وفيه مسائل:
ـ يصح جعل المهر عيناً من النقد أو العروض، ومنفعة عين أو منفعة نفس، وحقاً قابلاً للنقل والانتقال؛ فيصح أن يكون المهر ذهباً أو فضة أو عملة ورقية مستحدثة أو داراً أو عقاراً أو ماشية، أو منفعة دار أو عقار أو نجارةً أو فلاحةً أو تعليماً، أو حقاً كحق التحجير والتأليف والإختراع، بل وكحق الاستيراد والتصدير ونحوها من الحقوق المستحدثة؛ ومهما كان نوع المهر فإنه يعتبر فيه أمور:
الأول: أن يكون مما له قيمة مالية عند العرف، فلا يصح أن يكون المهرقَشَّة أو حبة قمح أو نحوهما مما لا يعتد به عند العرف.
الثاني: أن تكون العين مما يصح تملكها من المسلم، فلا يصح جعل المهر خمراً أو نحوه.
الثالث: أن يكون العمل المبذول مهراً، محللاً، فلا يصح أن يجعل مهرها تعليمها الغناء المحرم أو نحوه.
الرابع: تعيين المهر بما يخرجه عن الإبهام والترديد، فلو جعل مهرها إما الدار أو السيارة لم يصح، بل يجب تعيين أيهما هو المهر من حيث نوعه. فيما لا يجب تعيين ذلك النوع في فرد خاص معلوم الأوصاف بالمشاهدة أو الوصف كما سيأتي بيانه في المسألة التالية.
ـ لا يعتبر في المهر أن يكون معلوم الصنف والمقدار بالنحو الذي ذكرناه في البيع وغيره من المعاوضات، بل يكفي جعل المهر عيناً حاضرة مشاهدة، كهذه الكَوْمة من القمح أو هذه اللفافة من القماش أو هذه القطعة من الذهب، ولو جهل مقدارها بالكيل أو الوزن أو العد؛ كما يكفي جعل المهر داراً أو سيارة أو أثاث غرفة نوم دون تحديد أوصاف صنف منها، ويغنـي ـ حينئـذ ـ عند الدفع بذلُ الصنف المتعارف لمثل حال الزوجين إن اتفق أفراد الصنف في القيمة، وإلا كان الخيار للزوجة في اختيار أحدها، ومن ذلك ما لو جعل مهرها أن يبذل لها نفقة حجها، وغير ذلك مما لا يحصى كثرة.
نعم، إذا كانت جهالة الوصف موقعةً في الإبهام، لزم اقترانه بما يرفع إبهامه ويجعله أكثر وضوحاً، ويظهر الأمر من خلال المثال التالي:
إذا جعل مهرها هذه القطعة الذهبية المشاهدة، أو ما يشتمل عليه هذا الكيس من الدنانير الذهبية، صح رغم جهلها بوزن قطعة الذهب، وبعدد ما في الكيس من الدنانير، وذلك لكفاية المشاهدة في رفع اللبس والغرر، فيما لا يصح أن يجعل مهرها (كمية من الدنانير) أو (قطعة ما من الذهب)؛ لأن عدم المشاهدة تجعل الكلام صادقاً على المتناهي في القلة أو الكثرة، ومبهماً من هذه الجهة رغم معرفة النوع. لكنَّ الأفضل والأحوط استحباباً تعيين المهر من جميع جوانبه بما يزيل منه كل لبس وغرر ما دام الأمر متيسراً.
ـ يصح للزوجين أن يجعلا مهر الزواج في أدنى حد تصدق معه المالية، كقلم رصاص، أو خاتم فضة، أو نحوهما، كما يصح أن يجعلاه في أعلى حد من الكثرة، وإن كان يستحب لهما عدم تجاوز قيمة مهر السنة النبوية الشريفة المقدرة بخمسمئة درهـم، والتـي تسـاوي في الـوزن المستحدث حوالي: (1250) غراماً من الفضة. ثم إن شاء الزوج الزيادة عليه وهبها ما يشاء بعد العقد.
ـ يجوز أن يستعاض عن تعيين المهر بأن يُوكِلَه أحدُ الزوجين إلى حكم الآخر، أو إلى حكم غيره، كأبيها أو أخيها أو أجنبي، سواءً توافقا على تحكيمه قبل العقد ـ بحيث وقع العقد مبتنياً عليه ـ أو نصّا عليه في العقد، فإن كان الحاكم هو الزوج أو شخصاً آخر غير الزوجة صح حكمه ونفذ مهما كان مقداره قلة وكثرة، ما لم يكن ثمة ارتكاز عرفي للحد الأقصى الذي لا ينبغي تجاوزه في القلة أو الكثرة، وإلا وجب أن يبقى ما يُعيِّنه غَيْرُ الزوج من المهر في داخل ذلك الحد. وأما إن كان الحاكم هو الزوجة فإنه يصح حكمها في طرف القلة بما شـاءت وفي طـرف الكثـرة بما لا يتجـاوز مهـر السنَّـة ـ على الأحوط وجوباً ـ إذا لم يكن هناك عرف خاص أو عام ينصرف التحكيم إليه.
وإذا مات الحاكم قبل الحُكم وتقدير المهر وقبل الدخول فللزوجة المتعة، وإن مات بعد الدخول فلها مهر المثل إن كان الحُكم إلى الزوج أو إلى شخص آخر غير الزوجة، بل وكذا لو كان الحكم للزوجة.
ـ يجوز لأحد الزوجين في العقد الدائم أن يجعل الخيار لنفسه في فسخ المهر الذي جعلاه في عقد زواجهما، وذلك لمدة معينة، فإذا فسخ صاحب الخيار سقط المهر المسمى وصار أمرهما كما لو لم يذكرا مهراً، فيرجع الزوج إلى مهر المثل مع الدخول، وإلى المتعة بدونه؛ فيما لا يصح اشتراط خيار الفسخ في مهر الزواج المنقطع، وذلك لعدم صحة خلوه من المهر على تقدير الفسخ، فإذا شُرط الخيارُ فيه صح العقد وبطل الشرط.
ـ إذا جعل مهر امرأة نكاح امرأة أخرى، ومهر الأخرى نكاح المرأة الأولى، بطل النكاحان، وهذا ما يسمى بـ (نكاح الشغار)، وهو: (أن تتزوج امرأتان برجلين، على أن يكون مهر كل واحدة منهما نكاح الأخرى، من دون أن يكون بينهما مهر غير النكاحين)، مثل أن يقول أحد الرجلين للآخر: (زوَّجتُكَ بنتي، أو أختي، على أن تزوّجني بنتَكَ أو أختَكَ، ويكون صداق كل منهما نكاح الأخرى) ويقول الآخر: (قبلت وزوجتك بنتي، أو أختي، هكذا).
وحيث يكون العاقد مفوَّضاً من قبل أخته أو بنته البالغة الرشيدة فإنه لو زوج إحداهما لآخر بمهر معلوم، وشرط عليه أن يزوجـه أختـه أو بنتـه ـ مثلاً ـ بمهر معلوم أيضاً، صح العقدان مع توفر شروط الصحة، مثل أن يقول: (زوجتُكَ بنتي، أو أختي على صداق مئة دينار على أن تُزوجني أختك، أو بنتك، هكذا) ويقول الآخر: (قبلتُ وزوجتك بنتي، أو أختي، على مئة دينار)، بل وكذا لو شرط أن يزوجه أخته أو بنته ـ مثلاً ـ ولم يذكر مهراً أصلاً، مثل أن يقول: (زوجتك بنتي على أن تُزوجني بنتك) فقال: (قبلت وزوجتك بنتي)، فإنهيصح العقدان مع توفر سائر الشروط، لكن حيث إنه لم يذكر المهر تستحق كل منهما مهر المثل بالدخول كما تقدم.
ـ لا يصح أن يشرك مع زوجته في المهر الذي سماه لها شخصاً آخر غيرها، كأبيها أو أمها أو أجنبي، فإذا جعل له مقداراً في المهر، كأن قال: «تزوجتك على مهر قدره ألف ليرة ذهباً لك وخمسمئة لأبيك»، أو قال: «تزوجتكِ على مهر قدره ألف ليرة ذهباً على أن يكون منها مئتان لأبيك»، لم يثبت لأبيها شيء، وكان الجميع مهراً لها؛ بل وكذا لا يصح إعطاؤه شيئاً زائداً على المهر إذا شرطه الزوج على نفسه ابتداءً، بأن قال: «تزوجتك على مهر قدره ألف ليرة ذهباً، ولأبيك عليّ مئتا ليرة ذهباً»، فإنه يبطل الشرط ولا تثبت عليه تلك الزيادة. فيما يصح للزوج أن يشرط عليها أن تعطي القريب شيئاً من مهرها، وكذا يصح أن تشرط على زوجها أن يعطيه شيئاً زائداً على مهرها.
هذا إذا أشركه معها أو شرط إشراكه، أما إذا بادر الرجل فدفع من نفسه مالاً لبعض أقارب الزوجة لا بعنوان أنه جزء من المهر، فلا بأس به إن كان بعنوان الجعالة على خدمات قد أداها ذلك القريب للزوج، أو بعنوان الهبة تحبباً إليه واسترضاءً له؛ أما إذا كان دفعه له عن غير رضا منه ولا بطيب نفس، بل من أجل كونه مانعاً من زواجها مع رضاها به زوجاً، فيدفع لذلك القريب كي يرضى بزواجه منها، فإنه يحرم على القريب أخذ المال والتصرف به، وللزوج الرجوع عليه بما أخذه، باقياً كان أو تالفاً.
ـ إذا بطل المهر المسمَّى بسبب الإبهام والترديد، أو لكونه مما لا يملكه المسلم، أو لكونه عملاً غير محلل، لزم الزوجَ مهرُ المثل مع الدخول، إلا أن يكون المهر المسمَّى أقل قيمة منه فيتصالحان في مقدار التفاوت.
وحيث تستحق المرأة مهر المثل فإنه يجب دفعه لها بالنقد المتعارف في بلد العقد، إلا أن يتراضيا على غيره من الأعيان أو المنافع أو النقود الأخرى، والمعيار في تقدير مهر المثل هو: ملاحظة المهر الذي يعطى في غالب الأحيان لمن هي على مثل حال المرأة وصفاتها، من السن والبكارة والوعي والثقافة والجمال والشرف والعشيرة والبلد وغيرها من الأمور التي يرى العرف أن لها دخالة في تقدير المهر، بما في ذلك دخالة حال الزوج المتقدم لخطبتها.
ـ يجوز جعل المهر كلِّه حالاًّ غير مؤجل، أو كلّه مؤجلاً، كما يجوز أن يجعل بعضه حالاًّ والبعض الآخر مؤجلاً؛ ولا بد في المؤجل من تعيين الأجل بما لا يكون معه مبهماً تماماً، فيكفي كونه مثل: عودة الحجاج، أو موسم الحصاد، بل يصح أن يكون بما هو أقل وضوحاً، كجعل الأجل حدوث الطلاق أو موت أحدهما، وهو المتعارف عليه في بعض البلدان بـ (أقرب الأجلين)، أو جعل الأجل وقت القدرة والاستطاعة، وجميع ذلك إنما يصح في قبال المبهم البحت، كالتأجيل إلى (زمان ما) أو إلى (ورود مسافر ما) أو نحو ذلك، فإنْ أجَّلهُ كذلك صحَّ العقدُ والمهرُ ولغى التأجيل، فيجوز للمرأة طلبه ساعة تشاء.