عاشوراءُ: العزّةُ والكرامةُ في مواجهةِ الطّغيانِ

عاشوراءُ: العزّةُ والكرامةُ في مواجهةِ الطّغيانِ

في كلّ سنة، لنا ذكرى مع أجواء عاشوراء، وفي كلّ سنة، نستعيد في وعينا وحياتنا كربلاء. لكنّ قيمة عاشوراء وكربلاء الذّكرى، أنّ لها لقاء في كلّ زمن مع الأُمّة؛ تمدُّها وتعطيها من حيويّتها، وتدفعها إلى المواقع المتقدّمة في مسيرة الحياة الكريمة.. فكنّا نراها شاخصةً في السابق، ونراها الآن تتحرَّك في حياتنا، لتمنح عطاءها لكلّ بلاد العالَم الإسلامي في واقعها الجديد، ومعاناتها الجديدة.

فلم تعد كربلاء متّصلةً بقصّة جغرافية في نطاق بلد معيّن أو دولة معيّنة، بل راحت تتفاعل مع كلّ أرض يعيش فيها المسلم الصّراع ضدّ الكفر والظّلم والاستغلال والاستكبار، وبدت لنا أكثر من كربلاء، لنا كربلاء في لبنان، ولنا كربلاء في العراق، ولنا كربلاء في أفغانستان، ولنا كربلاء في كلّ بلدٍ يقف فيه الإسلام والمسلمون ضدَّ الكفر. ولم تعد عاشوراء ـــ عاشوراء الحسين وعاشوراء الشّهداء ـــ مجرّدة في التاريخ، وإنّما تحوَّلت لتكون منطلقاً في كلّ زمن، وكلّ جيلٍ تتمثَّل فيه المجالات التي يقف فيها الإنسان المسلم في كلّ مرحلة من مراحل الجهاد من أجل العزّة والكرامة في سبيل الله.

ولكن عندما نتمثَّل كربلاء في كلّ أرض يتحرَّك فيها الجهاد، وفي كلّ زمن ينطلق فيه خطّ الجهاد، لا بدَّ لنا من أن نعيش هذه الروح، وهذه القضيّة، وهذا التحرّك بعمق المعاني التي عاشتها تلك الأرض، وبعمق الأهداف التي عاشها أولئك الشّهداء.

كي لا تصبح عاشوراء مجرّد زمنٍ يتحرّك فيه الجهاد، لا بدَّ أن يكون الجهاد الذي نمارسه بحجم فكر الإمام الحسين (ع)، بحجم تطلُّعاته ووعيه لدوره وإخلاصه لربّه، وبحجم الأهداف الكبيرة التي يستهدفها للحياة. كذلك، لا بدَّ لنا أن نعيش في أنفسنا وفي حياتنا أجواء أولئك الشّهداء الذين قال الإمام الحسين (ع) فيهم: "واللهِ ما رأيتُ أبرَّ ولا أوْفى من أصحابي، إنَّهم يستأنِسونَ بالمَنِيَّة استئناسَ الطّفلِ بحالب أُمِّه"1.

لا بدّ أن نعيش هذه الروح المخلصة لله سبحانه وتعالى. فكربلاء ليس فيها شيء للذّات أو للفئة، كربلاء كلّها لله سبحانه وتعالى. القتال كان فيها لله، والسِّلم كان فيها لله، والصّلاة كانت فيها لله، وكلّ العلاقات كانت منها في سبيل الله.

لهذا، إذا كنّا نفكِّر في أيّ مرحلة من مجالاتنا العمليّة في آفاتنا الضيّقة، كما كنّا نفكِّر سابقاً.. إذا كنّا نفكِّر أنْ يتعلَّب كلّ واحدٍ منّا في إطار معيّن أو في شخصيّته أو في ذاته، وأن يتعقَّد من أخيه المؤمن لمجرّد أنّه ينتسب إلى ما لا ينتسب إليه، فإنَّ عاشوراء ترفضنا وترفض جهادنا الّذي سوف لا يكون لله، وإنّما يكون للإطار الذي يعيش فيه، وللذّات التي نختنق فيها.

وفي الظروف التي تريد منّا أن نعيش فيها الإخلاص لله تعالى، علينا أن لا نترك للشيطان مجالاً ينفذ فيه إلى أفكارنا ومشاعرنا وعلاقاتنا، فلا نتحاور حوار الذين يعيش كلّ واحدٍ منهم الحذر والتحفُّظ من الآخر.

إنَّ علينا أن نشعر بأنَّ المعركة والمرحلة تصهرنا وتجعلنا أكثر وعياً لدورنا ولساحتنا، وأشدّ إخلاصاً في علاقتنا بالله سبحانه وتعالى. وعندما نستحضر ذكرى الآلام التي خلّفها الاضطهاد والكفر والطّغيان في عاشوراء التاريخ، علينا أن نرتبط بهذه الآلام التي يعيشها الناس هنا وهناك، وفي كلّ بلد من بلدان العالَم الإسلامي.

عندما نستقبل عاشوراء، علينا أن نستقبلها على أساس ما نحمل من مسؤوليّة تجاه الله سبحانه وتعالى، أن نعيش التقوى في الفكر عندما نفكِّر، وفي العمل عندما نعمل، وفي علاقاتنا وكلّ أوضاعنا العامّة.. وأن نشعر، أيضاً، أن لا صفة لنا إلّا أنَّنا مسلمون، وعلى أساس هذه الصّفة، يجب أن نتصرَّف في أوضاعنا وعلاقاتنا وحربنا وسلمنا.. يجب أن لا نحرِّك رِجْلاً نقدِّمها أو نؤخِّرها إلّا بعد أن نعلم ما هو حكم الله هنا، وما هو حكم الله هناك.

في ذكرى عاشوراء، علينا أن نتطلَّع إلى الإمام الحسين (ع) في تلك الأرض التي واجه فيها الضّلال والطّغيان بكلّ قوّة، وواجه فيها الآلام بكلّ فرح روحيّ. "هَوَّنَ عليَّ ما نزل بنا أنّه بعين الله"2، عندما تتألّمون، وعندما تُجرَحون، لا تتخاذلوا ولا تهنوا، وإنّما قفوا وقفة الإمام الحسين عندما أخذ دم ولده الرّضيع، وقال، وهو يرفع وجهه إلى السَّماء: "هَوَّنَ عليَّ ما نزَلَ بنا أنّه بعينِ الله" .

لنقل جميعاً: هوَّن ما ينزل بنا من كلّ الآلام، أَنّها في سبيل العزّة والكرامة والنَّصر في مواجهة الكفَّار.

*من كتاب "في رحاب أهل البيت (ع)"، ج 1.

[1]"مقتل الحسين" للسيّد المقرم، ص 219.

[2]البحار، ج:45، ص:46، باب:37

في كلّ سنة، لنا ذكرى مع أجواء عاشوراء، وفي كلّ سنة، نستعيد في وعينا وحياتنا كربلاء. لكنّ قيمة عاشوراء وكربلاء الذّكرى، أنّ لها لقاء في كلّ زمن مع الأُمّة؛ تمدُّها وتعطيها من حيويّتها، وتدفعها إلى المواقع المتقدّمة في مسيرة الحياة الكريمة.. فكنّا نراها شاخصةً في السابق، ونراها الآن تتحرَّك في حياتنا، لتمنح عطاءها لكلّ بلاد العالَم الإسلامي في واقعها الجديد، ومعاناتها الجديدة.

فلم تعد كربلاء متّصلةً بقصّة جغرافية في نطاق بلد معيّن أو دولة معيّنة، بل راحت تتفاعل مع كلّ أرض يعيش فيها المسلم الصّراع ضدّ الكفر والظّلم والاستغلال والاستكبار، وبدت لنا أكثر من كربلاء، لنا كربلاء في لبنان، ولنا كربلاء في العراق، ولنا كربلاء في أفغانستان، ولنا كربلاء في كلّ بلدٍ يقف فيه الإسلام والمسلمون ضدَّ الكفر. ولم تعد عاشوراء ـــ عاشوراء الحسين وعاشوراء الشّهداء ـــ مجرّدة في التاريخ، وإنّما تحوَّلت لتكون منطلقاً في كلّ زمن، وكلّ جيلٍ تتمثَّل فيه المجالات التي يقف فيها الإنسان المسلم في كلّ مرحلة من مراحل الجهاد من أجل العزّة والكرامة في سبيل الله.

ولكن عندما نتمثَّل كربلاء في كلّ أرض يتحرَّك فيها الجهاد، وفي كلّ زمن ينطلق فيه خطّ الجهاد، لا بدَّ لنا من أن نعيش هذه الروح، وهذه القضيّة، وهذا التحرّك بعمق المعاني التي عاشتها تلك الأرض، وبعمق الأهداف التي عاشها أولئك الشّهداء.

كي لا تصبح عاشوراء مجرّد زمنٍ يتحرّك فيه الجهاد، لا بدَّ أن يكون الجهاد الذي نمارسه بحجم فكر الإمام الحسين (ع)، بحجم تطلُّعاته ووعيه لدوره وإخلاصه لربّه، وبحجم الأهداف الكبيرة التي يستهدفها للحياة. كذلك، لا بدَّ لنا أن نعيش في أنفسنا وفي حياتنا أجواء أولئك الشّهداء الذين قال الإمام الحسين (ع) فيهم: "واللهِ ما رأيتُ أبرَّ ولا أوْفى من أصحابي، إنَّهم يستأنِسونَ بالمَنِيَّة استئناسَ الطّفلِ بحالب أُمِّه"1.

لا بدّ أن نعيش هذه الروح المخلصة لله سبحانه وتعالى. فكربلاء ليس فيها شيء للذّات أو للفئة، كربلاء كلّها لله سبحانه وتعالى. القتال كان فيها لله، والسِّلم كان فيها لله، والصّلاة كانت فيها لله، وكلّ العلاقات كانت منها في سبيل الله.

لهذا، إذا كنّا نفكِّر في أيّ مرحلة من مجالاتنا العمليّة في آفاتنا الضيّقة، كما كنّا نفكِّر سابقاً.. إذا كنّا نفكِّر أنْ يتعلَّب كلّ واحدٍ منّا في إطار معيّن أو في شخصيّته أو في ذاته، وأن يتعقَّد من أخيه المؤمن لمجرّد أنّه ينتسب إلى ما لا ينتسب إليه، فإنَّ عاشوراء ترفضنا وترفض جهادنا الّذي سوف لا يكون لله، وإنّما يكون للإطار الذي يعيش فيه، وللذّات التي نختنق فيها.

وفي الظروف التي تريد منّا أن نعيش فيها الإخلاص لله تعالى، علينا أن لا نترك للشيطان مجالاً ينفذ فيه إلى أفكارنا ومشاعرنا وعلاقاتنا، فلا نتحاور حوار الذين يعيش كلّ واحدٍ منهم الحذر والتحفُّظ من الآخر.

إنَّ علينا أن نشعر بأنَّ المعركة والمرحلة تصهرنا وتجعلنا أكثر وعياً لدورنا ولساحتنا، وأشدّ إخلاصاً في علاقتنا بالله سبحانه وتعالى. وعندما نستحضر ذكرى الآلام التي خلّفها الاضطهاد والكفر والطّغيان في عاشوراء التاريخ، علينا أن نرتبط بهذه الآلام التي يعيشها الناس هنا وهناك، وفي كلّ بلد من بلدان العالَم الإسلامي.

عندما نستقبل عاشوراء، علينا أن نستقبلها على أساس ما نحمل من مسؤوليّة تجاه الله سبحانه وتعالى، أن نعيش التقوى في الفكر عندما نفكِّر، وفي العمل عندما نعمل، وفي علاقاتنا وكلّ أوضاعنا العامّة.. وأن نشعر، أيضاً، أن لا صفة لنا إلّا أنَّنا مسلمون، وعلى أساس هذه الصّفة، يجب أن نتصرَّف في أوضاعنا وعلاقاتنا وحربنا وسلمنا.. يجب أن لا نحرِّك رِجْلاً نقدِّمها أو نؤخِّرها إلّا بعد أن نعلم ما هو حكم الله هنا، وما هو حكم الله هناك.

في ذكرى عاشوراء، علينا أن نتطلَّع إلى الإمام الحسين (ع) في تلك الأرض التي واجه فيها الضّلال والطّغيان بكلّ قوّة، وواجه فيها الآلام بكلّ فرح روحيّ. "هَوَّنَ عليَّ ما نزل بنا أنّه بعين الله"2، عندما تتألّمون، وعندما تُجرَحون، لا تتخاذلوا ولا تهنوا، وإنّما قفوا وقفة الإمام الحسين عندما أخذ دم ولده الرّضيع، وقال، وهو يرفع وجهه إلى السَّماء: "هَوَّنَ عليَّ ما نزَلَ بنا أنّه بعينِ الله" .

لنقل جميعاً: هوَّن ما ينزل بنا من كلّ الآلام، أَنّها في سبيل العزّة والكرامة والنَّصر في مواجهة الكفَّار.

*من كتاب "في رحاب أهل البيت (ع)"، ج 1.

[1]"مقتل الحسين" للسيّد المقرم، ص 219.

[2]البحار، ج:45، ص:46، باب:37

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية