تضرّعوا إلى الله أن يرزقكم مكارم الأخلاق

تضرّعوا إلى الله أن يرزقكم مكارم الأخلاق

لأن حُسن الخُلُق هو "جواز المرور" إلى الجنة: تضرّعوا إلى الله أن يرزقكم مكارم الأخلاق


 ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، وقال في خطبته الأولى:

الاسلام مشروع أخلاقي

في الحديث النبوي الشريف: "إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، هذه الكلمة توحي لنا بأن الإسلام كله في عقيدته وشريعته ومنهجه هو مشروع أخلاقي للإنسان في علاقته بربه وبنفسه وبالناس من حوله وبالحياة كلها، لأن الأخلاق تمثل كياناً واسعاً يتّسع لكل السلوك الإنساني العقلي والقلبي والحركي. ففي السلوك العقلي، أن يكون عقله متحركاً في الخط الأخلاقي، ومنفتحاً في طريقته في التفكير لاكتشاف الحقيقة في الكون وفي الإنسان وفي الحياة، وحقيقة الحقائق هي أن يكتشف العقل الله تعالى في وجوده وتوحيده وربوبيته الشاملة، وفي قدرته الواسعة التي لا يضيق عنها شيء، كل ذلك من خلال تفكير دقيق سليم، بحيث لا يتأثر العقل بالضغوطات التي تمارس على الفكر لكي ينحرف عن مساره، ويوجه في اتجاه إنتاج الشر ليهدم حياة الناس، لأن بعض الناس قد يستغلّ ما أعطاه الله من طاقة، فيحوّل هذه الطاقة إلى حالة شيطانية، قد يحسبها الناس عقلاً، ولكنها في الواقع "شيطنة"، لأنّ العقل يمثّل خط الاستقامة، بينما يمثل الشر خط الانحراف عن الحقيقة في بُعديها الفكري والعملي، ويمثل تهديم الإنسان والحياة.

فلا بدّ للقلب من أخلاق، لأن القلب هو الذي يخطط لإنتاج العاطفة وهو الذي يحضنها، والعاطفة في الإنسان هي عنصر من العناصر التي تتصل بالحياة، فأنت عندما تحبّ، فإن حبك قد يقتل حياتك وقد يبنيها، وهكذا عندما تبغض. ففي مسألتي الحب والبغض، فإن القلب يتملك كل شخصيتك، ونحن نعرف أنّ كثيراً من الناس قادهم حبهم إلى الجنة عندما استقام واستقامت عاطفتهم، وعندما انحرفت عاطفتهم عن الخط المستقيم، قادتهم إلى النار.

لذلك، لا بدّ أن تُدخل عقلك في عاطفتك، أن تحسب حساب من تحبّ لتعرف هل يملك العناصر التي يمكن أن تحبه فيها مقارَناً بمبادئك وبمصلحة الحياة من حولك، وعندما تبغض عقلن عاطفتك، لأن العاطفة عندما تتأثر بالنظرة واللمسة والمصلحة، فإنها قد تسيء إلى حاضر الإنسان ومستقبله.

وهكذا، لا بد كما أراد لك الله تعالى أن تكون حركتك في الخط الأخلاقي المستقيم، سواء في خط مسؤولياتك أو أمام ربك أو أمام نفسك وعيالك وأمام الناس من حولك وأمام الحياة.

نماذج من مكارم الاخلاق

لذلك، لا بدّ أن يعمل الإنسان على أن يكون أخلاقياً في كل كيانه، وقد تحدث النبي(ص) مما رُوي عنه، كما تحدث الأئمة من أهل البيت(ع) مما تعلّموه من رسول الله(ص) وممّا ألهمهم الله تعالى إياه، تحدثوا عن بعض نماذج مكارم الأخلاق، فنقرأ في بعض ما روي عن رسول الله (ص) أنه قال: "ألا أُخبركم بخير رجالكم"؟ قلنا: بلى يا رسول الله. قال (ص): "إن من خير رجالكم التقي - الذي يتقي الله فيأتي بكل ما أمره الله به ويترك كل ما نهاه الله عنه - النقي - الذي يعيش نقاء الروح والقلب وصفاءهما، أن لا يكون قلبه ملوّثاً مشوباً بالشر، وأن لا تكون روحه ملوّثة بكل ما يبتعد عن الله - السمح الكفين -الإنسان الذي يعيش العطاء مما أعطاه الله تعالى، لأن العطاء يدلّ على الثقة بالله، والذي يشارك الإنسان الآخر همومه وقضاياه، فلا يكون أنانياً يستغرق في حاجاته وينسى حاجات الآخرين ممن يمكن له أن يفرّج عنهم وأن يشاركهم في ذلك - النقي الطرفين - الذي تكون أطرافه نقية، بحيث لا يلوّث يديه بالحرام ولا بالخيانة ولا بأي شيء مما يتلوّث به الإنسان في الجانب الأخلاقي - البرّ بوالديه - لأن الله تعالى أراد للإنسان أن يشكر لوالديه كما يشكر الله - ولا يلجئ عياله إلى غيره"، ويتحمّل مسؤولية عياله، ويحرّك ما يملكه من مال في موضعه فلا يضيّعه في التبذير والقمار والخمر وما إلى ذلك، بل عليه أن يضع في حسابه أن الله عندما يرزقه وله عيال، فهذا الرزق ليس ملكه وحده، بل إن الله يُجري رزق عياله على يده، وهذا الرزق هو شركة بينه وبين زوجته وأولاده، فإذا حجبه عنهم كان سارقاً كأيّ سارق آخر، وليس له أن يقول لعياله "هذا مالي وملكي"، لأن الله تعالى يقول: {وآتوهم من مال الله الذي آتاكم}، {وأنفقوا مما جعلكم مستخلَفين فيه}..

وفي الحديث عن الإمام جعفر الصادق(ع) قال: "إنّا لنحبّ من كان عاقلاً - الذي يتميّز بنضوج العقل ويتحرك في حياته من موقع العقل، ومن هنا نعرف كيف يُعظّم الإسلام العقل، وكيف يريد للمسلمين أن يكونوا العقلاء، ومن الطبيعي أن العقل يحتاج إلى تربية وإنضاج بالاستماع والقراءة والتفكير والتدبّر - فهِماً - أن يفهم ما يسمع وما يقرأ أو يتحرك به - فقيهاً - من المتفقهين الذين يعرفون أحكام دينهم وخطوط الحياة التي ينطلقون فيها - حليماً - أن يكون هادئ الطبع، واسع الصدر، بحيث لا يثور عندما يُثار - مدارياً"، أن لا يثير بكلامه العصبيات والحساسيات في المجتمع الذي يعيش فيه، وأن يفهم مجتمعه هذا فهماً دقيقاً، والمداراة تكون عادة في موارد غير الحق، ولكن ذلك لا يعني أن يكون منافقاً، أما في موارد الحق، فلا بدّ أن يُركّز هذا الحق ويثبّته، وأن لا تأخذه في الله لومة لائم، وقد ورد في الحديث عن النبي(ص): "أمرني ربي بمداراة الناس كما أمرني بأداء الفرائض"، لكي يتوازن المجتمع، فالإنسان الاجتماعي لا بدّ أن تكون له ثقافة المجتمع، لأن الإنسان الذي لا يفهم الناس من حوله، بأن يفهم حساسياتهم وتعقيداتهم، فمن الطبيعي أنه قد يُخطئ من حيث يريد أن يصيب..

ويُكمل الإمام الصادق(ع) في وصف من يُحبه أهل البيت(ع)، فيقول: "صبوراً - يصبر على المشاكل والآلام والبلاء، وصلباً لا يسقط أمام التحديات، بل يدرس كل ما يعترضه من بلاءات وتحديات بصبر ووعي للتفاعل معها وحلّها - صدوقاً - أن يكون صادق الكلمة والموقف والعمل - وفيّاً - أن لا يكون خائناً، بل أن يكون وفياً لربه ولنفسه ولأهله والناس من حوله، ولأمته ووطنه - إن الله عزّ وجلّ خصّ الأنبياء بمكارم الأخلاق - فجعلهم في أعلى المواقع في ما يتصفون به من مكارم الأخلاق - فمن كانت فيه - من رزقه الله مكارم الأخلاق - فليحمد الله على ذلك، ومن لم تكن فيه - عاش في بيئة منحرفة أو خضع لتأثيرات سيئة - فليتضرّع إلى الله عزّ وجلّ وليسأله إياها - أن يدعو الله أن يعينه على النجاح في توجيه نفسه - قلت: جُعلت فداك وما هنّ؟ قال (ع): "هنّ الورع - الورع عن محارم الله - والقناعة - فإذا أردت أن تستزيد في رزقك فاستزده بعملك، ولا تستزده بأن تتمنى ما قسم الله تعالى للآخرين - والصبر والشكر - لأن شكر الله يدل على عمق إنسانيتك في انفتاحك على ما أعطاك الله من نعمه - والحلم - وهو سعة الصدر - والحياء - بأن لا تكون وقحاً بل أن تكون حيياً في موارد الحياء - والسخاء - أن تكون لك روحية العطاء ولا تكون البخيل - والشجاعة - أن لا تكون الجبان، فتربي نفسك على شجاعة العقل واللسان والقلب واليد والموقف، والشجاعة في مواردها - والغيرة - بالأسلوب الذي أحلّه الله تعالى، لا من خلال غيرة الجاهلية، بأن تشك مثلاً بزوجتك وتتعامل معها بالشك، ولكن الغيرة هي أن تمنعها من الحرام - والبرّ - أن تكون البارّ بالناس السائر في طريق إعطاء الخير لهم - وصدق الحديث وأداء الأمانة"..

أركـان الإسـلام:

وفي الحديث عن الإمام الصادق(ع) قال: "إن الله عزّ وجلّ ارتضى لكم الإسلام ديناً، فأحسنوا صحبته بالسخاء وحُسن الخُلُق"، فمن كان سخياً وحسن الخلق في علاقاته، فإنه يكون خير صاحب للإسلام. وورد عن الإمام الصادق(ع) قال: "قال أمير المؤمنين(ع): الإيمان أربعة أركان - والأخلاق ترتكز على الإيمان - الرضى بقضاء الله - أن لا تعترض على الله في ما قضى عليك، لأن الله هو الأعرف بما يُصلح أمرك وما يفسده - والتوكل على الله - أن تقوم بكل ما عليك من عمل وأن تتوكل على الله في ما تخاف أمره من المستقبل الذي لا تملكه - وتفويض الأمر الى الله - أن تجعل الأمور بيد الله لأن الأمور كلها بيده - والتسليم لأمر الله"، أن تسلّم لأمر الله في كل ما قدّره وقضى عليك في ذلك.

محاسبـة النفـس

وهكذا، ننطلق في مكارم الأخلاق وهي كبيرة، كثيرة، واسعة، تشمل الحياة كلها على مستوى الواقعين الفردي والاجتماعي، فعلى كل واحد منا أن يعمل على محاسبة نفسه، ليكتشف نقاط الضعف فيها، ويربيها ليحوّل نقاط الضعف إلى قوة. إننا نُحشر غداً بين يدي الله تعالى بأخلاقنا، لأن أخلاقنا هي التي تحدّد لنا نوعية أعمالنا وأقوالنا، فعلينا أن نجلس مع أنفسنا ونراقبها ونربيها، لا يعتقد أحدكم أنه إذا صار أباً فعليه أن يربي أولاده لأنه فرغ من تربية نفسه، أو إذا صار عالِماً فعليه أن يربي المجتمع لأنه فرغ من تربية نفسه، إن الشيطان يلاحقك في بيتك ليخرّب عليك نفسك، ويلاحقك في مواقع علمك ليخرّب عليك علمك، ولذلك عليك دائماً أن ترفع قلبك وحياتك لله لتطلب من الله دائماً ما يطلبه الصالحون، "اللهم ألحقني بصالح من مضى، واجعلني من صالح من بقي، وخذ بي سبيل الصالحين، وأعنّي على نفسي بما تعين به الصالحين على أنفسهم يا ربّ العالمين".

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله.. اتقوا الله في بناء أنفسكم على الإيمان والتقوى، فإن من بنى نفسه على الإيمان بالله ورسله واليوم الآخر فإنه سوف يقترب من الله تعالى ليكون في موقع رضوانه، والذي يبني نفسه على التقوى سوف يكون أميناً على نفسه وعلى الناس من حوله، وعلى الحياة كلها، لأن التقوى تؤكد للإنسان حسّ المسؤولية، وإذا كان الإنسان يعيش الإحساس بالمسؤولية، فإنه لا يمكن أن يسيء إلى نفسه وإلى الناس من حوله وإلى الحياة. ومن الطبيعي أن على الإنسان أن يبني نفسه على القوة والعزة والكرامة، بما يتصل بالقضايا العامة التي تمثّل قضايا المجتمع والأمّة، ليشارك أمّته في كلمسؤولياتها ويعمل على تقوية مواقعها.. ونحن لا نزال كمسلمين ومستضعفين نعيش التحديات التي توجّه إلى الأمة في كل مواقعها، فتعالوا لننظر ماذا هناك؟

المشروع الاستكباري في المنطقة

تحويل العدوّ إلى قوة عظمى:

لا تزال الأوضاع في المنطقة خاضعة للتحرك في دائرة عملية التسوية، ولكن في أكثر من اتجاه، فالأمريكيون يتحركون من خلال موفديهم لإعطاء العدو قوة جديدة، وذلك في مبادرة جديدة بتوقيع اتفاق مع إسرائيل للتعاون النووي، في الوقت الذي لم تُخضع فيه إسرائيل مخزونها النووي لإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

هذا، مع التحضير لفكرة قيام معاهدة "دفاع مشترك" بين إسرائيل وأمريكا، لأن المطلوب هو تحويل العدو إلى قوة عظمى في المنطقة، والعمل على إضعاف دول المنطقة، فهذا وزير الطاقة الأمريكي يجول على دول الخليج، لإقناعها بزيادة إنتاج البترول لتخفيض أسعاره لمصلحة أمريكا، حتى لو ترك ذلك تأثيراً سلبياً على التوازن الاقتصادي لدى تلك الدول المثقَلة بالديون.

الضغـط على العـرب:

ومن جانب آخر، بدأت أمريكا حملة ضد الدعم العربي للبنان والمقاومة، واصفة المجاهدين "بأنهم أعداء السلام للشعب اللبناني ولدول الشرق الأوسط، وليس من الحكمة دعم هؤلاء" - على حدّ قول المسؤولين الأمريكيين - كما أن المسؤولين الأوروبيين، ومنهم رئيسا وزراء بريطانيا وفرنسا، يتحدثون أمام إسرائيل بأن المقاومة تقوم بـ"عمليات إرهابية" ضد إسرائيل، اجتذاباً لموقف إسرائيل للتسوية، وتقوية لحكومتها في الداخل، في الوقت الذي يعرفون فيه أن هذه الحكومة تعمل على ابتزاز الجميع لمصلحتها.

إن المشكلة هي أن أمريكا ومعها أوروبا العجوز، لا تحسبان أيّ حساب للعرب، بل تعملان بطريقة دبلوماسية للضغط عليهم لحساب العدو باسم حماية التسوية، وتقومان بتأديب الذين ترتفع أصواتهم بالاحتجاج عليه في احتلاله وعدوانه.. إن الاستكبار العالمي يُحمّل الضحية مسؤولية القيام بالدفاع عن نفسها، ويُبرر للمجرم كل إجرامه في قتل الضحية، وفي الإعلان عن حرق لبنان وقتل أطفاله وسفك الدماء فيه.. ولعل المشكلة هي أنهم يعتبرون إسرائيل ممثلهم في المنطقة، أما العرب، فهم البقرة الحلوب التي يضربونها بالسوط تارة، ويحلبون درّتها أخرى، من دون أيّ حساب لأوضاعها الخاصة!!

لبنان ..خيـار القـوة

وهذا ما ينبغي للشعوب في المنطقة أن تفهمه جيداً في تعاملها مع المستكبرين الذين يخافون من يقظة القوة وحركة التحدي والتصدي في عالم المستضعفين، وما يجب أيضاً أن تعرفه هو أن وحدة الموقف وصلابة القرار هما أساس القوة في المرحلة، وهو يفرض على مؤتمر وزراء خارجية العرب أن يدرسوه في مداولاتهم، للخروج بقرار في مستوى عنفوان الأمة في ساحة الصراع الذي لا يزال مستمراً في أقسى أوضاعه، لا سيما أن لبنان أعطى الدرس للعرب وللعالم إن الشعب والمقاومة والدولة يقفون في جبهة متماسكة وموحّدة في مواجهة الاحتلال، ولذلك فإنه سوف لن يُخدع بالكلمات الرنّانة، أو بالتهاويل المخوِّفة، وقد أخذ بخيار القوة ولن يتراجع أمام التهديدات.

التجربة الإيرانية.. انفتاح وحرية

وأخيراً، إننا نجد في الحدث الإسلامي الكبير في الانتخابات البرلمانية الإيرانية حدثاً إسلامياً كبيراً ووجهاً مشرقاً في قوة الموقف الشعبي، حيث جسّدت هذه الانتخابات حرية التعبير التي تنطلق من قلب النظام الإسلامي، ووجهاً من وجوه الحياة السياسية المتحركة في إيران الإسلام.

ونريد للذين يتحدثون عن التجربة الإسلامية في إيران بطريقة سلبية، أن ينظروا إلى هذه التجربة التي تمثل تحدياً كبيراً لكل الواقع السياسي الخاضع للدكتاتورية في المنطقة، في الوقت الذي يقف فيه النظام الإسلامي - في عملية سعة أفق، ورحابة صدر - لاحتضان مختلف التوجهات والآراء.. ونريد للشعب الإيراني المسلم، ولا سيما الشباب، أن يحافظوا على الإسلام في نظامه، لأنه هو سرّ الحرية المنفتحة، والقوة الصلبة لموقع إيران في العالم.

إن علينا أن نعرف أن نتائج الانتخابات في إيران لا تغيّر من ثوابت سياسة الجمهورية الإسلامية تجاه أمريكا، التي تنطلق في سياسة عدوانية ضد إيران والشعوب المستضعفة، وتبقى لإيران شروطها في إعادة العلاقات معها بالتخلي عن السياسة العدوانية والإفراج عن الأرصدة الإيرانية المجمّدة عندها ظلماً وعدواناً.

لأن حُسن الخُلُق هو "جواز المرور" إلى الجنة: تضرّعوا إلى الله أن يرزقكم مكارم الأخلاق


 ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، وقال في خطبته الأولى:

الاسلام مشروع أخلاقي

في الحديث النبوي الشريف: "إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، هذه الكلمة توحي لنا بأن الإسلام كله في عقيدته وشريعته ومنهجه هو مشروع أخلاقي للإنسان في علاقته بربه وبنفسه وبالناس من حوله وبالحياة كلها، لأن الأخلاق تمثل كياناً واسعاً يتّسع لكل السلوك الإنساني العقلي والقلبي والحركي. ففي السلوك العقلي، أن يكون عقله متحركاً في الخط الأخلاقي، ومنفتحاً في طريقته في التفكير لاكتشاف الحقيقة في الكون وفي الإنسان وفي الحياة، وحقيقة الحقائق هي أن يكتشف العقل الله تعالى في وجوده وتوحيده وربوبيته الشاملة، وفي قدرته الواسعة التي لا يضيق عنها شيء، كل ذلك من خلال تفكير دقيق سليم، بحيث لا يتأثر العقل بالضغوطات التي تمارس على الفكر لكي ينحرف عن مساره، ويوجه في اتجاه إنتاج الشر ليهدم حياة الناس، لأن بعض الناس قد يستغلّ ما أعطاه الله من طاقة، فيحوّل هذه الطاقة إلى حالة شيطانية، قد يحسبها الناس عقلاً، ولكنها في الواقع "شيطنة"، لأنّ العقل يمثّل خط الاستقامة، بينما يمثل الشر خط الانحراف عن الحقيقة في بُعديها الفكري والعملي، ويمثل تهديم الإنسان والحياة.

فلا بدّ للقلب من أخلاق، لأن القلب هو الذي يخطط لإنتاج العاطفة وهو الذي يحضنها، والعاطفة في الإنسان هي عنصر من العناصر التي تتصل بالحياة، فأنت عندما تحبّ، فإن حبك قد يقتل حياتك وقد يبنيها، وهكذا عندما تبغض. ففي مسألتي الحب والبغض، فإن القلب يتملك كل شخصيتك، ونحن نعرف أنّ كثيراً من الناس قادهم حبهم إلى الجنة عندما استقام واستقامت عاطفتهم، وعندما انحرفت عاطفتهم عن الخط المستقيم، قادتهم إلى النار.

لذلك، لا بدّ أن تُدخل عقلك في عاطفتك، أن تحسب حساب من تحبّ لتعرف هل يملك العناصر التي يمكن أن تحبه فيها مقارَناً بمبادئك وبمصلحة الحياة من حولك، وعندما تبغض عقلن عاطفتك، لأن العاطفة عندما تتأثر بالنظرة واللمسة والمصلحة، فإنها قد تسيء إلى حاضر الإنسان ومستقبله.

وهكذا، لا بد كما أراد لك الله تعالى أن تكون حركتك في الخط الأخلاقي المستقيم، سواء في خط مسؤولياتك أو أمام ربك أو أمام نفسك وعيالك وأمام الناس من حولك وأمام الحياة.

نماذج من مكارم الاخلاق

لذلك، لا بدّ أن يعمل الإنسان على أن يكون أخلاقياً في كل كيانه، وقد تحدث النبي(ص) مما رُوي عنه، كما تحدث الأئمة من أهل البيت(ع) مما تعلّموه من رسول الله(ص) وممّا ألهمهم الله تعالى إياه، تحدثوا عن بعض نماذج مكارم الأخلاق، فنقرأ في بعض ما روي عن رسول الله (ص) أنه قال: "ألا أُخبركم بخير رجالكم"؟ قلنا: بلى يا رسول الله. قال (ص): "إن من خير رجالكم التقي - الذي يتقي الله فيأتي بكل ما أمره الله به ويترك كل ما نهاه الله عنه - النقي - الذي يعيش نقاء الروح والقلب وصفاءهما، أن لا يكون قلبه ملوّثاً مشوباً بالشر، وأن لا تكون روحه ملوّثة بكل ما يبتعد عن الله - السمح الكفين -الإنسان الذي يعيش العطاء مما أعطاه الله تعالى، لأن العطاء يدلّ على الثقة بالله، والذي يشارك الإنسان الآخر همومه وقضاياه، فلا يكون أنانياً يستغرق في حاجاته وينسى حاجات الآخرين ممن يمكن له أن يفرّج عنهم وأن يشاركهم في ذلك - النقي الطرفين - الذي تكون أطرافه نقية، بحيث لا يلوّث يديه بالحرام ولا بالخيانة ولا بأي شيء مما يتلوّث به الإنسان في الجانب الأخلاقي - البرّ بوالديه - لأن الله تعالى أراد للإنسان أن يشكر لوالديه كما يشكر الله - ولا يلجئ عياله إلى غيره"، ويتحمّل مسؤولية عياله، ويحرّك ما يملكه من مال في موضعه فلا يضيّعه في التبذير والقمار والخمر وما إلى ذلك، بل عليه أن يضع في حسابه أن الله عندما يرزقه وله عيال، فهذا الرزق ليس ملكه وحده، بل إن الله يُجري رزق عياله على يده، وهذا الرزق هو شركة بينه وبين زوجته وأولاده، فإذا حجبه عنهم كان سارقاً كأيّ سارق آخر، وليس له أن يقول لعياله "هذا مالي وملكي"، لأن الله تعالى يقول: {وآتوهم من مال الله الذي آتاكم}، {وأنفقوا مما جعلكم مستخلَفين فيه}..

وفي الحديث عن الإمام جعفر الصادق(ع) قال: "إنّا لنحبّ من كان عاقلاً - الذي يتميّز بنضوج العقل ويتحرك في حياته من موقع العقل، ومن هنا نعرف كيف يُعظّم الإسلام العقل، وكيف يريد للمسلمين أن يكونوا العقلاء، ومن الطبيعي أن العقل يحتاج إلى تربية وإنضاج بالاستماع والقراءة والتفكير والتدبّر - فهِماً - أن يفهم ما يسمع وما يقرأ أو يتحرك به - فقيهاً - من المتفقهين الذين يعرفون أحكام دينهم وخطوط الحياة التي ينطلقون فيها - حليماً - أن يكون هادئ الطبع، واسع الصدر، بحيث لا يثور عندما يُثار - مدارياً"، أن لا يثير بكلامه العصبيات والحساسيات في المجتمع الذي يعيش فيه، وأن يفهم مجتمعه هذا فهماً دقيقاً، والمداراة تكون عادة في موارد غير الحق، ولكن ذلك لا يعني أن يكون منافقاً، أما في موارد الحق، فلا بدّ أن يُركّز هذا الحق ويثبّته، وأن لا تأخذه في الله لومة لائم، وقد ورد في الحديث عن النبي(ص): "أمرني ربي بمداراة الناس كما أمرني بأداء الفرائض"، لكي يتوازن المجتمع، فالإنسان الاجتماعي لا بدّ أن تكون له ثقافة المجتمع، لأن الإنسان الذي لا يفهم الناس من حوله، بأن يفهم حساسياتهم وتعقيداتهم، فمن الطبيعي أنه قد يُخطئ من حيث يريد أن يصيب..

ويُكمل الإمام الصادق(ع) في وصف من يُحبه أهل البيت(ع)، فيقول: "صبوراً - يصبر على المشاكل والآلام والبلاء، وصلباً لا يسقط أمام التحديات، بل يدرس كل ما يعترضه من بلاءات وتحديات بصبر ووعي للتفاعل معها وحلّها - صدوقاً - أن يكون صادق الكلمة والموقف والعمل - وفيّاً - أن لا يكون خائناً، بل أن يكون وفياً لربه ولنفسه ولأهله والناس من حوله، ولأمته ووطنه - إن الله عزّ وجلّ خصّ الأنبياء بمكارم الأخلاق - فجعلهم في أعلى المواقع في ما يتصفون به من مكارم الأخلاق - فمن كانت فيه - من رزقه الله مكارم الأخلاق - فليحمد الله على ذلك، ومن لم تكن فيه - عاش في بيئة منحرفة أو خضع لتأثيرات سيئة - فليتضرّع إلى الله عزّ وجلّ وليسأله إياها - أن يدعو الله أن يعينه على النجاح في توجيه نفسه - قلت: جُعلت فداك وما هنّ؟ قال (ع): "هنّ الورع - الورع عن محارم الله - والقناعة - فإذا أردت أن تستزيد في رزقك فاستزده بعملك، ولا تستزده بأن تتمنى ما قسم الله تعالى للآخرين - والصبر والشكر - لأن شكر الله يدل على عمق إنسانيتك في انفتاحك على ما أعطاك الله من نعمه - والحلم - وهو سعة الصدر - والحياء - بأن لا تكون وقحاً بل أن تكون حيياً في موارد الحياء - والسخاء - أن تكون لك روحية العطاء ولا تكون البخيل - والشجاعة - أن لا تكون الجبان، فتربي نفسك على شجاعة العقل واللسان والقلب واليد والموقف، والشجاعة في مواردها - والغيرة - بالأسلوب الذي أحلّه الله تعالى، لا من خلال غيرة الجاهلية، بأن تشك مثلاً بزوجتك وتتعامل معها بالشك، ولكن الغيرة هي أن تمنعها من الحرام - والبرّ - أن تكون البارّ بالناس السائر في طريق إعطاء الخير لهم - وصدق الحديث وأداء الأمانة"..

أركـان الإسـلام:

وفي الحديث عن الإمام الصادق(ع) قال: "إن الله عزّ وجلّ ارتضى لكم الإسلام ديناً، فأحسنوا صحبته بالسخاء وحُسن الخُلُق"، فمن كان سخياً وحسن الخلق في علاقاته، فإنه يكون خير صاحب للإسلام. وورد عن الإمام الصادق(ع) قال: "قال أمير المؤمنين(ع): الإيمان أربعة أركان - والأخلاق ترتكز على الإيمان - الرضى بقضاء الله - أن لا تعترض على الله في ما قضى عليك، لأن الله هو الأعرف بما يُصلح أمرك وما يفسده - والتوكل على الله - أن تقوم بكل ما عليك من عمل وأن تتوكل على الله في ما تخاف أمره من المستقبل الذي لا تملكه - وتفويض الأمر الى الله - أن تجعل الأمور بيد الله لأن الأمور كلها بيده - والتسليم لأمر الله"، أن تسلّم لأمر الله في كل ما قدّره وقضى عليك في ذلك.

محاسبـة النفـس

وهكذا، ننطلق في مكارم الأخلاق وهي كبيرة، كثيرة، واسعة، تشمل الحياة كلها على مستوى الواقعين الفردي والاجتماعي، فعلى كل واحد منا أن يعمل على محاسبة نفسه، ليكتشف نقاط الضعف فيها، ويربيها ليحوّل نقاط الضعف إلى قوة. إننا نُحشر غداً بين يدي الله تعالى بأخلاقنا، لأن أخلاقنا هي التي تحدّد لنا نوعية أعمالنا وأقوالنا، فعلينا أن نجلس مع أنفسنا ونراقبها ونربيها، لا يعتقد أحدكم أنه إذا صار أباً فعليه أن يربي أولاده لأنه فرغ من تربية نفسه، أو إذا صار عالِماً فعليه أن يربي المجتمع لأنه فرغ من تربية نفسه، إن الشيطان يلاحقك في بيتك ليخرّب عليك نفسك، ويلاحقك في مواقع علمك ليخرّب عليك علمك، ولذلك عليك دائماً أن ترفع قلبك وحياتك لله لتطلب من الله دائماً ما يطلبه الصالحون، "اللهم ألحقني بصالح من مضى، واجعلني من صالح من بقي، وخذ بي سبيل الصالحين، وأعنّي على نفسي بما تعين به الصالحين على أنفسهم يا ربّ العالمين".

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله.. اتقوا الله في بناء أنفسكم على الإيمان والتقوى، فإن من بنى نفسه على الإيمان بالله ورسله واليوم الآخر فإنه سوف يقترب من الله تعالى ليكون في موقع رضوانه، والذي يبني نفسه على التقوى سوف يكون أميناً على نفسه وعلى الناس من حوله، وعلى الحياة كلها، لأن التقوى تؤكد للإنسان حسّ المسؤولية، وإذا كان الإنسان يعيش الإحساس بالمسؤولية، فإنه لا يمكن أن يسيء إلى نفسه وإلى الناس من حوله وإلى الحياة. ومن الطبيعي أن على الإنسان أن يبني نفسه على القوة والعزة والكرامة، بما يتصل بالقضايا العامة التي تمثّل قضايا المجتمع والأمّة، ليشارك أمّته في كلمسؤولياتها ويعمل على تقوية مواقعها.. ونحن لا نزال كمسلمين ومستضعفين نعيش التحديات التي توجّه إلى الأمة في كل مواقعها، فتعالوا لننظر ماذا هناك؟

المشروع الاستكباري في المنطقة

تحويل العدوّ إلى قوة عظمى:

لا تزال الأوضاع في المنطقة خاضعة للتحرك في دائرة عملية التسوية، ولكن في أكثر من اتجاه، فالأمريكيون يتحركون من خلال موفديهم لإعطاء العدو قوة جديدة، وذلك في مبادرة جديدة بتوقيع اتفاق مع إسرائيل للتعاون النووي، في الوقت الذي لم تُخضع فيه إسرائيل مخزونها النووي لإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

هذا، مع التحضير لفكرة قيام معاهدة "دفاع مشترك" بين إسرائيل وأمريكا، لأن المطلوب هو تحويل العدو إلى قوة عظمى في المنطقة، والعمل على إضعاف دول المنطقة، فهذا وزير الطاقة الأمريكي يجول على دول الخليج، لإقناعها بزيادة إنتاج البترول لتخفيض أسعاره لمصلحة أمريكا، حتى لو ترك ذلك تأثيراً سلبياً على التوازن الاقتصادي لدى تلك الدول المثقَلة بالديون.

الضغـط على العـرب:

ومن جانب آخر، بدأت أمريكا حملة ضد الدعم العربي للبنان والمقاومة، واصفة المجاهدين "بأنهم أعداء السلام للشعب اللبناني ولدول الشرق الأوسط، وليس من الحكمة دعم هؤلاء" - على حدّ قول المسؤولين الأمريكيين - كما أن المسؤولين الأوروبيين، ومنهم رئيسا وزراء بريطانيا وفرنسا، يتحدثون أمام إسرائيل بأن المقاومة تقوم بـ"عمليات إرهابية" ضد إسرائيل، اجتذاباً لموقف إسرائيل للتسوية، وتقوية لحكومتها في الداخل، في الوقت الذي يعرفون فيه أن هذه الحكومة تعمل على ابتزاز الجميع لمصلحتها.

إن المشكلة هي أن أمريكا ومعها أوروبا العجوز، لا تحسبان أيّ حساب للعرب، بل تعملان بطريقة دبلوماسية للضغط عليهم لحساب العدو باسم حماية التسوية، وتقومان بتأديب الذين ترتفع أصواتهم بالاحتجاج عليه في احتلاله وعدوانه.. إن الاستكبار العالمي يُحمّل الضحية مسؤولية القيام بالدفاع عن نفسها، ويُبرر للمجرم كل إجرامه في قتل الضحية، وفي الإعلان عن حرق لبنان وقتل أطفاله وسفك الدماء فيه.. ولعل المشكلة هي أنهم يعتبرون إسرائيل ممثلهم في المنطقة، أما العرب، فهم البقرة الحلوب التي يضربونها بالسوط تارة، ويحلبون درّتها أخرى، من دون أيّ حساب لأوضاعها الخاصة!!

لبنان ..خيـار القـوة

وهذا ما ينبغي للشعوب في المنطقة أن تفهمه جيداً في تعاملها مع المستكبرين الذين يخافون من يقظة القوة وحركة التحدي والتصدي في عالم المستضعفين، وما يجب أيضاً أن تعرفه هو أن وحدة الموقف وصلابة القرار هما أساس القوة في المرحلة، وهو يفرض على مؤتمر وزراء خارجية العرب أن يدرسوه في مداولاتهم، للخروج بقرار في مستوى عنفوان الأمة في ساحة الصراع الذي لا يزال مستمراً في أقسى أوضاعه، لا سيما أن لبنان أعطى الدرس للعرب وللعالم إن الشعب والمقاومة والدولة يقفون في جبهة متماسكة وموحّدة في مواجهة الاحتلال، ولذلك فإنه سوف لن يُخدع بالكلمات الرنّانة، أو بالتهاويل المخوِّفة، وقد أخذ بخيار القوة ولن يتراجع أمام التهديدات.

التجربة الإيرانية.. انفتاح وحرية

وأخيراً، إننا نجد في الحدث الإسلامي الكبير في الانتخابات البرلمانية الإيرانية حدثاً إسلامياً كبيراً ووجهاً مشرقاً في قوة الموقف الشعبي، حيث جسّدت هذه الانتخابات حرية التعبير التي تنطلق من قلب النظام الإسلامي، ووجهاً من وجوه الحياة السياسية المتحركة في إيران الإسلام.

ونريد للذين يتحدثون عن التجربة الإسلامية في إيران بطريقة سلبية، أن ينظروا إلى هذه التجربة التي تمثل تحدياً كبيراً لكل الواقع السياسي الخاضع للدكتاتورية في المنطقة، في الوقت الذي يقف فيه النظام الإسلامي - في عملية سعة أفق، ورحابة صدر - لاحتضان مختلف التوجهات والآراء.. ونريد للشعب الإيراني المسلم، ولا سيما الشباب، أن يحافظوا على الإسلام في نظامه، لأنه هو سرّ الحرية المنفتحة، والقوة الصلبة لموقع إيران في العالم.

إن علينا أن نعرف أن نتائج الانتخابات في إيران لا تغيّر من ثوابت سياسة الجمهورية الإسلامية تجاه أمريكا، التي تنطلق في سياسة عدوانية ضد إيران والشعوب المستضعفة، وتبقى لإيران شروطها في إعادة العلاقات معها بالتخلي عن السياسة العدوانية والإفراج عن الأرصدة الإيرانية المجمّدة عندها ظلماً وعدواناً.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية