تعتبر "الطريق" منذ القدم ركيزةً أساسية في مدنية الإنسان وعاملاً مهماً في ازدهار حركته العمرانية والاقتصادية، بل وفي سائر شؤونه، وقد اعتنى الفقه الإسلامي بالتشريع لهذا الجانب ولما يتبعه ويتعلق به أو يتشابه معه في كونه - حسب المصطلح الفقهي - من (المشتركات) التي يحق الانتفاع بها لجميع الناس - أو لقسم خاص منهم - على حدٍّ سواء، مثل المرافق العامة، والمساجد والمباني الحكومية ونحوها؛ غير أن مثل هذه الأمور لما كانت خاضعة في كثير من شؤونها وتفاصيلها لتطور الزمان وتغير حاجة الإنسان، فإن ما دوّنه الفقه الإسلامي من مسائلها قد لحظ في مصاديقه وتطبيقاته نمط العمارة القديمة وحاجة المجتمع الزراعي الذي كان يستخدم الدواب في التنقل ويعتمد عليها، لذا فإننا سوف ندوّن ما أثر في هذا الفقه من زاوية كونه أصلاً مجرداً ملحوظاً بالمطلق، بغضّ النظر عن ملابسات ظروف كل عصر وحاجاته، فيما نؤكد منذ الآن أن الدور الأساس في شؤون الطرق والمرافق العامة سيكون للحاكم الشرعي وقوانينه التي سيضعها لتخطيط المدن وحركة التنقل فيها، ولكيفية الاستفادة من المرافق العامة والانتفاع بها، بحسب حاجة كل زمان يكون فيه الحاكم مبسوط اليد.
ثم إنه لما كانت موضوعات هذا الباب مختلفة في طبيعة الانتفاع منها وفي أحكامها، فإن ذلك قد استدعى استيفاء ما يتعلق بها في أكثر من مبحث، وذلك على النحو التالي: