعطون الباطلَ جرعةً من الحقّ ليخيَّل إلى النَّاس أنَّه الحقّ، ويعطون الحقَّ جرعةً من الباطل ليخيَّل إلى النَّاس أنَّه الباطل، وهذا إنَّما يشتبه وينطلي على النَّاس الَّذين لا يملكون القاعدة الفكريَّة الثَّقافيَّة والصَّفاء الرّوحي الَّذي يجعلهم يدركون الحقيقة في صفائها ونقائها، ولذلك كان عليّ (ع) يقول بينَ وقتٍ وآخرَ: "يُعرَفُ الرِّجالِ بالحقِّ، ولا يُعرَف الحقُّ بالرِّجال". ليس هذا حقّاً لأنَّ فلاناً قاله، بل هو حقٌّ لأنَّ فلاناً سار على الحقّ.
لذا، كان عليّ (ع) يريد من النَّاس أن يملكوا ثقافة الحقِّ والباطل في كلِّ القضايا. جاءه شخصٌ، واسمه الحارث بن حوط، وكان عليّ (ع) في البصرة في معركة الجمل أو بعد ذلك، قال له: "أتراني أظنُّ أنَّ أصحابَ الجملِ كانُوا على ضلالةٍ؟"، هؤلاء عددهم ثلاثون ألفاً أو أربعون ألفاً، فهل من المعقول أن يكونوا كلّهم على باطل ونحن على حقّ؟! كيف كان يفكِّر هذا الإنسان؟ كان يحاول أن يعتبر أنّ ميزان الحقّ هو الكثرة العدديَّة، وميزان الباطل هو القلَّة العدديَّة، وطبعاً هذا على خلاف القرآن الَّذي يقول: {وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}[الرّوم: 6] {وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ}[المائدة: 49]، إلى آخر ما هناك.
فمسألة الحقّ والباطل، والصَّواب والخطأ، والاستقامة والانحراف، لا ترتكز على أساس الكثرة والقلَّة، يعني أنَّ الإسلام لا يعتبر أنَّ القلَّة ضدّ القيمة، وأنَّ الكثرة مع القيمة، ربما تكون القلَّة تختزن القيمة، وربَّما تكون الكثرة هي الَّتي تختزن القيمة، فالكثرة والقلَّة كأعداد ليس لها دور في عمليَّة التَّقويم، بل إنَّ مسألة الحقِّ والباطل تتعلَّق بدراسة العناصر الأساسيَّة في القضايا، حتَّى تستطيع أن تعرف هل هي عناصر الحقّ أم هي عناصر الباطل؛ أن تدرس الشَّيء بحسب طبيعته، وبحسب خلفيّاته ونتائجه..
ولذا، قال له الإمام (ع): "يا حارث، إنَّكَ تحتَكَ ولم تنظرْ فوقَكَ"، أي أنَّك فكَّرت في القضيَّة عندما درست الأمور في مواطن أقدامك، في الدَّائرة الضيِّقة، ولم تنظر إلى فوقك في الدائرة الواسعة، "فَحِرْتَ، إنَّكَ لم تعرفِ الحقَّ فتعرف مَنْ أتَاهُ، ولمْ تعرفِ الباطلَ فتعرف مَنْ أتاهُ". فقبل أن تحكم أنَّ أصحاب الجمل كانوا على حقّ وأنَّنا على ضلالة، ادرس ما هي طروحاتنا وما هي طروحات الآخرين، ما هي الشَّرعيَّة الَّتي أملكها أنا باعتبار أنّي خليفة رسول الله (ص)، من خلال تنصيص رسول الله، ومن خلالِ بيعة المسلمين كما يراها الآخرون، بينما لم يكن الآخرون كذلك.. ادرس أساس الشَّرعيَّة.. لا يكفي أن تعطي الشَّرعيَّة لإنسانٍ ما لأنَّ الأكثريَّة معه، أو أن تحجبها عن إنسانٍ آخر لأنَّ الأقليَّة معه، وإلَّا ينبغي أن لا نعطي الشَّرعيَّة للأنبياء، لأنَّ أقوامهم كانوا يقولون، كما قالوا لنوحٍ (ع) ولغيره من الأنبياء: {وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ}[هود: 27]. فالوجهاء والأغنياء والأشراف ليسوا معك، ومن معَكَ هم الفقراء والدَّراويش، فهل من المعقول أن تكون أنت على الحقّ؟! فهم يعتبرون أنَّ الحقَّ مع الطَّبقات العليا في المجتمع، أمَّا الطبقات الدّنيا فلا حقَّ معها. "إنَّكَ لم تعرفِ الحقَّ فتعرف مَنْ أتاه، ولم تعرفِ الباطلَ فتعرف مَنْ أتاه".. "اعرفِ الحقَّ تعرفْ أهلَهُ".
وكانت وصيَّة الإمام عليّ (ع) لولده الإمام الحسن (ع): "لَا يُؤْنِسَنَّكَ إِلَّا الْحَقُّ، وَلَا يُوحِشَنَّكَ إِلَّا الْبَاطِلُ"، فإذا أردْتَ أن تستأنسَ، أن تشعرَ بالأنسِ والفرحِ، فاجعلِ الحقَّ في عقلِكَ وأْنسْ به عندما تفكِّر على أساسه، واجعل الحقَّ في قلبك وفي حياتك، فإنَّ الحقَّ يؤنسك، لأنَّه يربطك بالحقيقة والنّور، ويربطك بالله {ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ ٱلْبَٰاطِلُ}[لقمان: 30].
اختلالُ موازينِ التَّقويم
لذلك، كانت مشكلة عليّ بن أبي طالب (ع) الّتي درسها الإمام الحسين (ع)، أنَّ النَّاس لا تفهم الحقَّ في عناصره الحيويَّة، ولذلك كانت لا تفهم عليّ بن أبي طالب (ع)، وكانت تساوي بينه وبين الآخرين، بل تفضِّل الآخرين عليه. كان الإمام (ع) يعيش هذه المرارة، لا من ناحية استغراقه في ذاته، كما يفعل بعض النَّاس، بحيث يتأذّى من تفضيل الآخرين عليه، لكن من جهة رؤيته للموازين الحقيقيَّة للتَّقويم. ولذا كان يقول في الخطبة الشَّقشقيَّة، عندما جُعِلَتِ المسألة شورى، وجُعِلَ عليٌّ (ع) أحدها: "جعلَها في جماعةٍ زعمَ أنّي أحدُهُم، فيا للهِ وللشُّورى! متَى اعترضَ الرَّيبُ فيَّ معَ الأوَّلِ منْهم، حتَّى صرْتُ أقرَنَ إلى هذهِ النَّظائرِ؟!". والإمام (ع) لم يقل ذلك احتقاراً، بل من جهة تأصيل القيمة الحقيقيَّة، وهو قال في أوَّل الخطبة: "أما واللهِ لقدْ تقمَّصَها فلانٌ، وإنَّه ليعلمُ أنَّ محلِّي منْها محلُّ القطبِ مِنَ الرَّحى، ينحدرُ عنِّي السَّيلُ، ولا يرقى إليَّ الطَّيرُ".
هكذا كان (ع)، وكان الإمام الحسين (ع) يراقب هذا الموضوع ويدرس الواقع، ولذلك، أخذ نظرة واقعيَّة تماماً. ثمَّ عندما أراد الله لعليٍّ (ع) أن تنتهي حياته بالشَّهادة، رأى الحسين (ع) كيف تقتلُ الأمَّةُ قيادتَها الشَّرعيَّة، من جهة الغباء الثَّقافي الَّذي كان يسيطر على الخوارج، والَّذين كانوا متزمّتين دينيّاً، ولكنَّهم أغبياء ثقافيّاً، لا يفهمون الإسلام، ولكن كما قال أمير المؤمنين (ع): "كأنَّهم لم يسمعوا كلامَ اللهِ حيثُ يقولُ: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}[القصص: 83]. بلى، والله لقدْ سمعوها ووعوها، ولكنَّهم حليَتِ الدّنيا في أعينِهِم، وراقَهُم زبرجُها"، تركوا الآخرة وأقبلوا على الدّنيا.
تجربتُهُ معَ الحسنِ (ع)
وعاش الحسين (ع) مع أخيه الإمام الحسن (ع)، بعد أن فُرِضَ عليه الصّلحُ الَّذي لا يمثِّل اعترافاً بشرعيَّة معاوية، ولكن يمثِّل هدنةً من أجل حقن دماء المسلمين، لأنَّ الظّروف لم تكن تساعد على أيّ حركة في مستوى حركة الحسين (ع) الّتي قام بها فيما بعد، ورأى كيف سُمَّ الإمامُ الحسنُ (ع) من قبل معاوية بوسائله المعقَّدة، ورأى كيف أخذ معاويةُ البيعةَ لابنِهِ يزيد بطريقةٍ لم يعهدها المسلمون في كلِّ تاريخهم، عندما وقف بعض الأشخاص من قبل معاوية، وأمسك المال بيد، والسَّيف بيد، وقال: من بايعَ فلهُ هذا، وأشار إلى المال، ومن لم يبايع فله هذا، أي السَّيف.. لم يترك للنَّاس أيَّ خيارٍ لأيِّ مجال.
وهذا هو شأن الطّغاة، وقد عشنا ذلك فيما بعد 11 أيلول، عندما وقف الرَّئيس الأمريكي، وقال إمَّا أن تكونوا معنا وإمَّا مع الإرهاب، نحن الحقّ والآخرون الباطل!.. الفكرة نفسها؛ السَّيف هنا، والمساعدات الماليَّة والعسكريَّة هناك، وكما مشى الكثيرونَ مع معاوية وبايعوا ابنه يزيد، مشى الكثيرون مع أمريكا وحاربوا المسلمين لمصلحة الكافرين والمستكبرين، لأنَّهم أعطوهم مساعدات ماليَّة وسياسيَّة وما إلى ذلك.. التَّاريخ يعيد نفسه.
المواجهةُ الأولى
لقد درس الإمام الحسين (ع) ذلك كلَّه، ولم يقم بأيِّ حركةٍ في عهدِ معاوية، لأنَّه كان قد وقَّع مع الإمام الحسن (ع) وثيقةَ الهدنة. ولذلك، كان الحسين (ع) يلتزم، وكان يدرس أسلوب معاوية في الحكم، كان يدرس كيف يقول معاوية: "إنَّ لله جنوداً من عسل"، وكيف دسَّ السّمّ لمحمَّد بن أبي بكر، ولمالك الأشتر، وكيف كان يستعمل الأساليب الَّتي حوَّلت الخلافة إلى ملك عضوض، حتَّى ذهب إلى سبيله، وكان أوَّل قرارٍ هو أن تؤخذ البيعة من الإمام الحسين (ع) ليزيد.
طبعاً، كان الحسين (ع) يعيش هذا الجوّ الّذي كان يملأ تفكيره، وكان ينطلق من منطلق التَّجربة الَّتي أكَّدتها عصمته في تكليفِهِ الشَّرعيِّ، وفي مسؤوليَّته ورؤيته لما يصلح أمور المسلمين.
ودُعِيَ (ع) إلى بيعة يزيد، وجرى كلامٌ بينه وبين مروان بن الحكم الَّذي أراد من والي المدينة أن يقتلَ الإمام (ع) إذا لم يبايع، وتحدَّث الحسين (ع) بلهجة قاسية في مواجهة مروان، ثمَّ كانَ أوَّل تصريحٍ صرَّحَ به الإمامُ (ع) في تأكيد شرعيَّته الإسلاميَّة في مسألة الحكم والخلافة، ما قاله لوالي المدينة، وهذا مما ينقله المؤرِّخون.
قال (ع): "إنَّا أهلُ بيتِ النّبوَّة – عشنا في أحضان النّبوَّة. وليست المسألة أنَّه عاش في هذا البيت، لكنَّه حمل كلَّ رسالة البيت. وقوله: "أهل بيت النبوَّة"، أي أنّنا نحن مَنْ حملنا رسالة النبوَّة، وعشنا قيمها، وحملنا مسؤوليّتها من دون نبوَّة - ومعدنُ الرِّسالةِ، ومختلَفُ الملائكةِ - كانت الملائكة تنزلُ على رسول الله (ص)، وكانَ أبونا يسمعُ ما يسمعُ رسولُ الله، ويرى ما يرى، وقالَ له: "يَاْ عَلِيّ، إنَّكَ تَرَى مَاْ أَرَى، وتسمعُ ما أسمعُ، إلَّا أنَّكَ لسْتَ بنبيٍّ - ومحلُّ الرَّحمةِ، بنا فتحَ اللهُ – فتح الله للنَّاس الهدى، وفتحَ وحيَه من خلالنا، عندما ألقاه إلى رسوله (ص)، عندما قال له: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ}[المدَّثِّر: 1-2] - وبنا ختمَ - فكما بدأت الرسالة برسول الله، فإنَّها في حركيَّتها التبليغيَّة والحركيَّة، سوف تُختَم بنا، بولدٍ من أولادي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً. لقد أشار الإمام (ع) إلى ذلك وإن لم يصرِّح به، لأنَّ رسول الله (ص) أعلن للنَّاس: "إنِّي تاركٌ فيكم ما إنْ تمسَّكْتُم به لن تضلّوا بعدي أبداً؛ كتابَ اللهِ حبلٌ ممدودٌ من السَّماءِ إلى الأرض، وعترتي أهلَ بيتي، فإنَّهما لنْ يفترقا حتَّى يردا عليَّ الحوضَ"، فما دام الكتاب، فهناك شخصٌ من أهل بيت رسول الله (ص) يفسِّر الكتاب، ويؤصِّل مفاهيمه، ويحرسه في العقل والوجدان والواقع.
فإذا كان الحسين (ع) "أهل بيت النّبوَّة، ومعدن الرّسالة، ومختلف الملائكة، ومحلّ الرّحمة، وبنا فتح الله وبنا ختم"، فمعنى ذلك أنّه هو الشَّرعيَّة. فالمفروض أنَّ المجتمع مجتمعٌ إسلاميّ يأخذ بالإسلام، فمن أين يأخذ الإسلام؟ لا بدَّ أن يأخذه من بيت النّبوَّة، ومعدن الرّسالة، ومختلف الملائكة، ومحلّ الرّحمة، ومهبط الوحي.
- ويزيدُ رجلٌ فاسقٌ، شاربُ الخمرِ، قاتلُ النَّفسِ المحرَّمةِ، معلِنٌ بالفسقِ، ومثلي لا يبايعُ مثلَهُ - ينبغي أن يكون هناك توازنٌ في البيعة، فلا بدَّ لمن تبايعه من أن يحمل فكرَكَ، وأن يعيشَ إيمانَكَ ورسالتَكَ، وأن يقفَ في موقفِكَ، ويحرِّم ما تحرِّم، ويحلِّل ما تحلِّل، لأنَّ معنى أن تبايع إنساناً، أن تعطيه زمام أمرك.
وهذا أمرٌ يجب أن ننتبه إليه، فنحن اليوم نبايع؛ هذا الصَّوت الَّذي تعطيه في أيِّ انتخابات، سواء كانت انتخابات جمعيَّة، أو انتخابات حزبيَّة أو نيابيَّة أو بلديَّة أو اختياريَّة... كأنَّك عندما تضع هذا الاسم، تقول له سلَّمتك كلَّ أمري، يعني أنَّك تعطيه الحقّ بأن يأخذ كلّ القرارات عنك، ففي ذلك معنى البيعة، والَّذي تبايعه قد يبايع شخصاً آخر، ولربّما هذا الشَّخص الآخر يبايع أمريكا أو أوروبَّا أو ما إلى ذلك، وتكون أنت المبايع الأوَّل.. إنَّ عليكم أن تفهموا هذه المسألة؛ فأن تبايع شخصاً، يعني أن تسلِّمه زمامَ أمرك، فإذا لم يكن هذا الشَّخصُ يؤمنُ بما تؤمن، ويقفُ حيث تقفُ، ويرفضُ حيثُ ترفضُ، فكيف تسلِّمه أمرَكَ وأمرَ الأمَّةِ منْ خلالِك؟! لأنّه يمكن أن ينجح بصوتك. هكذا نفهم المسألة. وهذا له حديث طويل ليس هذا مجاله، ولكنَّنا نستوحي من الإمام الحسين (ع) ذلك.
ولكنَّ الإمام (ع) أراد أن لا يجعل القضيَّة في الدَّائرة الضيِّقة، وأن لا يدخل في جدل، فقال - ولكنْ نصبحُ وتصبحون، وننظرُ وتنظرون، أيُّنا أحقُّ بالبيعةِ والخلافةِ"، هل إنَّ يزيد هو الأحقَّ بالبيعة والخلافة، أم أنا الأحقّ بهما؟!
الحسينُ (ع) وطلبُ الحكمِ
ومن خلال هذه الكلمة، نفهم مسألةً لا يزال البعض يناقشها، حول ما إذا كان الحسين (ع) طالباً للحكم! لأنَّه ربَّما يفهم بعضُ النَّاس خطأً، أنَّ الشَّخصَ عندما يطلبُ الحكمَ، يعني أنَّه يطلبُ سلطة، وإذا طلب السّلطة يعني أنّه يطلب الدنيا، والإمام الحسين (ع) معصوم، فكيف يطلب الدّنيا والسّلطة؟ لكنَّ الحسين (ع) يطلب الحكم لأنَّ الحكم حقُّه، فهو الإمام الشَّرعيّ، "الحسنُ والحسين إمامانِ قاما أو قعدا"، إن تحرّكا وإن لم يتحرّكا، يطلب السّلطة لإقامة الحقّ، كما قال عليّ (ع)، والحسين (ع) هو ابن عليّ: قال لهم: أنا الحسين بن عليّ... أراد أن يقول لهم أنا سائرٌ في هذا الخطِّ الَّذي سار عليه عليّ (ع) قبلي، وعليّ (ع) هو الَّذي قال لابن عبَّاس وقد رآه يخصف نعله: "ما قيمةُ هذه النَّعل؟"، فهي نعل قديمة جدّاً، فقال ابن عبَّاس: "لا قيمة لها"، فقال (ع): "والله لهيَ أحبُّ إليَّ من إمرتِكم، إلَّا أنْ أُقيمَ حقَّاً، أو أدفعَ باطلاً". أريد الخلافة من أجل إقامة الحقّ ودفع الباطل.
وكان عليّ (ع) في كلِّ ساحة الصِّراع حول الحكم وحول الخلافة، سواء كانت ساحة الصِّراع قبل أن يصير خليفة، أو بعد أن صار خليفة، وبعد أن تحرَّك النَّاكثون والمارقون والقاسطون، كان عليّ يصعِّد آهاته بين يدي الله ويشكو إليه، وكان يقول: "اللَّهمَّ إنَّكَ تعلمُ أنَّه لم يكنْ الَّذي كانَ منَّا منافسةً في سلطانٍ، ولا التماسَ شيءٍ من فضولِ الحطامِ - لا نريد الدنيا ولا المال ولا السّلطان لتلبية نوازع الذات في السّلطة. ماذا تريد يا عليّ بن أبي طالب؟ - ولكن لنردَ المعالمَ من دينِكَ - لكي نؤصِّل معالم الدِّين، ونجعلها تنفتح على كلِّ واقع النَّاس - ونظهرَ الإصلاحَ في بلادِكَ، فيأمنَ المظلومونَ من عبادِكَ، وتقامَ المعطَّلةُ من حدودِكَ". أنا ليس لي شغل بالدّنيا، ولا شغلَ لي بالسّلطة، ولكن أنا أريد أن أؤصِّلَ معالم الدّين كما أصَّله رسول الله (ص)، وأريد أن أظهر الإصلاح كما أظهره الأنبياء، وأريد أن يأمن المظلومون، فلا يظلمهم أحدٌ في المجتمع الإسلاميّ، وأن تقام المعطَّلة من حدودك، يعني أن يطبَّق القانون.. "اللَّهمَّ إنِّي أوَّلُ مَنْ أنابَ، وسمعَ وأجابَ، لم يسبقْني إلَّا رسولُ اللهِ (ص) بالصَّلاة".
لذلك، عندما يقول الحسين (ع): "وننظرُ أيُّنا أحقُّ بالبيعة والخلافة"، يعني أيّنا الَّذي يقيم حدود الله، أيّنا الَّذي يعمل بالإصلاح في بلاد المسلمين، أيّنا الَّذي يرفع الظّلم عن المظلومين، أيّنا الَّذي يطبِّق القانونَ الإسلاميَّ على الصَّغيرِ والكبيرِ... كانت المسألة عند الحسين (ع) هي هذه.
الحكمُ أساسٌ في الإسلام
ولذلك، مسألة الحكم، أيُّها الأحبَّة، هي مسألةٌ أساسٌ في الإسلام، لأنَّ الإسلام أساساً هو دين ودولة، هو عقيدةٌ ونظام. وإلَّا ما هو الحكم؟! الآن هناك قانون؛ هناك قانون اقتصاديّ، وقانون اجتماعيّ، وقانون أمنيّ، وقانون جزائيّ... والإسلام كذلك، الآن في الفقه الإسلاميّ - واقرأوا الرَّسائل الَّتي يكتبها المراجع - هناك باب العبادات، باب المعاملات، باب الحدود، باب الدّيات، باب القصاص، باب السّياسيات... لكنَّ التخلّف الَّذي عاشه المسلمون، والسَّيطرة الغربيَّة على أذهاننا، جعلَنَا نختزن في أنفسنا الفكرة الغربيَّة أن لا علاقة بين الدِّين والحياة، أنَّ الدِّين ضدّ العلم، وأنَّ الدّين ضدّ السياسة، وضدّ الحياة... والفكر العلماني ماذا يقول؟ يقول نحن لا نقول عن أنفسنا إنَّنا ملحدون، قد نؤمن بالله، ولكن لا تدخلوا الدِّين في حياتنا.
دراسةُ وصيَّةِ الحسينِ (ع)
هناك إلى جانب ذلك، وصيَّة من الإمام الحسين (ع) لأخيه محمَّد بن الحنفيَّة قبل أن يذهب إلى مكَّة. هذه الوصيَّة لا بدَّ لنا أن ندرسها، أيُّها الأحبَّة، حتَّى نعرف ما العناوين الَّتي طرحها الإمام الحسين (ع)، فيما استقبل به أمره، لنحدِّد من خلالها مسؤوليَّتنا فيما نستقبله نحن من أمر في قضايا الواقع الإسلاميّ كلّه، فساداً وصلاحاً؛ في قضايا القيادة في الإسلام، وفي قضايا المواجهة في ساحة الصِّراع، لأنَّنا، أيُّها الأحبَّة، كما قلنا في حديثٍ سابق، لا نريد أن تكون كلّ حصيلتنا من ذكرى عاشوراء كيف نستنزف دموعنا، ولكنَّنا نريد أن تكون حصيلتنا كيف نحرِّك عقولنا، وكيف نؤصِّل مسيرتنا، وكيف نتوحَّد باسم الحسين الَّذي هو سبطُ رسولِ الله الَّذي هو رسول الله وحجَّته على الخلق، أن نظلَّ نركِّز أمورنا، مجتمعنا الصَّغير، وأمَّتنا الكبيرة، على أساس هذا المنهج. ولكلِّ مرحلة ظروفها، ولكلِّ مرحلة شروطها، وعلينا دائماً أن ندرس المقارنة بين ظروفنا وظروف الإمام الحسين (ع)، لأنَّنا، أيُّها الأحبَّة، سائرون إلى الله كما سار الإمام الحسين (ع) إلى الله، وعلينا أن نصل إلى مواقع رحمته تعالى كما وصل الحسين (ع) إلى مواقع رحمته، وإن كان الحسين (ع) في الدَّرجات العلى، وعلينا أن نكون معه، لأنَّه سوف يحضننا عندما نحضن رسالته، وعندما نتحرَّك في الخطِّ المستقيم.
* الخطبة العاشورائيّة لسماحته، بتاريخ: 16/03/ 2002م.
عندما نمتدُّ في الزَّمن، فنعيش هذه المرحلة كما عاش آباؤنا وأجدادنا، لنتحرَّك في كلِّ سنة مع ذكرى عاشوراء، في ذكرى الإمام الحسين (ع) والصَّفوة الطيِّبة من أهل بيته وأصحابه، علينا أن نفكِّر ما هي علاقتنا بعاشوراء، أو هل إنّنا في كلِّ سنة نقوم برحلة في التَّاريخ، لنستغرق في أحداثه ونتابع قضاياه، فننسى الحاضر ونغفل عن المستقبل، أم أنَّ للذّكرى وظيفة أخرى تتَّصل بمسؤوليَّاتنا، من خلال ما واجهه الإمام الحسين (ع) وأهل بيته وأصحابه من مسؤوليَّات؟!
على خطى عليٍّ (ع)
وفي هذا الاتجاه، قد يكون من الخير لنا أن ندرس واقع الأمَّة كما درسه الإمام الحسين (ع)، لأنَّ الحسين (ع) لم يرتجل حركته، ولم تكن ردَّ فعلٍ لدعوة النَّاس إيَّاه، ولكنَّ الحسين (ع) عاش مع أبيه الإمام عليّ (ع) الّذي واجه كلّ التَّعقيدات الصَّعبة الَّتي أبعدته عن موقعه الطبَّيعيّ، والَّتي أربكت خلافته، من خلال كلِّ الأحداث الَّتي صنعها الآخرون في خطِّ مسيرته، فعطَّلوا عليه تنفيذ منهجه الَّذي لو استطاع أن ينفِّذه منذ البداية، لتغيَّرَ وجهُ التَّاريخ الإسلاميّ، وقد شهدَ له بعض الَّذين تقدَّموه من الخلفاء، قائلاً: "والله لئِنْ وليَها، ليحملنَّهم على المحجَّةِ البيضاءِ"، لأنَّ عليّاً (ع) كان الحقَّ كلَّه، ولذلك كان الضَّوءَ كلَّه، ليس للباطلِ شأنٌ بعليّ، وليس للظَّلامِ أيُّ دورٍ في عقل عليّ وفي قلبه وفي طاقاته وفي حياته، ولذلك، كان عليّ يمثِّل العصمة كلَّها، وإذا كان هناك شيء فوق العصمة، فإنَّه (ع) يمثِّل ذلك، لأنَّ عليّاً اندمج بالإيمان بالله وبمحبَّة الله، كما لم يندمج أحد بعد رسول الله (ص)... لقد عاش الحسين (ع) معه، وكان يدرس كلَّ آلام أبيه (ع)، عندما كان يخرج إلى الفلاة ويتأوَّه، ويقول: "إنَّ هاهنا لعلماً جمّاً لو وجدْتُ له حملَة".
معيارُ الحقِّ والباطلِ
كان عليّ (ع) يريد أن يثقِّف الأمَّة ليرفع مستواها، لتتعرَّف الحقَّ والباطل، لا في خطوط المفهوم، بل في خطوط الواقع، لأنَّ المشكلة، أيُّها الأحبَّة، في المسيرة الإنسانيَّة، أنَّ النَّاس بأجمعهم يهتفون بالحقّ، ويرفضون الباطل، ولكنَّ الأمر يشتبه عليهم عندما ينزلون إلى أرض الواقع، فتختلط عليهم الأمور، وتتداخل عندهم ملامح الحقّ بملامح الباطل، فيحسبون الحقَّ باطلاً والباطل حقّاً، لأنَّ أهل الباطل يعطون الباطلَ جرعةً من الحقّ ليخيَّل إلى النَّاس أنَّه الحقّ، ويعطون الحقَّ جرعةً من الباطل ليخيَّل إلى النَّاس أنَّه الباطل، وهذا إنَّما يشتبه وينطلي على النَّاس الَّذين لا يملكون القاعدة الفكريَّة الثَّقافيَّة والصَّفاء الرّوحي الَّذي يجعلهم يدركون الحقيقة في صفائها ونقائها، ولذلك كان عليّ (ع) يقول بينَ وقتٍ وآخرَ: "يُعرَفُ الرِّجالِ بالحقِّ، ولا يُعرَف الحقُّ بالرِّجال". ليس هذا حقّاً لأنَّ فلاناً قاله، بل هو حقٌّ لأنَّ فلاناً سار على الحقّ.
لذا، كان عليّ (ع) يريد من النَّاس أن يملكوا ثقافة الحقِّ والباطل في كلِّ القضايا. جاءه شخصٌ، واسمه الحارث بن حوط، وكان عليّ (ع) في البصرة في معركة الجمل أو بعد ذلك، قال له: "أتراني أظنُّ أنَّ أصحابَ الجملِ كانُوا على ضلالةٍ؟"، هؤلاء عددهم ثلاثون ألفاً أو أربعون ألفاً، فهل من المعقول أن يكونوا كلّهم على باطل ونحن على حقّ؟! كيف كان يفكِّر هذا الإنسان؟ كان يحاول أن يعتبر أنّ ميزان الحقّ هو الكثرة العدديَّة، وميزان الباطل هو القلَّة العدديَّة، وطبعاً هذا على خلاف القرآن الَّذي يقول: {وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}[الرّوم: 6] {وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ}[المائدة: 49]، إلى آخر ما هناك.
فمسألة الحقّ والباطل، والصَّواب والخطأ، والاستقامة والانحراف، لا ترتكز على أساس الكثرة والقلَّة، يعني أنَّ الإسلام لا يعتبر أنَّ القلَّة ضدّ القيمة، وأنَّ الكثرة مع القيمة، ربما تكون القلَّة تختزن القيمة، وربَّما تكون الكثرة هي الَّتي تختزن القيمة، فالكثرة والقلَّة كأعداد ليس لها دور في عمليَّة التَّقويم، بل إنَّ مسألة الحقِّ والباطل تتعلَّق بدراسة العناصر الأساسيَّة في القضايا، حتَّى تستطيع أن تعرف هل هي عناصر الحقّ أم هي عناصر الباطل؛ أن تدرس الشَّيء بحسب طبيعته، وبحسب خلفيّاته ونتائجه..
ولذا، قال له الإمام (ع): "يا حارث، إنَّكَ تحتَكَ ولم تنظرْ فوقَكَ"، أي أنَّك فكَّرت في القضيَّة عندما درست الأمور في مواطن أقدامك، في الدَّائرة الضيِّقة، ولم تنظر إلى فوقك في الدائرة الواسعة، "فَحِرْتَ، إنَّكَ لم تعرفِ الحقَّ فتعرف مَنْ أتَاهُ، ولمْ تعرفِ الباطلَ فتعرف مَنْ أتاهُ". فقبل أن تحكم أنَّ أصحاب الجمل كانوا على حقّ وأنَّنا على ضلالة، ادرس ما هي طروحاتنا وما هي طروحات الآخرين، ما هي الشَّرعيَّة الَّتي أملكها أنا باعتبار أنّي خليفة رسول الله (ص)، من خلال تنصيص رسول الله، ومن خلالِ بيعة المسلمين كما يراها الآخرون، بينما لم يكن الآخرون كذلك.. ادرس أساس الشَّرعيَّة.. لا يكفي أن تعطي الشَّرعيَّة لإنسانٍ ما لأنَّ الأكثريَّة معه، أو أن تحجبها عن إنسانٍ آخر لأنَّ الأقليَّة معه، وإلَّا ينبغي أن لا نعطي الشَّرعيَّة للأنبياء، لأنَّ أقوامهم كانوا يقولون، كما قالوا لنوحٍ (ع) ولغيره من الأنبياء: {وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ}[هود: 27]. فالوجهاء والأغنياء والأشراف ليسوا معك، ومن معَكَ هم الفقراء والدَّراويش، فهل من المعقول أن تكون أنت على الحقّ؟! فهم يعتبرون أنَّ الحقَّ مع الطَّبقات العليا في المجتمع، أمَّا الطبقات الدّنيا فلا حقَّ معها. "إنَّكَ لم تعرفِ الحقَّ فتعرف مَنْ أتاه، ولم تعرفِ الباطلَ فتعرف مَنْ أتاه".. "اعرفِ الحقَّ تعرفْ أهلَهُ".
وكانت وصيَّة الإمام عليّ (ع) لولده الإمام الحسن (ع): "لَا يُؤْنِسَنَّكَ إِلَّا الْحَقُّ، وَلَا يُوحِشَنَّكَ إِلَّا الْبَاطِلُ"، فإذا أردْتَ أن تستأنسَ، أن تشعرَ بالأنسِ والفرحِ، فاجعلِ الحقَّ في عقلِكَ وأْنسْ به عندما تفكِّر على أساسه، واجعل الحقَّ في قلبك وفي حياتك، فإنَّ الحقَّ يؤنسك، لأنَّه يربطك بالحقيقة والنّور، ويربطك بالله {ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ ٱلْبَٰاطِلُ}[لقمان: 30].
اختلالُ موازينِ التَّقويم
لذلك، كانت مشكلة عليّ بن أبي طالب (ع) الّتي درسها الإمام الحسين (ع)، أنَّ النَّاس لا تفهم الحقَّ في عناصره الحيويَّة، ولذلك كانت لا تفهم عليّ بن أبي طالب (ع)، وكانت تساوي بينه وبين الآخرين، بل تفضِّل الآخرين عليه. كان الإمام (ع) يعيش هذه المرارة، لا من ناحية استغراقه في ذاته، كما يفعل بعض النَّاس، بحيث يتأذّى من تفضيل الآخرين عليه، لكن من جهة رؤيته للموازين الحقيقيَّة للتَّقويم. ولذا كان يقول في الخطبة الشَّقشقيَّة، عندما جُعِلَتِ المسألة شورى، وجُعِلَ عليٌّ (ع) أحدها: "جعلَها في جماعةٍ زعمَ أنّي أحدُهُم، فيا للهِ وللشُّورى! متَى اعترضَ الرَّيبُ فيَّ معَ الأوَّلِ منْهم، حتَّى صرْتُ أقرَنَ إلى هذهِ النَّظائرِ؟!". والإمام (ع) لم يقل ذلك احتقاراً، بل من جهة تأصيل القيمة الحقيقيَّة، وهو قال في أوَّل الخطبة: "أما واللهِ لقدْ تقمَّصَها فلانٌ، وإنَّه ليعلمُ أنَّ محلِّي منْها محلُّ القطبِ مِنَ الرَّحى، ينحدرُ عنِّي السَّيلُ، ولا يرقى إليَّ الطَّيرُ".
هكذا كان (ع)، وكان الإمام الحسين (ع) يراقب هذا الموضوع ويدرس الواقع، ولذلك، أخذ نظرة واقعيَّة تماماً. ثمَّ عندما أراد الله لعليٍّ (ع) أن تنتهي حياته بالشَّهادة، رأى الحسين (ع) كيف تقتلُ الأمَّةُ قيادتَها الشَّرعيَّة، من جهة الغباء الثَّقافي الَّذي كان يسيطر على الخوارج، والَّذين كانوا متزمّتين دينيّاً، ولكنَّهم أغبياء ثقافيّاً، لا يفهمون الإسلام، ولكن كما قال أمير المؤمنين (ع): "كأنَّهم لم يسمعوا كلامَ اللهِ حيثُ يقولُ: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}[القصص: 83]. بلى، والله لقدْ سمعوها ووعوها، ولكنَّهم حليَتِ الدّنيا في أعينِهِم، وراقَهُم زبرجُها"، تركوا الآخرة وأقبلوا على الدّنيا.
تجربتُهُ معَ الحسنِ (ع)
وعاش الحسين (ع) مع أخيه الإمام الحسن (ع)، بعد أن فُرِضَ عليه الصّلحُ الَّذي لا يمثِّل اعترافاً بشرعيَّة معاوية، ولكن يمثِّل هدنةً من أجل حقن دماء المسلمين، لأنَّ الظّروف لم تكن تساعد على أيّ حركة في مستوى حركة الحسين (ع) الّتي قام بها فيما بعد، ورأى كيف سُمَّ الإمامُ الحسنُ (ع) من قبل معاوية بوسائله المعقَّدة، ورأى كيف أخذ معاويةُ البيعةَ لابنِهِ يزيد بطريقةٍ لم يعهدها المسلمون في كلِّ تاريخهم، عندما وقف بعض الأشخاص من قبل معاوية، وأمسك المال بيد، والسَّيف بيد، وقال: من بايعَ فلهُ هذا، وأشار إلى المال، ومن لم يبايع فله هذا، أي السَّيف.. لم يترك للنَّاس أيَّ خيارٍ لأيِّ مجال.
وهذا هو شأن الطّغاة، وقد عشنا ذلك فيما بعد 11 أيلول، عندما وقف الرَّئيس الأمريكي، وقال إمَّا أن تكونوا معنا وإمَّا مع الإرهاب، نحن الحقّ والآخرون الباطل!.. الفكرة نفسها؛ السَّيف هنا، والمساعدات الماليَّة والعسكريَّة هناك، وكما مشى الكثيرونَ مع معاوية وبايعوا ابنه يزيد، مشى الكثيرون مع أمريكا وحاربوا المسلمين لمصلحة الكافرين والمستكبرين، لأنَّهم أعطوهم مساعدات ماليَّة وسياسيَّة وما إلى ذلك.. التَّاريخ يعيد نفسه.
المواجهةُ الأولى
لقد درس الإمام الحسين (ع) ذلك كلَّه، ولم يقم بأيِّ حركةٍ في عهدِ معاوية، لأنَّه كان قد وقَّع مع الإمام الحسن (ع) وثيقةَ الهدنة. ولذلك، كان الحسين (ع) يلتزم، وكان يدرس أسلوب معاوية في الحكم، كان يدرس كيف يقول معاوية: "إنَّ لله جنوداً من عسل"، وكيف دسَّ السّمّ لمحمَّد بن أبي بكر، ولمالك الأشتر، وكيف كان يستعمل الأساليب الَّتي حوَّلت الخلافة إلى ملك عضوض، حتَّى ذهب إلى سبيله، وكان أوَّل قرارٍ هو أن تؤخذ البيعة من الإمام الحسين (ع) ليزيد.
طبعاً، كان الحسين (ع) يعيش هذا الجوّ الّذي كان يملأ تفكيره، وكان ينطلق من منطلق التَّجربة الَّتي أكَّدتها عصمته في تكليفِهِ الشَّرعيِّ، وفي مسؤوليَّته ورؤيته لما يصلح أمور المسلمين.
ودُعِيَ (ع) إلى بيعة يزيد، وجرى كلامٌ بينه وبين مروان بن الحكم الَّذي أراد من والي المدينة أن يقتلَ الإمام (ع) إذا لم يبايع، وتحدَّث الحسين (ع) بلهجة قاسية في مواجهة مروان، ثمَّ كانَ أوَّل تصريحٍ صرَّحَ به الإمامُ (ع) في تأكيد شرعيَّته الإسلاميَّة في مسألة الحكم والخلافة، ما قاله لوالي المدينة، وهذا مما ينقله المؤرِّخون.
قال (ع): "إنَّا أهلُ بيتِ النّبوَّة – عشنا في أحضان النّبوَّة. وليست المسألة أنَّه عاش في هذا البيت، لكنَّه حمل كلَّ رسالة البيت. وقوله: "أهل بيت النبوَّة"، أي أنّنا نحن مَنْ حملنا رسالة النبوَّة، وعشنا قيمها، وحملنا مسؤوليّتها من دون نبوَّة - ومعدنُ الرِّسالةِ، ومختلَفُ الملائكةِ - كانت الملائكة تنزلُ على رسول الله (ص)، وكانَ أبونا يسمعُ ما يسمعُ رسولُ الله، ويرى ما يرى، وقالَ له: "يَاْ عَلِيّ، إنَّكَ تَرَى مَاْ أَرَى، وتسمعُ ما أسمعُ، إلَّا أنَّكَ لسْتَ بنبيٍّ - ومحلُّ الرَّحمةِ، بنا فتحَ اللهُ – فتح الله للنَّاس الهدى، وفتحَ وحيَه من خلالنا، عندما ألقاه إلى رسوله (ص)، عندما قال له: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ}[المدَّثِّر: 1-2] - وبنا ختمَ - فكما بدأت الرسالة برسول الله، فإنَّها في حركيَّتها التبليغيَّة والحركيَّة، سوف تُختَم بنا، بولدٍ من أولادي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً. لقد أشار الإمام (ع) إلى ذلك وإن لم يصرِّح به، لأنَّ رسول الله (ص) أعلن للنَّاس: "إنِّي تاركٌ فيكم ما إنْ تمسَّكْتُم به لن تضلّوا بعدي أبداً؛ كتابَ اللهِ حبلٌ ممدودٌ من السَّماءِ إلى الأرض، وعترتي أهلَ بيتي، فإنَّهما لنْ يفترقا حتَّى يردا عليَّ الحوضَ"، فما دام الكتاب، فهناك شخصٌ من أهل بيت رسول الله (ص) يفسِّر الكتاب، ويؤصِّل مفاهيمه، ويحرسه في العقل والوجدان والواقع.
فإذا كان الحسين (ع) "أهل بيت النّبوَّة، ومعدن الرّسالة، ومختلف الملائكة، ومحلّ الرّحمة، وبنا فتح الله وبنا ختم"، فمعنى ذلك أنّه هو الشَّرعيَّة. فالمفروض أنَّ المجتمع مجتمعٌ إسلاميّ يأخذ بالإسلام، فمن أين يأخذ الإسلام؟ لا بدَّ أن يأخذه من بيت النّبوَّة، ومعدن الرّسالة، ومختلف الملائكة، ومحلّ الرّحمة، ومهبط الوحي.
- ويزيدُ رجلٌ فاسقٌ، شاربُ الخمرِ، قاتلُ النَّفسِ المحرَّمةِ، معلِنٌ بالفسقِ، ومثلي لا يبايعُ مثلَهُ - ينبغي أن يكون هناك توازنٌ في البيعة، فلا بدَّ لمن تبايعه من أن يحمل فكرَكَ، وأن يعيشَ إيمانَكَ ورسالتَكَ، وأن يقفَ في موقفِكَ، ويحرِّم ما تحرِّم، ويحلِّل ما تحلِّل، لأنَّ معنى أن تبايع إنساناً، أن تعطيه زمام أمرك.
وهذا أمرٌ يجب أن ننتبه إليه، فنحن اليوم نبايع؛ هذا الصَّوت الَّذي تعطيه في أيِّ انتخابات، سواء كانت انتخابات جمعيَّة، أو انتخابات حزبيَّة أو نيابيَّة أو بلديَّة أو اختياريَّة... كأنَّك عندما تضع هذا الاسم، تقول له سلَّمتك كلَّ أمري، يعني أنَّك تعطيه الحقّ بأن يأخذ كلّ القرارات عنك، ففي ذلك معنى البيعة، والَّذي تبايعه قد يبايع شخصاً آخر، ولربّما هذا الشَّخص الآخر يبايع أمريكا أو أوروبَّا أو ما إلى ذلك، وتكون أنت المبايع الأوَّل.. إنَّ عليكم أن تفهموا هذه المسألة؛ فأن تبايع شخصاً، يعني أن تسلِّمه زمامَ أمرك، فإذا لم يكن هذا الشَّخصُ يؤمنُ بما تؤمن، ويقفُ حيث تقفُ، ويرفضُ حيثُ ترفضُ، فكيف تسلِّمه أمرَكَ وأمرَ الأمَّةِ منْ خلالِك؟! لأنّه يمكن أن ينجح بصوتك. هكذا نفهم المسألة. وهذا له حديث طويل ليس هذا مجاله، ولكنَّنا نستوحي من الإمام الحسين (ع) ذلك.
ولكنَّ الإمام (ع) أراد أن لا يجعل القضيَّة في الدَّائرة الضيِّقة، وأن لا يدخل في جدل، فقال - ولكنْ نصبحُ وتصبحون، وننظرُ وتنظرون، أيُّنا أحقُّ بالبيعةِ والخلافةِ"، هل إنَّ يزيد هو الأحقَّ بالبيعة والخلافة، أم أنا الأحقّ بهما؟!
الحسينُ (ع) وطلبُ الحكمِ
ومن خلال هذه الكلمة، نفهم مسألةً لا يزال البعض يناقشها، حول ما إذا كان الحسين (ع) طالباً للحكم! لأنَّه ربَّما يفهم بعضُ النَّاس خطأً، أنَّ الشَّخصَ عندما يطلبُ الحكمَ، يعني أنَّه يطلبُ سلطة، وإذا طلب السّلطة يعني أنّه يطلب الدنيا، والإمام الحسين (ع) معصوم، فكيف يطلب الدّنيا والسّلطة؟ لكنَّ الحسين (ع) يطلب الحكم لأنَّ الحكم حقُّه، فهو الإمام الشَّرعيّ، "الحسنُ والحسين إمامانِ قاما أو قعدا"، إن تحرّكا وإن لم يتحرّكا، يطلب السّلطة لإقامة الحقّ، كما قال عليّ (ع)، والحسين (ع) هو ابن عليّ: قال لهم: أنا الحسين بن عليّ... أراد أن يقول لهم أنا سائرٌ في هذا الخطِّ الَّذي سار عليه عليّ (ع) قبلي، وعليّ (ع) هو الَّذي قال لابن عبَّاس وقد رآه يخصف نعله: "ما قيمةُ هذه النَّعل؟"، فهي نعل قديمة جدّاً، فقال ابن عبَّاس: "لا قيمة لها"، فقال (ع): "والله لهيَ أحبُّ إليَّ من إمرتِكم، إلَّا أنْ أُقيمَ حقَّاً، أو أدفعَ باطلاً". أريد الخلافة من أجل إقامة الحقّ ودفع الباطل.
وكان عليّ (ع) في كلِّ ساحة الصِّراع حول الحكم وحول الخلافة، سواء كانت ساحة الصِّراع قبل أن يصير خليفة، أو بعد أن صار خليفة، وبعد أن تحرَّك النَّاكثون والمارقون والقاسطون، كان عليّ يصعِّد آهاته بين يدي الله ويشكو إليه، وكان يقول: "اللَّهمَّ إنَّكَ تعلمُ أنَّه لم يكنْ الَّذي كانَ منَّا منافسةً في سلطانٍ، ولا التماسَ شيءٍ من فضولِ الحطامِ - لا نريد الدنيا ولا المال ولا السّلطان لتلبية نوازع الذات في السّلطة. ماذا تريد يا عليّ بن أبي طالب؟ - ولكن لنردَ المعالمَ من دينِكَ - لكي نؤصِّل معالم الدِّين، ونجعلها تنفتح على كلِّ واقع النَّاس - ونظهرَ الإصلاحَ في بلادِكَ، فيأمنَ المظلومونَ من عبادِكَ، وتقامَ المعطَّلةُ من حدودِكَ". أنا ليس لي شغل بالدّنيا، ولا شغلَ لي بالسّلطة، ولكن أنا أريد أن أؤصِّلَ معالم الدّين كما أصَّله رسول الله (ص)، وأريد أن أظهر الإصلاح كما أظهره الأنبياء، وأريد أن يأمن المظلومون، فلا يظلمهم أحدٌ في المجتمع الإسلاميّ، وأن تقام المعطَّلة من حدودك، يعني أن يطبَّق القانون.. "اللَّهمَّ إنِّي أوَّلُ مَنْ أنابَ، وسمعَ وأجابَ، لم يسبقْني إلَّا رسولُ اللهِ (ص) بالصَّلاة".
لذلك، عندما يقول الحسين (ع): "وننظرُ أيُّنا أحقُّ بالبيعة والخلافة"، يعني أيّنا الَّذي يقيم حدود الله، أيّنا الَّذي يعمل بالإصلاح في بلاد المسلمين، أيّنا الَّذي يرفع الظّلم عن المظلومين، أيّنا الَّذي يطبِّق القانونَ الإسلاميَّ على الصَّغيرِ والكبيرِ... كانت المسألة عند الحسين (ع) هي هذه.
الحكمُ أساسٌ في الإسلام
ولذلك، مسألة الحكم، أيُّها الأحبَّة، هي مسألةٌ أساسٌ في الإسلام، لأنَّ الإسلام أساساً هو دين ودولة، هو عقيدةٌ ونظام. وإلَّا ما هو الحكم؟! الآن هناك قانون؛ هناك قانون اقتصاديّ، وقانون اجتماعيّ، وقانون أمنيّ، وقانون جزائيّ... والإسلام كذلك، الآن في الفقه الإسلاميّ - واقرأوا الرَّسائل الَّتي يكتبها المراجع - هناك باب العبادات، باب المعاملات، باب الحدود، باب الدّيات، باب القصاص، باب السّياسيات... لكنَّ التخلّف الَّذي عاشه المسلمون، والسَّيطرة الغربيَّة على أذهاننا، جعلَنَا نختزن في أنفسنا الفكرة الغربيَّة أن لا علاقة بين الدِّين والحياة، أنَّ الدِّين ضدّ العلم، وأنَّ الدّين ضدّ السياسة، وضدّ الحياة... والفكر العلماني ماذا يقول؟ يقول نحن لا نقول عن أنفسنا إنَّنا ملحدون، قد نؤمن بالله، ولكن لا تدخلوا الدِّين في حياتنا.
دراسةُ وصيَّةِ الحسينِ (ع)
هناك إلى جانب ذلك، وصيَّة من الإمام الحسين (ع) لأخيه محمَّد بن الحنفيَّة قبل أن يذهب إلى مكَّة. هذه الوصيَّة لا بدَّ لنا أن ندرسها، أيُّها الأحبَّة، حتَّى نعرف ما العناوين الَّتي طرحها الإمام الحسين (ع)، فيما استقبل به أمره، لنحدِّد من خلالها مسؤوليَّتنا فيما نستقبله نحن من أمر في قضايا الواقع الإسلاميّ كلّه، فساداً وصلاحاً؛ في قضايا القيادة في الإسلام، وفي قضايا المواجهة في ساحة الصِّراع، لأنَّنا، أيُّها الأحبَّة، كما قلنا في حديثٍ سابق، لا نريد أن تكون كلّ حصيلتنا من ذكرى عاشوراء كيف نستنزف دموعنا، ولكنَّنا نريد أن تكون حصيلتنا كيف نحرِّك عقولنا، وكيف نؤصِّل مسيرتنا، وكيف نتوحَّد باسم الحسين الَّذي هو سبطُ رسولِ الله الَّذي هو رسول الله وحجَّته على الخلق، أن نظلَّ نركِّز أمورنا، مجتمعنا الصَّغير، وأمَّتنا الكبيرة، على أساس هذا المنهج. ولكلِّ مرحلة ظروفها، ولكلِّ مرحلة شروطها، وعلينا دائماً أن ندرس المقارنة بين ظروفنا وظروف الإمام الحسين (ع)، لأنَّنا، أيُّها الأحبَّة، سائرون إلى الله كما سار الإمام الحسين (ع) إلى الله، وعلينا أن نصل إلى مواقع رحمته تعالى كما وصل الحسين (ع) إلى مواقع رحمته، وإن كان الحسين (ع) في الدَّرجات العلى، وعلينا أن نكون معه، لأنَّه سوف يحضننا عندما نحضن رسالته، وعندما نتحرَّك في الخطِّ المستقيم.
* الخطبة العاشورائيّة لسماحته، بتاريخ: 16/03/ 2002م.