السيد فضل الله لـ"مجلة الفرقان":
آلية الوحدة الإسلامية هي أن يلتقي المسلمون على الإسلام كما أرادهم الله ورسوله
عن أهمية الوحدة الإسلامية في ظلّ التحدّيات التي تواجهها الأمّة، والآليّات السليمة للوصول إلى هذه الوحدة دار الحوار الذي أجرته مجلة "الفرقان" اللبنانية مع سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله. وهذا نصّ الحوار:
في إطار السعي الدائم إلى تحقيق الوحدة الإسلامية، ونبذ كل العصبيات بين المسلمين، وصد كل أمواج الفتن المتلاحقة، قمنا بزيارة رجل الوحدة الإسلامية سماحة آية الله العظمى، السيد محمد حسين فضل الله (حفظه الله تعالى)، فكان معه هذا اللقاء المثمر والغني.
آليات الحوار الإسلامي ـ الإسلامي
س: بدايةً سماحة السيد، ما هي الآليات العلمية السليمة لتفعيل الحوار المذهبي، والذي من شأنه أن يؤدي إلى القضاء على المذهبية؟
هناك حركة في الواقع الإسلامي تنطلق من خلال بعض الأوضاع الداخلية التي توارث فيها المسلمون كل تراكمات التاريخ التي عاشوها في عصبياتهم في مسألة الخلافة والإمامة، ممّا لم يعشه حتى أصحابها.
فنحن نقرأ في تاريخ المرحلة الأولى بعد وفاة النبي محمد(ص) واختلاف المسلمين في قضية الخلافة والإمامة، أن المسلمين استطاعوا أن يعالجوا خلافاتهم من خلال انفتاحهم على الهدف الكبير، وهو سلامة الإسلام، فعندما نقرأ سيرة الإمام علي(ع)، الذي كان يعتقد أنّ الخلافة له بنصّ من الرسول(ص)، نجد أنّه انفتح على الذين سبقوه في الخلافة، لأنه كان يفكر في مصلحة المسلمين أكثر مما كان يفكر في الولاية الخاصة بعملية ولاية أمور المسلمين، وهذا ما عبر عنه في كتابه إلى أهل مصر الذي جاء ذكره في نهج البلاغة، وهو يتحدث عن تجربته بقوله(ع):
"...فأمسكت يدي، حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام يدعون إلى محق دين محمد(ص)،فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله، أن أرى فيه ثلماً أو هدماً، تكون المصيبة به عليَّ أعظم من فوت ولايتكم التي إنما هي متاع أيام قلائل، يزول منها ما كان، كما يزول السراب، أو كما يتقشع السحاب فنهضت في تلك الأحداث، حتى زاح الباطل وزهق، واطمأن الدين وتنهنه".
وكان يساعد الخلفاء فيما يشكل عليهم أمره، سواء من ناحية الفقه أو من النواحي الأخرى، ليصوّب لهم ما أشكل عليهم، فقد روي عنه(ع) أنه قال: "
لأسلمنّ ما سلمت أمور المسلمين، ولم يكن بها جور إلا عليّ خاصة".
وعندما استشاره الخليفة الثاني عمر بن الخطاب في أن يذهب ليقود المعركة بين المسلمين والفرس، بناءً على اقتراح قائد الجيش، أشار عليه بالرفض، إذ كان يخاف عليه من أن يقتل في هذه المعركة، لأن العدو ربما يوجه كل قوته في الجانب الذي يتواجد فيه، وقال(ع) له:
"فكن قطباً واستدر الرحى بالعرب"، لأنه خاف عليه أن يسقط، وإذا سقط، يسقط الرمز الإسلامي. وممّا نلاحظه، أن المشاكل التي حدثت بين المسلمين في فترة الخلافة، لم تنطلق من الخلاف حول مسألة الخلافة والإمامة، بل من خلال بعض الأوضاع التي عاشها المسلمون، والتي أثارت بعض الفتنة في هذا المجال، كما حدث بالنسبة إلى الخليفة عثمان بن عفان. ولذلك، فإن مرحلة الخلافة الراشدة كانت هي المرحلة التي تتمثل بإحساس كل الصحابة بضرورة حفظ الإسلام، والتكامل الفكري والعملي من أجل حمايته من كل ما يتحداه مما يشكِّل خطراً عليه، سواء من خلال ما حدث من حروب الردّة، أو من خلال معارك المسلمين مع الفرس وغيرهم.
لذلك، فإني أعتقد أن على المسلمين أن يدرسوا هذه التجربة الإسلامية الواقعية، وخصوصاً عندما يختلفون حول رموز هذه المرحلة، فهناك من يتعصب للخلفاء الثلاثة، وهناك من يتعصب للإمام علي(ع)، ونحن نعرف أنّه لم تكن هناك أي عصبية بين هؤلاء، وإن اختلفوا أو أخطأوا في بعض ما جرى بينهم من بعض السلبيات هنا أو هناك. وأنا لا أتحدث عن الخلاف المذهبي في الواقع اللبناني فحسب، بل عمّا يجري في الساحة الإسلامية كلها، والذي يعود سببه إلى حال من التخلف لدى المسلمين الذين يتحركون في دائرة ضيقة حتى في فهمهم للتاريخ الإسلامي وللأصول الإسلامية التي يختلف فيها المسلمون، سواء كان في علم الكلام أو في علم الفقه.
ونحن نقرأ في قوله تعالى: {
فإن تنازعتم في شيء فردُّوه إلى الله والرسول} [النساء:59]، فما دمنا نؤمن بالله وبكتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، لأن الله تعالى تكفل بحفظه، بحيث نرجع إلى الله من خلال استنطاق كتابه، وإلى الرسول من خلال استنطاق ما روي عنه مما صح من الأحاديث، فإننا نستطيع أن نصل إلى قاعدة واحدة يمكن أن نلتقي من خلالها على أساس الوحدة الإسلامية، وأن ننظر إلى خلافاتنا كخلافات اجتهادية في فهم الكتاب والسنة، وهذا ما نلاحظه في العلوم الإسلامية التي تتنوع فيها الاجتهادات لدى هذا المذهب أو ذاك المذهب. وإذا كان المسلمون يختلفون في قضية الإمامة والخلافة، بحيث يعتبر البعض أن الحجّة هي في ما جاء عن الصحابة، ويعتبر البعض الآخر أنّ الحجة في كل ما جاء عن أهل البيت(ع)، فإننا نقول إنّ ما يلتقي عليه أهل البيت والصحابة في قضايا الفقه والأحكام الشرعية قد يصل إلى مستوى الثمانين في المئة، فليس هناك رأي فقهي عند الشيعة لا ترى مماثلاً له عند السنة، والعكس صحيح، كما أنّ هناك خلافات موجودة بين أهل السنة أنفسهم في مذاهبهم التي ترقى إلى أكثر من أربع مذاهب، باعتبار مذهب الأوزاعي والظاهري، كذلك هناك اجتهادات الشيعة التي قد ترقى إلى عشرات الاجتهادات.
ولكن القضية هي أن هناك تخلفاً في الذهنية الإسلامية، كما أن العصبية استطاعت أن تترك تأثيرها السلبي على هذه الذهنية حتى لدى كثير من العلماء الذين يقتضي دورهم أن يتحركوا من خلال الوحدة الإسلامية أمام التحديات الكبرى التي يواجهها الإسلام من خلال الكفر العالمي والاستكبار العالمي. وقد اطّلعنا أخيراً على تصريح للبابا الحالي وهو يدعو المسيحيين إلى أن يبشروا بالإنجيل والمسيح في العالم كله، ويدعوهم أيضاً إلى أن ينصِّروا المسلمين كما ينصِّرون غيرهم.
ولكن المشكلة هي أن هناك خلطاً بين الجانب السياسي والجانب الشرعي الإسلامي. لذلك، فإن المسلمين قد يختلفون فيما بينهم في داخل المذهب الواحد، مع أنّ المسألة السياسية لا علاقة لها بالمسألة المذهبية في هذا المقام، فالمسألة المذهبية تتمحور حول مسألة الإمامة والخلافة ومسائل علم الكلام وعلم الفقه وعلم التفسير وعلم السنة، في ما يجتهد فيه هذا أو ذاك، وهذا لا علاقة له بأن تؤيد هذا الرمز السني في سياسته أو ذاك الرمز الشيعي في سياسته أو أن ترفض أياً منهما، ولكن الذين يسيطرون على شؤون المسلمين، سواء من الذين يحكمون بعض الدول ممّن يرون مصلحتهم من خلال ارتباطاتهم الخارجية بإثارة الفتنة بين المسلمين، أو من خلال بعض الزعامات المحلية التي تريد أن تجمع الناس حولها على أساس العصبية المذهبية، يعملون على تصوير الخلاف بين المواقع السياسية السنية والشيعية بأنه خلاف مذهبي بين السنة والشيعة، مع أننا نعرف، خصوصاً فيما يتعلق بالواقع اللبناني، أن المعارضة تجمع من كلّ الطوائف، وأنّ الموالاة أيضاً تجمع من كل الطوائف، فليست المعارضة شيعية، وليست الموالاة سنية، كما أننا نلاحظ أن البعض يتحدثون عن دولة إقليمية ينتمي إليها فريق سياسي هنا وفريق سياسي هناك، ولا يتحدثون عن دولة أجنبية كأمريكا ينتمي إليها سياسيون هنا وسياسيون هناك.
ولعل من المضحك المبكي، أن بعض الناس من المسلمين، سواء من الدول الإسلامية أو الحركات الإسلامية أو الأحزاب الإسلامية، يتحدثون عن سلبية تدخل إيران في العراق، ولا يتحدثون عن احتلال أمريكا له، كما لو كانت أمريكا شرعية في احتلالها للعراق وإيران تقف ضد هذه الشرعية! نحن لا نريد لا لإيران ولا لسوريا ولا لأمريكا ولا لأوروبا أن تتدخل في العراق، لأننا نحب للعراقيين أن يستقلوا في تدبير أمورهم، ولكن المسألة السياسية تتحرك في خطوطٍ غير إسلامية، وتنطلق من خلال مواقع رسمية وحكومية معينة، إضافةً إلى بعض الأطماع هنا وهناك، وخصوصاً أننا نواجه التحالف الأمريكي الإسرائيلي الذي يحاول أن يعبث بشؤون المسلمين، وأن ينشر الفوضى فيما بينهم.
وهكذا نجد أن أمريكا بإدارتها الحالية قد خلقت أوضاعاً أمنية وأوضاعاً فتنوية واقتصادية سلبية في الواقع الإسلامي، من خلال ما طرحته من الحرب ضد الإرهاب، والذي لم يتناول إلا البلدان الإسلامية التي وصل الحد فيها إلى أن يقتل المسلمون بعضهم بعضاً ويكفرون بعضهم بعضا.
إن آلية الوحدة الإسلامية هي أن يلتقي المسلمون على الإسلام كما أرادهم الله ورسوله، وأن يتحاوروا فيما بينهم حول ما يختلفون فيه من القضايا الثقافية والفكرية الإسلامية، وأن يديروا أوضاعهم السياسية كما لو كانت أوضاعاً إقليمية أو دولية طارئة، من دون أن يدخلوا هذه الخلافات، التي لا علاقة لها بالدين كلياً، في الجانب الديني أو في الجانب المذهبي الذي يفرِّق المسلمين بعضهم عن بعض.
السلام بين المسلمين والمسالمين
س: أليس من الأجدر أن نقاتل اليهود بدل أن نقاتل بعضنا بعضاً؟
ج: نحن نعتقد أن الخط الإسلامي، والذي لا بد لنا من أن نلتزمه، هو ما أكّده النبي(ص) في خطبته في منى، عندما جمع المسلمين؟ وقال لهم: "أي يوم هذا؟ قالوا: اليوم الحرام (وهو يوم عيد الأضحى) وأي بلد هذا، قالوا البلد الحرام (وهو منى)، وأي شهر هذا قالوا الشهر الحرام(وهو ذو الحجة) ثم قال: فإن دماءكم وأموالكمـ وروي وأعراضكم ـ حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا... لا ترجعوا بعدي كفاراً، يضرب بعضكم رقاب بعض". وأيضاً ورد عنه(ص): "كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه". ونقرأ في قوله تعالى: {
إنّما المؤمنون إخوة فأصلحوا بَين أخوَيكم} [الحجرات:10]، وفي آية أخرى: {
وإنْ طَائفَتَانِ مِنَ المؤمنينَ اقتتَلوا فَأصلحوا بينَهُما فإن بغت إحداهُما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيءَ إلى أمرِ الله} [الحجرات:9]. وهكذا، فقد أراد الله سبحانه وتعالى أن يكون السلام هو القاعدة التي يلتقي عليها المسلمون، ولذلك جعل الله كلمة "السلام عليكم" تحية المسلم للمسلم، ليوحي إلى المسلم الآخر بأن علاقته به هي علاقة سلام لا علاقة حرب، وليشعر بأنّ هذا السلام الذي يعيشه المسلمون في الدنيا، هو الذي يعيشونه في الآخرة، عندما يدخلهم الله جنته {
وتحيّتهُم فِيهَا سَلامٌ} [يونس:10].
على ضوء هذا، فإننا نعتقد أن الخطر الذي يواجه المسلمين في العالم الإسلامي كله، يأتي من التحالف الاستكباري الذي تقوده أمريكا وتتبعها فيه أوروبا وإسرائيل، ونرى أيضاً أن إسرائيل تتحرك مع أمريكا في خطِّ واحد من أجل إضعاف الإسلام والمسلمين، ونلاحظ كذلك أن أمريكا التي تتحالف معها أكثر من دولة عربية ممّا يسمّى "دول الاعتدال"، تعمل مع إسرائيل على إضعاف هذه الدول، لتكون إسرائيل هي القوة الكبرى.
لذلك نحن نرى أنّ العدو هو الاستكبار العالمي المتحالف مع إسرائيل، والعدوّ هو إسرائيل التي وضِعت في قلب العالم العربي والإسلامي حتى تمنعه من أن يتواصل ويتوحّد بعضه مع بعض، وهكذا نلاحظ كيف أن الاستكبار العالمي يشجع إسرائيل على القيام بالمجازر ضد الشعب الفلسطيني بعنوان "الدفاع عن النفس" ضد الإرهابيين الذين يريدون تحرير بلدهم.
ومن هنا نقول، إذا لم نستطع أن نتوحد في الجانب المذهبي، فعلينا أن نتوحد في الجانب السياسي، لأنّ الله أراد للمسلمين أن تكون لهم العزة، وأن يلتقوا في هذا الكم الهائل من الأعداد البشرية، والتي تصل إلى مليار ونصف المليار من المسلمين، من أجل أن ينطلقوا كأمة قوية تملك الكثير من الثروات الطبيعية التي يتوقف عليها اقتصاد العالم، ليكون لهم الدور الأكبر في تقرير المصير العالمي.
العصبية المذهبية
س: ماذا تقولون للذين يحرمون زواج الشيعية من السني، والشيعي من السنية؟
ج: لقد عاش المسلمون بعض هذه العصبيات في الماضي، بحيث كان الشافعيون يحرمون زواج الشافعية من الحنفي، كما كان الحنفيون يحرمون زواج الحنفية من الشافعي، ثم انطلق الوعي الذي أسقط مثل هذه الفتاوى، ونحن الآن عندما ندرس فتاوى علماء المسلمين من الشيعة، نرى أنهم مع الزواج المختلط بين السنة والشيعة، على أساس أن يحترم الشيعي مذهب السنية وأن يحترم السني مذهب الشيعية، لتكون لهما الحرية بممارسة ما يعتقدانه، وقد كنت ألقيت محاضرة في جمعية خريجي المقاصد الإسلامية في بيروت في الثمانينات، تحت عنوان "الوحدة الإسلامية بين الواقع والمثال"، وقلت إن من بين الوسائل الواقعية للوحدة هي المصاهرة بين السنة والشيعة، لأن الإنسان عندما يصير صهراً للعائلة، فإنه يفهم كل ما يتعلق بها، فلا يصدق ما يقال له كذباً وزوراً عن عقيدة هنا وعقيدة هناك، ولذلك نجد أن الواقع الإسلامي في لبنان ينطلق في عملية مصاهرة بين السنة والشيعة ليست موجودة في أي بلد إسلامي، فالشيعة أخوال السنة، والسنة أخوال الشيعة.
س: ما هي نظرة سماحتكم إلى الذين يسيؤون إلى آل بيت رسول الله(ص) أو لصحابته الكرام، والتي تعتبر إحدى الأسباب الرئيسية لإشعال نار الفتنة بين المسلمين؟
ج: نحن نرفض الإساءة إلى الصحابة إكراماً لرسول الله(ص)، وقد تحدث القرآن كثيراً عن المهاجرين والأنصار، وجاء في قوله تعالى: {
مُحَمّدٌ رَسُولُ الله والذينَ مَعَهُ أشدّاءُ عَلَى الكُفّارِ رُحَمَاءُ بَينَهُم} [الفتح:29]، ومن هذا المنطلق، حرّمنا الإساءة إلى الصحابة وإلى أمهات المؤمنين، وأصدرنا فتوى بهذا الشأن منذ عدة سنين، على مستوى العالم الإسلامي كله، ولكن الصحابة ليسوا معصومين، فقد يخطئون مع بعضهم البعض، وقد يختلفون مع بعضهم البعض وما إلى ذلك، ومع ذلك نحن نقول إنه لا يجوز سب الصحابة ولا سبّ أمهات المؤمنين، وقد قرأت قصيدة لبعض علماء المسلمين الشيعة منذ أكثر من مئة سنة، وهو يخاطب السيدة عائشة:
قل فيا حُمَيرة سبّك محرّم لأجل عين ألف عين تكرم
وهكذا نرى أن الذين يسيؤون إلى أهل البيت(ع) قد يعدون من النواصب، لأن الناصبي هو الذي يبغض أهل البيت الذين أكرمهم الله سبحانه وتعالى وأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.
كلمة توحيدية للمسلمين
س: سماحة السيد، كيف يمكن للمسلمين في لبنان أن يحققوا الوحدة الإسلامية؟
ج: على المسلمين كافة أن يتحركوا على أساس أن الله أراد لهم أن يكونوا أمة عزيزة قوية، وهذا ما نقرأه في قوله تعالى: {
ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين} [المنافقون:8]. ويقول الإمام جعفر الصادق(ع) وهو من الأئمة الكبار وأستاذ أبي حنيفة: "
إن الله فوض إلى المؤمن أموره كلها ولم يفوض إليه أن يكون ذليلاً"، وأن يأخذوا بأسباب القوة: {
وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة} [الأنفال:60]، وأن يوالوا المؤمنين ولا يوالوا الكافرين، {
بشِّر المنافقين بأن لهم عذاباً أليماً* الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعاً} [138-139]. وعلى المسلمين أن يشعروا بهويتهم الإسلامية، وأن الخلافات الفقهية أو الكلامية لا تبرر تنازعهم واختلافهم ومواجهة بعضهم بعضاً وتكفير بعضهم بعضاً، لأنه لا يجوز للمسلم أن يكفِّر مسلماً ما دام يشهد الشهادتين، فقد كان النبي(ص) يقبل كل من يشهد الشهادتين، حتى لو لم يدخل الإيمان في قلبه: {
قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولمّا يدخل الإيمان في قلوبكم} [الحجرات:14].
إنّ على المسلمين أن يعيشوا القوة التي يمثّلونها فيما يملكونه من ثروات ومواقع استراتيجية، ونحن نلاحظ أن النفط يمثّل للغرب الثروة الحيوية التي يتوقف عليها اقتصاده، لذلك فهم يعتبرون أن هذه الثروة لا حق للمسلمين في التصرف فيها، وقد قرأنا أن الكونغرس الأمريكي أصدر قراراً بمقاضاة دول منظمة أوبك، لأنها مسؤولة عن رفع الأسعار، فهم يتحكّمون بثرواتنا ولا يتركون لنا حريّة التصرف بها. إن المسلمين يمثلون قوة كبرى في العالم، وعليهم أن يكونوا بمستوى حركية هذه القوة لمواجهة العالم الذي يريد تدمير الإسلام وإضعاف المسلمين.
س: هل من كلمة توحيدية أخيرة؟
ج: إننا نقول للمسلمين: اتقوا الله في إسلامكم، ولتتوحّدوا في مواجهة التحدّيات التي توجّه ضد الإسلام ومقدّساته، والتي تتمثل بالإساءة إلى النبي(ص) من خلال الرسوم المسيئة، التي يعمل الكثير من الغربيين على نشرها بدافعٍ من عصبيتهم الحاقدة ضد الإسلام والمسلمين، وهذه العصبية التي لاحظناها في المؤتمر الذي حدث بعد سقوط الاتحاد السوفياتي على يد الحلف الأطلسي، عندما سألوا: من هو العدو الجديد للحلف الأطلسي ليخطط لمحاربته؟ فقالت رئيسة وزراء بريطانيا آنذاك مارغريت تاتشر، إن الإسلام هو العدو، لأنه يؤثر على مصالح الغرب، وقد وافقها على ذلك أمين عام الحلف الأطلسي، ونحن نرى الآن أن هذا الحلف يحارب المسلمين في أفغانستان، وهناك دعوة له لكي يأتي إلى بلدان إسلامية أخرى كالصومال والسودان والعراق ولبنان.
لذلك على المسلمين أن يرتفعوا إلى مستوى مسؤوليتهم عن الإسلام وحمايته، حتى لا يسمحوا لأحد باحتلال بلاد المسلمين وإضعاف قوتهم واقتصادهم، وعليهم أن يحترموا إسلامهم، وأن يحترموا أمتهم، وأن لا يكونوا كما قال الله سبحانه وتعالى: {
يا أيها الذين آمنوا لمَ تقولون ما لا تفعلون* كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} [الصف:2-3]. إننا نوجه ذلك إلى كل الفاعليات الإسلامية، وفي طليعتهم علماء الدين الذين يثيرون العصبيات، فإن عليهم أن يتقوا الله.
مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 24 جمادى الأول 1429 هـ الموافق: 30/05/2008 م