يشترط في تحقق التذكية بالذبح أو النحر أمور:
الأول: يتحقق الذبح من كل مسلم، ذكر أو أنثى، مؤمن أو فاسق أو مخالف، مختار أو مكره، لأن المهم هو تحقق الذبح بالشروط المعتبرة من واحد من هؤلاء، أما الكافر فإنه إن كان ملحداً لا يؤمن بالله تعالى ولا يتصور صدور التسمية منه فإن ذبيحته لا تحل أبداً، وإن كان ممن يؤمن بالله تعالى، فإن كان من غير أهل الكتاب لم تحل ذبيحته أيضاً حتى لو سمى على الأحوط وجوباً، وإن كان من أهل الكتاب حلت ذبيحته إذا سمى، وإن كان الأحوط استحباباً تجنبها.
م ـ105: لا يشترط في أصل الذبح بلوغ الذابح سن التكليف، نعم يستشكل في أمره من ناحيتين: الأولى: من جهة صدق كونه مسلماً، فإن ولد المسلم لا يلحق بأبيه في الإسلام مطلقاً، إلا أن يُربّى وتُوضّح له الأمور بالنحو الذي يصدق عليه أنه ولد مسلم، فتصح ذبيحته من هذه الناحية حينئذ؛ والثانية: من جهة إمكان عدم تحقق القصد منه لصغره، فإن كان في سن يتحقق فيها القصد منه ويعي ما يفعل حلت ذبيحته ولو لم يكن بالغاً.
الثاني: يجب أن يتمتع الذابح بدرجة من الشعور يتحقق معها القصد إلى الفعل والوعي له، فلا تحل ذبيحة من وقعت السكين من يده فذبحت الحيوان، ولا ذبيحة الصغير الذي لا يتحقق منه القصد، أما المجنون والسكران فإن ذبيحتهما تحل إذا كان عندهما مرتبة من الوعي يتحقق فيها القصد، وإلا لم يصح منهما.
الثالث: استقبال القبلة بالذبيحة حال الذبح، فإن أخل بالاستقبال عالماً عامداً حرمت، وإن كان نسياناً أو للجهل بالاشتراط أو خطأً منه في جهة القبلة، بأن وجهها إلى جهة معتقداً أنها القبلة فتبين الخلاف، لم تحرم في جميع ذلك؛ وكذا تحل الذبيحة ـ أيضاً ـ إذا لم يعرف القبلة، أو لم يتمكن من توجيهها إليها ولو بالاستعانة بالغير واضطر إلى تذكيتها في حالتها تلك، كالحيوان المستعصي أو المتردي في البئر ونحوه.
م ـ106: إذا خاف موت الذبيحة لو اشتغل بالاستقبال بها إلى جهة القبلة فالظاهر عدم لزومه.
م ـ107: لا يشترط في الذبح استقبال الذابح نفسه وإن كان ذلك أحوط.
م ـ 108: يتحقق استقبال الحيوان فيما إذا كان قائماً أو قاعداً بما يتحقق به استقبال الإنسان حال الصلاة في الحالتين، وأما إذا كان مضطجعاً على الأيمن أو الأيسر فيتحقق باستقبال المنحر والبطن، ولا يعتبر استقبال الوجه واليدين والرجلين.
الرابع: تسمية الذابح عليها حين الشروع في الذبح أو متصلاً به عرفاً، فلا يجزىء تسمية غير الذابح عليها، كما لا يجزىء الإتيان بها عند مقدمات الذبح كربط المذبوح؛ وإذا ترك التسمية عمداً حرمت وإذا تركها نسياناً أو جهلاً لم تحرم.
م ـ109: يعتبر في التسمية وقوعها بهذا القصد، أي بعنوان كونها على الذبيحة بداعي الذبح، فلا تجزىء التسمية الاتفاقية أو الصادرة لغرض آخر، ولا يعتبر أن يكون الذابح ممن يعتقد وجوبها في الذبح، فيصح الذبح من غير المعتقد إذا كان قد سمّى.
م ـ110: يجوز ذبح الأخرس، ويُكتفى في تسميته بتحريك لسانه وشفتيه تشبيهاً لمن يتلفظ بها مع ضم الإشارة بالأصبع إليه، هذا في الأخرس الأصم من الأول، وأما الأخرس لعارض مع التفاته إلى لفظها فيأتي به على قدر ما يمكنه، فإن عجز حرّك لسانه وشفتيه حين إخطاره بقلبه، وأشار بإصبعه إليه على نحوٍ يناسب تمثل لفظها إذا تمكن منها على هذا النحو، وإلا فبأي وجه ممكن.
م ـ111: تتحقق التسمية بذكر الله تعالى مقروناً بلفظ من ألفاظ الثناء والتعظيم، مثل "الله أكبر" و"بسم الله" ونحو ذلك، بل يكفي ذكر لفظ الجلالة وحده من دون إضافة شيء إليه. وقد سبق ذكر ذلك في شروط الصيد المتقدمة.
الخامس: تحَقُّقُ قطع الأوداج بكل ما يقطعها من الآلات المعدنية الحادة، سواء في ذلك معدن الحديد أو غيره من المعادن، كالنحاس والذهب والفضة ونحوها، فضلاً عن أنه يجوز الذبح بالحديد المطلي ببعض المعادن الأخرى، مثل الستيل ونحوه.
وإذا لم يوجد المعدن جاز الذبح بكل ما يقطع الأوداج من غيره، حتى لو لم يكن هناك ضرورة تدعو للاستعجال في الذبح، كالخوف من تلف الحيوان وموته بالتأخير، فيصح الذبح بالقصب والخشب والحجارة الحادة والزجاجة ونحو ذلك. أما الذبح بالظفر والسن فلا تحل به الذبيحة ولو كان للضرورة.
السادس: قطع الأوداج الأربعة، وهي ـ كما تقدم ـ: عرْقا الدم الرئيسان الواقعان في جانبي الرقبة، والحلقوم والمريء؛ ولا يغني شقها وقطعها جزئياً عن القطع التام الكلي، كذلك فإنه يجب قطع الأربعة جميعها، فلا يغني قطع الحلقوم عن قطع سائر الأوداج، ولا غيره عن غيره؛ ولا بد من حدوث هذا القطع أثناء حياة الحيوان بنحو يستند الموت إلى قطع الأوداج الأربعة بتمامها، فلو قطع بعضها فمات الحيوان ثم قطع الباقي لم يحل.
م ـ112: قد أفاد أهل الخبرة أن القطع من فوق "الجوزة" بالنحو الذي تبقى الجوزة فيه مع الجسد لا يعتبر قطعاً لتمام الأوداج وإن مات الحيوان به، فاللازم القطع من تحت الجوزة كي تبقى مع الرأس ويتحقق بها قطع الأوداج، لكنّ الذابح إذا أخطأ فذبح الحيوان من فوق الجوزة فالتفت وبادر إلى ذبحه من تحتها قبل موته صحّ ذبحه وحلّ به.
م ـ113: إذا طرأ حادث على الحيوان استلزم إشرافه على الهلاك، كأن مرض أو افترسه سبع أو أصيب بجرح بالغ أو نحو ذلك، فحاله - حينئذ - على نحوين: الأول: أن تبقى أوداجه سليمة، فيحل بالذبح ولو لم تعلم حياته إلا من حركة يده أو طرفة عينه. الثاني: أن يستلزم ذلك الحادث تمزق بعض أوداجه، فإذا أدركه حياً وقطع بالذبح باقي الأوداج حل كذلك، أما إذا سبّب الحادث قطع أوداجه الأربعة فإنه لا يحل بإمرار السكين عليها بعد انقطاعها كلها.
م ـ114: يجوز قطع الأوداج من القفا وتحل به الذبيحة، وإذا قطع الأوداج من جهة المذبح فإنه يجوز غرز السكين في رقبة الحيوان تحت العروق ثم تحريكها إلى الأمام لقطع الأوداج بها، وتحل بذلك الذبيحة أيضاً.
م ـ115: ينبغي أن لا يستمر الذابح في حز المذبح حتى يفصل الرأس عن الجسد، فإن فعل ذلك عمداً لم تحرم به الذبيحة ولم يأثم وإن كُرِه منه ذلك، ولا شيء فيه لو حصل سهواً أو لحدة السكين.
ومن ذلك ما لو استمر في الحز حتى أصاب نخاعها، و(النخاع) هو: (الحبل الممتد من الرأس في الرقبة نزولاً في سلسلة الظهر)، فإنه يكره تعمد ذلك ولا تحرم به الذبيحة.
م ـ116: ما ذكر في قطع الأوداج الأربعة إنما هو خاص بما يقبل الذبح من الحيوانات، وهي ـ كما سبق القول ـ ما عدا الجمل من حيوانات البر الأهلية أو الوحشية ومن الطيور أيضاً، أما الجمل فقد أشرنا سابقاً إلى أنه ينحر نحراً، وكيفية النحر هي: أن يدخل الآلة الحادة من سكين أو غيرها في الموضع الذي يقال له (لُبَّة)، وهو الذي قلنا سابقاً: "إنه الموضع المنخفض الواقع في أعلى الصدر متصلاً بالعنق"، بدون فرق بين أن تكون قائمة أو باركة أو ساقطة على جنبها، والأفضل نحرها قائمة.
وقد قلنا ـ أيضاً ـ: "إن النحر لا يغني عن الذبح في غير الجمل، وإن الذبح لا يغني عن نحر الجمل"، كذلك فإنه يشترط في النحر جميع ما يشترط في الذبح عدا قطع الأوداج الذي يكون بديله في النحر هو الطعن في اللبة لا غير.