وفي ما يأتي نص الحوار:
القاعدة والفتنة المذهبية
س: أُعلنت تقديرات أولية حيال البيان الذي قيل إنه من «القاعدة»، ويهدِّد بقتل تسع شخصيات شيعية لبنانية، هل تعتقد أن هناك سنداً جدياً لهذا البيان، أم أنه مجرد فبركة مخابرات؟
ـ لعل الدراسة المتأنية للمنهج الذي يعتمده هؤلاء الناس (القاعدة)، لا توحي باستبعاد أي مضمون من هذا القبيل، لان هؤلاء يستحلون كل حرمة، سواء كانت في داخل مذهب معين، أو في الوضع الإسلامي الذي يختلفون معه، ولذا نجد أنهم يقتلون المسلمين من أهل السنّة كما يقتلون المسلمين من أهل الشيعة، وإن كان القتل في هذا الجانب أكثر، لأن المشكلة لديهم هي في الفهم المتخلّف للنصوص الدينية التي قد يخرجون منها بمسألة تكفير المسلمين، ثم استحلال دمهم، لأنهم لا يرون كما يرى علماء المسلمين، بأن القتل إنما يكون لمواجهة الحرب التي يشنّها الآخر، لا لمواجهة الكفر في ذاته.
لذلك، عندما يصدر أي شيء منسوب إليهم بهذا المضمون، لا يستبعد الإنسان أن يكون صحيحاً. ولكن التدقيق في هذا البيان من النواحي الفنية، قد يبتعد عن صحة النسب، خصوصاً أنه لم يصدر منهم أي نوع من أنواع التبني للبيان في صفحات الإنترنت التي تمثلهم، كما أن هناك بعض الجوانب التي لا تلتقي مع مصطلحاتهم وتعبيراتهم، ولذلك قد يقرب احتمال أن تكون المسألة مخابراتية تدخل في نطاق الوضع اللبناني الذي يراد له أن يشكل إرباكاً في المسألة الإسلامية، عبر إثارة فتنة بين السنّة والشيعة، أو في إيجاد نوع من أنواع الإثارة التي قد تشغل الوسط السياسي اللبناني، الذي قد يدخل في حسابات الاتهامات لهذه الجهة أو تلك.
لذا، فنحن في الوقت الذي ندعو إلى الحذر حيال مثل هذه البيانات، علينا ألا نستعجل الحكم في اعتبارها جدية من خلال هذه الجماعة التي تستحل كل شيء، لأن لبنان يعيش مرحلة معقدة، قد يدخل الكثيرون من الناس في الوسط السياسي الذي يحاول بعض أطيافه أن يشكل لنفسه موقعاً معيناً عبر أكثر من خط لإيجاد موقع له هنا وهناك.
· هناك من يعتقد أن تقدم الأوضاع في العراق عبر مشاركة أهل السنّة في كتابة الدستور، قد يؤدي إلى نوع من الاستقرار يدفع إلى انتقال عمليات «القاعدة» إلى مناطق أخرى، من بينها لبنان، هل تتوقعون ذلك؟
ـ قلت إن مسألة «القاعدة» ليست مستبعدة في أي حدث يثير التعقيدات والمشكلات وينفس عن العقدة التي يحملها هؤلاء ضد الذين يختلفون معهم، ولا سيما الذين يكفِّرونهم، ولكنني أتصور أن لبنان يختلف عن العراق، فالمسألة اللبنانية تحمل الكثير من المناعة ضد فتنة من هذا القبيل، لأنّ هناك في الوسط الإسلامي السني، كما الشيعي، عقلانية عميقة لدى مختلف الأطياف، إن من خلال علماء الدين، أو من خلال الشخصيات السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية، إضافةً إلى أن هناك نوعاً من التداخل والتواصل بين السنّة والشيعة على مستوى الواقع الشعبي، بحيث لا ترى عائلة سنية إلا وترتبط بعلاقة مصاهرة مع عائلة شيعية، والعكس صحيح. لذلك فإنني أتصور أن المحاولات التي جرت على أكثر من خلفية سياسية دولية أو محلية، لم تنجح في إيجاد فتنة سنية ـ شيعية.
أنا لا أتصوّر أن ما يحدث في العراق يمكن أن يحمل أي إمكانات مماثلة في لبنان، هذا إضافةً إلى أن العراق حتى الآن لا يختزن في عمقه السياسي وحتى المذهبي، على الرغم من فظاعة المجازر، حرباً أهلية بين السنة والشيعة، لأن القائمين على شؤون الطائفتين يعرفون أن أي حرب من هذا القبيل سوف لن تبقي أحداً، وسوف تأكل الأخضر واليابس، ولهذا فإننا نرى أن المجازر التي تحدث ضد المسلمين الشيعة، لم تقابل برد فعل من المسلمين الشيعة، لأنّ علماءهم يرفضون إعطاء أي فتاوى في هذا المجال، كما أن السياسيين يرفضون ذلك أيضاً، لذا من المستبعد جداً، رغم فظاعة الأحداث، أن تحدث حرب سنية ـ شيعية في العراق.
المخيّمات في وجه الحدث
س: في الكلام عن لبنان، ثمة مخاوف من أن تستغل قوى إقليمية في سياق مقاربتها السياسية للواقع اللبناني، موضوعات كالأصولية وسلاح المخيمات، كي لا يستقر الوضع، ويبقى لبنان في حاجة إلى سوريا مثلاً، هل تخشون ذلك؟
ـ عندما يتعلّق الأمر بمشكلة إسلامية ـ مسيحية، فيمكن أن يقال إن الجانب الإقليمي قد يُشعل ذلك لإرباك الوضع اللبناني، ولكن عندما تكون المشكلة سنية ـ شيعية، فإنه عندما تنطلق الحرائق منها، سوف تؤدي إلى نتائج سلبية خطيرة على النظام في سورية، على اعتبار أن هناك شيئاً في سوريا تعمل له بعض خطوط المخابرات الدولية أو الإقليمية في مسألة السنة والعلويين المحسوبين على الشيعة من خلال بعض الجهات في هذا المجال، لذلك فإنّ أي حريق سني ـ شيعي، سوف يمتد إلى داخل النظام السوري، ولذا لا أتصور أن النظام السوري يشجع مثل هذه المسألة.
أما في موضوع المخيمات الفلسطينية، فأتصور أنه من الصعب جداً أن يتحرك الواقع اللبناني في إثارة مسألة المخيمات، باعتبار أن قضية المخيمات ترتبط بقضية الشرق الأوسط، وليست قضية محلية، فالقرار 1559 لم يلحظ مسألة المخيمات إلا من خلال سلاحها، ونحن نعرف أن سلاح المخيمات مسألة تتصل بالقضية الفلسطينية في كل أبعادها، داخل فلسطين وخارجها. ولهذا فإنه في الوقت الذي لا أستبعد أن يكون في داخل المخيمات من يلجأ إلى الاختباء فيها عندما يقوم بأيِّ جريمة، أو أن تكون هناك بعض الجهات التكفيرية تعيش هناك أيضاً، لكنني لا أتصور أن المسألة تصل إلى مرحلة من الخطورة الكبرى على مستوى الفتنة، لأنّ القائمين على شؤون المخيمات، ولا سيما منظمة التحرير الفلسطينية، وحتى «حماس» والجهاد، يشعرون أن أي فتنة تنطلق من المخيمات وخصوصاً على مستوى المسألة الإسلامية المذهبية، فإنها تحرق المخيمات، لأن الواقع اللبناني يملك عناصر القوة بما يستطيع أن يربك وضع المخيمات من الناحيتين السياسية والأمنية، هذا إضافةً إلى أنه قد يحرق مسار القضية الفلسطينية، ما ينعكس سلباً على موقع منظمة التحرير من جهة، وموقع منظمات الانتفاضة (حماس والجهاد) من جهة أخرى.
س: ثمة تقديرات في الشارع اللبناني بأن حرباً في المخيمات من شأنها أن تخدم سوريا والسلطة في لبنان، بحرف الأنظار عن مسار التحقيق في اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، هناك أطراف في المخيمات خارج نطاق السلطة الفلسطينية تطمح للحصول على موقع قدم في التسوية الحالية التي تتجاهل حركتها، هل يمكن أن تتطور الأوضاع سلباً؟
ـ أي حربٍ داخل المخيمات ستحرقها بالكامل، لأنّ المخيمات لا تملك عنصر القوة الذي يجعل إمكانات الانتصار فيها إمكانات واقعية، واللبنانيون قد يتّحدون ضد المخيمات على هذا المستوى. لكن في تقديري، أن فريقاً من اللبنانيين، وهو الفريق الذي تحسب المخيمات عليه من الناحية الطائفية والمذهبية، لا يسمح للمخيمات بأن تقوم بمثل هذا الدور، ولعلَّ الشاهد على ذلك، عندما قامت قيادة الجيش بإحاطة المخيمات ببعض عناصر الجيش لضبط الدخول والخروج بعد محاولة اغتيال وزير الدفاع (الياس المر) الذي حمّل المسؤولية للمخيمات، وجدنا أن الفئات السياسية بادرت من خلال اتصالات داخل المخيمات، وقامت بجهد كبير في هذا المجال، ما يجعلنا نشعر بأن القضية ممسوكة، كما يعبِّرون، وليست من القضايا التي يمكن أن تخضع للمغامرة.
لجنة التحقيق الدولية: نتائج وأبعاد
س: هناك من يرى أن التفجيرات التي تحصل في لبنان أمنياً وسياسياً لها علاقة بالتقرير المرتقب للجنة التحقيق الدولية في اغتيال الحريري، وهناك من يرى أيضاً أن نتيجة التقرير ستخلق وضعاً أمنياً سلبياً جداً؟
ـ لا أستبعد أن تتدخل في مسألة التحقيق أكثر من دولة، ولا سيما أميركا ومن معها ومن ورائها فرنسا، لأن المسألة التي أثيرت منذ عملية الاغتيال، هي توجيه الاتهام إلى سوريا، وربما نلاحظ في بعض الخطوط الإعلامية، من خلال لجنة التحقيق الدولية (لجنة تقصي الحقائق)، والثانية (لجنة التحقيق)، أنّ المسألة في الشكل المباشر، على الأقل، تتجه إلى السلفيين من خلال السيارة الانتحارية التي لا يقوم بها غالباً إلا هؤلاء، ما يصرف المسألة، على الأقل في الجانب المباشر، عن النظام الأمني السوري ـ اللبناني وعن القوى السورية. لذلك فإنني قد ألاحظ أن الخطوط الدولية قد تضغط على القائمين على التحقيق لإيجاد خط يربط المسألة، ولو بشكل غير مباشر، بسوريا.
أما أن تتحوَّل المسألة إلى وضع أمني خطير، فإنني أتصور أن لبنان تجاوز الخطر الأمني، وأخذ حصته من خلال الحرب التي كانت حرب هنري كيسنجر، ومحاولته إخراج البندقية الفلسطينية من لبنان، أو تصفية القضية الفلسطينية التي كادت تسقط لولا الانتفاضة الأولى.
أنا لا أجد مصلحةً لأيّ محور دولي، بدءاً من أميركا وفرنسا وإسرائيل، وحتى سوريا، في حرب أهلية لبنانية، لكن هناك مسألة، وهي أن لبنان ممنوع من الاستقرار، وفي ضوء هذا، فإذا بقيت المؤثّرات، فهناك دائرتان: دائرة هذه الاغتيالات المدروسة، والتي لا تخلق امتداداً بالمعنى الأمني وإنما إرباكاً سياسياً، ودائرة الاهتزاز السياسي التي تخلق لدى اللبنانيين جدلاً حول الخلفيات هنا وهناك، كما حصل في مسألة اغتيال الرئيس الحريري التي حوّلها اللبنانيون إلى مسألة سياسية لحساب المعارضة وإخراج السوريين من لبنان، ولكن دون أن تسقط نقطة دم، مع أنها من أخطر القضايا التي أصابت لبنان، وهكذا عندما حدثت اغتيالات أخرى، كاغتيال سمير قصير، وجورج حاوي، أو في محاولة اغتيال الوزير الياس المر وقبله الوزير مروان حماده.
إنني ألاحظ أن هذه الأحداث لم تستطع أن تحرّك أي وضع أمني، لذا تبقى الدائرة الأمنية تختار ضحاياها بما يثير الجدل أو يخلق حالةً من الاهتزاز السياسي لا الأمني، وأنا كنت أتحدث خلال الحرب عن ثلاث لاءات في لبنان: لا تقسيم، لا انهيار، لا استقرار. لذلك، فإن لبنان يبقى في دائرة الاهتزاز السياسي، ولا مصلحة لأي محاور دولية وإقليمية لأي حدث أمني على مستوى حرب أهلية، ولا سيما أميركا وفرنسا بالذات.
س: ثمة حديث عن ضغط دولي على إسرائيل لانسحابها من مزارع شبعا، كجزء من تسوية تتناول سلاح المقاومة، هل يمكن أن يحصل ذلك؟
ـ قرأت كثيراً في هذا المجال، وهو أمر ممكن. هناك مشكلة بالنسبة إلى سلاح المقاومة لأنها تحوطت لهذا الموضوع، فلم تربط سلاحها ببقاء الاحتلال في مزارع شبعا، بل جعلت وظيفة سلاحها الدفاع عن لبنان أمام إمكانات العدوان الإسرائيلي في غياب أي ظروف داخلية وخارجية تمكِّن الجيش اللبناني من أن يكون في خط المواجهة ضد أي عدوان إسرائيلي، على أساس أن دور المقاومة هو حماية لبنان من العدوان الإسرائيلي، أما مسألة واقعية العدوان الإسرائيلي فهو أمر ممكن، لأنّ إسرائيل لا تحتاج إلى مبرر للعدوان، بل قد تصنعه من خلال ظروفها في دائرة الصراع العربي ـ الإسرائيلي، أو الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، وخصوصاً أن ليس هناك أي وضع يضمن بأن لا تعادي إسرائيل لبنان.
لذلك، فإنَّ سلاح المقاومة سيبقى، على الأقل من وجهة نظر المقاومة وجمهورها، ما دامت العلاقات اللبنانية ـ الإسرائيلية علاقات عداء، مع الالتفات إلى العلاقات السورية ـ الإسرائيلية، لأنه لم يحدث أي حل لأزمة الشرق الأوسط، وخصوصاً في ما يتعلق بلبنان وسوريا، ولذلك عندما تجاور عدواً أو تواجهه، عليك أن تتحوط لكل حركة سلبية ضد أمنك.
الكويت: الإثارات المذهبية
س: صدر في الكويت أخيراً بعض الكتابات الطائفية المغرضة، وهناك من هاجم بعض صحابة النبي(ص) وخلق جواً سلبياً بين أطياف المجتمع الكويتي؟
ـ إنني في كل مرة تثار فيها مثل هذه الأمور، أتحدث من موقعي الشرعي، وبالصوت العالي على مستوى الفتوى، أنه يحرم إثارة أي حديث مذهبي، ولا سيما بين السنة والشيعة في الكويت، خاصّة في ما يتصل بالإساءة إلى صحابة النبي(ص) وزوجاته، لأنّ هذه المسألة هي من المسائل التي يرفضها أئمة أهل البيت(ع)، ونحن ننقل حديثاً للإمام جعفر الصادق(ع) يقول، وهو يخاطب بعض الشيعة المتحمسين في زمانه: «ما أيسر ما رضي الناس منكم، كفّ ألسنتكم»، ونحن نقرأ أيضاً في كلمة الإمام علي بن أبي طالب(ع)، وكان في طريقه إلى صفين لقتال معاوية الذي تمرد على خلافته، فسمع قوماً من أهل العراق يسبون قوماً من أهل الشام، قال: «إني أكره لكم أن تكونوا سبابين، ولكنكم لو وصفتم أعمالهم، وذكرتم حالهم، كان أصوب في القول، وأبلغ في العذر، وقلتم مكان سبكم إياهم: اللهم احقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، واهدهم من ضلالتهم، حتى يعرف الحق من جهله، ويرعوي عن الغيّ والعدوان من لهج به».
وقد كان(ع) يبين لهم المنهج في حال حصل اختلاف بين المسلمين حول بعض الأمور، بأن يذكروا مواقع الخلاف، ويتحاور بعضهم مع بعض ليركّزوا وجهة نظرهم بالحجة والبرهان. ونحن نقول، ونبني على ما قاله الإمام علي(ع): «لأسلمنّ ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جور إلاّ عليّ خاصة». ولذا، فأنا أعتبر أن رائد الوحدة الإسلامية هو الإمام علي بن أبي طالب، لأنه، وهو يرى أن الحق له، كان يساعد الذين تقدموا بالنصح والمشورة والتعاون، حفاظاً على مصلحة المسلمين. وقد ذكر في بعض نصوص نهج البلاغة: «... حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام يدعون إلى محق دين محمد(ص)، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله، أن أرى فيه ثلماً أو هدماً، تكون المصيبة به عليّ أعظم من فوت ولايتكم هذه، التي إنما هي متاع أيام قلائل، يزول منها ما كان، كما يزول السراب، أو كما يتقشّع السحاب».
ونلاحظ أن علياً(ع) عندما انتهت واقعة الجمل التي قادها طلحة والزبير ضده، والتي جاءا فيها بأم المؤمنين عائشة لأجل إثارة الناس؛ بعد انتهاء الواقعة، أرسل السيدة عائشة بكل إكرام واحترام إلى المدينة معزّزةً مكرمةً.
إننا نعتقد أن أي إثارة لهذه المسائل، ولا سيما بطريقة اللعن أو السب، هي خيانة للإسلام والمسلمين، ولا سيما في مثل هذه الظروف الصعبة التي ينطلق فيها التحدي العالمي الاستكباري ضد الإسلام كله من أجل إثارة الفتنة بين المسلمين، لذلك فقد حرمنا على طريقة الفتوى، أي أسلوب من هذه الأساليب التي تتحدى الصحابة، والتي تثير الخلافات، والتي تتحرك بأساليب اللعن أو السب، لأن الله نهانا عن أن نسب المشركين حتى لا تحدث ردود فعل منهم، قال تعالى: {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم كذلك زينّا لكل أمة عملهم} (الأنعام:108)، فكيف بالمسلمين في هذا المجال؟
رفض التمييز المذهبـي
س: أثار بعض الشخصيات في الكويت مسألة التمثيل الشيعي في الحكومة وضرورة زيادته؟
ـ إننا كنا نقول لكل إخواننا في الكويت: لا تطالبوا بحقوق الشيعة لتكون هناك ردة فعل في حقوق السنة، بل قولوا إننا أسرة كويتية واحدة، نعيش في وطن واحد، ومصيرنا واحد، لذلك علينا أن ننطلق لنجعل عنواناً واحداً في الكويت، وهو الأسرة الكويتية، ونحن نطالب بحقوقنا، فإنما نطالب بذلك من منطلق أنّنا جزء من الأسرة الكويتية، بحيث لا يكون كويتي أفضل من كويتي آخر، على أساس المساواة في الحقوق والواجبات. وإذا كنا نلتقي جميعاً في مجلس الأمة، فعلينا أن نلتقي جميعاً في ساحة الأرض، من أجل أن نجعلها عزيزة حرة كريمة، ونقف في موقع واحد، كما كانت الحال عندما انطلق الطاغية صدام واحتل الكويت.
س: رئيس الوزراء صباح الأحمد، قال في حديثه الأخير لرؤساء التحرير: إنه لا مانع لديّ من أن تكون الحكومة الكويتية كلها من الشيعة، المهم الكفاءة؟
ـ نحن نعتقد أن مسألة الحكم والحكومة في الكويت وغيرها، في كلّ عناوينها الكبيرة، وفي كل خطوطها الإدارية، لا بد من أن تنطلق على أساس الكفاءة والأمانة والصدق، لأن مسألة الحكومة ليست مسألة امتيازات لجهة معينة، لكنها مسألة خدمة الناس في كل حقوقهم من أجل سلامة المصير، لأن المصير لا يسلم إلا من خلال الصادقين الأمناء الأكفاء.
حقّ المرأة في التمثيل الحكومي
س: تحدثتم كثيراً عن ضرورة حصول المرأة الكويتية على حقوقها السياسية، ماذا تقولون اليوم وقد حصلت عليها، وأصبح في الحكومة وزيرة امرأة؟
ـ كان رأينا منذ البداية، أن للمرأة الحق في الدخول في السّاحة العامة، وتحمّل المسؤوليات الاجتماعية والسياسية، لأنّ الرجل مساوٍ للمرأة في مثل هذه الأمور، وإذا كان الفقهاء يختلفون أو يتفقون في قضية القيادة والرئاسة العليا للدولة، فإن الدخول إلى المجلس النيابي أو الدخول في الحكومة، في نطاق الشروط التي تحكم حركة الوزير الذي لا يستطيع أن يستقل برأيه ليقال إن هذه تمثل حالاً من الولاية أو ما شابه ذلك، فإننا نعتقد أن ليس هناك، بحسب اجتهادنا الإسلامي، أي مشكلة في أن تتولى امرأة تملك الخبرة والأمانة والصدق، وتحتفظ بأخلاقيتها الإسلامية، النيابة أو الوزارة. لذلك لا نعتقد أن هناك أي مشكلة شرعية في ذلك، مع احترامنا للرأي الآخر في هذا المجال، وعلينا في مثل هذه الأمور أن ندير الحوار حوله بطريقة علمية.
س: تعتبرون أن وجود وزيرة في الحكومة هو نجاح للكويت؟
ـ أعتقد أنها استطاعت أن تخرق الحاجز النفسي ليتحوَّل خرقاً للحاجز الواقعي.
· أحد النواب الشيعة قال عندما تم تعيين الدكتورة معصومة مبارك، إن أرحام الشيعة لم تعقر حتى تُمثَّل الشيعة في الحكومة بوزيرة، وليس وزير؟
ـ أولاً القضية ليست تمثيل الشيعة، ولكن المسألة هي إعطاء دور للمرأة التي تملك الكفاءة من خلال وجهة نظر الدولة في هذا المجال، بقطع النظر عن أن تكون شيعية أو سنية، وقد قلنا إن قضية الكويتيين ليست مسألة المحاصصة بين السنة والشيعة، لأن الكويت ليست كلبنان تخضع لنظام طائفي، ولا نريد لها أن تخضع لنظام طائفي، بل نريد أن تقوم الدولة بخطّة يتساوى فيها المسلمون الكويتيون، سواء كانوا سنّة أو شيعة، في الحقوق والواجبات.
إن هذا التصريح الذي قد يختزن في داخله موقفاً من حقوق المرأة السياسية، نردُّ عليه بالقول إن الله سبحانه وتعالى قدّم لنا في القرآن الكريم صورة امرأة أكثر عقلاً وحكمةً من الرجال، وهي ملكة سبأ، عندما جاءها كتاب سليمان {ألا تعلوا عليّ وأتوني مسلمين} (النمل:31)، فجمعت قومها قالت: {أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون} (النمل:32)، فصحيح أنني الملكة، ولكنني لا أتخذ رأياً إلا بعد استشارتكم، فأعطوني رأيكم في هذا الموضوع، {قالوا نحن أولو قوة وأولو بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين} (النمل:33)، فأمري سنحارب ونقاتل. فبينما طلبت منهم أن يقوموا بعرض عضلاتهم الفكرية بالرأي والمشورة، أعطوها عضلاتهم الجسدية وأوكلوا الأمر إليها، فعند ذلك فكرت وقالت {إنّ الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون} (النمل:34)، فهل هذا نبي أم أنه ملك، حتى أدرس المسألة وأحدد موقفي على أساس دراسة شخصية هذا الرجل. وعندما جاءت إلى سليمان وتحاورت معه ودرست الأمور بما فيها مسألة الإيمان، بقيت في عنفوانها وقالت: {وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين} (النمل:44)، لم تقل خضعت لسليمان بل أسلمت له، بحيث بقيت في عنفوان المرأة التي تملك أصالة الرأي حتى مع هذا الشخص الذي بمستوى النبوة.
لذلك نحن نقول، إن القرآن لم يفرق بين رجل وامرأة في تقويمه للإنسانية، نحن نقرأ {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} (التوبة:71)، وأما القوامة فهي قوامة الإدارة في الحياة الزوجية، وليست قوامة الواقع الإنساني بين الرجل والمرأة.