ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته:
في هذه الأيام، التي هي أيام الإسلام، سواء في ذكرى السنة الهجرية التي تربطنا بحركة الهجرة، أو في ذكرى الإمام الحسين(ع) والصفوة الطيبة من أهل بيته وأصحابه، وحركته التي قدمت أفضل الشهداء للإسلام، لا بدّ لنا أن نعيش الإسلام كله، بحيث يقف كل إنسان مع نفسه، ليحاسبها، ولينظر ما هو حجم الإسلام في عقله، وهل يحمل هذا العقل الإسلام كله في صفائه ونقائه، أو أن هناك شيئاً غير الإسلام داخل عقله؟! وأن يحاسب قلبه في كل نبضاته وخفقاته، فهل ينبض بغير الإسلام، مما أراد الله له أن يرفضه... وأن يحاسب حياته، في نفسه ومع ربه، وفي بيته مع عائلته، وفي حركته في المجتمع كله، ليرى هل يلتزم بالإسلام في كل ما أمر الله به أو نهى عنه، أم أنه يتحرك كما قال ذلك الشاعر:
في يدي مصحف وخمر بأخرى بين هذا وذاك طوراً فطورا
أكثر الناس لو تأملت في النـا س فهم يحملون دينـاً وكفرا
علي(ع) في وصف المستقبل
تعالوا إلى علي(ع)، وانظروا كيف كان يحدث الناس في عهده، ويصوّر لهم كيفية نزول الناس في خط الانحدار، الذي يبتعدون فيه عن كتاب الله وعن شريعته.
الابتعاد عن الحق:
يقول علي(ع): "وإنه سيأتي عليكم من بعدي زمان ليس فيه شيء أخفى من الحق، ولا أظهر من الباطل ". هل يشبه هذا الزمان زماننا؟ عندما نتحرك في كل الخطوط الثقافية والاجتماعية والسياسية، نجد أن الحق لا يختلف من زمان إلى آخر، حيث نرى أنّ الحق هو ما أوضحه الله في كتابه، وما شرّعه النبي(ص) في سنّته وفي خط العقيدة والشريعة والمنهج والحركة. وبينما ابتعد معظم الناس عن الحق، ربما نجد البعض يستمر في طريقه، فيقف عند حدود الله، في الوقت الذي نرى الكثيرين من الناس يسخرون من الذين يلتزمون خط العدل في السياسة، وخط التوازن في المجتمع، وخط الاستقامة في الأخلاق.
جرّبوا في مجتمعاتكم، بما فيها مجتمعات المؤمنين، أن تردّوا غيبة شخص ممّن يغتابه الناس، ألا تجدون أن الناس يسخرون منكم؟ جرّبوا أن تنكروا ظلماً في مجتمعاتكم من شخصية تملك سلطة وقوة، هل يقبل منكم أحد إنكاركم الظلم الذي يصدر من الأقوياء؟ فالمسألة أن الحق مع صاحب القوة، وعلى الناس أن تخضع له!! وهذا ما تعبر عنه صورة الواقع في مجتمعاتنا،حيث لا شيء أخفى من الحق ولا أظهر من الباطل عندما يتحرك في هذه المجتمعات. وهذا ما نلاحظه في ما أخذ الناس به من الانحراف عن شريعة الله، سواء في المعاملات، أو في السياسات، أو في ما يأكله الناس ويشربونه، وما إلى ذلك. وبتعبير آخر، لقد أصبح الباطل الصورة البارزة في ممارساتنا ، وتراجع الحق إلى مرتبة يرفض الناس العمل بها.
عندما زحف الكفر إلى بلادنا بأخلاقه وعاداته وتقاليده، أصبحت قيم الكفر هي القيم التي نؤمن بها، بينما انزوت قيم الإسلام في خلفية الشوارع.
الكذب على الله ورسوله:
"ولا أكثر من الكذب على الله ورسوله ـ ممّن ينسبون إلى الله أو إلى الرسول ما لم يقله ـ وليس عند أهل ذلك الزمان سلعة أبور من الكتاب إذا تلي حق تلاوته" عندما يقدم الكتاب بمفاهيمه الأصيلة، فيتلى تلاوة وعي ويقظة وحق، ويقدَّم للناس بكل خطوطه الفكرية التي تطل على الواقع لإصلاحه، ولكن الناس يرفضون كتاب الله، وعليه، فإن هذه الآية: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكّام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم} لو قدّمت إلى الذين يشتغلون بالتجارة، أو بالقضايا المالية، فكم من الناس يقبلها ويلتزم بها؟ وإذا شرحت هذه الآية: {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسّكم النار} وهناك ظلم في السياسة، وفي الواقع، وفي البيوت والميادين الاجتماعية العامة، فهل يقبلونها ؟ ومن منهم يقبل هذه الآية: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين}؟ خصوصا أنّ الناس الفاسقين عندنا يتحدثون بخبر كاذب هنا وآخر هناك، ويتلقّف الناس ذلك كله في هذا المجال. وأيضاً: {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظنّ إن بعض الظنّ إثم ولا تجسّسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحبّ أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه} من منّا يتقبلها، والغيبة طعامنا وشرابنا، والتجسس على المؤمنين والأبرياء هي وظائفنا، والحكم بالظن من دون تحقيق هي أحكامنا؟ وهكذا...
تحريف الكلم:
"ولا أنفق منه إذا حرّف عن مواضعه" .يعني إذا قمنا بتحريف هذا الكتاب من أجل أن يلبي حاجات الظالمين والمستكبرين والطامعين وما إلى ذلك، كالذين كانوا يعطون الظالمين الكثير من المبرّرات على المستوى السياسي والاجتماعي والأمني، وما إلى ذلك، وكالذين يحدثون المظلومين عن الصبر، ولكنهم لا يحدثونهم عن مواجهة الظالمين... وهكذا فإنه عندما يحرّف الكتاب، سواء كان التحريف على أساس المفاهيم أو على أساس التطبيق، نجد أن الناس يقبلون عليه، لأنه يقدّم لهم كلّ ما يلبي شهواتهم وأطماعهم، وما أكثر الذين يحرّفون الكلم عن مواضعه من أجل إرباك المجتمع الإسلامي.
"ولا في البلاد شيء أنكر من المعروف ولا أعرف من المنكر"، كما نجد في قصة الحجاب والسفور، فعندما ندخل إلى المجتمعات الإسلامية، نرى الكثير من المسلمين ينظرون إلى الحجاب كأمر منكر، ويعتبرون السفور هو السائد ، حتى أن بعض من يصلّون ويصومون ويحجّون ينكرون على بناتهم أن يتحجّبن ويشجّعونهن على السفور!!
هجران القرآن:
لو أن إنساناً امتنع عن الرشوة، لاعتبره الناس بسيطاً، ولو أن إنساناً امتنع عن الكذب، لأنكروا عليه ذلك. "فقد نبذ الكتاب حملته ـ وأصبح وراء ظهورهم كمجرد سلعة تجارية. ولذلك تجد أن الكثير من الناس ممن يتخذ الكتاب عنواناً لشخصيته، يحرف الكلام عن موضعه، فيأخذ ما ينفعه، ويترك ما هو حجة عليه ـ وتناساه حفظته، فالكتاب يومئذ وأهله طريدان منفيان، وصاحبان مصطحبان في طريق واحد، لا يؤويهما مؤوٍ، فالكتاب وأهله في ذلك الزمان في الناس وليسا فيهم، ومعهم وليسا معهم ـ كم عندنا ممّن يعيشون القرآن عقلاً في عقولهم، وقلباً في قلوبهم، وخطاً في حياتهم؟ فليس هناك إلا القليل ممّن يقرأ القرآن بتدبّر ووعي ـ لأن الضلالة لا توافق الهدى وإن اجتمعا، فاجتمع القوم على الفرقة، وافترقوا على الجماعة ـ عندما ينادى للتمزق الاجتماعي، وللفرقة في المجتمع الإسلامي، وعندما يتحرك الناس على أساس أن كل حزب بما لديهم فرحون، وعندما يراقب المسلمون بعضهم بعضاً، وتفرقهم سياساتهم وشهواتهم، عند ذلك تجد أن هذه السوق هي السوق الرائجة، وتجدهم غير مستعدين للوحدة، على الرغم من أن القرآن الكريم يدعو المسلمين إليها {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا}، ولكننا نتفرق ويعتبر كل واحد منا أن حبل الله معه، والحبال كثيرة، وكل إنسان يحاول أن يربط نفسه بحبل ليفترق عن الإنسان الآخر.
وقد أرادنا الله أن نلتقي حتى مع أهل الكتاب على كلمة سواء، ولكن الذين يريدون التفرقة لا يقبلون أن يلتقي أهل القرآن على كلمة سواء ـ كأنهم أئمة الكتاب وليس الكتاب إمامهم ـ حيث يحاول بعض العلماء بأفكاره التي تعلّمها أو توارثها، أن يؤول الكتاب، وهو كلام الله، لمصلحة أفكاره. فكل فرقة تحاول أن تفرض آراءها على القرآن، ولكن القرآن يبقى هو النور الذي لا يحتاج إلى إضاءة {قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين * يهدي به الله من اتّبع رضوانه سبل السلام}.
لقد حذر الإمام علي(ع) من عملية تأويل الفِرَق للقرآن، ومحاولة فرض أفكارها عليه ـ فلم يبق عندهم منه ـ من القرآن ـ إلا اسمه، ولا يعرفون إلا خطه وزبره، ومن قبل ما مثّلوا بالصالحين كل مثلة، وسموا صدقهم على الله فرية ـ اعتبروا الصالحين وهم يصدقون على الله، أنهم يفترون على الله ـ وجعلوا في الحسنة عقوبة السيئة ـ عندما يقوم الصالحون بالحسنة فإنهم يعاقبونهم كما لو كانوا قد قاموا بالسيئة ـ وإنما هلك من كان قبلكم بطول آمالهم ـ فنسوا الموت ونسوا الآخرة ـ وتغيب آجالهم ـ وأنهم لم يعرفوا متى آجالهم ـ فمدّت لهم الآمال خطاً طويلاً، فنسوا الآخرة ـ حتى نزل بهم الموعود الذي ترد عنه المعذرة ـ فلا يبقى للإنسان عذر عندما يأتيه الموت ـ وترفع عنه التوبة ـ لا مجال للتوبة بعد الموت ـ وتحل معه القارعة والنقمة". هذا كلام علي(ع) وهو يحدثنا عما يستقبله الناس من بعده. ولعلنا نجد صورتنا في هذا الكلام.
عاشوراء حركة انفتاح وتجدد
ولذلك، فعندما نريد أن ندخل هذا الموسم، موسم الحسين(ع) في عاشوراء، علينا أن نعرف أن الحسين هو إمام الإسلام، وأن الذي قتل الإمام الحسين(ع) هو العصبية العمياء، العصبية للظلم، العصبية للمال وللشهوات. ولذلك، لا تجعلوا من ذكرى الإمام الحسين موسماً للعصبيات المذهبية والاجتماعية، لقد كان الإمام الحسين(ع) منفتحاً على الناس كلهم: "إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي..." .عندما تعيشون عاشوراء، تذكروا الذكرى التي تتجدد من خلالها حركة إصلاح المجتمع الإسلامي من كل الانحرافات التي يعيش فيها!
ادرسوا ما هي المكاسب التي انطلقت في داخل نفوسكم، وفي داخل بيوتكم، وفي داخل مجتمعاتكم، وفي داخل أسواقكم، حتى تجعلوا من ذكرى الإمام الحسين(ع) الذكرى التي تخلد الهدف الذي انطلق من أجله، لم يقل الحسين: إنما خرجت لتستنزفوا دموعكم عليّ، وإن كانت الدموع في مأساة كربلاء لا تحتاج أن يستنزفها أحد، لأن المأساة بطبيعتها تتفجر نبعاً من الدموع:
تبكيك عيني لا لأجل مثوبة ولكنما عيني لأجلك باكية.
ولكن عندما تلتقون في هذه المواسم، فعليكم أن تفكروا جميعاً كيف يمكن لكل واحد منا أن يصلح نفسه في خط الإسلام وأهله، أو أن يصلح، بحسب قدرته، مجتمعه في خط الإسلام، وكيف يمكن لنا أن نستعيد القرآن ليكون إمامنا في كل القضايا.
إن عاشوراء لن تنجح بحجم الدموع التي تستنزف فيها، ولكنها تنجح بحجم الأهداف التي تتحقق فيها، ولا يكفي أن نحرك عاشوراء في خط الثورة على المستوى السياسي أو على المستوى الجهادي، ولكن علينا أن نحركها على المستوى الروحي أيضاً، فقد كان الحسين(ع) قمة في الروح، أما على المستوى الأخلاقي، فقد كان النموذج الأكمل للأخلاق الإسلامية، وهو انطلق، على المستوى الاجتماعي، من أجل أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ليتحرك المجتمع كله في خط المعروف.
أيها الأحبة، إننا نصرف جهداً كبيراً في عاشوراء، وعلينا ألا نجعله جهداً ضائعاً. إننا نريد أن ينطلق الحسين فينا روحاً وعقلاً وقيمة، وعند ذلك يمكن لنا أن نجد الحسين في أنفسنا وفي مجتمعاتنا.. تعلّموا من الحسين الذي كان يبكي رحمة بأعدائه لأنهم يدخلون النار بسببه. تعلّموا المحبة من الحسين ولا تتعلّموا البغض الذي كان يمثل الطابع في الذين قتلوا الحسين. ولذا نقول إن كل من ينشر الحقد والبغض والعداوة، أو الفرقة أو العصبية، فهو في موقع يزيد وابن زياد. أما مجتمع الحسين وأصحابه وأهل بيته فهو مجتمع المحبة، فتعالوا على هدى الحسين(ع) لنحب الله، ولنحب رسوله وأهل بيته، ولنحب الناس في خط الإسلام.
الخطبـة السياسية
بسم الله الرحمن الرحيم
عباد الله، اتقوا الله في سركم وعلانيتكم، وراقبوا أنفسكم في كل تطورات الفكر أمام ما تخضعون له من فكر، وفي كل متغيرات العاطفة أمام ما تواجهونه من متغيرات، وفي كل انحرافات الواقع أمام ما تعيشونه من انحرافات. اتقوا الله في كل مسؤولياتكم العامة والخاصة، فإن الله سوف يسألنا غداً عن كل ما كلّفنا به على مستوى حياتنا الفردية وعلى مستوى حياتنا الاجتماعية. ونحن في عالم يعيش المسلمون فيه المشكلة تلو المشكلة، والحرب تلو الحرب، والتمزق تلو التمزق، والعصبية تلو العصبية. فعلينا أن نتقي الله في ذلك كله، وأن ندرس المصلحة الإسلامية العليا في وحدة المسلمين، وفي تضامنهم وتعاونهم على البر والتقوى، وأن نحل مشاكلنا الفكرية عندما نختلف فكرياً بالحوار، وأن نحل كل قضايانا بالتفاهم، لأن الاستكبار والكفر العالميين يقفان من أجل أن يخططا تخطيطاً دقيقاً لاحتواء الواقع الإسلامي كله، لإبعاد المسلمين عن الأصالة في إسلامهم، وإبعادهم عن قضاياهم الحيوية، وعن مواقعهم المصيرية. لذلك، فلنكن الواعين لكل ما حولنا ومن حولنا، حتى لا يستغلّ الآخرون غفلاتنا، وحتى لا يلعب الآخرون على عصبياتنا، وحتى لا يتحرك الآخرون في الثغرات التي نفتحها فيما بيننا وبينهم. إننا نعيش أكثر من مشكلة، فتعالوا لنفهم ماذا هناك؟
الانسحاب فعل المقاومة
يدخل الصراع مع العدو مرحلة جديدة، فقد بدأ يلعب لعبة الأمم المتحدة في السعي إلى تطبيق القرار 425 الذي ينص على الانسحاب الإسرائيلي من لبنان بعدما اعتبره ميتاً طوال السنوات الماضية.. وإذا كان ذلك يمثل انتصاراً للبنان وللمقاومة بفعل المواجهة المسلحة التي أسقطت عنفوانه وألحقت به الهزيمة النفسية والعسكرية والسياسية أمام ضربات المجاهدين الذين استطاعوا تحويل الاحتلال إلى مأساة للعدو باعترافه، فإن علينا أن نواجه المسألة بحذر وعدم التعاطي معها وكأنها اكتملت وانتهت لنسقط تحت تأثير الاسترخاء السياسي، بل لا بد من استمرار مجتمع المقاومة في الميدان وفي السياسة وفي الوطن كله، وذلك بملاحقة العدو جهادياً وسياسياً حتى في حال هروبه، وتوجيه الضربات القاتلة إلى جيش العملاء الذي يحاول استعراض عضلاته بالبقاء في المنطقة الحدودية بعد انسحاب العدو.. إن المرحلة تفرض التحرك بالطريقة التي تردع العدو عن التفكير في العودة إلى لبنان في المستقبل تحت تأثير أي حدث طارئ..
إفرازات الواقع الجديد
وعلى اللبنانيين ـ على مستوى الشعب والدولة والمقاومة ـ أن يعرفوا طبيعة المعطيات الجديدة التي قد يفرزها الواقع الجديد، بالتأكيد على الانسحاب، ورفض الحديث عن عدم القبول به تحت تأثير أي اعتبار، ولكن مع الحركة والسياسة التي تؤكد الوحدة الوطنية من جهة، وتفوّت من جهة ثانية على العدو اللعبة الديبلوماسية في تحشيد المواقف الدولية لحسابه لتحقيق خطته التي يتبع معها أسلوب المناورة في حجم الانسحاب، أو الإيحاء للرأي العام العالمي بأنه يمثل الضحية ويخاف من عدوان محتمل في لبنان لتبرير مطالبته بالحماية الدولية له.
إن المرحلة الحاضرة هي مرحلة الحرب الديبلوماسية والسياسية إلى جانب الحرب الجهادية التحريرية، ولابد للشعب كله أن يقف مع الدولة والمقاومة في عملية تنسيق وتكامل وابتعادٍ عن الاستغراق في المناورات السياسية الداخلية في لعبة السجال السياسي في القضايا الصغيرة التي تأكل القضية الكبرى وهي قضية التحرير.
كوهين :الإطباق على المنطقة
وليس بعيداً من ذلك، إننا نراقب زيارة وزير الدفاع الأمريكي "كوهين" للمنطقة لدعم إسرائيل عسكرياً وسياسياً، وبالإعلان عن تقديم الأسلحة المتطورة لها، لتبقى الدولة المتفوقة نوعياً على المنطقة كلها، ولتكون اليد الأمريكية الضاربة في المستقبل، لاسيما في تحالفها الاستراتيجي مع تركيا، إضافة إلى الحلف الأمريكي الاستراتيجي معها في الدفاع عن أمن العدو.. وهكذا جاء كوهين ليكرر ما قاله رئيسه كلينتون، أن الكرة في ملعب سوريا، للإيحاء بأن التعقيد في المفاوضات ليس إسرائيلياً.
ومن المضحك المبكي أن تقدم أمريكا نفسها كراعٍ محايد في عملية التسوية، في الوقت الذي تتبنى فيه السياسة الإسرائيلية بالكامل ضد العرب، ولا سيما في دعمها وتأييدها للعدوان على لبنان وللاحتلال وللمناورات الإسرائيلية على كل المستويات.
وفي السياق نفسه، تأتي جولة كوهين في المنطقة الخليجية بهدف استكمال تحويلها إلى قاعدة عسكرية أمريكية، لتسهيل حركة العدوان الأمريكي على إيران تحت عنوان حماية الخليج من إيران، بحجة أنها تطور أسلحة الدمار الشامل، في الوقت الذي لا تشير من قريب أو بعيد إلى السلاح النووي والكيميائي الإسرائيلي الذي يهدد المنطقة كلها بما في ذلك إيران.
إن أمريكا لا تسمح لإيران بحماية نفسها من العدوان، بل تريدها ضعيفة مكشوفة أمام كل سلاح في المنطقة، كما حدث أثناء الحرب المفروضة من قبل النظام العراقي.
إننا ننصح دول الخليج بأن أمنها لن يتحقق بفعل التحالف مع أمريكا التي تريد السيطرة على الخليج براً وبحراً وجواً، وعلى مقدرات المنطقة الاقتصادية والاستراتيجية، بل يتحقق بالتكامل الأمني والسياسي والاقتصادي مع إيران التي أعلنت أنها تمد يديها إلى كل شعوب الخليج ودوله بصدق وإخلاص وأمانة.
إن أمريكا لن تحمي أحداً، بل هي تتحرك لخدمة مصالحها التي تريد للجميع أن يخدموها حتى على حساب مصالح شعوبهم.
المرحلة المقبلة:الحفاظ على نتائج النصر
وعلى الصعيد الداخلي، لابد من التأكيد على الوحدة وعدم الانسياق وراء الهوامش والسجالات التافهة، بحيث يبدو كما لو كنا نحتفل بتضييع انتصارنا السياسي في التحرير .. وعلينا أن نرفع الصوت عالياً لتحرير كل الأسرى والمعتقلين، فلا ننسى قضيتهم التي هي جزء من قضية التحرير، ولا ننسى حقوق الشعب الفلسطيني في فلسطين وفي العودة إلى أرضه، وحقوق الشعب السوري في الجولان، لأن القضية واحدة، وإذا حدث النصر في موقع فعلينا أن نسعى لتوسيعه في المواقع الأخرى.
إن المرحلة المقبلة هي مرحلة المسؤولية في حفظ نتائج النصر، وفي تعميق التماسك مع سوريا، وفي العمل لإسقاط أهداف العدو التي يسعى من خلالها لعزل سوريا وإضعاف لبنان وتمزيق الصف العربي، ولذلك فلا وقت للمهاترات أو للعبة الطائفية أو المذهبية، بل لا بد من إبقاء العدو في المأزق، لأنه عندما يخرج منه يعمل على إدخالنا فيه.. عندما ينطلق صوت التحرير، فلا بد أن تخرس كل أصوات الفتنة الداخلية. |