(الشفعة) من الحقوق المترتبة على الاشتراك في المال، فهي تابعة لمبحث الشركة وملحقة به، ورغم أنها ـ على بعض الأقوال ـ لا تثبت إلا عند بيع أحد الشريكين حصته المشاعة، فإننا لم نلحقها بمباحث البيع من أجل ذلك، بل رأينا أنها ألصق وأمسُّ بمباحث الشركة منها بغيرها. كما أننا قد أفردناها بباب خاص بها لتمايز بحوثها عن مباحث الشركة ولكثرة مسائلها وتشعب فروعها، وهي التي سوف نستعرضها في عدد من المباحث بعدما نكون قد تناولنا في هذا التمهيد تعريف الشفعة وذكر بعض الخصائص المستخرجة من التعريف، فنقول:
(الشفعة) هي: (حق يقتضي أولوية أحد الشريكين بتملك حصة الآخر المشاعة إذا نقلها عن ملكه لغير شريكه بعوض، وذلك بنفس العوض المدفوع فيها من قبل الغير).
ولعل إسم (الشفعة) مأخوذ من (شَفَعَ) به إليه، أي: توسل به إليه. حيث تكون الشركة القائمة بينهما على نحو الإشاعة هي التي تشفع، أي: هي التي بها يُتَوسل لنيل حصة الشريك من غيره الذي انتقلت إليه، لأنه صار بهذه (الشركة = الوسيلة) أولى بالحصة من غير الشريك.
وعلى ذلك فإن حق الشفعة يتميز من حيث طبيعته بأمور:
الأول: إنه حق متولد من عُلْقة الشركة القائمة بين اثنين لا أكثر، فيسقط بالإسقاط، ولا ينتقل بغير الإرث من النواقل، كالبيع والهبة والوصية ونحوهما.
الثاني: إنه إيقاع، فلا يترتب عليه الأثر إلا بإنشائه باللفظ الدال عليه، كأن يقول الشفيع: «شفعت في البيع»، أو: «أخذت المبيع بثمنه»؛ أو بإيقاعه بـ(الفعل)، كأن يدفع الثمن للمشتري بقصد أخذ المبيع منه.
الثالث: إن هذا الحق، وإن كان قائماً ضمناً وبمقتضى الشراكة قبل بيع أحد الشريكين حصته، لكنه لا يكون مُنجَّزاً وفعلياً إلا بعد قيام الشريك ببيع حصته لغير شريكه، فلا يصح للشفيع إلزام شريكه بالبيع له إذا علم أنه سيبيع حصته لغيره ما لم يتحقّق هذا البيع للغير فعلاً، وذلك لأن حق الشفيع موجود عند المشتري، لا عند شريكه البائع، فلا يَتَنَجَّز له إلا بعد الشراء لا قبله.
الرابع: يظهر من قولنا: «إذا نقلها عن ملكه لغير شريكه بعوض» أن الشفعة لا تختص بما لو كان النقل بالبيع وحده، بل تجري فيما لو كان النقل بغيره من النواقل المعاوضية، كالهبة المعوضة والصلح المعوض، دون غير المعاوضية، كالهبة المجانية وكجعلها مهراً ونحوهما.