درس الحسين (ع): خيار العزّة دائماً

درس الحسين (ع): خيار العزّة دائماً
وسار الحسين (ع) ووصل كربلاء، وتجمَّعت الجيوش حوله ممَّن بعث إليه أنَّك سترى منّا جنوداً مجنَّدة، وكان الحسين صاحب رسالة، لم يتعقَّد منهم، ولكنّه وقف معهم المرّة والمرّتين والثّلاث والأكثر، وهو يخطب فيهم ويعظهم ويذكّرهم بعذاب الله. 
المتعصّبون جاهلون
ولكنَّ القوم، ككثير من القوم في زمانٍ آخر، أغلقت عقولهم عن التّفكير، لم يُسمَح لهم بأنْ يفكِّروا، لأنّهم وُضِعوا في دائرةٍ يُراد لهم أن لا يفكِّروا فيها، يعني: لا تفكِّر، فقط اِمشِ على هذا الخطّ وممنوع أن تفكِّر، لو تكلَّم معك أحد وقال يا فلان تعالَ نتفاهم، قل له: لا، ليس هناك تفاهم. إنّك عندما تلتزم أيّ موقع من خلال قناعتك ومن خلال فكرك، فستستمع إلى الآخر الذي يلتزم موقفاً آخر من خلال قناعته ومن خلال فكره، لأنَّك أنتَ طالب حقّ، والتزمت بهذا الموقف على أساس أنّك تطلب الحقّ، وعندما يأتي أحدهم ويقول لك: يا صاحبي، هناك وجهة نظر أخرى يمكن أن يكون الحقّ فيها، اسمعني، عند ذلك تسمع بقلبٍ مفتوح وعقلٍ مفتوح وأُذن مفتوحة، وعند ذلك، لا تتعصَّب، لأنَّك طالب حقّ، لكن إذا كنتَ شخصاً لا تعي شيئاً، "أغلقوا لك بالمفتاح باب عقلك"، قالوا لك فكِّر هكذا، والتزم هذا، ثمّ شحنوا قلبك بالبغض والعداوة، ثمّ وضعوك في ساحة محدودة، فإنَّ الجهل هو الذي يخلق العصبيّة. المتعصّبون جاهلون، أمّا العالمون، فهم ملتزمون لا يتعصّبون، وفرق بين الالتزام والعصبيّة، أنتَ متعصّب إذا كنت غير مستعدّ لأن تسمع وجهة النظر المخالفة، أمّا وأنتَ ملتزم، فإنّك تلتزم استماع وجهة النظر الأخرى، وتحدِّد بعدها إنْ كنت على قناعة بها أم لا.
الإمام الحسين (سلام الله عليه)، عندما واجَه هؤلاء القوم، واجَهَ قوماً أغلقت الأموال عقولهم وقلوبهم ومواقفهم، لهذا كان يحاورهم ويدعوهم إلى الحوار، وهم يقولون: لا نفهم ما تقول، اِنزِلْ على حكم بني عمّك. لو تكلّمت صباحاً ومساءً، لن تجد عندنا غير هذه الكلمة، فنحن غير مستعدّين للتفاهم وغير مستعدّين لأن نتحاور. 
خيار العزَّة
هذا موقف؛ وهناك مواقف مماثلة تحتاج أن تدرسوها، مشكلتكم أنَّكم جمَّدتم كربلاء، أصبحت مجرَّد قارئ عزاء أُمّيٍّ أو شبه أُمّيٍّ، المهمّ أنَّ عنده صوتاً جيِّداً يُبكي النّاس، ولكنَّه لا يعرف أن يعطيك دروساً لتفهم واقعك من خلال ما كان يعيشه الحسين (ع)، ولكن عندما نفهم فلسفة موقف الحسين نعرف عظمة الحسين، وعندما نفهم عمق الثّورة الحسينيّة نفهم عظمة الحسين (ع). عند ذلك، قال لهم: "لا والله لا أُعطيكم بيدي إعطاءَ الذّليل، ولا أقرّ لكم إقرار العبيد". أنا الحسين الحرّ، سيّد الأحرار، لا يمكن أن أوقِّع لكم على شيء لا أرتضيه، "ألا وإنَّ الدّعيّ ابن الدّعيّ قد رَكَزَ بين اثنتين؛ بين السِلَّةِ والذلّة، وهيهات منّا الذلّة! يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وحجورٌ طابَت وطَهُرَت، وأنوف حميّة، ونفوس أبيّة، من أن تؤْثر طاعة اللّئام على مصارع الكِرام".
هذا هو الخطّ الحسيني، إنّك عندما تقف أمام الخيار بين أن تكون ذليلاً أو عزيزاً، بين أن تكون ذليلاً مع الحياة، أو أن تكون عزيزاً مع الموت، عليكَ أن لا تختار الذلّة، لأنَّ الله أرادك أن تكون عزيزاً.
الأصحاب المخلصون
وهكذا بقي الحسين (ع) في موقفه، وكان يعرف أنّ النصر بالمعنى المادّيّ ليس وارداً في حساباته، لهذا حدَّث أخته العقيلة زينب (ع)، وبكت ليلة العاشر، وحدَّث أصحابه وحدَّث أهل بيته (ع)، في ما يروى، حيث جَمَعَهُم ليلة العاشر، وأخبرهم وقال لهم: إنَّ القوم لا يريدون غيري، فانطلقوا في هذا اللّيل واتّخذوه جَمَلاً.. اركبوا اللّيل كما تركبون الجمل لا يراكم أحد. وليأخذ كلّ واحدٍ منكم بيد رجل من أهل بيتي، لأنَّ أهل البيت لا يعرفون البلاد هناك باعتبارهم حجازيّين.. أنا سأموت، فلماذا تموتون معي؟ 
ووقف أولئك، وقفت الأقليّة التي كانت تجابه الأكثريّة، ولكنّها أقليّة الإيمان والإسلام والتّقوى والإخلاص والتّضحية في سبيل الله، أمام الأكثريّة التي تختزن الضّلال والفساد والأطماع والعمل في سبيل الشّيطان، ووقفوا وقال له العبّاس: ولماذا نبقى بعدك يا أبا عبد الله؟ وقال له زهيرُ بن القَيْن: "واللهِ لَوَدِدْتُ أنّي قُتِلتُ ثمّ نُشرِت، ثمّ قُتلت، حتّى أُقتلَ هكذا ألفَ مرّة، وأنّ اللهَ عزّ وجلّ يَدفَع بذلك القتلَ عن نفسك وعن أنفُس هؤلاء الفِتْيان مِن أهل بيتك". 
وهكذا عاشوا وهم يترقَّبون الموت في اليوم التّالي، وكانوا يعيشون مع الله كما كان الحسين (ع) يعيش مع الله، باتوا ليلة عاشوراء بين قائمٍ وقاعدٍ وراكعٍ وساجدٍ وقارئٍ للقرآن. كان هذا جوّهم، هذا جوّ الجيش المسلم، هذا جوّ المقاتِل المسلم الذي لا ينفصل عن الله في أيّ وقت. 
وهكذا، عندما حان وقت الصّلاة، وقد سَقَطَ بعض أصحاب الحسين، جاء شخص إلى الحسين (ع) وقال له: يا بن رسول الله، لقد حانَ وقت الصّلاة، وإنّي أحبّ أن لا ألقى الله إلا وقد صلّيت هذه الصّلاة، أريد آخر عمري أن أعرج إلى الله بصلاتي، ثمّ أعرج إليه بروحي.
 هكذا هم أصحاب الحسين (ع) هم المصلُّون، وأمّا الذين لا يصلّون، فليس الحسين ولا أهل بيته ولا أصحابه منهم في شيءٍ، حتّى لو عملوا ألف مجلس عزاء. وقال الحسين: نعم، ذكرتَ الصّلاة، جَعَلك الله من المصلّين. 
على ملّة رسول الله
وصلَّى، والسِّهام من كلِّ جانبٍ تَتْرَى عليه، وسَقَطَ الذي كان يقف أمامه، وأكمل الحسين المسيرة، وعندما أراد أن يلقى وجه ربِّه، قال آخر كلماته: "بسم الله وبالله وعلى مِلَّةِ رسول الله". هذه الكلمة التي لا بدَّ أن نعيشها، لن يقولها الإنسان بصدق إلا إذا كانت حياته باسم الله وفي سبيل الله وعلى مِلَّةِ رسول الله، سيقولها قبل أن يموت، وسيقولها في قبره. ولكنّ الإنسان الذي كانت حياته بعيدة عن الله وعن رسول الله، حتّى لو جاء الملقّن ليقول له اسمع يا فلان، إذا جاءك المَلَكان وسألاك مَنْ ربّك؟ قل الله ربّي، لن يسمع ذلك، لأنّه لم يكن يسمع ذلك في الحياة الدنيا. ليست كلمة يقولها الملقّن، ولكنّها موقف تقوله حياتك، أن تبدأ كلّ حياتك باسم الله، وأنْ تتحرَّك في كلّ حياتك على ملّة رسول الله، عند ذلك، تكون مثل عليّ عندما قالها، ومثل الحسين (ع) عندما قالها، وقبل ذلك، مثل رسول الله (ص) عندما قالها.
درس الشّهادة
وهكذا رأينا أنّ الحسين (ع) واجَهَ الشَّهادة، لأنّه أراد أن يصدم الواقع ليحرّك الواقع الذي عاشه، وليحرّك قواعد المستقبل. كان يقول لهؤلاء الّذين وقف أمامهم من الطغاة، إذا كنتم تسيطرون على الحاضر، فسأنسف المستقبل الذي تتطلَّعون إليه، وكان يقول للأجيال اللاحقة: ستمسكون ذلك المستقبل، وستصنعون في وعي الأُمّة روحاً جهاديّة مصبوغة بالدّماء، وستسقطون كلّ العروش الظالمة، وسقطت العروش بعد ذلك. 
هذا هو درس الحسين (ع)؛ أن لا يسقطكم الحاضر، فكِّروا أنّكم مسؤولون عن الحاضر ومسؤولون عن المستقبل، بمقدار ما تستطيعون أن تهيّئوا للمستقبل من قوَّة من خلال مواقفكم في الحاضر، في مقابل النّاس الذين يهدمون المستقبل للأُمَّة على أساس أن يحقِّقوا لأنفسهم راحة في الحاضر.
الحسينيّون هم الذين يفكّرون أن يعطوا الكثير من جهدهم وجهادهم في الحاضر، من أجل أن يرسموا لأولادهم مستقبلاً لا يضطرّون فيه لأن يقبّلوا أعتاب الطغاة.
*من كتاب "الجمعة منبر ومحراب".
وسار الحسين (ع) ووصل كربلاء، وتجمَّعت الجيوش حوله ممَّن بعث إليه أنَّك سترى منّا جنوداً مجنَّدة، وكان الحسين صاحب رسالة، لم يتعقَّد منهم، ولكنّه وقف معهم المرّة والمرّتين والثّلاث والأكثر، وهو يخطب فيهم ويعظهم ويذكّرهم بعذاب الله. 
المتعصّبون جاهلون
ولكنَّ القوم، ككثير من القوم في زمانٍ آخر، أغلقت عقولهم عن التّفكير، لم يُسمَح لهم بأنْ يفكِّروا، لأنّهم وُضِعوا في دائرةٍ يُراد لهم أن لا يفكِّروا فيها، يعني: لا تفكِّر، فقط اِمشِ على هذا الخطّ وممنوع أن تفكِّر، لو تكلَّم معك أحد وقال يا فلان تعالَ نتفاهم، قل له: لا، ليس هناك تفاهم. إنّك عندما تلتزم أيّ موقع من خلال قناعتك ومن خلال فكرك، فستستمع إلى الآخر الذي يلتزم موقفاً آخر من خلال قناعته ومن خلال فكره، لأنَّك أنتَ طالب حقّ، والتزمت بهذا الموقف على أساس أنّك تطلب الحقّ، وعندما يأتي أحدهم ويقول لك: يا صاحبي، هناك وجهة نظر أخرى يمكن أن يكون الحقّ فيها، اسمعني، عند ذلك تسمع بقلبٍ مفتوح وعقلٍ مفتوح وأُذن مفتوحة، وعند ذلك، لا تتعصَّب، لأنَّك طالب حقّ، لكن إذا كنتَ شخصاً لا تعي شيئاً، "أغلقوا لك بالمفتاح باب عقلك"، قالوا لك فكِّر هكذا، والتزم هذا، ثمّ شحنوا قلبك بالبغض والعداوة، ثمّ وضعوك في ساحة محدودة، فإنَّ الجهل هو الذي يخلق العصبيّة. المتعصّبون جاهلون، أمّا العالمون، فهم ملتزمون لا يتعصّبون، وفرق بين الالتزام والعصبيّة، أنتَ متعصّب إذا كنت غير مستعدّ لأن تسمع وجهة النظر المخالفة، أمّا وأنتَ ملتزم، فإنّك تلتزم استماع وجهة النظر الأخرى، وتحدِّد بعدها إنْ كنت على قناعة بها أم لا.
الإمام الحسين (سلام الله عليه)، عندما واجَه هؤلاء القوم، واجَهَ قوماً أغلقت الأموال عقولهم وقلوبهم ومواقفهم، لهذا كان يحاورهم ويدعوهم إلى الحوار، وهم يقولون: لا نفهم ما تقول، اِنزِلْ على حكم بني عمّك. لو تكلّمت صباحاً ومساءً، لن تجد عندنا غير هذه الكلمة، فنحن غير مستعدّين للتفاهم وغير مستعدّين لأن نتحاور. 
خيار العزَّة
هذا موقف؛ وهناك مواقف مماثلة تحتاج أن تدرسوها، مشكلتكم أنَّكم جمَّدتم كربلاء، أصبحت مجرَّد قارئ عزاء أُمّيٍّ أو شبه أُمّيٍّ، المهمّ أنَّ عنده صوتاً جيِّداً يُبكي النّاس، ولكنَّه لا يعرف أن يعطيك دروساً لتفهم واقعك من خلال ما كان يعيشه الحسين (ع)، ولكن عندما نفهم فلسفة موقف الحسين نعرف عظمة الحسين، وعندما نفهم عمق الثّورة الحسينيّة نفهم عظمة الحسين (ع). عند ذلك، قال لهم: "لا والله لا أُعطيكم بيدي إعطاءَ الذّليل، ولا أقرّ لكم إقرار العبيد". أنا الحسين الحرّ، سيّد الأحرار، لا يمكن أن أوقِّع لكم على شيء لا أرتضيه، "ألا وإنَّ الدّعيّ ابن الدّعيّ قد رَكَزَ بين اثنتين؛ بين السِلَّةِ والذلّة، وهيهات منّا الذلّة! يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وحجورٌ طابَت وطَهُرَت، وأنوف حميّة، ونفوس أبيّة، من أن تؤْثر طاعة اللّئام على مصارع الكِرام".
هذا هو الخطّ الحسيني، إنّك عندما تقف أمام الخيار بين أن تكون ذليلاً أو عزيزاً، بين أن تكون ذليلاً مع الحياة، أو أن تكون عزيزاً مع الموت، عليكَ أن لا تختار الذلّة، لأنَّ الله أرادك أن تكون عزيزاً.
الأصحاب المخلصون
وهكذا بقي الحسين (ع) في موقفه، وكان يعرف أنّ النصر بالمعنى المادّيّ ليس وارداً في حساباته، لهذا حدَّث أخته العقيلة زينب (ع)، وبكت ليلة العاشر، وحدَّث أصحابه وحدَّث أهل بيته (ع)، في ما يروى، حيث جَمَعَهُم ليلة العاشر، وأخبرهم وقال لهم: إنَّ القوم لا يريدون غيري، فانطلقوا في هذا اللّيل واتّخذوه جَمَلاً.. اركبوا اللّيل كما تركبون الجمل لا يراكم أحد. وليأخذ كلّ واحدٍ منكم بيد رجل من أهل بيتي، لأنَّ أهل البيت لا يعرفون البلاد هناك باعتبارهم حجازيّين.. أنا سأموت، فلماذا تموتون معي؟ 
ووقف أولئك، وقفت الأقليّة التي كانت تجابه الأكثريّة، ولكنّها أقليّة الإيمان والإسلام والتّقوى والإخلاص والتّضحية في سبيل الله، أمام الأكثريّة التي تختزن الضّلال والفساد والأطماع والعمل في سبيل الشّيطان، ووقفوا وقال له العبّاس: ولماذا نبقى بعدك يا أبا عبد الله؟ وقال له زهيرُ بن القَيْن: "واللهِ لَوَدِدْتُ أنّي قُتِلتُ ثمّ نُشرِت، ثمّ قُتلت، حتّى أُقتلَ هكذا ألفَ مرّة، وأنّ اللهَ عزّ وجلّ يَدفَع بذلك القتلَ عن نفسك وعن أنفُس هؤلاء الفِتْيان مِن أهل بيتك". 
وهكذا عاشوا وهم يترقَّبون الموت في اليوم التّالي، وكانوا يعيشون مع الله كما كان الحسين (ع) يعيش مع الله، باتوا ليلة عاشوراء بين قائمٍ وقاعدٍ وراكعٍ وساجدٍ وقارئٍ للقرآن. كان هذا جوّهم، هذا جوّ الجيش المسلم، هذا جوّ المقاتِل المسلم الذي لا ينفصل عن الله في أيّ وقت. 
وهكذا، عندما حان وقت الصّلاة، وقد سَقَطَ بعض أصحاب الحسين، جاء شخص إلى الحسين (ع) وقال له: يا بن رسول الله، لقد حانَ وقت الصّلاة، وإنّي أحبّ أن لا ألقى الله إلا وقد صلّيت هذه الصّلاة، أريد آخر عمري أن أعرج إلى الله بصلاتي، ثمّ أعرج إليه بروحي.
 هكذا هم أصحاب الحسين (ع) هم المصلُّون، وأمّا الذين لا يصلّون، فليس الحسين ولا أهل بيته ولا أصحابه منهم في شيءٍ، حتّى لو عملوا ألف مجلس عزاء. وقال الحسين: نعم، ذكرتَ الصّلاة، جَعَلك الله من المصلّين. 
على ملّة رسول الله
وصلَّى، والسِّهام من كلِّ جانبٍ تَتْرَى عليه، وسَقَطَ الذي كان يقف أمامه، وأكمل الحسين المسيرة، وعندما أراد أن يلقى وجه ربِّه، قال آخر كلماته: "بسم الله وبالله وعلى مِلَّةِ رسول الله". هذه الكلمة التي لا بدَّ أن نعيشها، لن يقولها الإنسان بصدق إلا إذا كانت حياته باسم الله وفي سبيل الله وعلى مِلَّةِ رسول الله، سيقولها قبل أن يموت، وسيقولها في قبره. ولكنّ الإنسان الذي كانت حياته بعيدة عن الله وعن رسول الله، حتّى لو جاء الملقّن ليقول له اسمع يا فلان، إذا جاءك المَلَكان وسألاك مَنْ ربّك؟ قل الله ربّي، لن يسمع ذلك، لأنّه لم يكن يسمع ذلك في الحياة الدنيا. ليست كلمة يقولها الملقّن، ولكنّها موقف تقوله حياتك، أن تبدأ كلّ حياتك باسم الله، وأنْ تتحرَّك في كلّ حياتك على ملّة رسول الله، عند ذلك، تكون مثل عليّ عندما قالها، ومثل الحسين (ع) عندما قالها، وقبل ذلك، مثل رسول الله (ص) عندما قالها.
درس الشّهادة
وهكذا رأينا أنّ الحسين (ع) واجَهَ الشَّهادة، لأنّه أراد أن يصدم الواقع ليحرّك الواقع الذي عاشه، وليحرّك قواعد المستقبل. كان يقول لهؤلاء الّذين وقف أمامهم من الطغاة، إذا كنتم تسيطرون على الحاضر، فسأنسف المستقبل الذي تتطلَّعون إليه، وكان يقول للأجيال اللاحقة: ستمسكون ذلك المستقبل، وستصنعون في وعي الأُمّة روحاً جهاديّة مصبوغة بالدّماء، وستسقطون كلّ العروش الظالمة، وسقطت العروش بعد ذلك. 
هذا هو درس الحسين (ع)؛ أن لا يسقطكم الحاضر، فكِّروا أنّكم مسؤولون عن الحاضر ومسؤولون عن المستقبل، بمقدار ما تستطيعون أن تهيّئوا للمستقبل من قوَّة من خلال مواقفكم في الحاضر، في مقابل النّاس الذين يهدمون المستقبل للأُمَّة على أساس أن يحقِّقوا لأنفسهم راحة في الحاضر.
الحسينيّون هم الذين يفكّرون أن يعطوا الكثير من جهدهم وجهادهم في الحاضر، من أجل أن يرسموا لأولادهم مستقبلاً لا يضطرّون فيه لأن يقبّلوا أعتاب الطغاة.
*من كتاب "الجمعة منبر ومحراب".
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية