بيان حول الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالعالم

بيان حول الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالعالم

في مقاربة فكرية وسياسية واقتصادية للأزمة الاقتصادية العالمية

فضل الله: الأنظمة المتوحشة منعت الإنسان من التحكم بما صنعه ولا حلول نهائية أو قوالب جاهزة عند علماء المسلمين


أصدر سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، بياناً توقّف فيه عند الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالعالم، مقارباً لها من زوايا عدة، وجاء فيه:
 

لقد بات من الواضح أنّ ثمّة منعطفات خطيرة يمرّ بها العالم في العقود، بل في السنوات القليلة الماضية، وهي تمثّل كوارث كُبرى لا تهدّد دولاً أو جماعات بخصوصها، بل تلاحق البشريّة وتخلّ بتوازن حركتها في الأرض؛ بدءاً من كارثة الاحتباس الحراري التي لا تزال بعض الدول تقف موقف اللامبالاة من تداعياتها، إلى سباق التسلّح بأسلحة الدمار الشامل، إلى الحروب الكارثيّة التي أصابت توازن العالم، وليس آخرها الكارثة الاقتصاديّة العالميّة التي لا يُعرف إلى الآن لها مدىً أو يُحصر لها تداعيات.

ولعلّنا نرى بأنّ الثنائيّة القطبيّة التي سادت خلال القرن الماضي بعامّة، لم تكن إلا عنصر توازنٍ نسبيّ يحكم حركة الطغيان الذي يُمكن أن تؤجّجها الأحاديّة، ولم تكن هذه القطبيّة عنصر تحفيز للبشريّة في التحرّك نحو ما يؤمّن لها توازن وجودها وتطوّرها في المجالات كافّة.

وإنّنا إذ نتوقّف اليوم أمام الكارثة الاقتصاديّة العالميّة، فلسنا في موقع تقديم حلول جاهزة لأزمة عالميّة بالغة التعقيد؛ لأنّنا نعتقد أنّ ذلك شأن الخبراء في هذا الميدان؛ إلا أنّنا نلفت إلى نقاط عدّة، باتت غير خفيّة نشعر بأهمّيتها أكثر من أيّ وقتٍ مضى:

أوّلاً: لا يُمكن للإنسان العاقل أن يتحرّك من خلال عقدة الثأر، تجاه ما يصيب العالم اليوم؛ لأنّنا نعتبر أنّ هذا الأمر هو غير أخلاقيّ ولا إنسانيّ ـ بالدرجة الأولى ـ، كما أنّ المسألة هي شأنٌ عالميّ، وإن كان مجال التسبّب بها ينطلق في واقعٍ معيّن.

ثانياً: إنّ إحدى أهمّ المشاكل التي كُنّا نشير إليها مراراً هي في الاستكبار العالمي الذي يجعل الإنسان يخرج من دائرة إنسانيّته إلى دائرة التوحّش، ما يؤدّي ـ بالتالي ـ إلى توحّشٍ في الأنظمة التي تحكم الإنسان حتّى لا يعود يتحكّم هو بها وهي صنيعته وإبداعه؛ الأمر الذي يُشير إلى أنّ الأكثر خطورةً في حركة الأنظمة السياسية أو الاقتصاديّة أو غيرها، هو غياب القيم الأخلاقيّة عن حركتها، والتي هي ـ أوّلاً وأخيراً ـ قيم إنسانيّة تحاكي فطرته البسيطة، أيّاً كان الدِّينُ الذي يُنادي بها ويدعو إليها.

ثالثاً: لقد كان من نتيجة غياب منظومة القيم عن أنظمة العالم، أن تحكّم الجشع والأنانيّة والغريزة والهوى الشرّير، بحركة العالم، فبات الإنسان يُنتج الشرّ باسم الحضارة، ويحرّك الفساد باسم التمدّن، ويدمّر العالم باسم الترفيه، ويؤسّس للفوضى باسم البناء... ولم تعد مفاهيم الصدق والأمانة والإخلاص وحبّ الآخر والرحمة به سوى مفردات تستخدمها أجهزة التخطيط لأجل السيطرة على عقول السذّج من أجل خدمة المصالح الاستكبارية لفئات محدودة من البشر، ويستحكم بها الطمع والجشع، وتخلط بين الطموحات الشخصيّة ومصالح الشعوب. وأوّل ما يتطّرق إلى الذهن قوله تعالى ـ وهو يتحدّث عن إحدى سننه في التاريخ ـ: {ظهر الفساد في البرّ والبحر بما كسبت أيدي الناس ليُذيقهم بعض الذي عملوا لعلّهم يرجعون} [الروم:41].

رابعاً: على أساس هذه السنّة الكونيّة، ولأنّ البلايا التي تعصف بالبشريّة هي فرصةٌ للتأمّل والتفكّر، وهي حافزٌ للذات لكي تعود إلى بعض أصالتها، فإنّ العالم كلّه اليوم مدعوّ إلى إعادة النظر في أنظمته السياسية والاقتصاديّة، بل حتّى في فلسفاته التي ترتكز عليها تلك الأنظمة، من فلسفة تمجّد الفرد حتّى تكاد تُلغي المجتمع إلى فلسفة تسحق الفرد باسم مصلحة المجتمع، ومن فلسفة تنظّر إلى الحرّية حتّى إلى مستوى تدمير الإنسان والحياة وإلى فلسفةٍ تخنق الإنسان حتّى لا يكاد يتنفّس.. وهذه الإعادة تستدعي من الجميع الخروج من إطار الاستكبار المعرفي إلى التعاون الحضاري المشترك بهدف دارسة كلّ الأطروحات، وأهمّها الإسلام، كحركة في سبيل التجديد الذي يتحرّك على شكل حوار الفكر والتجربة معاً بين الإسلام من جهة والغرب من جهة ثانية؛ لأنّنا نعتقد أنّ الإسلام يقوم على رؤية تحاكي أكثر من بُعدٍ في الإنسان؛ فتتوازن لديه الفرديّة بالاجتماعيّة، ويمتزج فيه الجانب الروحيّ بالجانب المادّي، وتحضر فيه الدنيا والآخرة، كما أنّ التشريع الإسلاميّ في عالم المعاملات يرتكز إلى قواعد إنسانيّة عقلائيّة، ولا يكتسب خصوصيّة تشريعيّة إسلاميّة، ولذلك كانت المعاملات في الإسلام إمضائيّة لما أنتجه الناس في معاملاتهم، ما أفسح في المجال لتطوّر هذا المجال تبعاً لتطوّر حاجات الإنسان فيه، وكان الإسلام ينبّه ـ وهو يمضي ما عليه الناس ـ إلى بعض القواعد التي تحكم توازن الحقوق؛ وكان حتّى في تحريمه للربا منطلقاً من حيثيّات واقعيّة ترصد طبيعة المفاسد المترتّبة عليها، في الجانب الاقتصادي، كما في الجانب القيمي الأخلاقي..

وعلى كلّ حال، فلسنا هنا في مجال استعراض كثير من التفاصيل في هذا المجال؛ إلا أنّنا نلفت إلى أنّ ثمّة قاعدة عريضة في الإسلام يُمكن للإنسان ـ أيّاً كان ـ أن يلتقي عليها، ويستفيد منها، ما يعني، بالضرورة، إمكان نشوء حوار وتعاون فعلي بين الإسلام وبين الغرب في حلّ مشكلات عالميّة تأخذ مداها.

وإنّنا نثمّن في هذا المجال الدعوات التي أطلقها بعض رؤساء التحرير في بعض الصحف في الغرب، إلى قراءة القرآن والاستفادة من طروحاته في حلّ الأزمة الاقتصادية العالمية، أو في التنظير لنظام اقتصادي متماسك.

خامساً: ما أشرنا إليه في النقطة السابقة، لا يعني أنّ ثمّة قوالب جاهزة لدى علماء المسلمين، أو أنّ هناك نهائيّة في المضمون الإسلامي في هذه القضيّة أو تلك؛ لأنّنا نعتقد أنّ باب الاجتهاد مفتوح، وهذا ما يعني ـ بالضرورة ـ لانهائيّة كثير من الأفكار الاجتهاديّة؛ لأنّها ـ أوّلاً وأخيراً ـ فكر الذين أنتجوها؛ ونحن نعتقد أنّ هذا أحد أهمّ عناصر القوّة في طرح مسألة الحوار بين الإسلام والغرب؛ لأنّ ذلك يُبقي الإسلام في دائرة المواكبة للمتغيّرات الحاصلة في العصر، كما يُبقي المسلمين وغيرهم ـ لأنّنا لا نعتقد بالكهنوت في دائرة الإسلام ـ في دائرة الحركة المستمرّة المتحفّزة للإبداع والتفكير، ولاسيّما في عالم المعاملات وأنظمة الإدارة والحكم والاقتصاد.

سادساً: إنّ ما يجري يوحي إلى كلّ الشعوب، ولاسيّما إلينا نحن المسلمين، بأن نُعيد إنتاج القوّة، من دون أن نسقط أمام الأطروحات التي شعرنا أنّها قمّة التطوّر البشري، سواء في الميدان الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي أو الأمني أو ما إلى ذلك؛ كعنصر من عناصر الاستقلال في التفكير، وفي التجربة، وهذا ما من شأنه أن يُبقينا، ويبقي البشريّة، في حال ارتقاء وتطوّر؛ لأنّ إحدى منزلقات البشريّة تكمن في شلّ الطاقات والتجارب عن أن تتحرّك وتأخذ دورها بين تجارب الشعوب وحركة التطوّر لدى البشر.

وأخيراً: لقد بات من الواضح للجميع أنّ الاستكبار ـ في كلّ أبعاده ومجالاته ـ هو آفّةٌ كُبرى، تدعو الإنسان إلى الطغيان والتوحّش، وتمنعه من وعي موقعه بين الشعوب، وبين الأمم، وفي حركة التاريخ؛ فالله تعالى يقول: {وتلك الأيّام نداولها بين الناس}، وهذا ما ينبغي أن يدفعنا إلى ترك التصنيف بين العوالم، من عالم أوّل إلى ثالث ورابع..، وأن تتحرّك الدول والشعوب على قاعدة قوله تعالى: {يا أيّها الناس إنّا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا} [الحجرات:13]، بأن تنطلق الحضارة لتحاور أختها، بدلاً من ابتداع نظريّات التصادم والتدمير، التي قد يُبدعها الإنسان لتعيد إنتاج الوحش حتّى في أشدّ حالاته ضعفاً.

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 13-10-1429 هـ  الموافق: 12/10/2008 م

في مقاربة فكرية وسياسية واقتصادية للأزمة الاقتصادية العالمية

فضل الله: الأنظمة المتوحشة منعت الإنسان من التحكم بما صنعه ولا حلول نهائية أو قوالب جاهزة عند علماء المسلمين


أصدر سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، بياناً توقّف فيه عند الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالعالم، مقارباً لها من زوايا عدة، وجاء فيه:
 

لقد بات من الواضح أنّ ثمّة منعطفات خطيرة يمرّ بها العالم في العقود، بل في السنوات القليلة الماضية، وهي تمثّل كوارث كُبرى لا تهدّد دولاً أو جماعات بخصوصها، بل تلاحق البشريّة وتخلّ بتوازن حركتها في الأرض؛ بدءاً من كارثة الاحتباس الحراري التي لا تزال بعض الدول تقف موقف اللامبالاة من تداعياتها، إلى سباق التسلّح بأسلحة الدمار الشامل، إلى الحروب الكارثيّة التي أصابت توازن العالم، وليس آخرها الكارثة الاقتصاديّة العالميّة التي لا يُعرف إلى الآن لها مدىً أو يُحصر لها تداعيات.

ولعلّنا نرى بأنّ الثنائيّة القطبيّة التي سادت خلال القرن الماضي بعامّة، لم تكن إلا عنصر توازنٍ نسبيّ يحكم حركة الطغيان الذي يُمكن أن تؤجّجها الأحاديّة، ولم تكن هذه القطبيّة عنصر تحفيز للبشريّة في التحرّك نحو ما يؤمّن لها توازن وجودها وتطوّرها في المجالات كافّة.

وإنّنا إذ نتوقّف اليوم أمام الكارثة الاقتصاديّة العالميّة، فلسنا في موقع تقديم حلول جاهزة لأزمة عالميّة بالغة التعقيد؛ لأنّنا نعتقد أنّ ذلك شأن الخبراء في هذا الميدان؛ إلا أنّنا نلفت إلى نقاط عدّة، باتت غير خفيّة نشعر بأهمّيتها أكثر من أيّ وقتٍ مضى:

أوّلاً: لا يُمكن للإنسان العاقل أن يتحرّك من خلال عقدة الثأر، تجاه ما يصيب العالم اليوم؛ لأنّنا نعتبر أنّ هذا الأمر هو غير أخلاقيّ ولا إنسانيّ ـ بالدرجة الأولى ـ، كما أنّ المسألة هي شأنٌ عالميّ، وإن كان مجال التسبّب بها ينطلق في واقعٍ معيّن.

ثانياً: إنّ إحدى أهمّ المشاكل التي كُنّا نشير إليها مراراً هي في الاستكبار العالمي الذي يجعل الإنسان يخرج من دائرة إنسانيّته إلى دائرة التوحّش، ما يؤدّي ـ بالتالي ـ إلى توحّشٍ في الأنظمة التي تحكم الإنسان حتّى لا يعود يتحكّم هو بها وهي صنيعته وإبداعه؛ الأمر الذي يُشير إلى أنّ الأكثر خطورةً في حركة الأنظمة السياسية أو الاقتصاديّة أو غيرها، هو غياب القيم الأخلاقيّة عن حركتها، والتي هي ـ أوّلاً وأخيراً ـ قيم إنسانيّة تحاكي فطرته البسيطة، أيّاً كان الدِّينُ الذي يُنادي بها ويدعو إليها.

ثالثاً: لقد كان من نتيجة غياب منظومة القيم عن أنظمة العالم، أن تحكّم الجشع والأنانيّة والغريزة والهوى الشرّير، بحركة العالم، فبات الإنسان يُنتج الشرّ باسم الحضارة، ويحرّك الفساد باسم التمدّن، ويدمّر العالم باسم الترفيه، ويؤسّس للفوضى باسم البناء... ولم تعد مفاهيم الصدق والأمانة والإخلاص وحبّ الآخر والرحمة به سوى مفردات تستخدمها أجهزة التخطيط لأجل السيطرة على عقول السذّج من أجل خدمة المصالح الاستكبارية لفئات محدودة من البشر، ويستحكم بها الطمع والجشع، وتخلط بين الطموحات الشخصيّة ومصالح الشعوب. وأوّل ما يتطّرق إلى الذهن قوله تعالى ـ وهو يتحدّث عن إحدى سننه في التاريخ ـ: {ظهر الفساد في البرّ والبحر بما كسبت أيدي الناس ليُذيقهم بعض الذي عملوا لعلّهم يرجعون} [الروم:41].

رابعاً: على أساس هذه السنّة الكونيّة، ولأنّ البلايا التي تعصف بالبشريّة هي فرصةٌ للتأمّل والتفكّر، وهي حافزٌ للذات لكي تعود إلى بعض أصالتها، فإنّ العالم كلّه اليوم مدعوّ إلى إعادة النظر في أنظمته السياسية والاقتصاديّة، بل حتّى في فلسفاته التي ترتكز عليها تلك الأنظمة، من فلسفة تمجّد الفرد حتّى تكاد تُلغي المجتمع إلى فلسفة تسحق الفرد باسم مصلحة المجتمع، ومن فلسفة تنظّر إلى الحرّية حتّى إلى مستوى تدمير الإنسان والحياة وإلى فلسفةٍ تخنق الإنسان حتّى لا يكاد يتنفّس.. وهذه الإعادة تستدعي من الجميع الخروج من إطار الاستكبار المعرفي إلى التعاون الحضاري المشترك بهدف دارسة كلّ الأطروحات، وأهمّها الإسلام، كحركة في سبيل التجديد الذي يتحرّك على شكل حوار الفكر والتجربة معاً بين الإسلام من جهة والغرب من جهة ثانية؛ لأنّنا نعتقد أنّ الإسلام يقوم على رؤية تحاكي أكثر من بُعدٍ في الإنسان؛ فتتوازن لديه الفرديّة بالاجتماعيّة، ويمتزج فيه الجانب الروحيّ بالجانب المادّي، وتحضر فيه الدنيا والآخرة، كما أنّ التشريع الإسلاميّ في عالم المعاملات يرتكز إلى قواعد إنسانيّة عقلائيّة، ولا يكتسب خصوصيّة تشريعيّة إسلاميّة، ولذلك كانت المعاملات في الإسلام إمضائيّة لما أنتجه الناس في معاملاتهم، ما أفسح في المجال لتطوّر هذا المجال تبعاً لتطوّر حاجات الإنسان فيه، وكان الإسلام ينبّه ـ وهو يمضي ما عليه الناس ـ إلى بعض القواعد التي تحكم توازن الحقوق؛ وكان حتّى في تحريمه للربا منطلقاً من حيثيّات واقعيّة ترصد طبيعة المفاسد المترتّبة عليها، في الجانب الاقتصادي، كما في الجانب القيمي الأخلاقي..

وعلى كلّ حال، فلسنا هنا في مجال استعراض كثير من التفاصيل في هذا المجال؛ إلا أنّنا نلفت إلى أنّ ثمّة قاعدة عريضة في الإسلام يُمكن للإنسان ـ أيّاً كان ـ أن يلتقي عليها، ويستفيد منها، ما يعني، بالضرورة، إمكان نشوء حوار وتعاون فعلي بين الإسلام وبين الغرب في حلّ مشكلات عالميّة تأخذ مداها.

وإنّنا نثمّن في هذا المجال الدعوات التي أطلقها بعض رؤساء التحرير في بعض الصحف في الغرب، إلى قراءة القرآن والاستفادة من طروحاته في حلّ الأزمة الاقتصادية العالمية، أو في التنظير لنظام اقتصادي متماسك.

خامساً: ما أشرنا إليه في النقطة السابقة، لا يعني أنّ ثمّة قوالب جاهزة لدى علماء المسلمين، أو أنّ هناك نهائيّة في المضمون الإسلامي في هذه القضيّة أو تلك؛ لأنّنا نعتقد أنّ باب الاجتهاد مفتوح، وهذا ما يعني ـ بالضرورة ـ لانهائيّة كثير من الأفكار الاجتهاديّة؛ لأنّها ـ أوّلاً وأخيراً ـ فكر الذين أنتجوها؛ ونحن نعتقد أنّ هذا أحد أهمّ عناصر القوّة في طرح مسألة الحوار بين الإسلام والغرب؛ لأنّ ذلك يُبقي الإسلام في دائرة المواكبة للمتغيّرات الحاصلة في العصر، كما يُبقي المسلمين وغيرهم ـ لأنّنا لا نعتقد بالكهنوت في دائرة الإسلام ـ في دائرة الحركة المستمرّة المتحفّزة للإبداع والتفكير، ولاسيّما في عالم المعاملات وأنظمة الإدارة والحكم والاقتصاد.

سادساً: إنّ ما يجري يوحي إلى كلّ الشعوب، ولاسيّما إلينا نحن المسلمين، بأن نُعيد إنتاج القوّة، من دون أن نسقط أمام الأطروحات التي شعرنا أنّها قمّة التطوّر البشري، سواء في الميدان الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي أو الأمني أو ما إلى ذلك؛ كعنصر من عناصر الاستقلال في التفكير، وفي التجربة، وهذا ما من شأنه أن يُبقينا، ويبقي البشريّة، في حال ارتقاء وتطوّر؛ لأنّ إحدى منزلقات البشريّة تكمن في شلّ الطاقات والتجارب عن أن تتحرّك وتأخذ دورها بين تجارب الشعوب وحركة التطوّر لدى البشر.

وأخيراً: لقد بات من الواضح للجميع أنّ الاستكبار ـ في كلّ أبعاده ومجالاته ـ هو آفّةٌ كُبرى، تدعو الإنسان إلى الطغيان والتوحّش، وتمنعه من وعي موقعه بين الشعوب، وبين الأمم، وفي حركة التاريخ؛ فالله تعالى يقول: {وتلك الأيّام نداولها بين الناس}، وهذا ما ينبغي أن يدفعنا إلى ترك التصنيف بين العوالم، من عالم أوّل إلى ثالث ورابع..، وأن تتحرّك الدول والشعوب على قاعدة قوله تعالى: {يا أيّها الناس إنّا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا} [الحجرات:13]، بأن تنطلق الحضارة لتحاور أختها، بدلاً من ابتداع نظريّات التصادم والتدمير، التي قد يُبدعها الإنسان لتعيد إنتاج الوحش حتّى في أشدّ حالاته ضعفاً.

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 13-10-1429 هـ  الموافق: 12/10/2008 م
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية