وفيه مسائل:
ـ إذا تم العقد مستكملاً لشروطه، فإن كان حالاًّ وجب عليه مع القدرة تسليمها تمام المهر الذي سماه لها ولو لم يدخل بها بعد، ويترتب على عدم تسليمه لها أمران:
الأول: يعتبر المهر مضموناً عليه حتى يسلمه إذا كان معيناً أو من قبيل الكلي في المعين، فإن تلف قبل تسليمه ضمن لها مثله إن كان مثلياً، وقيمته إن كان قيمياً أو مثلياً لا فرد له؛ سواءً كان تلفه مع التعدي أو التفريط أو بدونهما. نعم، لو كان التلف بفعل الأجنبي تخيرت بين الرجوع على المتلف أو على الزوج، فإذا رجعت على الزوج كان لزوجها أن يرجع على الأجنبي.
الثاني: يحق للزوجة أن تمتنع عن تمكينه من الاستمتاع بها ولو بما دون الجماع من الاستمتاعات حتى لو كان معذوراً في ترك التسليم، فإن رضيت بأن يستمتع بها ـ والحال هذه ـ ومكنته من الدخول بمحض اختيارها، لم يكن لها أنْ تمنعه نفسها بعد ذلك، وأما لو مكنته من نفسها بما دون الدخول فإن لها أن تمنعه من الدخول. وأما إذا استمتع بها من دون رضاها، كما لو كانت مجبرة أو مكرهة أو نائمة، فلا أثر له ولا يسقط به حقها بالامتناع عن تمكينه منها بعد ذلك.
هذا إذا كان المهر حالاًّ، فإن كان بعضه حالاًّ والبعض الآخر مؤجلاً: فإنْ منعها من الجزء الحال ـ ولو لعجزه عن تسليمه ـ جرى عليها حكم ما لو كان المهر كله حالاًّ بنفس النحو الذي ذكرناه آنفاً؛ وأما إن دفع لها الجزء الحالَّ، أو كان المهر كله مؤجلاً، فليس لها أن تمنعه نفسها بالنحو المطلوب منها.
ـ إذا تولى الأب أو الجد للأب تزويج الصغير، فإن لم يكن للصغير مال حين العقد كان المهر على الولي، وكذا لو كان له مال وكان الولي قد ضمن المهر من ماله، وأما إذا لم يضمنه فالمهر على الصغير إذا لم يكن أزيد من مهر المثل، أو كانت مصلحة في تزويجه بأكثر منه، وإلا صح العقد وتوقف ثبوت المهر المسمى في مال الطفل على إجازته بعد البلوغ، فإن لم يجز ثبت عليه مهر المثل، ولم يكن للزوجة الرجوع بالزائد عنه على الولي.
ـ لا يعتبر أن يكون المهر من الزوج أو من وليه، بل يجوز أن يتبرع به غيرهما، قريباً كان أو غريباً، فإن امتنع المتبرع عن دفع المهر لها بعد العقد وقبل التمكين، كان لها أن تمنع زوجها من نفسها حتى يدفع لها المتبرع أو غيره، في حين لا يحق لها أن تطالب به الزوج ولو بعد أن مكنته من نفسها.
ـ إذا كان المهر المدفوع للزوجة متبَرَّعاً به من غير الزوج، ولياً كان ذلك الغير أو أجنبياً، وصادف أن طلق الزوج زوجته قبل الدخول واسترجع منها نصف المهر، كان ذلك المُسْتَرجع للزوج لا لمن تبرع به، لكونه ـ حين التبرع ـ بمثابة الهبة له عرفاً، وإن كان لا بأس بالاحتياط بالتراضي عليه بين الزوج والمتبرع به.
ـ إذا دفع لها المهر المعين، كهذه السيارة أو الدار، فوجدت به عيباً منذ أصدقها إياه ـ أو بعد أن أصدقهـا إيـاه ولكـن قبـل القبـض ـ لم يسقط مهرها المسمى كي يستعاض عنه بمهر المثل، بل تتخير بين رده بالعيب والمطالبة ببدله من المثل أو القيمة وبين القبول به على ما هو عليه من العيب دون أن تطالب بالأرش.
ـ إذا حصل للصداق نمـاء متصل ـ كسمن الدابة وكبر الشجرة ـ ثم طلقها قبل الدخول، لزمها أن ترد له نصف مثله أو نصف قيمته بالحالة التي هو عليها من النمو لا بالحالة التي كان عليها حين دفعه مهراً؛ وأما النماء المنفصل ـ كالولد واللبن ـ فإنه بتمامه للزوجة إلا ما كان منه حملاً حين أصدقها إياه بحيث كان الحمـل جـزءاً من الصـداق، فإنَّ عليهـا ـ حينئذ ـ رد النصف من الأم والولد إن ولدته عندها.
ـ في كل مورد يكون فيه الصداق عيناً، ويطلقها قبل الدخول، وتكون فيه العين قابلة للقسمة فإنهما يقتسمانها ويذهب كل منهما بنصفها، وإن لم تكن قابلة للقسمة فإن عليهما أن يتراضيا على حلٍ بشأنها، مثلهما فيها مثل كل شريكين في العين الواحدة، وهو ما سبق ذكره مفصّلاً في باب الشركة من هذا الجزء.
ـ إذا جعل مهرها تعليمها الخياطة أو الكتابة أو نحوهما من الحِرَف أو المعارف، ثم طلقها قبل الدخول، كان لها عليه نصف أجرة تعليمها، ولو كان قد علمها قبل طلاقها رجع عليها بنصف الأجرة.
ـ يصح للمرأة البالغة الرشيدة أن تعفو عن جميع مهرها أو عن بعضه، وذلك بأن تسامحه به وتبرأ ذمته منه إن كان ديناً، أو بهبته له إن كان عيناً، فإن كان إبراءً لزمها، ولم يكن لها أن تتراجع عنه، وإن كان هبة جرى عليها ـ من هذه الجهة وغيرها ـ حكم الهبة، ومما يحسن الالتفات إليه في هذا المقام أمران:
الأول: لو فرض أنها أبرأته من جميع مهرها، ثم طلقها قبل الدخول، كان له أن يطالبها ـ رغم ذلك الإبراء ـ بنصف مهرها الذي سماه لها، ولم ينفعها ذلك الإبراء في سقوط حقه بأخذ نصف المهر منها؛ لأن إبراءها له منه بمنزلة ما لو كانت قد أتلفته أو وهبته لغيره وأتلفه. ولو فرض أنها أبرأته من نصف المهر ـ لا من جميعه ـ ثم طلقها قبل الدخول، جاز له الرجوع بالنصف الباقي.
الثاني: لو فرض أن مهرها كان عيناً، فوهبتها له جميعها ثم طلقها قبل الدخول، جاز له الرجوع عليها بنصف مثلها في المثلي، ونصف قيمتها في القيمي؛ وذلك لنفس ما ذكرناه في الإبراء الآنف الذكر. ولو فرض أنها وهبته نصف العين مشاعاً أو معيناً ثم طلقها قبل الدخول، كان النصف الباقي بينهما، وكان له ـ إضافة لذلك ـ مطالبتها بنصف مثل الموهوب أو نصف قيمته.
هذا، ولكن حالها مع الهبة في هذا الأمر الثاني مختلف عن حالها مع الإبراء، إذ إن لها أن ترجع بما وهبته من مهرها إذا كانت عينه ما تزال موجودة عنده، ولم يكن زوجها من أرحامها، فيما لا يصح لها أن ترجع بما أبرأته منه، فليلتفت إلى ذلك.
ـ يجوز لولي الزوجة القاصرة لصغر أو جنون أو سفه، أباً كان الولي أو جداً أو غيرهما، أن يعفو عن بعض المهر، بل عن جميعه، مع وجود مصلحة لها لا تتأدى بغير ذلك؛ أما الوكيل عن البالغة الرشيدة، أو عن ولي القاصرة، فإنه يقتصر على ما حدَّه له الموكِّل في ذلك من العفو ومقداره أو عدم العفو.
ـ إذا دفع الزوج لزوجته شيئاً آخر عوضاً عن المهر المسمى، ثم طلقها قبل الدخول، لزمه الرجوع عليها بنصف المهر لا بنصف العوض.
ـ إذا اختلف الزوجان بعدما طلّقها في تحقّق الدخول وعدمه، فادّعت الزوجة تحقّقه وأنكر الزوج ذلك، فإن كان قولها موافقاً للظاهر ـ كما إذا عاشا معاً مدة من دون وجود مانع شرعي أو غيـره لأيّ منهمـا عن الدخـول ـ فالقول قولها بيمينها، وإلاّ كان القول قول الزوج بيمينه. وله أن يدفع اليمين عن نفسه بإقامة البيّنة على العدم إن كانت له بيّنة عليه ـ بناءً على ما هو الأقوى من إغناء بيِّنة المدعى عليه عن يمينه ـ فتشهد البيّنة على عدم التلاقي بينهما بعد العقد لسفر أو نحوه، أو تشهد على بقاء بكارتها فيما إذا ادعت الدخول قُبُلاً وفرض المنافاة بين الدخول وبين بقائها كما هو الغالب.
ـ إذا اختلف الزوجان في أصل المهر فادّعته الزوجة وأنكره الزوج، فإن كان ذلك قبل الدخول ولم يكن لها بيّنة، فالقول قوله بيمينه، وكذا إذا كان بعد الدخول وادعت عليه أزيد من مهر المثل، وأما إذا ادعت عليه مهر المثل أو ما هو أقل منه فالقول قولها بيمينها، إلاّ أن يقيم الزوج البيّنة على أدائه إليها أو عفوها عنه أو تكفل الغير به ونحو ذلك، فإن أقام البينة حكم له وإلاّ فله عليها اليمين، فإن حلفت حكم لها، وإن نكلت عن الحلف ولم تردَّه على المدعي جاز للحاكم أن يحكم عليها، كما أن له أن يرد الحلف على المدعي استظهاراً، فإن ردت الزوجة اليمين على الزوج أو ردها الحاكم عليه فحلف حكم له، وإن نكل حكم عليه.
ـ إذا توافقا على أصل المهر واختلفا في مقداره، كان القول قول الزوج بيمينه، إلاّ إذا أثبتت الزوجة دعواها بالموازين الشرعية، وكذا إذا ادعت كون عين من الأعيان ـ كدار أو بستان ـ مهراً لها وأنكر الزوج، فإن القول قوله بيمينه إذا لم تكن عندها بينة.
ـ إذا اختلفا في التعجيل والتأجيل، فقالت المرأة: إنه حال معجّل. وقال الزوج: إنه مؤجل، ولم تكن بيّنة، كان القول قولها بيمينها، وكذا لو اختلفا في زيادة الأجل، كما إذا ادعت أنه سنة وادعى أنه سنتان.
ـ إذا توافقا على المهر وادعى تسليمه ولا بيّنة، فالقول قولها بيمينها.