في مقابلة مع وكالة الأنباء تريند نيوز الآذرية فضل الله: نحن أحوج ما نكون إلى فتح مجالات الحوار والتّقارب بين الطّوائف والمذاهب الإسلاميّة

في مقابلة مع وكالة الأنباء تريند نيوز الآذرية فضل الله: نحن أحوج ما نكون إلى فتح مجالات الحوار والتّقارب بين الطّوائف والمذاهب الإسلاميّة

في مقابلة مع وكالة الأنباء تريند نيوز الآذرية

فضل الله: نحن أحوج ما نكون إلى فتح مجالات الحوار والتّقارب بين الطّوائف والمذاهب الإسلاميّة


في حديث شامل لوكالة الأنباء (تريند نيوز)، حثّ سماحة العلّامة المرجع، السيّد محمّد حسين فضل الله، على فتح مجالات الحوار والتّقارب بين المسلمين من أجل تبديد المؤامرات والفتن، داعياً إلى ضرورة تثقيف المهاجرين المسلمين في أوروبا بالثّقافة الصّحيحة والشّرعيّة، لكي يقدّموا إلى العالم صورة الإنسان المسلم على حقيقتها، منتقداً تركيبة لبنان الطّائفية والمذهبيّة الّتي تعزّز التّداخل  بين رجال الدّين ورجال السّياسة الّذين يغلّبون المنافع الشخصيّة على المصالح العامّة. وهذا نص الحوار :

المجلس السنِّي والشّيعي

س: كيف ترى دعوة الشّيخ رفسنجاني إلى إنشاء المجلس السنِّي والشّيعي لإنهاء الخلافات بينهما، والّذي قد يضمّ علماء إيرانيّين وسعوديين؟ وكيف يساعد اشتراك تركيا ـ إحدى أكبر بلدان المسلمين وأقواها ـ في إنشاء وتركيز المجلس من المذهبين الشّيعي والسنيّ؟

السيّد فضل الله: إنّنا مع أيّ توّجهٍ سياسيّ أو شرعيّ أو عقيديّ أو اجتماعيّ أو ثقافيّ أو فكريّ يسعى لتقريب الطّوائف والمذاهب الإسلاميّة بعضها من بعض، ونحن نرى أنّه في ظلّ ما يُحكى وما نرى ونلحظ من محاولاتٍ استكباريّة لشقّ الصفّ الإسلاميّ، وزرع التّفرقة بين المسلمين، ودقّ الأسافين القاتلة بين قواهم وطوائفهم ومذاهبهم، وتسميم مناخات التآلف فيما بينهم، نرى أنّه من المفيد العمل على الاستفادة من أيّ طرحٍ صادقٍ يجمع المسلمين بعضهم إلى بعض، لأنّنا أحوج ما نكون إلى فتح مجالات الحوار واللّقاء على أوسع مدى ممكن. ونحن نرى أنّ توسيع هذه المجالات لتشمل دولاً وشخصيّاتٍ وأحزاباً، من شأنه أن يعزّز منحى الاتّحاد والتّقارب، ويحول دون تسلّلٍ باذري بذور الفتن ومفتعلي الخلافات ومدبّري المؤامرات والمكائد لتحريض شعوب الأمّة الإسلاميّة ودولها لمواجهة بعضهم بعضاً.

ومن جهةٍ أخرى، فإنّنا نرى أنّ التّقارب بين المسلمين سوف يبدّد الهواجس، ويخلق مناخاتٍ من الثقة، ويعزِّز المشتركات فيما بين المسلمين، إلى أيّ مذهب انتموا، ويحول دون تحوّل الاختلاف حول بعض الأمور والقضايا إلى مسائل خصام ونزاع أو صراع...
من المفيد العمل على أيّ طرحٍ صادقٍ يجمع المسلمين بعضهم إلى بعض، ونحن أحوج ما نكون إلى فتح مجالات الحوار واللّقاء على أوسع مدى ممكن.

تداخل السياسة مع الدين في لبنان


س: بأيّة درجة يؤثّر العمل الدينيّ في الوضع السياسيّ في لبنان؟ هل هناك قضايا داخل السياسة اللّبنانية يمكن حلّها عن طريق إجراء المشاريع الدينيّة؟

السيّد فضل الله: لعلّ لبنان من البلدان التي يتداخل فيها الشّأن الدينيّ والشأن السياسيّ إلى حدّ كبير، لأنّ تركيبة لبنان الطّائفيّة والمذهبيّة تعزّز تداخل الشّأنين، وتجعل من رجال الدّين رجال سياسة في محطّات كثيرة، كما تجعل من رجال السياسة رجال مذاهب، ولا أقول رجال دين، في محطّاتٍ كثيرةٍ أيضاً، علماً أنّنا لا نرى مشكلةً في تعاطي رجال الدّين في السياسة إذا انطلق على أساس القيم الرّساليّة والأخلاقيّة، ولم يغرق رجال الدّين في حركة الغشّ والخداع والكذب وغلبة المنافع الشخصيّة على المصالح العامّة، وهو الأمر نفسه الذي نطلبه من رجال السياسة؛ بحيث لا تكون السياسة حركةً في ما يصطدم بالقيمة.

الديمقراطية في آسيا

س: كيف تنظر إلى المشاكل الديمقراطيّة للدّول العربيّة وآسيا الوسطى؟

السيّد فضل الله: في الحقيقة، لا يوجد في العالم العربيّ ومعظم دول آسيا ديمقراطيّات حقيقيّة، بل هناك ديكورات ديمقراطيّة. وإن وُجِدَت الدّيمقراطيّة فهي شكليّة، وإن مُورِست فتُمارس في شكلٍ مشوّه. هذا في الشّكل، أمّا في المضمون، فالدّيمقراطيّة من حيث هي تعبيرٌ عن منظومةٍ فكريّة وعقيديّة غربيّة، غير موجودة في أيّ من دول آسيا الوسطى، لأنّها تنتمي إلى بلد المنشأ، إلى الغرب في شكلٍ أساسيّ. فالدّيمقراطيّة هي إحدى تعبيرات هذه المنظومة التي تقوم على جملة مبادئ وعقائد فكريّة وسياسيّة واجتماعيّة، وحتى نفسيّة، اتّفق عليها الغربيّون، وهم يمارسون الدّيمقراطيّة على أساسها وبالاستناد إليها.

 ونحن نقول إنّ علينا أن نطرح الإسلام كما هو، وأن نحاول إنتاج نظامنا المستند إلى نظام قيمنا الرساليّة والإنسانيّة، وأن لا نغرق في متاهات الأنظمة التي تستند إلى رؤى مختلفة، ولا سيَّما تلك الّتي لا ترى للدّين دخلاً في الحياة العامّة، كما أنَّ علينا أن ننطلق لنفهم الإسلام على أساس الاجتهاد العلميّ الذي ينفتح على العصر ليرصد كلَّ مشكلاته، فيعالجها من خلال القرآن والسنّة معالجةً واقعيّةً، لا أن نعيش في قلب ما أنتجه علماؤنا الماضون ممّا قد ينسجم مع طريقة تفكيرهم أو ظروف عصرهم.

وبكلمةٍ موجزةٍ نقول: إنَّنا في الوقت الذي نحترم مسيرة العلماء في التّاريخ ونتاجهم الدينيّ، إلا أنّنا نملك عقلاً كما كانوا يملكون، فلا مانع من أن نفكّر ونُنتج كما فكّروا وأنتجوا، وعندئذٍ نستطيع أن نخرج بالإسلام إلى العصر، لأنّنا نعتقد أنّ الإسلام يمتلك الكثير من العناصر الحيويّة التي تجعل منه فكراً صالحاً لأن يخاطب كلّ عصر في قضاياه واهتماماته وتطلّعاته، وأن يوجّهها على الخطّ الذي أراد الله تعالى للإنسان أن يسير عليه في الحياة.
علينا إنتاج نظامنا الخاص المستند إلى قيمنا الرساليّة والإنسانيّة، وأن لا نغرق في متاهات الأنظمة التي تستند إلى رؤى مختلفة.

النموذج التركي


س: في رأيك، هل يمكن أن نعتبر "تركيا" نموذجاً لكي نرى أنّ الإسلام والديمقراطيّة ممكن أن يكونا في المجتمع الواحد؟

السيّد فضل الله: لا شكّ في أنّ تحرّك الإسلاميّين ليكونوا في الموقع السياسيّ الأوّل في تركيا الّتي أُريد لها أن تخضع لخطّ علمانيّ متخلّف، أمرٌ في غاية الأهمّية، ولكنّ التّجربة في خطّها الفكريّ النّظريّ، من خلال ملاحظة مدى تحرّكها ضمن القواعد الإسلاميّة لحركة النّظام الإسلاميّ، قد تحتاج إلى تأصيلٍ ومتابعةٍ.

الجاليات الإسلامية في الغرب

س: هل صحيح أنّ الجالية المسلمة في أوروبا تصوّر القيم الإسلاميّة على غير حقيقتها للبلدان الغربيّة؟ وهل يمكن أن نعتبر أنّ المسلمين يشكّلون انطباعاً خاطئاً عن الإسلام في الغرب بإجمال القضايا المحليّة في المجتمع الأوروبي؟

السيّد فضل الله: هناك مسارٌ خاطئٌ سلكه بعض المسلمين في أوروبا ينبغي العمل على تصحيحه، ونحن نعمل قدر استطاعتنا في هذا السّبيل، وهذا المسار الخاطئ يتحمّل مسؤوليّته أكثر من جهة سياسيّة وشرعيّة على حدّ سواء. إنّ الله تعالى يقول: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ}[الممتحنة:8]. ولذلك، على المسلم أن يكون عادلاً وبارّاً مع الّذين لا يتحرّكون ضدّه بالعدوان، وأن لا يخلط المسلمون بين الحكومات والشّعوب، ولا سيّما أنّ الشّعوب قد تختلف مع حكوماتها بطريقةٍ وبأخرى، كما شهدنا ذلك في اعتراض بعض الشّعوب الغربيّة على قرارات حكّامها في احتلال بعض المواقع الإسلاميّة.

وإنّنا نقول، إنّ على المسلمين أن يكونوا فاعلين في إطار البلدان التي يهاجرون إليها للعلم أو للعيش الكريم، وأن ينطلقوا من خلال أنظمة البلد وقوانينه ووسائله، لإظهار الحقائق وأوجه العدالة أمام النّاس، بما قد يؤدّي إلى التّأثير في الرأي العام، وبما يخدم مصلحة الإنسان كلّه في الحياة.

إنّ المسلم لا يُمكن إلا أن يكون رساليّاً، ومعنى كونه رساليّاً، أن ينفتح بإيجابيّة على كلّ النّاس، ليدعوهم إلى ما يؤمن به من فكرٍ، وإلى ما يتحرّك به من قيمٍ أخلاقيّة، وإلى ما يهتمّ به من تطلّعات تتّصل بخير الإنسانيّة كلّها. وهذا يتطلّب المزيد من الوعي الفكريّ والشّرعيّ الّذي يفتقر إليه المسلم الّذي يهاجر إلى دولٍ تختلف أفكارها وشرائعها ومعتقداتها عن أفكارنا وشرائعنا ومعتقداتنا الإسلاميَّة. ونحن نحتاج إلى أن نثقّف المهاجرين بالثّقافة الصّحيحة والمناسبة والشّرعيّة حول هذا الموضوع، حتى يستقيم المفهوم والنّظرة، وبالتّالي العلاقة، وتتبدَّد الهواجس، وتظهر آنذاك صورة المسلم على حقيقتها، وهي غير صورة الإنسان المشوّه التي رسمها عددٌ من العلماء والسياسيّين الذين يعيشون خارج الزّمن والتّاريخ.
على المسلمين أن يكونوا فاعلين في البلدان التي يهاجرون إليها، وأن ينطلقوا من خلال أنظمة البلد وقوانينه ووسائله، بما يخدم مصلحة الإنسان كلّه في الحياة.

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 21 شوّال 1430 هـ  الموافق: 10/10/2009 م

في مقابلة مع وكالة الأنباء تريند نيوز الآذرية

فضل الله: نحن أحوج ما نكون إلى فتح مجالات الحوار والتّقارب بين الطّوائف والمذاهب الإسلاميّة


في حديث شامل لوكالة الأنباء (تريند نيوز)، حثّ سماحة العلّامة المرجع، السيّد محمّد حسين فضل الله، على فتح مجالات الحوار والتّقارب بين المسلمين من أجل تبديد المؤامرات والفتن، داعياً إلى ضرورة تثقيف المهاجرين المسلمين في أوروبا بالثّقافة الصّحيحة والشّرعيّة، لكي يقدّموا إلى العالم صورة الإنسان المسلم على حقيقتها، منتقداً تركيبة لبنان الطّائفية والمذهبيّة الّتي تعزّز التّداخل  بين رجال الدّين ورجال السّياسة الّذين يغلّبون المنافع الشخصيّة على المصالح العامّة. وهذا نص الحوار :

المجلس السنِّي والشّيعي

س: كيف ترى دعوة الشّيخ رفسنجاني إلى إنشاء المجلس السنِّي والشّيعي لإنهاء الخلافات بينهما، والّذي قد يضمّ علماء إيرانيّين وسعوديين؟ وكيف يساعد اشتراك تركيا ـ إحدى أكبر بلدان المسلمين وأقواها ـ في إنشاء وتركيز المجلس من المذهبين الشّيعي والسنيّ؟

السيّد فضل الله: إنّنا مع أيّ توّجهٍ سياسيّ أو شرعيّ أو عقيديّ أو اجتماعيّ أو ثقافيّ أو فكريّ يسعى لتقريب الطّوائف والمذاهب الإسلاميّة بعضها من بعض، ونحن نرى أنّه في ظلّ ما يُحكى وما نرى ونلحظ من محاولاتٍ استكباريّة لشقّ الصفّ الإسلاميّ، وزرع التّفرقة بين المسلمين، ودقّ الأسافين القاتلة بين قواهم وطوائفهم ومذاهبهم، وتسميم مناخات التآلف فيما بينهم، نرى أنّه من المفيد العمل على الاستفادة من أيّ طرحٍ صادقٍ يجمع المسلمين بعضهم إلى بعض، لأنّنا أحوج ما نكون إلى فتح مجالات الحوار واللّقاء على أوسع مدى ممكن. ونحن نرى أنّ توسيع هذه المجالات لتشمل دولاً وشخصيّاتٍ وأحزاباً، من شأنه أن يعزّز منحى الاتّحاد والتّقارب، ويحول دون تسلّلٍ باذري بذور الفتن ومفتعلي الخلافات ومدبّري المؤامرات والمكائد لتحريض شعوب الأمّة الإسلاميّة ودولها لمواجهة بعضهم بعضاً.

ومن جهةٍ أخرى، فإنّنا نرى أنّ التّقارب بين المسلمين سوف يبدّد الهواجس، ويخلق مناخاتٍ من الثقة، ويعزِّز المشتركات فيما بين المسلمين، إلى أيّ مذهب انتموا، ويحول دون تحوّل الاختلاف حول بعض الأمور والقضايا إلى مسائل خصام ونزاع أو صراع...
من المفيد العمل على أيّ طرحٍ صادقٍ يجمع المسلمين بعضهم إلى بعض، ونحن أحوج ما نكون إلى فتح مجالات الحوار واللّقاء على أوسع مدى ممكن.

تداخل السياسة مع الدين في لبنان


س: بأيّة درجة يؤثّر العمل الدينيّ في الوضع السياسيّ في لبنان؟ هل هناك قضايا داخل السياسة اللّبنانية يمكن حلّها عن طريق إجراء المشاريع الدينيّة؟

السيّد فضل الله: لعلّ لبنان من البلدان التي يتداخل فيها الشّأن الدينيّ والشأن السياسيّ إلى حدّ كبير، لأنّ تركيبة لبنان الطّائفيّة والمذهبيّة تعزّز تداخل الشّأنين، وتجعل من رجال الدّين رجال سياسة في محطّات كثيرة، كما تجعل من رجال السياسة رجال مذاهب، ولا أقول رجال دين، في محطّاتٍ كثيرةٍ أيضاً، علماً أنّنا لا نرى مشكلةً في تعاطي رجال الدّين في السياسة إذا انطلق على أساس القيم الرّساليّة والأخلاقيّة، ولم يغرق رجال الدّين في حركة الغشّ والخداع والكذب وغلبة المنافع الشخصيّة على المصالح العامّة، وهو الأمر نفسه الذي نطلبه من رجال السياسة؛ بحيث لا تكون السياسة حركةً في ما يصطدم بالقيمة.

الديمقراطية في آسيا

س: كيف تنظر إلى المشاكل الديمقراطيّة للدّول العربيّة وآسيا الوسطى؟

السيّد فضل الله: في الحقيقة، لا يوجد في العالم العربيّ ومعظم دول آسيا ديمقراطيّات حقيقيّة، بل هناك ديكورات ديمقراطيّة. وإن وُجِدَت الدّيمقراطيّة فهي شكليّة، وإن مُورِست فتُمارس في شكلٍ مشوّه. هذا في الشّكل، أمّا في المضمون، فالدّيمقراطيّة من حيث هي تعبيرٌ عن منظومةٍ فكريّة وعقيديّة غربيّة، غير موجودة في أيّ من دول آسيا الوسطى، لأنّها تنتمي إلى بلد المنشأ، إلى الغرب في شكلٍ أساسيّ. فالدّيمقراطيّة هي إحدى تعبيرات هذه المنظومة التي تقوم على جملة مبادئ وعقائد فكريّة وسياسيّة واجتماعيّة، وحتى نفسيّة، اتّفق عليها الغربيّون، وهم يمارسون الدّيمقراطيّة على أساسها وبالاستناد إليها.

 ونحن نقول إنّ علينا أن نطرح الإسلام كما هو، وأن نحاول إنتاج نظامنا المستند إلى نظام قيمنا الرساليّة والإنسانيّة، وأن لا نغرق في متاهات الأنظمة التي تستند إلى رؤى مختلفة، ولا سيَّما تلك الّتي لا ترى للدّين دخلاً في الحياة العامّة، كما أنَّ علينا أن ننطلق لنفهم الإسلام على أساس الاجتهاد العلميّ الذي ينفتح على العصر ليرصد كلَّ مشكلاته، فيعالجها من خلال القرآن والسنّة معالجةً واقعيّةً، لا أن نعيش في قلب ما أنتجه علماؤنا الماضون ممّا قد ينسجم مع طريقة تفكيرهم أو ظروف عصرهم.

وبكلمةٍ موجزةٍ نقول: إنَّنا في الوقت الذي نحترم مسيرة العلماء في التّاريخ ونتاجهم الدينيّ، إلا أنّنا نملك عقلاً كما كانوا يملكون، فلا مانع من أن نفكّر ونُنتج كما فكّروا وأنتجوا، وعندئذٍ نستطيع أن نخرج بالإسلام إلى العصر، لأنّنا نعتقد أنّ الإسلام يمتلك الكثير من العناصر الحيويّة التي تجعل منه فكراً صالحاً لأن يخاطب كلّ عصر في قضاياه واهتماماته وتطلّعاته، وأن يوجّهها على الخطّ الذي أراد الله تعالى للإنسان أن يسير عليه في الحياة.
علينا إنتاج نظامنا الخاص المستند إلى قيمنا الرساليّة والإنسانيّة، وأن لا نغرق في متاهات الأنظمة التي تستند إلى رؤى مختلفة.

النموذج التركي


س: في رأيك، هل يمكن أن نعتبر "تركيا" نموذجاً لكي نرى أنّ الإسلام والديمقراطيّة ممكن أن يكونا في المجتمع الواحد؟

السيّد فضل الله: لا شكّ في أنّ تحرّك الإسلاميّين ليكونوا في الموقع السياسيّ الأوّل في تركيا الّتي أُريد لها أن تخضع لخطّ علمانيّ متخلّف، أمرٌ في غاية الأهمّية، ولكنّ التّجربة في خطّها الفكريّ النّظريّ، من خلال ملاحظة مدى تحرّكها ضمن القواعد الإسلاميّة لحركة النّظام الإسلاميّ، قد تحتاج إلى تأصيلٍ ومتابعةٍ.

الجاليات الإسلامية في الغرب

س: هل صحيح أنّ الجالية المسلمة في أوروبا تصوّر القيم الإسلاميّة على غير حقيقتها للبلدان الغربيّة؟ وهل يمكن أن نعتبر أنّ المسلمين يشكّلون انطباعاً خاطئاً عن الإسلام في الغرب بإجمال القضايا المحليّة في المجتمع الأوروبي؟

السيّد فضل الله: هناك مسارٌ خاطئٌ سلكه بعض المسلمين في أوروبا ينبغي العمل على تصحيحه، ونحن نعمل قدر استطاعتنا في هذا السّبيل، وهذا المسار الخاطئ يتحمّل مسؤوليّته أكثر من جهة سياسيّة وشرعيّة على حدّ سواء. إنّ الله تعالى يقول: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ}[الممتحنة:8]. ولذلك، على المسلم أن يكون عادلاً وبارّاً مع الّذين لا يتحرّكون ضدّه بالعدوان، وأن لا يخلط المسلمون بين الحكومات والشّعوب، ولا سيّما أنّ الشّعوب قد تختلف مع حكوماتها بطريقةٍ وبأخرى، كما شهدنا ذلك في اعتراض بعض الشّعوب الغربيّة على قرارات حكّامها في احتلال بعض المواقع الإسلاميّة.

وإنّنا نقول، إنّ على المسلمين أن يكونوا فاعلين في إطار البلدان التي يهاجرون إليها للعلم أو للعيش الكريم، وأن ينطلقوا من خلال أنظمة البلد وقوانينه ووسائله، لإظهار الحقائق وأوجه العدالة أمام النّاس، بما قد يؤدّي إلى التّأثير في الرأي العام، وبما يخدم مصلحة الإنسان كلّه في الحياة.

إنّ المسلم لا يُمكن إلا أن يكون رساليّاً، ومعنى كونه رساليّاً، أن ينفتح بإيجابيّة على كلّ النّاس، ليدعوهم إلى ما يؤمن به من فكرٍ، وإلى ما يتحرّك به من قيمٍ أخلاقيّة، وإلى ما يهتمّ به من تطلّعات تتّصل بخير الإنسانيّة كلّها. وهذا يتطلّب المزيد من الوعي الفكريّ والشّرعيّ الّذي يفتقر إليه المسلم الّذي يهاجر إلى دولٍ تختلف أفكارها وشرائعها ومعتقداتها عن أفكارنا وشرائعنا ومعتقداتنا الإسلاميَّة. ونحن نحتاج إلى أن نثقّف المهاجرين بالثّقافة الصّحيحة والمناسبة والشّرعيّة حول هذا الموضوع، حتى يستقيم المفهوم والنّظرة، وبالتّالي العلاقة، وتتبدَّد الهواجس، وتظهر آنذاك صورة المسلم على حقيقتها، وهي غير صورة الإنسان المشوّه التي رسمها عددٌ من العلماء والسياسيّين الذين يعيشون خارج الزّمن والتّاريخ.
على المسلمين أن يكونوا فاعلين في البلدان التي يهاجرون إليها، وأن ينطلقوا من خلال أنظمة البلد وقوانينه ووسائله، بما يخدم مصلحة الإنسان كلّه في الحياة.

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 21 شوّال 1430 هـ  الموافق: 10/10/2009 م
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية