[أرادنا الله في شهر رمضان] أن نذكره بعقولنا لتكون عقول الحقّ، وبقلوبنا لتكون قلوب الخير، وبعملنا ليكون عمل العدل، هذا الشَّهر الَّذي أراد الله لنا أن نذكره فيه بكتابه، بأن نقرأ كتابه قراءة تدبّر وتأمّل، وقد عظَّم الله هذا الشَّهر بأن أنزل فيه القرآن {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}[البقرة: 185]، فكان شهر الهدى وحركة البيّنات التي تقود النَّاس إلى الهدى وإلى الفارق بين الحقّ والباطل..
وأرادنا أن نجلس إليه لندعوه ولنبتهل إليه ونزداد قرباً منه، لنتحدَّث معه عن همومنا كلِّها، وآلامنا كلِّها، وأحلامنا كلِّها، وقضايانا كلِّها، لنتحدَّث إليه، ونطلب منه أن يجعل قلوبنا خالصةً له في كلّ ما ما أرادنا أن نعيشه من الإخلاص له والإيمان به والطَّاعة إليه.
وأرادنا في هذا الشَّهر أن نذكره بصلاتنا، لنصلِّي إليه أكثر مما نصلِّي في أيِّ شهر آخر، حتَّى يكون شهر رمضان شهر الموسم الَّذي روي عن رسول الله (ص) أنَّه قال فيه: "شهر دُعيتُم فيه إلى ضيافة الله، وجُعِلتم فيه من أهل كرامته، أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعاؤكم فيه مستجاب، فاسألوا الله بنيّاتٍ صادقة، وقلوبٍ طاهرة، أن يوفّقكم لصيامه وتلاوة كتابه، فإنَّ الشقيَّ - وهذه كلمة كبيرة جداً - من حُرِم غفران الله في هذا الشّهر العظيم"1، لأنه موسم الطاعة والرحمة والمغفرة والرجوع إلى الله.
ولذلك، ورد في حديث عليّ (ع) عندما جاء عيد الفطر، ورأى النَّاس يتحركون هنا وهناك محتفلين به، قال: "إنَّما هو عيد لمن قبل الله صيامه وقيامه، وكلّ يوم لا يُعصى الله فيه فهو عيد".
فشهر رمضان شهر الطّاعة لله، والعيد عيد السَّعادة بهذه الطاعة. ولذلك، يمكننا أن نجعل كلَّ أيَّامنا أعياداً، إذا كنَّا نحصل على رضا الله في هذا العيد وذاك العيد.
* من كتاب "النَّدوة"، ج 5.
[1]من خطبة الرسول (ص) في استقبال شهر رمضان المبارك.