الحذر من الوقوع في ذلِّ الاعتذار

الحذر من الوقوع في ذلِّ الاعتذار

بسم الله الرّحمن الرّحيم

أمّ سماحـة آيـة الله الـعـظمى السيّد محمّد حسين فضل الله المصلّين في مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بتاريخ 15 جمادى الثانية 1418هـ/ الموافق: 17 تشرين الأول 1997م .

وقد ألقى سماحته خطبتي صلاة الجمعة بحضور حشد من الشّخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة وآلاف من المؤمنين، ومما جاء فيهما:

الخطبة الأولى

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ}[1]. في هذه الآية وفي ما يأتي من آيات، حديثٌ عن مسألة الاعتذار، وهي أن يعتذر الإنسان من الخطأ، وأن يقبل عذر من اعتذر من الخطأ، وأن يكون له العذر الّذي يمكن أن يُقبَل؛ العذر مع النّاس ومع الله، ومتى يقبل الله عذره ومتى لا يقبله.

ذلّ الاعتذار

هذه عناوين لا بدَّ لنا من أن نبحثها، لأنَّ هذه المسألة تتَّصل بحياتنا في البيت مع آبائنا وأمَّهاتنا وأولادنا، وتتَّصل بحياتنا في العمل والسّياسة، وفي الأمن والاقتصاد وما إلى ذلك. فكيف نواجه المسألة؟ إنَّ الله يريد أن يقول للإنسان ـ كلِّ إنسانٍ منّا ـ أنت تبصر نفسك أكثر مما يبصرها الآخرون، لأنَّك تعرف سرَّك الَّذي لم يطَّلع عليه الآخرون، وتعرف خلفيّات كلماتك عندما تتكلَّم، وظروف عملك عندما تعمل. لذلك، مهما قدَّمت من عذر، فالنّاس قد يقبلونه، ولكنَّك بين يدي الله لا بدَّ من أن يكون عذرك مقبولاً، وهذا ما عبّر عنه الإمام عليّ بن أبي طالب(ع) فيما رُوي عنه من "دعاء كميل" عندما يقول: "فاقبل عذري"[2].

هنا، لا بدَّ من أن نركّز على عدّة نقاط؛ النّقطة الأولى، هي أنَّ على الإنسان دائماً عندما يقوم بأيِّ عمل، أو عندما يتكلَّم بأيِّ كلمة، أو يُنشئ أيَّ علاقة، أو يقف أيَّ موقف، لا بدَّ له من أن يدرسه دراسة واسعة تعرف كلّ نقاط الخير فيه ونقاط الشّرّ، فإذا اقتنع به، فعليه أن يقوله، وأما إذا لم يقتنع به، وشعر بأنّه عندما يقول الكلمة، أو عندما يقوم به في العمل والعلاقة والموقف، فسوف يعتذر إلى النّاس من هذا الشّيء، فهنا التعليم الإسلامي من خلال أئمّة أهل البيت(ع) يرشده إلى أنَّ الشّيء الّذي تشعر بأنَّك إذا قلته أو عملته، فإنَّك مضطرّ إلى أن تعتذر منه أمام النّاس، فلا تقله أو تعمله، لأنّ موقف المعتذر موقف ذليل.. فتعالوا مع أئمّة أهل البيت(ع) ومع جدِّهم رسول الله(ص) لنأخذ من كلماتهم ما يشير إلى الحقِّ الّذي لا بدَّ من أن نلتزم به.

لدراسة الكلمة والموقف

في الحديث عن الإمام عليّ(ع) أنّه قال: "إيّاك وما تعتذر منه، فإنَّه لا يُعتذَر من خير"[3]، فكلّ ما تُضطرّ إلى أن تعتذر منه فهو شرّ، لأنَّه لو كان خيراً، لما احتاج الإنسان إلى أن يعتذر منه، لأنَّه لا يُعتذَر من الخير. وفي حديثٍ آخر عن أحد الأئمَّة(ع): "إيّاك وما يُعتذَر منه، فإنَّ المؤمن لا يُسيء ولا يعتذر، والمنافق كلّ يوم يسيء ويعتذر"[4]، لأنَّ المؤمن يجب أن يكون واعياً لكلمته، فلا يقول إلا الكلمة الّتي يؤمن بها ويلتزمها ويدافع عنها، ولا يعمل إلا العمل الذي يتبنَّاه ويلتزمه ويدافع عنه، فلا يحتاج إلى الاعتذار، أمَّا المنافق، فهو إنسانٌ يعيش الارتباك في عقيدته، فظاهره شيء وباطنه شيء آخر، ويعيش الاهتزاز في مواقفه، فله موقفٌ في الخفاء وله موقفٌ في العلن. ولذلك، عندما يظهر سرّه وما يخفيه ويلومه النّاس على ذلك، فإنّه يضطرّ إلى الاعتذار.

وفي تفسير الإمام الصَّادق(ع) للآية الكريمة: {وَللهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}[5]، قال(ع): "إنَّ الله فوَّض إلى المؤمن أموره كلّها، ولم يفوّض إليه أن يكون ذليلاً"[6]، وقال(ع): "لا ينبغي للمؤمن أن يذلّ نفسه"، فقال الرواي: بم يذلّ نفسه؟ قال(ع): "يدخل فيما يعتذر منه"[7]، فلا تدخل في الموقف أو الكلمة الخطأ الَّتي لا تستطيع أن تتبنّاها أو تدافع عنها فتضطرّ إلى أن تعتذر منها.. وفي حديثٍ آخر عن الإمام عليّ(ع): "الاستغناء عن العذر أعزّ من الصِّدق به"[8]، فحتى لو كان عذرك صادقاً، فالاستغناء عنه أفضل..

هذه الفكرة الَّتي نأخذها من كلِّ هذه الأحاديث، أنَّ الإنسان عندما يريد أن يتكلَّم كلمةً أو يقوم بعمل، فعليه أن يدرس الكلمة والعمل والموقف؛ هل هو مستعدّ أن يتبنَّاه إذا ظهر أمام النّاس، ويدافع عنه ولا يعتذر منه؟ أمّا إذا كان العمل مما لا يستطيع أن يتبنَّاه أو يدافع عنه، ويضطرّ إلى أن يعتذر منه، فليوفِّر على نفسه ذلَّ العذر. وهناك جانب آخر أخلاقيّ، وهو: لو أخطأ النّاس معك، أخطأ الزّوج مع زوجته أو بالعكس، أو أخطأ النّاس مع بعضهم البعض، وجاء المخطئ يعتذر إليك، فالأحاديث الشريفة تقول إنَّ على الإنسان أن يقبل عذر من اعتذر إليه، لأنَّ هذا الإنسان الّذي بذل لك ماء وجهه، وقد ندم على فعلته، عليك أن تعطيه مجالاً للتراجع، ويندم على ما قال، ولنرَ الأحاديث الواردة عن أهل البيت(ع).

الحثّ على قبول المعذرة

في الحديث عن عليّ(ع) في "نهج البلاغة": "احمل نفسك من أخيك عند صرمه ـ مقاطعته ـ على الصّلة، وعند صدوده على اللّطف والمقاربة... وعند جرمه على العذر، حتى كأنَّك له عبدٌ وكأنّه ذو نعمة عليك"[9]، بحيث إنّه إذا أجرم واعتذر منك، فإنَّ عليك أن تقبل عذره، وأن تتواضع له كما تواضع لك. وفي حديثٍ آخر له(ع): "اقبل عذر أخيك، وان لم يكن له عذر فالتمس له عذراً"[10]، حاول أن تجد له عذراً إذا كان هناك مجال للعذر. ويقول الإمام زين العابدين(ع): "لا يعتذر إليك أحدٌ إلا قبلت عذره، وإن علمت أنّه كاذب"[11]، لأنَّ عليك أن تقدِّر هذا الموقف، وهو موقف الإنسان الَّذي يبذل ماء وجهه. وفي وصيَّته(ع): "إن شتمك رجل عن يمينك، ثم تحوَّل إلى يسارك واعتذر إليك، فاقبل عذره"[12]، وعن أمير المؤمنين(ع) في وصيَّته لمحمد بن الحنفيّة قال: "لا تصرم أخاك على ارتياب ـ لمجرد الشّكّ ـ ولا تقطعه دون استعتاب، لعلَّ له عذراً وأنت تلوم به، اقبل من متنصّل عذراً صادقاً أو كاذباً فتنالك الشّفاعة"[13]، وعنه(ع): "اقبل أعذار النّاس تستمتع بإخائهم، والقهم بالبشر تُمت أضغانهم"..[14].

ثم، ما هو جزاء من لم يقبل المعذرة؟ بعض النّاس لا يقبلون عذر المعتذر وقد أتى نادماً، فتعالوا إلى رسول الله(ص) وإلى الأئمَّة(ع) لنتبيّن ما هو جزاء من لم يقبل المعذرة. عن الإمام الباقر(ع) أنه قال: "من أتاه أخوه متنصِّلاً، فليقبل ذلك منه، محقّاً كان أو مبطلاً، فإن لم يفعل، لم يرد عليّ الحوض"[15]، يأتي عطشان ويطلب من رسول الله ماءً ـ وبيده حوض الكوثر ـ فلا يسقيه، لأنّه لم يقبل عذر أخيه المؤمن. وعنه(ص): "من اعتذر إليه أخوه بمعذرةٍ فلم يقبلها، كان عليه من الخطيئة مثل صاحب مكس"[16]، وهو الَّذي يأخذ المال من دون حقّ. وعنه(ص): "من لم يقبل العذر من متنصّلٍ، صادقاً كان أو كاذباً، لم ينل شفاعتي"[17].. ونجد أنَّ الإمام زين العابدين ـ وهو المعصوم الَّذي لا يُخطئ ـ يعلّمنا روحيَّة الاعتذار وقبوله، فيقول في دعائه: "اللّهمّ إنّي أعتذر إليك من مظلومٍ ظُلم بحضرتي فلم أنصره، ومن مسيءٍ اعتذر إليّ فلم أعذره"[18].

لا عذر في الآخرة

ولكن هناك أشياء يعتبرها الإنسان عذراً يقدِّمه ولكنَّها لا شيء، فعلينا أن نستعدَّ الآن، لأنّنا إذا أردنا أن نعتذر يوم القيامة، فلن يُقبَل منّا، لأنّ يوم القيامة هو يوم الحساب، فيقول تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا}[19]، {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ}[20]. العذر في الدّنيا ولكن في الآخرة فلا عذر، ويقول تعالى: {يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ}[21]. وفي الحديث عن رسول الله(ص): "شرّ المعذرة حين يحضر الموت"[22]، ويُروى عن الإمام الصَّادق(ع) في تفسيره للآية الكريمة: {وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ}[23] يقول(ع): "الله أجلّ وأعدل وأعظم من أن يكون لعبده عذر ولا يدعه يعتذر به، ولكنّه فلج فلم يكن له عذر"[24]. وورد عن أمير المؤمنين(ع): "إنَّما هلك من كان قبلكم بطول آمالهم وتغيّر آجالهم، حتى نزل بهم الموعود الّذي تردّ عنه المعذرة، وترفع عنه التّوبة، وتحلّ معه القارعة والنّقمة[25]".

وهناك أشياء لا يُعذَر فيها أحد، وهو الكفر، وقد ورد في الحديث عن الإمام الصَّادق(ع): "ثلاثة لا عذر لأحد فيها؛ أداء الأمانة إلى البرِّ والفاجر، والوفاء بالعهد إلى البرِّ والفاجر، وبرّ الوالدين بَرَّين كانا أو فاجرين"[26]، فالله لا يعذر أحداً في الانحراف عن هذه الثّلاث. وعنه(ع): "ثلاثة لا يعذر المرء فيها، مشاورة ناصح، ومداراة حاسد، والتحبّب إلى النّاس"[27]. وهناك قضايا خيّرة لا يُعتذَر منها، بأن تتحرَّك مع صاحب الحقّ، وتؤيِّد من وقف موقف العدل، وتواجه الظّالم والمستكبر، أو تعارض السّياسة الظّالمة والموقف الظّالم، أو تقف مواقف فيها لله رضى وفيها للنّاس صلاح. لكنَّ بعض النّاس من أعوان الظّالم يستنكرون عليك دفاعك عن المظلوم وما إلى ذلك، فكلّ هذه القضايا الّتي هي حقّ وخير، لا تعتذر منها، وقد جاء عن الإمام عليّ(ع): "لا تعتذر من أمرٍ أطعت الله سبحانه فيه، فكفى بذلك منقبة"[28]، والإنسان لا يعتذر من الفضائل. وعنه(ع): "لا تعتذر إلى من يحبّ أن لا يجد لك عذراً"[29]، فلا تعتذر من الشَّخص الّذي ليس مستعدّاً أن يقبل لك عذراً.

وهكذا، يريدنا الله تعالى أن نعيش في هذا الاتجاه، فنكفّ عن الخطأ حتى لا نعتذر، ونقبل عذر من اعتذر إلينا، ولا نعتذر من حقٍّ قلناه، ولا من عدلٍ وقفنا معه، ولا من كلمة صدقٍ قلناها. هذا هو برنامج العذر في بدايته ونهايته، وعلينا أن لا يكون الكلام الّذي نسمعه ـ وهو كلام الله وكلام رسوله وأوليائه ـ هو مجرّد كلامٍ نسمعه ويطير في الهواء، ولكن {فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ}[30]، وكلّ كلام الله أحسن، وكلّ كلام النبيّ(ص) أحسن، وكلّ كلام الأئمّة(ع) أحسن، فتعالوا مع الأحسن في الدّنيا والأحسن في الآخرة.

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

الخطبة الثانية

عباد الله.. اتّقوا الله في كلّ أوضاعكم الاجتماعيَّة الَّتي تلتقون فيها على عبادة الله، وعلى التَّعاون في البرّ والتقوى، وعلى التحرّك من أجل ما يُصلح أمركم، ويجمع كلمتكم، ويقوّي مواقعكم ومواقفكم. اتّقوا الله في حياتكم الّتي تحيون فيها، كما يريدكم الله أن تكونوا الأخوة في كلّ ما تقتضيه الأخوَّة الإيمانيَّة، من انفتاحٍ ومحبّةٍ ومن كلّ مساعدة ومعاونة، أن يقوِّي أحدكم الآخر، وأن يعلِّم أحدكم الآخر، أن تنفتح قلوبكم على بعضكم البعض قبل أن تنفتح عيونكم على بعضكم البعض، أن تنفتح مواقفكم على مواقف بعضكم البعض، أن تكونوا الأمَّة الّتي تجمع عناصر القوَّة لتحشدها في كلِّ مواقعها، وأن تكونوا الأمَّة الّتي تجمع كلَّ عناصر الضَّعف من أجل أن تجمعها في مواقفها.

إنَّ الله يريدنا أن نكون الأقوياء في علمنا وطاقاتنا وفي مواقعنا ومواقفنا، لذلك، لا تفسحوا المجال لكلِّ موقفٍ أو إنسانٍ أو محورٍ أو جهةٍ تريد أن تضعفكم أو تجعلكم فِرَقَاً وأحزاباً متفرّقين يتحرَّك الحقد والبغضاء والعداوة فيما بينكم، لأنَّ القوم من المستكبرين والكافرين قد قرَّروا أن يهزموا الإسلام والحريَّة والعدالة فيكم، لقد قرَّروا أن ينهشوا لحومكم السياسيَّة والاقتصاديَّة والثّقافيَّة والرّوحيَّة، كما ينهش الذّئاب لحم فريستهم.

مناورات أميركيّة سياسيّة

لذلك، ارتفعوا إلى مستوى المرحلة وإلى مستوى التّحدّي، فإنَّ القوم قد شنّوا حرباً عالميّةً، وكلّهم يتحفّزون من أجل أن يوقعوا الهزيمة بنا ـ عرباً أو مسلمين أو مستضعفين ـ وهذا ما نلاحظه فيما عشناه وفيما نعيشه. ونبدأ بالموقف الأميركي الّذي هو سرّ مشاكلنا.

لا تزال أميركا تضغط على السّلطة الفلسطينيَّة من أجل التّنسيق الأمنيّ مع "نتنياهو"، وإشاعة أجواء إيجابيَّة ـ شكلاً ـ حول المفاوضات على المسار الفلسطينيّ ـ الصّهيونيّ، ليكون ذلك بمثابة الورقة الّتي تعزِّز فرص نجاح مؤتمر "قطر"، وللضَّغط على مصر والسعوديّة وغيرهما من الدّول العربيَّة المتحفِّظة على الحضور ريثما تتقدَّم المفاوضات.

وفي هذا الجوّ، يزداد الحديث عن قمَّةٍ بين "عرفات" و"نتنياهو" الشَّهر المقبل في واشنطن، لتكون الأرضيّة السّياسيّة لهذه الخطَّة. وعلى هذا الأساس، ينشط الموفدون الأميركيّون للتحضير لهذا اللقاء الّذي سيكون إعلامياً ولا يخدم الفلسطينيّين في شيء.. إنَّ مشكلة الواقع العربيّ في تعامله مع أميركا وإسرائيل، هو أنه يسقط تحت الضّغوط السّياسيّة والمبادرات الإعلاميّة، من دون أيّ أساس لأيّ حلٍّ للمشاكل المعقّدة في القضايا الحيويَّة.

عمليّات جهادية مشروعة

ومن الطَّريف أنَّ "حاخام" إسرائيل الأكبر يطالب شيخ الأزهر بإصدار فتوى بتحريم العمليّات الاستشهاديَّة دينياً، وقد نقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية القول عن لسان "شيخ الأزهر" الشيخ طنطاوي، أنَّ "كلّ كلمة في رسالة الحاخام صحيحة"، ونحن نتساءل: هل هذا الكلام المنسوب إلى شيخ الأزهر صحيح؟ لأنَّ تحريم العمليّات ليس له أساس إسلاميّ في نطاق استمرار الاحتلال الصّهيونيّ للأراضي الفلسطينيَّة واللّبنانيَّة والسوريّة من دون مبرّر شرعيّ أو حضاريّ، ما يجعل من العمليّات الاستشهاديَّة وسيلةً جهاديّةً لإسقاط الاحتلال!

لقد كنّا ننتظر من شيخ الأزهر أن يكون جوابه مطالبة الحاخام بإصدار فتوى بتحريم الاحتلال، وتحريم هدم منازل الفلسطينيّين، وإعادة الفلسطينيّين المشرّدين إلى بلادهم، وإطلاق المعتقلين من سجونه، لأنَّ حركة الاستشهاد نتيجة للاحتلال، فإذا زال توقَّفت.

التّهويل الأميركيّ في الخليج

أمّا على مستوى الوجود الأميركيّ في الخليج، فإنَّنا نعتبر أنَّ هدف هذا الوجود الاستكباريّ، الَّذي تعزَّز عبر إدخال حاملة طائرات إلى مياه الخليج، هو التَّهويل على دول الخليج لتصوير إيران كعدوٍّ لهذه الدّول، بعد أن تعزّزت العلاقات بينها وبين إيران، بما يُبشِّر بمستقبل زاهر وواعد للمنطقة، ولإرباك العلاقة الإيرانيّة ـ السّعوديّة بشكلٍ خاصّ، وللدّخول على خطّ التطوّرات العاصفة في المنطقة، لتحريكها في إطار التوزيع الأميركي لأدوار الدّول السَّائرة في فلكها، وبخاصَّة في التطوّرات الأخيرة في العراق، والدّخول التركي، والمعارك بين الأكراد، والتوتّر في العلاقات بين تركيا وجوارها.

وفي موازاة ذلك، تقوم أميركا بنشاطٍ تجسّسيٍ ضدّ إيران، وتحاول من خلال ذلك الإيهام بوجود أسلحةٍ بعيدة المدى، لتكثيف الوجود الأميركيّ في مياه الخليج، ليكون ذلك موازياً للتَّواجد على اليابسة فيه.. كما تعمل أميركا ـ في الوقت نفسه ـ للضّغط على أكثر من دولة أوروبيَّة، وعلى اليابان والصّين، وتلك الدّول الّتي تطمح إلى استثمارات نفطية وغيرها في المنطقة وفي دول شرق آسيا، في وقتٍ تنطلق مفاوضات أميركيَّة ـ أوروبيَّة حول صفقة الـ"توتال"، وتتحفَّز أكثر من دولةٍ لتقديم عروض اقتصاديَّة جديدة لإيران، ومنها ما يتّصل بمشروع إقامة أنابيب من تركمانستان إلى غرب أوروبا وتركيا عن طريق إيران.

الواقع الجزائريّ.. مأساة إنسانيَّة

وبالانتقال إلى الوضع في الجزائر، فإنَّنا نلاحظ أنَّ المذابح هناك لا تزال تتحرَّك بين يومٍ وآخر بطريقةٍ وحشيَّة، ولا تزال الحكومة الجزائريَّة مصرّةً على الامتناع عن الحلّ السياسيّ بالحوار مع الإسلاميّين، كما أنّها تعارض كلّ عرضٍ دوليٍّ للدّخول على ساحة الحلول، وقد قامت إيران بعرض الوساطة حول هذا الصّراع الدّامي، ولكنّ الجزائر النّظام لم توافق على هذا العرض.

إننا نعتقد أنَّ الجزائر تحوّلت إلى مشكلةٍ إنسانيَّةٍ على مستوى الضَّمير الإنساني كلّه، لتُضاف هذه المشكلة إلى المشكلة السياسيّة الّتي انطلقت منها شرارة الحرب المجنونة، ولا بدَّ للعالم من أن يتدخَّل من أجل إيقاف هذه المجزرة المستمرّة.

سيطرة الخوف على العملاء

ونصل إلى لبنان، لنلاحظ أنَّ المقاومة قد استطاعت أن تهزَّ أوضاع إسرائيل وعملائها في الجنوب، حتى إنَّ العميل "لحد" يطلب من إسرائيل عدم الانسحاب، لأنَّ "نصف رجاله سينضمّون إلى المقاومة في حال الانسحاب، ما يجعل ذلك انتصاراً لحزب الله".. إنَّ هذا الكلام يدلُّ على الإحباط والخوف الّذي أصاب هؤلاء، وإنّنا نجدِّد الدّعوة لكلّ هؤلاء المغرَّر بهم من العملاء، أن يتوبوا إلى الله ويعودوا إلى أهلهم ووطنهم، ليقفوا في صفوف المجاهدين، لا في صفِّ العدوّ الذي لا يزال يقتل أهلهم ويدمّر مواقعهم.

وإننا في هذه المناسبة، نقف مع شباب إذاعة "صوت المستضعفين"، لنقدّر صمودهم أمام عدوان العدوّ المستمرّ والمتجدّد بين فترة وأخرى على هذه الإذاعة المجاهدة.. كما نتذكّر في هذه الأيّام الوحشيَّةَ الإسرائيليَّةَ التي تمثّلت بمجزرة "حولا" في ذكراها التاسعة والأربعين، والتي وقف الإسرائيليّون بكلّ دمٍ بارد ليقتلوا شبابها ـ وكلّهم مدنيّون ـ من أجل أن يزرعوا الرّعب في قلوب أهل جبل عامل وفي البقاع الغربيّ، كما نتذكّر ذكرى تهجير أهالي قرية "حانين" الَّتي هُجرت من دون ذنب، لأنَّ العدوَّ كان يخاف منها ومن حركة المقاومة فيها وفي كلِّ قرى الجنوب.

الحذر من الفتن

أمّا على مستوى الداخل، فإنّنا قد نجد في توافق المسؤولين نوعاً من الإيجابيَّة، ولا سيّما مع تعدّد وجهات النظر في مواجهة القضايا المصيرية، ولكنّنا نريد لهم ـ جميعاً ـ أن يحدّقوا بالواقع المأساوي الصّعب الّذي يعيشه المواطن، ولا سيّما في هذه المرحلة، حتى لا يتمّ التّوافق على حسابه، بل من أجل حلِّ مشكلته الصّعبة المزمنة.. وإننا في الوقت نفسه، نرفض الضّرائب المقترحة بأنصافها أو كلّها، وندعو إلى فرض الضّرائب التصاعدية التي تحاسب الأغنياء لا الفقراء.

وأخيراً، لقد نُشر في واشنطن تقرير يبيّن الأرقام الحقيقيّة لموازنة وكالة الاستخبارات الأميركيّة، ومقدارها ستّة وعشرون مليار وستمائة مليون دولار، وهي مخصَّصة للانقلابات والاغتيالات والدّفع للعملاء وشراء الضّمائر والزّعامات وما أشبه ذلك، ومحاولة إيقاع الفتن بين صفوف الشّعب الواحد والأمّة الواحدة. وقد قرأنا في السنة الماضية، كيف أنَّ الكونغرس الأميركيّ قرَّر تخصيص مبلغ عشرين مليون دولار من أجل قيام المخابرات المركزيّة الأميركيّة بإيقاع الفتنة في إيران، وإشغال الواقع عن قضاياه الأساسيَّة ببعض القضايا الجانبيَّة، ولا ندري ما هو نصيب العرب من هذه الموازنة، ولكنّنا نعرف أنَّ المنطقة تعرَّضت لهزّاتٍ سياسيّةٍ وأمنيّةٍ من خلال تدخّل هذه الوكالة الّتي فرضت على النّاس زعماء وحكّاماً من مستخدميها، وفضحت بعض أسمائهم، ولا يزالون يحكمون بعض مواقع العالم العربيّ..

والهدف الثّاني هو الإسلاميّون الَّذين يقفون ضدّ السّياسة الاستكباريَّة الأميركية الغاشمة، لذلك المطلوب من خلال المخابرات الأميركيّة، أن يُشغَل النّاس عن إسرائيل من خلال الكثير من المنازعات والخلافات ومن الفتن هنا وهناك، وأن ترهق السّاحة الإسلاميَّة بالكثير من الفتن الصّغيرة والكبيرة، التي ربما تبدو كما لو كانت شيئاً طبيعيّاً، ولكنّها تنطلق من خلال أوضاعٍ غير طبيعيَّة. إنَّ وكالة الاستخبارات الأميركيَّة مسؤولة عن كلِّ هذه الفوضى وهذا الجنون الأمنيّ، وعن كثيرٍ من الانقلابات في الواقع العربيّ والإسلاميّ، وعن كثيرٍ من الحروب، ومنها حرب لبنان، لذلك، لا بدَّ من أن نكون حذرين جيّداً في هذه المرحلة الّتي يراد منها إسقاط الواقع العربي أمام إسرائيل، وإسقاط إيران الجمهوريَّة الإسلاميَّة أمام الاستكبار الأميركيّ.

لذلك، الخطة التي بدأت وربما تستمرّ هي أن يُشغل النّاس عن كلّ القضايا الكبرى بالأمور الهامشيَّة، وأن يزرع الحقد بين النّاس الذين هم من صفّ واحد، وأن ينطلق أكثر من وسواس خنّاس في أكثر من بلد عربيّ وإسلاميّ ليوسوس في صدور الناس وعقولهم، من أجل أن تنطلق فتنة هنا وفتنة هناك. لذلك، كونوا الحذرين من هذا الشيطان الأكبر الوسواس الخناس.


[1]  [القيامة: 14 ـ 15].

[2]  مصباح المتهجد، الشيخ الطوسي، ص 846.

[3]  بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 68، ص 369.

[4]  أعيان الشيعة، السيد محسن الأمين، ج 1، ص 631.

[5]  [المنافقون: 8].

[6]  الكافي، الشيخ الكليني، ج 5، ص 63.

[7]  وسائل الشيعة، الحرّ العاملي، ج 16، ص 158.

[8]  نهج البلاغة، خطب الإمام علي(ع)، ج 4، ص 78.

[9]  المصدر نفسه، ج 3، ص 53.

[10]  بحار الأنوار، ج 71، ص 165.

[11]  ميزان الحكمة، ج 3، ص 1859.

[12]  وسائل الشيعة، ج 16، ص 295.

[13]  ميزان الحكمة، ج 3، ص 1859.

[14]  المصدر نفسه، ج 3، ص 1859.

[15]  المصدر نفسه، ج 3، ص 1859.

[16]  المصدر نفسه، ج 3، ص 1859.

[17]  بحار الأنوار، ج 74، ص 47.

[18]  الصحيفة السجادية، الإمام زين العابدين(ع)، دعاؤه في طلب العفو والرحمة.

[19]  [المؤمنون: 99، 100].

[20]  [السجدة: 12].

[21]  [غافر: 52].

[22]  ميزان الحكمة، ج 3، ص 1860.

[23]  [المرسلات: 36].

[24]  ميزان الحكمة، ج 3، ص 1860.

[25]  نهج البلاغة، ج 2، ص 31.

[26]  الكافي، ج 5، ص 133.

[27]  تحف العقول، ابن شعبة الحراني، ص 318.

[28]  ميزان الحكمة، ج 3، ص 1861.

[29]  المصدر نفسه، ج 3، ص 1861.

[30] [الزمر: 17، 18].[30]  

بسم الله الرّحمن الرّحيم

أمّ سماحـة آيـة الله الـعـظمى السيّد محمّد حسين فضل الله المصلّين في مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بتاريخ 15 جمادى الثانية 1418هـ/ الموافق: 17 تشرين الأول 1997م .

وقد ألقى سماحته خطبتي صلاة الجمعة بحضور حشد من الشّخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة وآلاف من المؤمنين، ومما جاء فيهما:

الخطبة الأولى

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ}[1]. في هذه الآية وفي ما يأتي من آيات، حديثٌ عن مسألة الاعتذار، وهي أن يعتذر الإنسان من الخطأ، وأن يقبل عذر من اعتذر من الخطأ، وأن يكون له العذر الّذي يمكن أن يُقبَل؛ العذر مع النّاس ومع الله، ومتى يقبل الله عذره ومتى لا يقبله.

ذلّ الاعتذار

هذه عناوين لا بدَّ لنا من أن نبحثها، لأنَّ هذه المسألة تتَّصل بحياتنا في البيت مع آبائنا وأمَّهاتنا وأولادنا، وتتَّصل بحياتنا في العمل والسّياسة، وفي الأمن والاقتصاد وما إلى ذلك. فكيف نواجه المسألة؟ إنَّ الله يريد أن يقول للإنسان ـ كلِّ إنسانٍ منّا ـ أنت تبصر نفسك أكثر مما يبصرها الآخرون، لأنَّك تعرف سرَّك الَّذي لم يطَّلع عليه الآخرون، وتعرف خلفيّات كلماتك عندما تتكلَّم، وظروف عملك عندما تعمل. لذلك، مهما قدَّمت من عذر، فالنّاس قد يقبلونه، ولكنَّك بين يدي الله لا بدَّ من أن يكون عذرك مقبولاً، وهذا ما عبّر عنه الإمام عليّ بن أبي طالب(ع) فيما رُوي عنه من "دعاء كميل" عندما يقول: "فاقبل عذري"[2].

هنا، لا بدَّ من أن نركّز على عدّة نقاط؛ النّقطة الأولى، هي أنَّ على الإنسان دائماً عندما يقوم بأيِّ عمل، أو عندما يتكلَّم بأيِّ كلمة، أو يُنشئ أيَّ علاقة، أو يقف أيَّ موقف، لا بدَّ له من أن يدرسه دراسة واسعة تعرف كلّ نقاط الخير فيه ونقاط الشّرّ، فإذا اقتنع به، فعليه أن يقوله، وأما إذا لم يقتنع به، وشعر بأنّه عندما يقول الكلمة، أو عندما يقوم به في العمل والعلاقة والموقف، فسوف يعتذر إلى النّاس من هذا الشّيء، فهنا التعليم الإسلامي من خلال أئمّة أهل البيت(ع) يرشده إلى أنَّ الشّيء الّذي تشعر بأنَّك إذا قلته أو عملته، فإنَّك مضطرّ إلى أن تعتذر منه أمام النّاس، فلا تقله أو تعمله، لأنّ موقف المعتذر موقف ذليل.. فتعالوا مع أئمّة أهل البيت(ع) ومع جدِّهم رسول الله(ص) لنأخذ من كلماتهم ما يشير إلى الحقِّ الّذي لا بدَّ من أن نلتزم به.

لدراسة الكلمة والموقف

في الحديث عن الإمام عليّ(ع) أنّه قال: "إيّاك وما تعتذر منه، فإنَّه لا يُعتذَر من خير"[3]، فكلّ ما تُضطرّ إلى أن تعتذر منه فهو شرّ، لأنَّه لو كان خيراً، لما احتاج الإنسان إلى أن يعتذر منه، لأنَّه لا يُعتذَر من الخير. وفي حديثٍ آخر عن أحد الأئمَّة(ع): "إيّاك وما يُعتذَر منه، فإنَّ المؤمن لا يُسيء ولا يعتذر، والمنافق كلّ يوم يسيء ويعتذر"[4]، لأنَّ المؤمن يجب أن يكون واعياً لكلمته، فلا يقول إلا الكلمة الّتي يؤمن بها ويلتزمها ويدافع عنها، ولا يعمل إلا العمل الذي يتبنَّاه ويلتزمه ويدافع عنه، فلا يحتاج إلى الاعتذار، أمَّا المنافق، فهو إنسانٌ يعيش الارتباك في عقيدته، فظاهره شيء وباطنه شيء آخر، ويعيش الاهتزاز في مواقفه، فله موقفٌ في الخفاء وله موقفٌ في العلن. ولذلك، عندما يظهر سرّه وما يخفيه ويلومه النّاس على ذلك، فإنّه يضطرّ إلى الاعتذار.

وفي تفسير الإمام الصَّادق(ع) للآية الكريمة: {وَللهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}[5]، قال(ع): "إنَّ الله فوَّض إلى المؤمن أموره كلّها، ولم يفوّض إليه أن يكون ذليلاً"[6]، وقال(ع): "لا ينبغي للمؤمن أن يذلّ نفسه"، فقال الرواي: بم يذلّ نفسه؟ قال(ع): "يدخل فيما يعتذر منه"[7]، فلا تدخل في الموقف أو الكلمة الخطأ الَّتي لا تستطيع أن تتبنّاها أو تدافع عنها فتضطرّ إلى أن تعتذر منها.. وفي حديثٍ آخر عن الإمام عليّ(ع): "الاستغناء عن العذر أعزّ من الصِّدق به"[8]، فحتى لو كان عذرك صادقاً، فالاستغناء عنه أفضل..

هذه الفكرة الَّتي نأخذها من كلِّ هذه الأحاديث، أنَّ الإنسان عندما يريد أن يتكلَّم كلمةً أو يقوم بعمل، فعليه أن يدرس الكلمة والعمل والموقف؛ هل هو مستعدّ أن يتبنَّاه إذا ظهر أمام النّاس، ويدافع عنه ولا يعتذر منه؟ أمّا إذا كان العمل مما لا يستطيع أن يتبنَّاه أو يدافع عنه، ويضطرّ إلى أن يعتذر منه، فليوفِّر على نفسه ذلَّ العذر. وهناك جانب آخر أخلاقيّ، وهو: لو أخطأ النّاس معك، أخطأ الزّوج مع زوجته أو بالعكس، أو أخطأ النّاس مع بعضهم البعض، وجاء المخطئ يعتذر إليك، فالأحاديث الشريفة تقول إنَّ على الإنسان أن يقبل عذر من اعتذر إليه، لأنَّ هذا الإنسان الّذي بذل لك ماء وجهه، وقد ندم على فعلته، عليك أن تعطيه مجالاً للتراجع، ويندم على ما قال، ولنرَ الأحاديث الواردة عن أهل البيت(ع).

الحثّ على قبول المعذرة

في الحديث عن عليّ(ع) في "نهج البلاغة": "احمل نفسك من أخيك عند صرمه ـ مقاطعته ـ على الصّلة، وعند صدوده على اللّطف والمقاربة... وعند جرمه على العذر، حتى كأنَّك له عبدٌ وكأنّه ذو نعمة عليك"[9]، بحيث إنّه إذا أجرم واعتذر منك، فإنَّ عليك أن تقبل عذره، وأن تتواضع له كما تواضع لك. وفي حديثٍ آخر له(ع): "اقبل عذر أخيك، وان لم يكن له عذر فالتمس له عذراً"[10]، حاول أن تجد له عذراً إذا كان هناك مجال للعذر. ويقول الإمام زين العابدين(ع): "لا يعتذر إليك أحدٌ إلا قبلت عذره، وإن علمت أنّه كاذب"[11]، لأنَّ عليك أن تقدِّر هذا الموقف، وهو موقف الإنسان الَّذي يبذل ماء وجهه. وفي وصيَّته(ع): "إن شتمك رجل عن يمينك، ثم تحوَّل إلى يسارك واعتذر إليك، فاقبل عذره"[12]، وعن أمير المؤمنين(ع) في وصيَّته لمحمد بن الحنفيّة قال: "لا تصرم أخاك على ارتياب ـ لمجرد الشّكّ ـ ولا تقطعه دون استعتاب، لعلَّ له عذراً وأنت تلوم به، اقبل من متنصّل عذراً صادقاً أو كاذباً فتنالك الشّفاعة"[13]، وعنه(ع): "اقبل أعذار النّاس تستمتع بإخائهم، والقهم بالبشر تُمت أضغانهم"..[14].

ثم، ما هو جزاء من لم يقبل المعذرة؟ بعض النّاس لا يقبلون عذر المعتذر وقد أتى نادماً، فتعالوا إلى رسول الله(ص) وإلى الأئمَّة(ع) لنتبيّن ما هو جزاء من لم يقبل المعذرة. عن الإمام الباقر(ع) أنه قال: "من أتاه أخوه متنصِّلاً، فليقبل ذلك منه، محقّاً كان أو مبطلاً، فإن لم يفعل، لم يرد عليّ الحوض"[15]، يأتي عطشان ويطلب من رسول الله ماءً ـ وبيده حوض الكوثر ـ فلا يسقيه، لأنّه لم يقبل عذر أخيه المؤمن. وعنه(ص): "من اعتذر إليه أخوه بمعذرةٍ فلم يقبلها، كان عليه من الخطيئة مثل صاحب مكس"[16]، وهو الَّذي يأخذ المال من دون حقّ. وعنه(ص): "من لم يقبل العذر من متنصّلٍ، صادقاً كان أو كاذباً، لم ينل شفاعتي"[17].. ونجد أنَّ الإمام زين العابدين ـ وهو المعصوم الَّذي لا يُخطئ ـ يعلّمنا روحيَّة الاعتذار وقبوله، فيقول في دعائه: "اللّهمّ إنّي أعتذر إليك من مظلومٍ ظُلم بحضرتي فلم أنصره، ومن مسيءٍ اعتذر إليّ فلم أعذره"[18].

لا عذر في الآخرة

ولكن هناك أشياء يعتبرها الإنسان عذراً يقدِّمه ولكنَّها لا شيء، فعلينا أن نستعدَّ الآن، لأنّنا إذا أردنا أن نعتذر يوم القيامة، فلن يُقبَل منّا، لأنّ يوم القيامة هو يوم الحساب، فيقول تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا}[19]، {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ}[20]. العذر في الدّنيا ولكن في الآخرة فلا عذر، ويقول تعالى: {يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ}[21]. وفي الحديث عن رسول الله(ص): "شرّ المعذرة حين يحضر الموت"[22]، ويُروى عن الإمام الصَّادق(ع) في تفسيره للآية الكريمة: {وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ}[23] يقول(ع): "الله أجلّ وأعدل وأعظم من أن يكون لعبده عذر ولا يدعه يعتذر به، ولكنّه فلج فلم يكن له عذر"[24]. وورد عن أمير المؤمنين(ع): "إنَّما هلك من كان قبلكم بطول آمالهم وتغيّر آجالهم، حتى نزل بهم الموعود الّذي تردّ عنه المعذرة، وترفع عنه التّوبة، وتحلّ معه القارعة والنّقمة[25]".

وهناك أشياء لا يُعذَر فيها أحد، وهو الكفر، وقد ورد في الحديث عن الإمام الصَّادق(ع): "ثلاثة لا عذر لأحد فيها؛ أداء الأمانة إلى البرِّ والفاجر، والوفاء بالعهد إلى البرِّ والفاجر، وبرّ الوالدين بَرَّين كانا أو فاجرين"[26]، فالله لا يعذر أحداً في الانحراف عن هذه الثّلاث. وعنه(ع): "ثلاثة لا يعذر المرء فيها، مشاورة ناصح، ومداراة حاسد، والتحبّب إلى النّاس"[27]. وهناك قضايا خيّرة لا يُعتذَر منها، بأن تتحرَّك مع صاحب الحقّ، وتؤيِّد من وقف موقف العدل، وتواجه الظّالم والمستكبر، أو تعارض السّياسة الظّالمة والموقف الظّالم، أو تقف مواقف فيها لله رضى وفيها للنّاس صلاح. لكنَّ بعض النّاس من أعوان الظّالم يستنكرون عليك دفاعك عن المظلوم وما إلى ذلك، فكلّ هذه القضايا الّتي هي حقّ وخير، لا تعتذر منها، وقد جاء عن الإمام عليّ(ع): "لا تعتذر من أمرٍ أطعت الله سبحانه فيه، فكفى بذلك منقبة"[28]، والإنسان لا يعتذر من الفضائل. وعنه(ع): "لا تعتذر إلى من يحبّ أن لا يجد لك عذراً"[29]، فلا تعتذر من الشَّخص الّذي ليس مستعدّاً أن يقبل لك عذراً.

وهكذا، يريدنا الله تعالى أن نعيش في هذا الاتجاه، فنكفّ عن الخطأ حتى لا نعتذر، ونقبل عذر من اعتذر إلينا، ولا نعتذر من حقٍّ قلناه، ولا من عدلٍ وقفنا معه، ولا من كلمة صدقٍ قلناها. هذا هو برنامج العذر في بدايته ونهايته، وعلينا أن لا يكون الكلام الّذي نسمعه ـ وهو كلام الله وكلام رسوله وأوليائه ـ هو مجرّد كلامٍ نسمعه ويطير في الهواء، ولكن {فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ}[30]، وكلّ كلام الله أحسن، وكلّ كلام النبيّ(ص) أحسن، وكلّ كلام الأئمّة(ع) أحسن، فتعالوا مع الأحسن في الدّنيا والأحسن في الآخرة.

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

الخطبة الثانية

عباد الله.. اتّقوا الله في كلّ أوضاعكم الاجتماعيَّة الَّتي تلتقون فيها على عبادة الله، وعلى التَّعاون في البرّ والتقوى، وعلى التحرّك من أجل ما يُصلح أمركم، ويجمع كلمتكم، ويقوّي مواقعكم ومواقفكم. اتّقوا الله في حياتكم الّتي تحيون فيها، كما يريدكم الله أن تكونوا الأخوة في كلّ ما تقتضيه الأخوَّة الإيمانيَّة، من انفتاحٍ ومحبّةٍ ومن كلّ مساعدة ومعاونة، أن يقوِّي أحدكم الآخر، وأن يعلِّم أحدكم الآخر، أن تنفتح قلوبكم على بعضكم البعض قبل أن تنفتح عيونكم على بعضكم البعض، أن تنفتح مواقفكم على مواقف بعضكم البعض، أن تكونوا الأمَّة الّتي تجمع عناصر القوَّة لتحشدها في كلِّ مواقعها، وأن تكونوا الأمَّة الّتي تجمع كلَّ عناصر الضَّعف من أجل أن تجمعها في مواقفها.

إنَّ الله يريدنا أن نكون الأقوياء في علمنا وطاقاتنا وفي مواقعنا ومواقفنا، لذلك، لا تفسحوا المجال لكلِّ موقفٍ أو إنسانٍ أو محورٍ أو جهةٍ تريد أن تضعفكم أو تجعلكم فِرَقَاً وأحزاباً متفرّقين يتحرَّك الحقد والبغضاء والعداوة فيما بينكم، لأنَّ القوم من المستكبرين والكافرين قد قرَّروا أن يهزموا الإسلام والحريَّة والعدالة فيكم، لقد قرَّروا أن ينهشوا لحومكم السياسيَّة والاقتصاديَّة والثّقافيَّة والرّوحيَّة، كما ينهش الذّئاب لحم فريستهم.

مناورات أميركيّة سياسيّة

لذلك، ارتفعوا إلى مستوى المرحلة وإلى مستوى التّحدّي، فإنَّ القوم قد شنّوا حرباً عالميّةً، وكلّهم يتحفّزون من أجل أن يوقعوا الهزيمة بنا ـ عرباً أو مسلمين أو مستضعفين ـ وهذا ما نلاحظه فيما عشناه وفيما نعيشه. ونبدأ بالموقف الأميركي الّذي هو سرّ مشاكلنا.

لا تزال أميركا تضغط على السّلطة الفلسطينيَّة من أجل التّنسيق الأمنيّ مع "نتنياهو"، وإشاعة أجواء إيجابيَّة ـ شكلاً ـ حول المفاوضات على المسار الفلسطينيّ ـ الصّهيونيّ، ليكون ذلك بمثابة الورقة الّتي تعزِّز فرص نجاح مؤتمر "قطر"، وللضَّغط على مصر والسعوديّة وغيرهما من الدّول العربيَّة المتحفِّظة على الحضور ريثما تتقدَّم المفاوضات.

وفي هذا الجوّ، يزداد الحديث عن قمَّةٍ بين "عرفات" و"نتنياهو" الشَّهر المقبل في واشنطن، لتكون الأرضيّة السّياسيّة لهذه الخطَّة. وعلى هذا الأساس، ينشط الموفدون الأميركيّون للتحضير لهذا اللقاء الّذي سيكون إعلامياً ولا يخدم الفلسطينيّين في شيء.. إنَّ مشكلة الواقع العربيّ في تعامله مع أميركا وإسرائيل، هو أنه يسقط تحت الضّغوط السّياسيّة والمبادرات الإعلاميّة، من دون أيّ أساس لأيّ حلٍّ للمشاكل المعقّدة في القضايا الحيويَّة.

عمليّات جهادية مشروعة

ومن الطَّريف أنَّ "حاخام" إسرائيل الأكبر يطالب شيخ الأزهر بإصدار فتوى بتحريم العمليّات الاستشهاديَّة دينياً، وقد نقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية القول عن لسان "شيخ الأزهر" الشيخ طنطاوي، أنَّ "كلّ كلمة في رسالة الحاخام صحيحة"، ونحن نتساءل: هل هذا الكلام المنسوب إلى شيخ الأزهر صحيح؟ لأنَّ تحريم العمليّات ليس له أساس إسلاميّ في نطاق استمرار الاحتلال الصّهيونيّ للأراضي الفلسطينيَّة واللّبنانيَّة والسوريّة من دون مبرّر شرعيّ أو حضاريّ، ما يجعل من العمليّات الاستشهاديَّة وسيلةً جهاديّةً لإسقاط الاحتلال!

لقد كنّا ننتظر من شيخ الأزهر أن يكون جوابه مطالبة الحاخام بإصدار فتوى بتحريم الاحتلال، وتحريم هدم منازل الفلسطينيّين، وإعادة الفلسطينيّين المشرّدين إلى بلادهم، وإطلاق المعتقلين من سجونه، لأنَّ حركة الاستشهاد نتيجة للاحتلال، فإذا زال توقَّفت.

التّهويل الأميركيّ في الخليج

أمّا على مستوى الوجود الأميركيّ في الخليج، فإنَّنا نعتبر أنَّ هدف هذا الوجود الاستكباريّ، الَّذي تعزَّز عبر إدخال حاملة طائرات إلى مياه الخليج، هو التَّهويل على دول الخليج لتصوير إيران كعدوٍّ لهذه الدّول، بعد أن تعزّزت العلاقات بينها وبين إيران، بما يُبشِّر بمستقبل زاهر وواعد للمنطقة، ولإرباك العلاقة الإيرانيّة ـ السّعوديّة بشكلٍ خاصّ، وللدّخول على خطّ التطوّرات العاصفة في المنطقة، لتحريكها في إطار التوزيع الأميركي لأدوار الدّول السَّائرة في فلكها، وبخاصَّة في التطوّرات الأخيرة في العراق، والدّخول التركي، والمعارك بين الأكراد، والتوتّر في العلاقات بين تركيا وجوارها.

وفي موازاة ذلك، تقوم أميركا بنشاطٍ تجسّسيٍ ضدّ إيران، وتحاول من خلال ذلك الإيهام بوجود أسلحةٍ بعيدة المدى، لتكثيف الوجود الأميركيّ في مياه الخليج، ليكون ذلك موازياً للتَّواجد على اليابسة فيه.. كما تعمل أميركا ـ في الوقت نفسه ـ للضّغط على أكثر من دولة أوروبيَّة، وعلى اليابان والصّين، وتلك الدّول الّتي تطمح إلى استثمارات نفطية وغيرها في المنطقة وفي دول شرق آسيا، في وقتٍ تنطلق مفاوضات أميركيَّة ـ أوروبيَّة حول صفقة الـ"توتال"، وتتحفَّز أكثر من دولةٍ لتقديم عروض اقتصاديَّة جديدة لإيران، ومنها ما يتّصل بمشروع إقامة أنابيب من تركمانستان إلى غرب أوروبا وتركيا عن طريق إيران.

الواقع الجزائريّ.. مأساة إنسانيَّة

وبالانتقال إلى الوضع في الجزائر، فإنَّنا نلاحظ أنَّ المذابح هناك لا تزال تتحرَّك بين يومٍ وآخر بطريقةٍ وحشيَّة، ولا تزال الحكومة الجزائريَّة مصرّةً على الامتناع عن الحلّ السياسيّ بالحوار مع الإسلاميّين، كما أنّها تعارض كلّ عرضٍ دوليٍّ للدّخول على ساحة الحلول، وقد قامت إيران بعرض الوساطة حول هذا الصّراع الدّامي، ولكنّ الجزائر النّظام لم توافق على هذا العرض.

إننا نعتقد أنَّ الجزائر تحوّلت إلى مشكلةٍ إنسانيَّةٍ على مستوى الضَّمير الإنساني كلّه، لتُضاف هذه المشكلة إلى المشكلة السياسيّة الّتي انطلقت منها شرارة الحرب المجنونة، ولا بدَّ للعالم من أن يتدخَّل من أجل إيقاف هذه المجزرة المستمرّة.

سيطرة الخوف على العملاء

ونصل إلى لبنان، لنلاحظ أنَّ المقاومة قد استطاعت أن تهزَّ أوضاع إسرائيل وعملائها في الجنوب، حتى إنَّ العميل "لحد" يطلب من إسرائيل عدم الانسحاب، لأنَّ "نصف رجاله سينضمّون إلى المقاومة في حال الانسحاب، ما يجعل ذلك انتصاراً لحزب الله".. إنَّ هذا الكلام يدلُّ على الإحباط والخوف الّذي أصاب هؤلاء، وإنّنا نجدِّد الدّعوة لكلّ هؤلاء المغرَّر بهم من العملاء، أن يتوبوا إلى الله ويعودوا إلى أهلهم ووطنهم، ليقفوا في صفوف المجاهدين، لا في صفِّ العدوّ الذي لا يزال يقتل أهلهم ويدمّر مواقعهم.

وإننا في هذه المناسبة، نقف مع شباب إذاعة "صوت المستضعفين"، لنقدّر صمودهم أمام عدوان العدوّ المستمرّ والمتجدّد بين فترة وأخرى على هذه الإذاعة المجاهدة.. كما نتذكّر في هذه الأيّام الوحشيَّةَ الإسرائيليَّةَ التي تمثّلت بمجزرة "حولا" في ذكراها التاسعة والأربعين، والتي وقف الإسرائيليّون بكلّ دمٍ بارد ليقتلوا شبابها ـ وكلّهم مدنيّون ـ من أجل أن يزرعوا الرّعب في قلوب أهل جبل عامل وفي البقاع الغربيّ، كما نتذكّر ذكرى تهجير أهالي قرية "حانين" الَّتي هُجرت من دون ذنب، لأنَّ العدوَّ كان يخاف منها ومن حركة المقاومة فيها وفي كلِّ قرى الجنوب.

الحذر من الفتن

أمّا على مستوى الداخل، فإنّنا قد نجد في توافق المسؤولين نوعاً من الإيجابيَّة، ولا سيّما مع تعدّد وجهات النظر في مواجهة القضايا المصيرية، ولكنّنا نريد لهم ـ جميعاً ـ أن يحدّقوا بالواقع المأساوي الصّعب الّذي يعيشه المواطن، ولا سيّما في هذه المرحلة، حتى لا يتمّ التّوافق على حسابه، بل من أجل حلِّ مشكلته الصّعبة المزمنة.. وإننا في الوقت نفسه، نرفض الضّرائب المقترحة بأنصافها أو كلّها، وندعو إلى فرض الضّرائب التصاعدية التي تحاسب الأغنياء لا الفقراء.

وأخيراً، لقد نُشر في واشنطن تقرير يبيّن الأرقام الحقيقيّة لموازنة وكالة الاستخبارات الأميركيّة، ومقدارها ستّة وعشرون مليار وستمائة مليون دولار، وهي مخصَّصة للانقلابات والاغتيالات والدّفع للعملاء وشراء الضّمائر والزّعامات وما أشبه ذلك، ومحاولة إيقاع الفتن بين صفوف الشّعب الواحد والأمّة الواحدة. وقد قرأنا في السنة الماضية، كيف أنَّ الكونغرس الأميركيّ قرَّر تخصيص مبلغ عشرين مليون دولار من أجل قيام المخابرات المركزيّة الأميركيّة بإيقاع الفتنة في إيران، وإشغال الواقع عن قضاياه الأساسيَّة ببعض القضايا الجانبيَّة، ولا ندري ما هو نصيب العرب من هذه الموازنة، ولكنّنا نعرف أنَّ المنطقة تعرَّضت لهزّاتٍ سياسيّةٍ وأمنيّةٍ من خلال تدخّل هذه الوكالة الّتي فرضت على النّاس زعماء وحكّاماً من مستخدميها، وفضحت بعض أسمائهم، ولا يزالون يحكمون بعض مواقع العالم العربيّ..

والهدف الثّاني هو الإسلاميّون الَّذين يقفون ضدّ السّياسة الاستكباريَّة الأميركية الغاشمة، لذلك المطلوب من خلال المخابرات الأميركيّة، أن يُشغَل النّاس عن إسرائيل من خلال الكثير من المنازعات والخلافات ومن الفتن هنا وهناك، وأن ترهق السّاحة الإسلاميَّة بالكثير من الفتن الصّغيرة والكبيرة، التي ربما تبدو كما لو كانت شيئاً طبيعيّاً، ولكنّها تنطلق من خلال أوضاعٍ غير طبيعيَّة. إنَّ وكالة الاستخبارات الأميركيَّة مسؤولة عن كلِّ هذه الفوضى وهذا الجنون الأمنيّ، وعن كثيرٍ من الانقلابات في الواقع العربيّ والإسلاميّ، وعن كثيرٍ من الحروب، ومنها حرب لبنان، لذلك، لا بدَّ من أن نكون حذرين جيّداً في هذه المرحلة الّتي يراد منها إسقاط الواقع العربي أمام إسرائيل، وإسقاط إيران الجمهوريَّة الإسلاميَّة أمام الاستكبار الأميركيّ.

لذلك، الخطة التي بدأت وربما تستمرّ هي أن يُشغل النّاس عن كلّ القضايا الكبرى بالأمور الهامشيَّة، وأن يزرع الحقد بين النّاس الذين هم من صفّ واحد، وأن ينطلق أكثر من وسواس خنّاس في أكثر من بلد عربيّ وإسلاميّ ليوسوس في صدور الناس وعقولهم، من أجل أن تنطلق فتنة هنا وفتنة هناك. لذلك، كونوا الحذرين من هذا الشيطان الأكبر الوسواس الخناس.


[1]  [القيامة: 14 ـ 15].

[2]  مصباح المتهجد، الشيخ الطوسي، ص 846.

[3]  بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 68، ص 369.

[4]  أعيان الشيعة، السيد محسن الأمين، ج 1، ص 631.

[5]  [المنافقون: 8].

[6]  الكافي، الشيخ الكليني، ج 5، ص 63.

[7]  وسائل الشيعة، الحرّ العاملي، ج 16، ص 158.

[8]  نهج البلاغة، خطب الإمام علي(ع)، ج 4، ص 78.

[9]  المصدر نفسه، ج 3، ص 53.

[10]  بحار الأنوار، ج 71، ص 165.

[11]  ميزان الحكمة، ج 3، ص 1859.

[12]  وسائل الشيعة، ج 16، ص 295.

[13]  ميزان الحكمة، ج 3، ص 1859.

[14]  المصدر نفسه، ج 3، ص 1859.

[15]  المصدر نفسه، ج 3، ص 1859.

[16]  المصدر نفسه، ج 3، ص 1859.

[17]  بحار الأنوار، ج 74، ص 47.

[18]  الصحيفة السجادية، الإمام زين العابدين(ع)، دعاؤه في طلب العفو والرحمة.

[19]  [المؤمنون: 99، 100].

[20]  [السجدة: 12].

[21]  [غافر: 52].

[22]  ميزان الحكمة، ج 3، ص 1860.

[23]  [المرسلات: 36].

[24]  ميزان الحكمة، ج 3، ص 1860.

[25]  نهج البلاغة، ج 2، ص 31.

[26]  الكافي، ج 5، ص 133.

[27]  تحف العقول، ابن شعبة الحراني، ص 318.

[28]  ميزان الحكمة، ج 3، ص 1861.

[29]  المصدر نفسه، ج 3، ص 1861.

[30] [الزمر: 17، 18].[30]  

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية