وفيه مسائل:
ـ يختلف حال اللقطة من حيث إمكان التعريف عنها وعدمه على حالتين:
الأولى: أن تكون للعين الملتقطة صفات تتميز بها عن أمثالها في النوع بنحو لو ذكر الملتقط بعضها لأمكن لمالكها ذكر سائرها مما يدل على معرفته بها وكونها له؛ فإذا بلغ مقدارها درهماً فما فوق وجب على الملتقط ـ هنا ـ تعريفها لمدة سنة وبكيفيّة خاصة، فيتخير بعدها بين ثلاثة أمور، على ما سنذكر تفصيله لاحقاً.
الثانية: أن لا يكون لها صفات تعرف بها، وذلك كمثل غالب المصنوعات في المصانع الحديثة مما يصعب معه تمييز أفراد أنواعه وأصنافه عن بعضها؛ فيجوز ـ في هذه الحال ـ أن يتملكها واجدها مهما كانت قيمتها أزيد من الدرهم، وإن كان الأحوط استحباباً التصدق بها عن صاحبها، وأحوط استحباباً منه أن يكون التصدّق بإذن الحاكم الشرعي.
ـ لا يجب تعريف ما له علامة من اللقطة إلا بتوفر أمور ثلاثة:
الأول: أن تكون قيمة اللقطة درهماً شرعياً فما زاد. والمراد بالدرهم ما يساوي وزنه من الفضة زنة اثنتي عشرة حبة من الحمص وستةً من عشرة أجزاء من الحبة، وهو ما قدَّره بعض الباحثين بالغرام المتعارف في زماننا بحوالي (5/2) أي: غرامان ونصف الغرام. والمعيار في قيمتها على مكان الإلتقاط وزمانه، لا على غيرهما من الأمكنة والأزمنة. فإن كانت قيمتها دون الدرهم لم يجب عليه تعريفها ولا الاحتفاظ بها، بل يجب عليه التصدق بها على الأحوط.
الثاني: أن يحتمل الواجد تحقّق فائدة من التعريف ويرجو به معرفة المالك، فلو اطمأن إلى عدم الفائدة منه، كما في الملتقط في البراري القفراء، أو في الطرقات العامة التي يسلكها المسافرون من شتى البلدان، أو في محطات السفر من المطارات ونحوها، مما يُحرز معه سفرُ مالكها إلى جهة غير معروفة لا يصله خبرها إنْ عرَّفها، سقط وجوب التعريف، ولزمـه ـ علـى الأحـوط وجوبـاً ـ أن يحتفظ بها حتى يحصل له اليأس من الوصول إليه، ولو لرجاء تصدي المالك بنفسه للسؤال عنها، وبخاصة إذا كانت غالية الثمن، فيتصدّق بها بعدئذ عن مالكها دون ضرورة لاستئذان الحاكم الشرعي؛ فإن تبيّن مالكها بعد التصدق ولم يرض به ضمن له قيمتها حين الأداء إن كانت قيمية، أو مثلها إن كانت مثلية.
الثالث: أن يكون في ظرف يأمن على نفسه خطر الإتهام بالسرقة، فلو خاف على نفسه التعرض لخطر التهمة بالسرقة، من هتك الحرمة أو الحبس، سقط عنه التعريف وكان حكمه كحكمه في الأمر الثاني.
ـ المعيار في التعريف الواجب، ذكر المال بنوعه أو صنفه أو بعض صفاته مع بقاء شيء منها مبهماً غير واضح، بنحو إذا سمعه المالك احتمل احتمالاً معتداً به أن يكون المال المعثور عليه له، فإذا ذكر سائر صفاته دل ذلك على كونه مالكه فيدفعه إليه؛ وإنما وجب الاقتصار على ذكر بعض الصفات لأنه لو ذكر في التعريف جميع صفات الشيء، أو أراه لكل راغب لأمكن ادّعاء غير الصادق ملكيته له، فلا يبقى مجال لمعرفة المالك. هذا، ويكفي في تعرّف المالك عليه ذكـر ما يلتفت إليـه المالـك ـ عـادة ـ منها، كلون الثوب وشكله، دون ضرورة لذكره ما لا يلتفت إليه، كعدد عرواته مثلاً. وكذا يكفي في كون الشيء مما له علامةٌ اشتماله على بعض خصوصيات خارجية، وإنْ كان في ذاته مما لا علامة له، فمثل المقدار من المال يمكن التعرُّف عليه بذكر صاحبه لعدد أوراقه أو قطعه، وبكونها موجودة في حافظة أو بدونها، ونحو ذلك.
ـ لما كان الهدف من التعريف هو حصول الاطمئنان عند الواجد بملكية المتعرف على اللقطة لها، فإنه لو فرض اطّلاع شخص عليها فادعاها، وعُلم صدقه، كفى ذلك في سقوط التعريف، ووجب دفعها إليه؛ وكذا لو اطلعت البيّنة على اللقطة فشهدت بأنها لفلان وجب دفعها إليه. وذلك من دون فرق ـ في الموردين ـ بين ما لو كان الادّعاء قبل التعريف أم بعده أم في أثنائه. وبناءً عليه فإنه لا يكفي مجـرد الادّعـاء لهـا مـن قبـل العـارف بهـا ـ ولو لحضوره حين الالتقاط ـ في دفعها إليه بدون حصول الاطمئنان بصدقه أو قيام البيّنة على ملكيته لها.
ـ مدة التعريف سنة كاملة إذا كان يرجو وجدان المالك، والأحوط مراعاة التتابع فيها فلا يلفقها من عدة سنوات، كأن يعرفها في كل سنة ثلاثة أشهر مثلاً؛ نعم لو تعذر التعريف عنها في أثناء السنة انتظر ارتفاع العذر ثم تممها من حيث قطعها دون أن يستأنفها من جديد.
هذا إذا كان يحتمل وجدان المالك كما يحتمل عدمه، أما إذا علم بأنه لو زاد على السنة مقداراً يسيراً ـ شهراً أو شهرين ـ لوجده، وجب عليه الزيادة، كما أنه لو علم أثناء السنة بعدم وجدانه وحصل له اليأس منه سقط عنه التعريف، لكن ليس له خيارٌ إلا وجوب التصدّق بها دون ضرورة لاستئذان الحاكم الشرعي.
ـ تجب المبادرة إلى التعريف من حين الالتقاط، فإن لم يبادر إليه عصى إلا أن يكون معذوراً، وفي حالتي المعذورية والعصيان لا يسقط عنه التعريف، بل تلزمه المبادرة إليه حين التوبة أو حين ارتفاع العذر إلا أن يكون التأخير قد طال إلى زمن لا يرجى فيه العثور على المالك بعدها، وحيئنذ يسقط التعريف ويجب عليه التصدّق بها، مع الاحتياط الوجوبي باستئذان الحاكم الشرعي.
ـ لا يعتبر في التعريف كيفية خاصة، إذ المهم أن يصدق عرفاً على الطريقة التي يعتمدها أنها مؤثّرة في إمكان الوصول إلى المالك وتعرُّفِه على ماله الضائع بدرجة يعتد بها، سواءً من حيث مكان التعريف من البلدة أو عدد مرات التعريف أسبوعياً أو كونه بالنداء باللسان أو بكتابة ورقة ووضعها في أماكن تجمع الناس أو بإذاعتها في وسائل الإعلام المستحدثة كالراديو والصحف والتلفزيون وغير ذلك من الكيفيات.
نعم، لا بد أن يكون التعريف في المكان الذي يقوى فيه احتمال وصول خبرها للمالك، فلا يتعين في موضع الإلتقاط، ففي مثل ما لو التقطها في بلدٍ، وعلم أن مالكها مسافر، وقد غادرها إلى بلد آخر، بحيث لا يجدي تعريفها في بلد الالتقاط، يجب عليه تعريفها في البلد الثاني مع الإمكان؛ وكذا لو التقطها في البريّة أو في طريق خارجي عام وعلم أن مالكها قد دخل بلداً بعينه، فإنه يلزمه تعريفها في ذلك البلد مع الإمكان.
ـ لا تعتبر مباشرة الملتقط للتعريف، بل يجوز له الاستنابة فيه مجاناً أو بالأجرة، ولا يسقط عنه التعريف إلا بعد الاطمئنان بقيام النائب به، فيما يسقط عنه إذا تبرع به عنه غيره بمجرد تبرعه، وتبرأ ذمته منه ولو لم يف المتبرع به. وفي هذا الصدد، فإنه لو رغب بدفعها للحاكم الشرعي أو وكيله جاز له ذلك، ولكن لا يسقط عنه التعريف، بل تبقى اللقطة أمانة في يد الحاكم إلى حين انتهاء السنة وتحديد ما سوف يختاره في أمرها بعد قيامه بالتعريف المطلوب.
ـ لا يستحق الملتقط على المالك أجرة على نفس قيامه بالتعريف حتى لو استأجر من ينوب عنه فيه، نعم إذا احتاج التعريف إلى بذل مال زائد، كأجرة الإعلان عنه أو الإنتقال من بلده إلى بلد التعريف، ولم يوجد متبرع به، كما لم يوجد نماء للّقطة يمكن استثماره بعد الاحتياط الوجوبي باستئذان الحاكم الشرعي باستثمار نمائها ومنافعها، ولو ببيع بعضها والإنفاق على التعريف عن الباقي، وجب عليه الإنفاق عليه من ماله، وجاز له الرجوع به على المالك إن نوى الرجوع عليه.
ـ لا يسقط تعريف اللقطة بضياعها من الملتقط ولا بتلفها عنده، سواء قبل شروعه في التعريف أو أثناءه، وتفصيل ذلك كما يلي:
أولاً: إذا ضاعت منه اللقطة فالتقطها غيره، وعلم أنها لقطة، ولم يعرف الملتقط ولا المالك، وجب عليه أن يعرّفها سنة، إلا أن يعلم أن الملتقط الأول قد عرّفها بعض السنة فيتم ما بقي منها؛ ثم إن ظهر مالكها دفعها إليه، وكذا إذ ظهر الملتقط الأول أثناء السنة، واطمأن بقيامه بواجب التعريف عنها بقية السنة بعد احتساب ما عرَّفه الملتقط الثاني منها؛ وإن لم يظهر أحدهما حتى مضت السنة تخير في أمرها بما سيأتي.
ثانياً: إذا تلفت العين عند الملتقط قبل شروعه بالتعريف أو أثناءه، فإن كـان بغيـر تعـد ولا تفريط سقط عنـه التعريـف وليس للمالك ـ إن عرَفَهُ بعد ذلك ـ شيء؛ وإن كان مع التعدي أو التفريط، ومنه ما لو أخل بالمبادرة إلى التعريف، ضمن العين، ولزمه التعريف عنها حتى يتبين المالك بعد السنة فيعوض عليه مثلها أو قيمتها، وإلا تخير فيها بما يناسبه مما سيأتي.
ـ إذا كانت العين مما يعرض عليها الفساد قبل مضي السنة وجب على الملتقط ما يلي:
أولاً: يجب عليه الإحتفاظ بها إلى حين يخشى عليها بعده من التلف، ثم يبيعها لغيره أو يقوّمها على نفسه، ولكن بعد استئذان الحاكم الشرعي بالبيع والتقويم على الأحوط وجوباً، ويحتفظ بثمنها لمالكها، إضافة إلى ذلك فإنه يجب عليه ـ على الأحوط ـ أن يعرّف عنها منذ التقاطها وحتى بعد بيعها إلى مضي السنة، بأن يحفظ صفاتها بعد بيعها ويستمر في التعريف عنها؛ فإذا ظهر مالكها دفع إليه ثمنها إن كان قد باعها لغيره، أو دفع له بدلها من المثل أو القيمة إذا كان قد أخذها هو، وإن لم يعرف مالكها بعد مضي السنة تخير فيها بما يناسبه مما سيأتي.
ثانياً: إذا لم يتيسر له بيعها، ولا رغب هو في أخذها، وجب عليه التصدق بها، ولكن بعد استئذان الحاكم الشرعي على الأحوط وجوباً، ويسقط عنه التعريف بقية السنة بعدما يكون قد احتاط وجوباً في التعريف عنها منذ التقاطها وقبل التصدق بها؛ ولا يضمن بدلها لمالكها إن عرفه بعد ذلك.
ـ إذا التقط في موضع الغربة، فإن كان محطة للسفر، كالمطارات ونحوها، جاز له السفر بها والتعريف عنها ـ مع إمكانه ـ في بلد المسافرين، وإن لم يكن منطلقاً للمسافرين ومحطة لهم لم يجز له السفر بها، بل يجب عليه وضعها عند أمين واستنابة من يوثق به في التعريف عنها؛ وكذا لو وجدها في بلده وأراد السفر، فإن عليه وضعها عند أمين واستنابة من يعرف عنها.
ـ إذا عرّفها سنة بالنحو المطلوب، ولم يظفر بالمالك، فإن كانت اللقطة في مكة المعظمة وما حولها من الحرم وجب عليه أن يتصدق بها عن مالكها على الأحوط وجوباً، وإن كانت في غيرها تخير بين أمور ثلاث:
الأول: أن يتملكها ويتصرّف فيها كما يشاء، لكن لو تبيّن مالكها بعد ذلك لزمه ردها إليه إن كانت عينها باقية، ورد بدلها ـ مثلاً أو قيمة ـ إن كانت تالفة.
الثاني: أن يتصدق بها عن مالكها بدون حاجة لاستئذان الحاكم الشرعي، وإذا تبيّن المالك بعد ذلك ورضي بالتصدق كان له ثواب الصدقة، وإن لم يرض به لزم الملتقط أن يغرم له مثل العين أو قيمتها، وليس للمالك أن يطالب المتصدَّق عليه بالعين إن كانت موجودة، كما ليس له الرجوع بالمثل أو القيمة عليه إن كانت تالفة.
الثالث: أن يبقيها أمانة عنده ما شاء ذلك، فإن ظهر مالكها دفعها إليه إن كانت موجودة، ولا يضمنها له إن كانت تالفة بغير تفريط منه ولا تعدٍ. وحيث يبقيها أمانة عنده فإن له أن يعدل عن عزمه هذا إلى أحد الخيارين الآخرين، فله أن يتملكها أو يتصدق بها وتكون مضمونة عليه في الحالين.
ـ إذا التقط الصبيُّ أو المجنونُ ما لا علامة له مما لا يقبل التعريف كان الولي هو الذي ينوي تملكها عنهما لهما، وليس له أن يحتاط استحباباً بالتصدق بها عنهما. وأما إذا كان لها علامة، ولزمه التعريف عنها بعد أخذهما لها وصيرورتها في عهدته، وعرف عنها بالنحو المطلوب، كانت اللقطة له لا لهما، وصار مخيراً بين أن يتملكها لنفسه أو يتصدق بها أو يبقيها أمانة عنده بالنحو المذكور في المسألة السابقة.
ـ إذا التقط اثنان لقطة واحدة، فإن لم تكن لها علامة جاز لهما تملُّكُها بالسوية، وإن كان لها علامة، وبلغت قيمتها درهماً فما زاد، وجب عليهما تعريفها حتى لو بلغت حصة كل واحد منهما أقل من درهم، فإن تصدى للتعريف أحدهما أو توزعا الحول بينهما بالتساوي أو بالتفاضل أو تبرع به عنهما متبرع فقد تأدى الواجب، فإذا مضت السنة واتفقا على واحد من الخيارات الثلاثة فهو خير، وكانت بينهما بالتساوي إن اختارا تملكها، كما يشتركان في ضمانها في حال تملكاها أو تصدقا بها إذا ظهر المالك بعد ذلك، وإن لم يتوافقا فالأحوط وجوباً عدم انفراد أحدهما بواحد من الخيارات الثلاثة. هذا إذا عرّفا عنها، وأما إذا تركا التعريف بدون عذر ضمناها ولم يسقط التعريف عنهما.
وفيه مسائل:
ـ يختلف حال اللقطة من حيث إمكان التعريف عنها وعدمه على حالتين:
الأولى: أن تكون للعين الملتقطة صفات تتميز بها عن أمثالها في النوع بنحو لو ذكر الملتقط بعضها لأمكن لمالكها ذكر سائرها مما يدل على معرفته بها وكونها له؛ فإذا بلغ مقدارها درهماً فما فوق وجب على الملتقط ـ هنا ـ تعريفها لمدة سنة وبكيفيّة خاصة، فيتخير بعدها بين ثلاثة أمور، على ما سنذكر تفصيله لاحقاً.
الثانية: أن لا يكون لها صفات تعرف بها، وذلك كمثل غالب المصنوعات في المصانع الحديثة مما يصعب معه تمييز أفراد أنواعه وأصنافه عن بعضها؛ فيجوز ـ في هذه الحال ـ أن يتملكها واجدها مهما كانت قيمتها أزيد من الدرهم، وإن كان الأحوط استحباباً التصدق بها عن صاحبها، وأحوط استحباباً منه أن يكون التصدّق بإذن الحاكم الشرعي.
ـ لا يجب تعريف ما له علامة من اللقطة إلا بتوفر أمور ثلاثة:
الأول: أن تكون قيمة اللقطة درهماً شرعياً فما زاد. والمراد بالدرهم ما يساوي وزنه من الفضة زنة اثنتي عشرة حبة من الحمص وستةً من عشرة أجزاء من الحبة، وهو ما قدَّره بعض الباحثين بالغرام المتعارف في زماننا بحوالي (5/2) أي: غرامان ونصف الغرام. والمعيار في قيمتها على مكان الإلتقاط وزمانه، لا على غيرهما من الأمكنة والأزمنة. فإن كانت قيمتها دون الدرهم لم يجب عليه تعريفها ولا الاحتفاظ بها، بل يجب عليه التصدق بها على الأحوط.
الثاني: أن يحتمل الواجد تحقّق فائدة من التعريف ويرجو به معرفة المالك، فلو اطمأن إلى عدم الفائدة منه، كما في الملتقط في البراري القفراء، أو في الطرقات العامة التي يسلكها المسافرون من شتى البلدان، أو في محطات السفر من المطارات ونحوها، مما يُحرز معه سفرُ مالكها إلى جهة غير معروفة لا يصله خبرها إنْ عرَّفها، سقط وجوب التعريف، ولزمـه ـ علـى الأحـوط وجوبـاً ـ أن يحتفظ بها حتى يحصل له اليأس من الوصول إليه، ولو لرجاء تصدي المالك بنفسه للسؤال عنها، وبخاصة إذا كانت غالية الثمن، فيتصدّق بها بعدئذ عن مالكها دون ضرورة لاستئذان الحاكم الشرعي؛ فإن تبيّن مالكها بعد التصدق ولم يرض به ضمن له قيمتها حين الأداء إن كانت قيمية، أو مثلها إن كانت مثلية.
الثالث: أن يكون في ظرف يأمن على نفسه خطر الإتهام بالسرقة، فلو خاف على نفسه التعرض لخطر التهمة بالسرقة، من هتك الحرمة أو الحبس، سقط عنه التعريف وكان حكمه كحكمه في الأمر الثاني.
ـ المعيار في التعريف الواجب، ذكر المال بنوعه أو صنفه أو بعض صفاته مع بقاء شيء منها مبهماً غير واضح، بنحو إذا سمعه المالك احتمل احتمالاً معتداً به أن يكون المال المعثور عليه له، فإذا ذكر سائر صفاته دل ذلك على كونه مالكه فيدفعه إليه؛ وإنما وجب الاقتصار على ذكر بعض الصفات لأنه لو ذكر في التعريف جميع صفات الشيء، أو أراه لكل راغب لأمكن ادّعاء غير الصادق ملكيته له، فلا يبقى مجال لمعرفة المالك. هذا، ويكفي في تعرّف المالك عليه ذكـر ما يلتفت إليـه المالـك ـ عـادة ـ منها، كلون الثوب وشكله، دون ضرورة لذكره ما لا يلتفت إليه، كعدد عرواته مثلاً. وكذا يكفي في كون الشيء مما له علامةٌ اشتماله على بعض خصوصيات خارجية، وإنْ كان في ذاته مما لا علامة له، فمثل المقدار من المال يمكن التعرُّف عليه بذكر صاحبه لعدد أوراقه أو قطعه، وبكونها موجودة في حافظة أو بدونها، ونحو ذلك.
ـ لما كان الهدف من التعريف هو حصول الاطمئنان عند الواجد بملكية المتعرف على اللقطة لها، فإنه لو فرض اطّلاع شخص عليها فادعاها، وعُلم صدقه، كفى ذلك في سقوط التعريف، ووجب دفعها إليه؛ وكذا لو اطلعت البيّنة على اللقطة فشهدت بأنها لفلان وجب دفعها إليه. وذلك من دون فرق ـ في الموردين ـ بين ما لو كان الادّعاء قبل التعريف أم بعده أم في أثنائه. وبناءً عليه فإنه لا يكفي مجـرد الادّعـاء لهـا مـن قبـل العـارف بهـا ـ ولو لحضوره حين الالتقاط ـ في دفعها إليه بدون حصول الاطمئنان بصدقه أو قيام البيّنة على ملكيته لها.
ـ مدة التعريف سنة كاملة إذا كان يرجو وجدان المالك، والأحوط مراعاة التتابع فيها فلا يلفقها من عدة سنوات، كأن يعرفها في كل سنة ثلاثة أشهر مثلاً؛ نعم لو تعذر التعريف عنها في أثناء السنة انتظر ارتفاع العذر ثم تممها من حيث قطعها دون أن يستأنفها من جديد.
هذا إذا كان يحتمل وجدان المالك كما يحتمل عدمه، أما إذا علم بأنه لو زاد على السنة مقداراً يسيراً ـ شهراً أو شهرين ـ لوجده، وجب عليه الزيادة، كما أنه لو علم أثناء السنة بعدم وجدانه وحصل له اليأس منه سقط عنه التعريف، لكن ليس له خيارٌ إلا وجوب التصدّق بها دون ضرورة لاستئذان الحاكم الشرعي.
ـ تجب المبادرة إلى التعريف من حين الالتقاط، فإن لم يبادر إليه عصى إلا أن يكون معذوراً، وفي حالتي المعذورية والعصيان لا يسقط عنه التعريف، بل تلزمه المبادرة إليه حين التوبة أو حين ارتفاع العذر إلا أن يكون التأخير قد طال إلى زمن لا يرجى فيه العثور على المالك بعدها، وحيئنذ يسقط التعريف ويجب عليه التصدّق بها، مع الاحتياط الوجوبي باستئذان الحاكم الشرعي.
ـ لا يعتبر في التعريف كيفية خاصة، إذ المهم أن يصدق عرفاً على الطريقة التي يعتمدها أنها مؤثّرة في إمكان الوصول إلى المالك وتعرُّفِه على ماله الضائع بدرجة يعتد بها، سواءً من حيث مكان التعريف من البلدة أو عدد مرات التعريف أسبوعياً أو كونه بالنداء باللسان أو بكتابة ورقة ووضعها في أماكن تجمع الناس أو بإذاعتها في وسائل الإعلام المستحدثة كالراديو والصحف والتلفزيون وغير ذلك من الكيفيات.
نعم، لا بد أن يكون التعريف في المكان الذي يقوى فيه احتمال وصول خبرها للمالك، فلا يتعين في موضع الإلتقاط، ففي مثل ما لو التقطها في بلدٍ، وعلم أن مالكها مسافر، وقد غادرها إلى بلد آخر، بحيث لا يجدي تعريفها في بلد الالتقاط، يجب عليه تعريفها في البلد الثاني مع الإمكان؛ وكذا لو التقطها في البريّة أو في طريق خارجي عام وعلم أن مالكها قد دخل بلداً بعينه، فإنه يلزمه تعريفها في ذلك البلد مع الإمكان.
ـ لا تعتبر مباشرة الملتقط للتعريف، بل يجوز له الاستنابة فيه مجاناً أو بالأجرة، ولا يسقط عنه التعريف إلا بعد الاطمئنان بقيام النائب به، فيما يسقط عنه إذا تبرع به عنه غيره بمجرد تبرعه، وتبرأ ذمته منه ولو لم يف المتبرع به. وفي هذا الصدد، فإنه لو رغب بدفعها للحاكم الشرعي أو وكيله جاز له ذلك، ولكن لا يسقط عنه التعريف، بل تبقى اللقطة أمانة في يد الحاكم إلى حين انتهاء السنة وتحديد ما سوف يختاره في أمرها بعد قيامه بالتعريف المطلوب.
ـ لا يستحق الملتقط على المالك أجرة على نفس قيامه بالتعريف حتى لو استأجر من ينوب عنه فيه، نعم إذا احتاج التعريف إلى بذل مال زائد، كأجرة الإعلان عنه أو الإنتقال من بلده إلى بلد التعريف، ولم يوجد متبرع به، كما لم يوجد نماء للّقطة يمكن استثماره بعد الاحتياط الوجوبي باستئذان الحاكم الشرعي باستثمار نمائها ومنافعها، ولو ببيع بعضها والإنفاق على التعريف عن الباقي، وجب عليه الإنفاق عليه من ماله، وجاز له الرجوع به على المالك إن نوى الرجوع عليه.
ـ لا يسقط تعريف اللقطة بضياعها من الملتقط ولا بتلفها عنده، سواء قبل شروعه في التعريف أو أثناءه، وتفصيل ذلك كما يلي:
أولاً: إذا ضاعت منه اللقطة فالتقطها غيره، وعلم أنها لقطة، ولم يعرف الملتقط ولا المالك، وجب عليه أن يعرّفها سنة، إلا أن يعلم أن الملتقط الأول قد عرّفها بعض السنة فيتم ما بقي منها؛ ثم إن ظهر مالكها دفعها إليه، وكذا إذ ظهر الملتقط الأول أثناء السنة، واطمأن بقيامه بواجب التعريف عنها بقية السنة بعد احتساب ما عرَّفه الملتقط الثاني منها؛ وإن لم يظهر أحدهما حتى مضت السنة تخير في أمرها بما سيأتي.
ثانياً: إذا تلفت العين عند الملتقط قبل شروعه بالتعريف أو أثناءه، فإن كـان بغيـر تعـد ولا تفريط سقط عنـه التعريـف وليس للمالك ـ إن عرَفَهُ بعد ذلك ـ شيء؛ وإن كان مع التعدي أو التفريط، ومنه ما لو أخل بالمبادرة إلى التعريف، ضمن العين، ولزمه التعريف عنها حتى يتبين المالك بعد السنة فيعوض عليه مثلها أو قيمتها، وإلا تخير فيها بما يناسبه مما سيأتي.
ـ إذا كانت العين مما يعرض عليها الفساد قبل مضي السنة وجب على الملتقط ما يلي:
أولاً: يجب عليه الإحتفاظ بها إلى حين يخشى عليها بعده من التلف، ثم يبيعها لغيره أو يقوّمها على نفسه، ولكن بعد استئذان الحاكم الشرعي بالبيع والتقويم على الأحوط وجوباً، ويحتفظ بثمنها لمالكها، إضافة إلى ذلك فإنه يجب عليه ـ على الأحوط ـ أن يعرّف عنها منذ التقاطها وحتى بعد بيعها إلى مضي السنة، بأن يحفظ صفاتها بعد بيعها ويستمر في التعريف عنها؛ فإذا ظهر مالكها دفع إليه ثمنها إن كان قد باعها لغيره، أو دفع له بدلها من المثل أو القيمة إذا كان قد أخذها هو، وإن لم يعرف مالكها بعد مضي السنة تخير فيها بما يناسبه مما سيأتي.
ثانياً: إذا لم يتيسر له بيعها، ولا رغب هو في أخذها، وجب عليه التصدق بها، ولكن بعد استئذان الحاكم الشرعي على الأحوط وجوباً، ويسقط عنه التعريف بقية السنة بعدما يكون قد احتاط وجوباً في التعريف عنها منذ التقاطها وقبل التصدق بها؛ ولا يضمن بدلها لمالكها إن عرفه بعد ذلك.
ـ إذا التقط في موضع الغربة، فإن كان محطة للسفر، كالمطارات ونحوها، جاز له السفر بها والتعريف عنها ـ مع إمكانه ـ في بلد المسافرين، وإن لم يكن منطلقاً للمسافرين ومحطة لهم لم يجز له السفر بها، بل يجب عليه وضعها عند أمين واستنابة من يوثق به في التعريف عنها؛ وكذا لو وجدها في بلده وأراد السفر، فإن عليه وضعها عند أمين واستنابة من يعرف عنها.
ـ إذا عرّفها سنة بالنحو المطلوب، ولم يظفر بالمالك، فإن كانت اللقطة في مكة المعظمة وما حولها من الحرم وجب عليه أن يتصدق بها عن مالكها على الأحوط وجوباً، وإن كانت في غيرها تخير بين أمور ثلاث:
الأول: أن يتملكها ويتصرّف فيها كما يشاء، لكن لو تبيّن مالكها بعد ذلك لزمه ردها إليه إن كانت عينها باقية، ورد بدلها ـ مثلاً أو قيمة ـ إن كانت تالفة.
الثاني: أن يتصدق بها عن مالكها بدون حاجة لاستئذان الحاكم الشرعي، وإذا تبيّن المالك بعد ذلك ورضي بالتصدق كان له ثواب الصدقة، وإن لم يرض به لزم الملتقط أن يغرم له مثل العين أو قيمتها، وليس للمالك أن يطالب المتصدَّق عليه بالعين إن كانت موجودة، كما ليس له الرجوع بالمثل أو القيمة عليه إن كانت تالفة.
الثالث: أن يبقيها أمانة عنده ما شاء ذلك، فإن ظهر مالكها دفعها إليه إن كانت موجودة، ولا يضمنها له إن كانت تالفة بغير تفريط منه ولا تعدٍ. وحيث يبقيها أمانة عنده فإن له أن يعدل عن عزمه هذا إلى أحد الخيارين الآخرين، فله أن يتملكها أو يتصدق بها وتكون مضمونة عليه في الحالين.
ـ إذا التقط الصبيُّ أو المجنونُ ما لا علامة له مما لا يقبل التعريف كان الولي هو الذي ينوي تملكها عنهما لهما، وليس له أن يحتاط استحباباً بالتصدق بها عنهما. وأما إذا كان لها علامة، ولزمه التعريف عنها بعد أخذهما لها وصيرورتها في عهدته، وعرف عنها بالنحو المطلوب، كانت اللقطة له لا لهما، وصار مخيراً بين أن يتملكها لنفسه أو يتصدق بها أو يبقيها أمانة عنده بالنحو المذكور في المسألة السابقة.
ـ إذا التقط اثنان لقطة واحدة، فإن لم تكن لها علامة جاز لهما تملُّكُها بالسوية، وإن كان لها علامة، وبلغت قيمتها درهماً فما زاد، وجب عليهما تعريفها حتى لو بلغت حصة كل واحد منهما أقل من درهم، فإن تصدى للتعريف أحدهما أو توزعا الحول بينهما بالتساوي أو بالتفاضل أو تبرع به عنهما متبرع فقد تأدى الواجب، فإذا مضت السنة واتفقا على واحد من الخيارات الثلاثة فهو خير، وكانت بينهما بالتساوي إن اختارا تملكها، كما يشتركان في ضمانها في حال تملكاها أو تصدقا بها إذا ظهر المالك بعد ذلك، وإن لم يتوافقا فالأحوط وجوباً عدم انفراد أحدهما بواحد من الخيارات الثلاثة. هذا إذا عرّفا عنها، وأما إذا تركا التعريف بدون عذر ضمناها ولم يسقط التعريف عنهما.