وفيه مسائل:
م ـ 9: الاجتهاد: هو بذل الجهد في استخراج الأحكام الشرعية من مصادرها المعتبرة، وذلك بعد حيازة العالـم وإلمامه بالمقدار اللازم من العلوم التي لها علاقة بالشريعة، والتي تعطيه المقدرة على ذلك.
م ـ 10: لما كان الاجتهاد من الأمور المهمة في حياة الأمّة، فإنَّه يعتبر واجباً كفائياً على كلّ فرد، فإذا تصدّى له وقام به من تتحقق به الغاية سقط الوجوب عن سائر المكلّفين، وإذا لـم يتصدّ إلاَّ غير القادر مالياً جاز البذل له من أموال الحقوق الشرعية، وإلاَّ وجب على النّاس البذل من أموالهم.
م ـ 11: حيث يحوز المجتهد على ملكة الاستنباط ويملك المقدرة عليه فإنَّه يمكن أن تسنح له الظروف ويؤاتيه الوقت ليستخرج جميع الأحكام التي يحتاج إليها، أو معظمها، فهذا هو المجتهد المطلق. وقد لا تؤاتيه الفرصة إلاَّ لاستنباط بعض الأحكام في بعض النواحي، فهذا هو المجتهد المتجزئ. فالإطلاق والتجزؤ ـ عندنا ـ لا يتحقّق في نفس القابلية والملكة، بل في مدى المبذول ومساحته، من جهة مواءمة الظروف وعدمها، خلافاً لمن يرى غير ذلك من الفقهاء.
م ـ 12: لا يجوز للمجتهد تقليد غيره، بل يجب عليه العمل برأي نفسه في كلّ مسألة له رأي فيها. نعم في المسائل التي ليس له رأي فيها يجوز له تقلد غيره إلى أن يصبح له رأي خاص فيها، كما يجوز له العمل بالاحتياط، من دون فرق في ذلك بين المجتهد المطلق والمتجزئ.
م ـ 13: يعرف اجتهاد العالـم ـ وكذا أعلميته ـ بأمور:
الأول: المعرفة المباشرة بالمجتهد من قبل الخبير القادر على التمييز ولو لـم يكن مجتهداً، وذلك من خلال التعلّم عنده أو تعليمه، أو من خلال محاورته ومناقشته، أو من خلال الاطلاع على بحوثه ومؤلفاته، وذلك بنحو يحصل له اليقين أو الاطمئنان القريب من اليقين بأنَّه مجتهد.
الثاني: اشتهار وشيوع اجتهاده بين النّاس أو في الحوزات العلمية، بنحو يفيد اليقين أو الاطمئنان باجتهاده.
الثالث: شهادة أهل الخبرة، وتتحقّق بشهادة العدلين، أو العدل الواحد، أو الثقة. والخبير ـ في حدّه الأدنى ـ من له مرتبة من الفضيلة العلمية والمعرفة بالفقه والأصول تجعله قادراً على التمييز واتخاذ الموقف الواضح من اجتهاد الآخر أو أعلميته، ولا يشترط فيه الاجتهاد. وعند اختلاف أهل الخبرة لا تتساقط الشهادات، بل يُرجَّح بينها بقوّة الخبرة عند التفاوت فيها، أو بكثرة الشهادات في هذا الجانب وقلتها في الآخر عند التساوي في مستوى الخبرة أو عدم العلم بالتفاوت، وذلك جرياً على طريقة العقلاء في تقديـم بعض الخبراء على بعض عند وجود المرجحات، ومع فرض التساوي في الخبرة والعدد تتساقط الشهادات.
م ـ 14: لا يجب على كلّ مكلّف السعي بنفسه لسؤال أهل الخبرة واستماع الشهادة أو ملاحظة الشياع، بل يجوز لمثل الولد والزوجة والعامي الاكتفاء بتحري مثل الأب والزوج والعالـم غير الخبير عن اجتهاد العالـم، وذلك إذا حصل لهم الاطمئنان بمعرفة المتحري ودقته، وبذل الجهد للوصول إلى النتيجة من طرقها المعتبرة شرعاً.
م ـ 15: للمجتهد وظيفتان، الأولى: إصدار الفتوى المطابقة لرأيه للراغبين في الرجوع إليه والعمل بفتواه، وقد اصطلح على تسميته بـ "المرجع". والثانية: الحكم بين النّاس، وذلك في مقام التقاضي عنده في الخصومات والمنازعات، أو في مقام الرعاية للأمور الحسبية، مثل الأوقاف والقاصرين ونحوهما، أو في مقام التصدّي للقضايا العامة للأمّة فيما لو صار في موقع الحكم والولاية العامة، وهو ما يصطلح عليه بـ (الحاكم الشرعي) أو (الفقيه الولي). ولما كانت شروط وأحكام كلّ واحد منهما مختلفة عن الآخر فإنَّنا نفصل ذلك تحت هذين العنوانين: