القرآن يحدد أساليب معالجة نشوز المرأة

القرآن يحدد أساليب معالجة نشوز المرأة
 
أوّلاً: الموعظة:
{فَعِظُوهُنَّ...}. هذا هو الأسلوب الأوّل الذي أراد الإسلام من خلاله للأزواج أن يعالجوا حالة التمرّد الحاصلة من الزوجة على الحقوق الزوجيّة، وهو أسلوب الوعظ، وذلك باتباع الأساليب الفكرية والروحية التي تحذّرها من نتائج عملها على الصعيد الدنيويّ والآخرويّ، فيخوّفها الزوج من عقاب الله سبحانه على معصيته في ما أوجبه عليها من حقوق للزوج، ومن أداء ذلك إلى تهديم الحياة الزوجيّة، وانعكاسه على مستقبلها ومستقبل الأولاد ـ إن كان هناك أولاد ـ ولا بدّ في سبيل تحقيق هذا الهدف من اتباع الأساليب التي تؤدّي إلى الهدف المنشود من رجوعها إلى الخطّ المستقيم وعودتها عن الانحراف... وتختلف الأساليب باختلاف ذهنيّة الزّوجة من ناحية فكريّة وروحيّة وعاطفيّة، فلا بدّ من دراسة ذلك كلّه، مع ملاحظة نقاط الضعف والقوة في شخصيتها الذاتية والدينية؛ ثم مواجهة الموقف بما يتطلبه من حكمةٍ ومرونة وتخطيط زمني للمراحل اللازمة للوصول إلى قناعتها والتزامها، لأنّ بعض الحالات قد تحتاج إلى وقت طويل؛ فلا يكتفي الإنسان بالكلمة العابرة المرتجلة، كما يفعله بعض الناس الذين يعالجون مثل هذه الحالات بالكلمات التقليديّة التي يطلقونها بطريقة جافة، لا روح فيها ولا حياة، ولا معنى لها لدى قائلها وسامعها.

ثانياً: الهجر في المضاجع:
{وَاهْجُرُوهُنَّ فِى الْمَضَاجِعِ...}؛ هذا هو الأسلوب الثاني الذي يريد الإسلام للزوج اتّباعه عند إخفاق الأسلوب الأوّل ـ الوعظ ـ وهو أسلوب التأديب النفسي، وهو الهجران في المضاجع، وذلك بمقاطعتها ـ كما عن بعض المفسِّرين ـ أو بإدارة ظهره إليها عندما ينامان في مكان واحد، أو بالإيحاء لها ـ بطريقة أو بأخرى ـ بعدم الرغبة فيها أو بعدم المبالاة بها. ولعلّ هذا الأسلوب السلبي، من أقوى الأساليب المؤثّرة في شخصيّة المرأة، لأنّ اهتمام الزوج بها يعتبر عاملاً مهماً من عوامل إحساسها بأهميّتها وبقوّة شخصيّتها، وذلك ما يقرّره المحللون النفسيون في هذا المجال.
ثالثاً: الضّرب:
{وَاضْرِبُوهُنَّ...}، هذا هو الأسلوب الثالث، وهو أسلوب الضّرب، ولكنه لا يمثّل الضرب اللامعقول الذي يمارسه الإنسان بطريقة انفعاليّة، على أساس المزاج الحادّ والعقدة النفسية، والحاجة إلى التنفيس عن الغيظ، بل هو الضّرب التأديبي الهادئ الذي يوحي لها بالمهانة.

وقد وردت الأحاديث التي تظهر أنه الضرب غير المبرّح الذي لا يدمي لحماً ولا يهشّم عظماً؛ ما يوحي بأنه يمثّل أسلوباً نفسياً أكثر مما يمثِّل أسلوباً مادّياً. وقد يأخذ البعض على الإسلام هذا الأسلوب الذي يتنافى مع احترام المرأة وكرامتها والنظرة إليها كإنسان، ولكن القضية ـ في نظرنا ـ لا بدّ أن تواجه من ناحية ثانية، وهي هل إن أسلوب العقوبات التأديبية، من السجن والضرب ونحوهما، يتنافى مع كرامة الإنسان كإنسان، لتكون الدّعوة إلى إلغاء العقوبات من أساس التشريع، دون فرقٍ بين الرّجل والمرأة؟ وهذا ما لا تتقبله كل الأمم والشعوب التي تريد أن تحفظ حياتها، من خلال حفظ نظامها الذي يعتبر العقوبات جزءاً من الخطّة العامّة للقانون، باعتبارها العنصر الرادع للمجرمين والمنحرفين عن السّير بعيداً في ميدان الإجرام والانحراف.

وفي ضوء ذلك، لا بدّ لنا أن ندرس الفكرة: إنّ العلاقة الزوجية هي إحدى العلاقات الإنسانيّة التي تخضع في امتدادها لنظام محدَّد يحفظ لها توازنها؛ فإذا حصل التمرّد على التزاماتها، فما هو الحلّ؟ هل يترك للمصادفات، أم يبحث عن طريق للمعالجة؟

لا مجال للأوَّل، لأنّ معناه جعل العلاقة في مهبّ الرّياح؛ فلا بدّ من الثاني. فإذا استنفدت الطرق السلمية من الوعظ والهجران، كان ذلك دليلاً على أنّ المرأة لا تخضع للأساليب الإنسانية العادية القائمة على الاحترام، لأنّ المرأة التي لا تعي الكلمة، ولا تستجيب للضّغوط النفسية، ولا تستعدّ لمناقشة المسألة بالحوار الهادئ من حيث سلبيّاتها وإيجابيّاتها، هي امرأة لا تريد أن تدخل في علاقات طبيعيّة مع الآخرين؛ فكيف يتعامل معها الرّجل؛ هل يطلقها، أم يعرض أمرها للمحاكم المختصّة، أم يحلّ المشكلة بطريقته الخاصّة؟

إن الطلاق ليس حلاً، ولكنه يمثّل الهروب من المشكلة، بتهديم الهيكل الذي يثيرها، بينما يحاول الإسلام أن يجعل الطلاق آخر الحلول باعتباره أبغض الحلال إلى الله. أما الرجوع إلى المحاكم، فليس عملياً في مثل هذه الحوادث اليوميّة التي قد تفشي معها أسراراً نفسيةً وعمليةً كثيرة، في الوقت الذي لا مجال لإثبات الكثير من حوادثها بالأدلة الشرعيّة، لأن الممارسات الشخصية ـ ولا سيما ما يتعلق بالجانب الجنسي من العلاقة ـ لا تتمّ أمام الناس، فكيف يمكن التعامل مع عملية الإثبات فيها بطريقة معقولة؟ هذا، مع ما يقتضيه ذلك من المراجعة المتكرّرة للمحاكم، تبعاً لتكرّر مثل هذه الحوادث؛ فلا مجال إلا لاعتبار الموضوع من شؤون الصلاحيات الممنوحة للزّوج، من ناحية القوامة على المرأة في نطاق الحياة الزوجيّة؛ تماماً كما هي بعض الأساليب التأديبية التي يتركها القانون للمدير في الحالات اليوميّة الطارئة، التي ينحرف فيها بعض الموظفين بطريقة مستمرّة؛ ولكن ذلك لا بدّ من أن ينطلق من خلال الالتزام الإيماني، الذي يمنعه من ممارسة الضّرب في غير الحدود التي أباحها الله؛ فإذا تعدّى حدود الله، كان للزّوجة أن ترفع أمرها إلى الحاكم الشّرعيّ ليرجعه إلى الخطّ الصحيح، لأن القضية تتخذ مجرى آخر، يفرض على السلطة التدخّل لردّ الاعتداء وإنقاذ المعتدى عليه.

ونحن لا ننكر أنّ مثل هذا الأمر قد يجعل التطبيق خاضعاً لبعض ألوان الاستغلال الذّاتي من قبل الزوج؛ ولكن الذنب في ذلك ليس ذنب التّشريع، بل هي مشكلة المجتمع، والذي لا يتحرّك لتطبيق الخطة الشاملة بشكل متوازن ضاغط؛ ولعل من أبرز الشواهد على ذلك، ما نلاحظه من ألوان الظلم الشّخصي والاجتماعي على الفرد والمجتمع الذي لا ينطلق من حالة شرعيّة تسمح بالاستغلال، من خلال بعض الثّغرات الموجودة فيها، بل ينطلق من حالات خاصّة وعامّة تشجع على ذلك كلّه، من خلال ما تفرضه لعبة القوّة والضّعف في الحياة.

{فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً}، لأن هذه الإجراءات لم تفرض تنفيساً لعقدة أو تشجيعاً لظلم أو فرضاً لسلطة ذاتيّة، بل فرضت لمواجهة مشكلة تبحث عن حلّ، لتساعد البيت الزّوجي على التماسك والاستمرار، ولتدفع الزوجة إلى القيام بمسؤوليّاتها تجاه زوجها تنفيذاً لحكم الله. فإذا تحقّق الهدف مع أيّ مرحلة من مراحل الحلّ، فيجب على الزّوج أن يمسك عن أيّ تصرّف سلبيّ آخر، لأنّ الله لم يجعل له أيَّة سلطة عليها من قريب أو بعيد، خارج نطاق حقوقه الشرعيّة المفروضة.
*من كتاب "تفسير من وحي القرآن"، ج 7.
 
 
أوّلاً: الموعظة:
{فَعِظُوهُنَّ...}. هذا هو الأسلوب الأوّل الذي أراد الإسلام من خلاله للأزواج أن يعالجوا حالة التمرّد الحاصلة من الزوجة على الحقوق الزوجيّة، وهو أسلوب الوعظ، وذلك باتباع الأساليب الفكرية والروحية التي تحذّرها من نتائج عملها على الصعيد الدنيويّ والآخرويّ، فيخوّفها الزوج من عقاب الله سبحانه على معصيته في ما أوجبه عليها من حقوق للزوج، ومن أداء ذلك إلى تهديم الحياة الزوجيّة، وانعكاسه على مستقبلها ومستقبل الأولاد ـ إن كان هناك أولاد ـ ولا بدّ في سبيل تحقيق هذا الهدف من اتباع الأساليب التي تؤدّي إلى الهدف المنشود من رجوعها إلى الخطّ المستقيم وعودتها عن الانحراف... وتختلف الأساليب باختلاف ذهنيّة الزّوجة من ناحية فكريّة وروحيّة وعاطفيّة، فلا بدّ من دراسة ذلك كلّه، مع ملاحظة نقاط الضعف والقوة في شخصيتها الذاتية والدينية؛ ثم مواجهة الموقف بما يتطلبه من حكمةٍ ومرونة وتخطيط زمني للمراحل اللازمة للوصول إلى قناعتها والتزامها، لأنّ بعض الحالات قد تحتاج إلى وقت طويل؛ فلا يكتفي الإنسان بالكلمة العابرة المرتجلة، كما يفعله بعض الناس الذين يعالجون مثل هذه الحالات بالكلمات التقليديّة التي يطلقونها بطريقة جافة، لا روح فيها ولا حياة، ولا معنى لها لدى قائلها وسامعها.

ثانياً: الهجر في المضاجع:
{وَاهْجُرُوهُنَّ فِى الْمَضَاجِعِ...}؛ هذا هو الأسلوب الثاني الذي يريد الإسلام للزوج اتّباعه عند إخفاق الأسلوب الأوّل ـ الوعظ ـ وهو أسلوب التأديب النفسي، وهو الهجران في المضاجع، وذلك بمقاطعتها ـ كما عن بعض المفسِّرين ـ أو بإدارة ظهره إليها عندما ينامان في مكان واحد، أو بالإيحاء لها ـ بطريقة أو بأخرى ـ بعدم الرغبة فيها أو بعدم المبالاة بها. ولعلّ هذا الأسلوب السلبي، من أقوى الأساليب المؤثّرة في شخصيّة المرأة، لأنّ اهتمام الزوج بها يعتبر عاملاً مهماً من عوامل إحساسها بأهميّتها وبقوّة شخصيّتها، وذلك ما يقرّره المحللون النفسيون في هذا المجال.
ثالثاً: الضّرب:
{وَاضْرِبُوهُنَّ...}، هذا هو الأسلوب الثالث، وهو أسلوب الضّرب، ولكنه لا يمثّل الضرب اللامعقول الذي يمارسه الإنسان بطريقة انفعاليّة، على أساس المزاج الحادّ والعقدة النفسية، والحاجة إلى التنفيس عن الغيظ، بل هو الضّرب التأديبي الهادئ الذي يوحي لها بالمهانة.

وقد وردت الأحاديث التي تظهر أنه الضرب غير المبرّح الذي لا يدمي لحماً ولا يهشّم عظماً؛ ما يوحي بأنه يمثّل أسلوباً نفسياً أكثر مما يمثِّل أسلوباً مادّياً. وقد يأخذ البعض على الإسلام هذا الأسلوب الذي يتنافى مع احترام المرأة وكرامتها والنظرة إليها كإنسان، ولكن القضية ـ في نظرنا ـ لا بدّ أن تواجه من ناحية ثانية، وهي هل إن أسلوب العقوبات التأديبية، من السجن والضرب ونحوهما، يتنافى مع كرامة الإنسان كإنسان، لتكون الدّعوة إلى إلغاء العقوبات من أساس التشريع، دون فرقٍ بين الرّجل والمرأة؟ وهذا ما لا تتقبله كل الأمم والشعوب التي تريد أن تحفظ حياتها، من خلال حفظ نظامها الذي يعتبر العقوبات جزءاً من الخطّة العامّة للقانون، باعتبارها العنصر الرادع للمجرمين والمنحرفين عن السّير بعيداً في ميدان الإجرام والانحراف.

وفي ضوء ذلك، لا بدّ لنا أن ندرس الفكرة: إنّ العلاقة الزوجية هي إحدى العلاقات الإنسانيّة التي تخضع في امتدادها لنظام محدَّد يحفظ لها توازنها؛ فإذا حصل التمرّد على التزاماتها، فما هو الحلّ؟ هل يترك للمصادفات، أم يبحث عن طريق للمعالجة؟

لا مجال للأوَّل، لأنّ معناه جعل العلاقة في مهبّ الرّياح؛ فلا بدّ من الثاني. فإذا استنفدت الطرق السلمية من الوعظ والهجران، كان ذلك دليلاً على أنّ المرأة لا تخضع للأساليب الإنسانية العادية القائمة على الاحترام، لأنّ المرأة التي لا تعي الكلمة، ولا تستجيب للضّغوط النفسية، ولا تستعدّ لمناقشة المسألة بالحوار الهادئ من حيث سلبيّاتها وإيجابيّاتها، هي امرأة لا تريد أن تدخل في علاقات طبيعيّة مع الآخرين؛ فكيف يتعامل معها الرّجل؛ هل يطلقها، أم يعرض أمرها للمحاكم المختصّة، أم يحلّ المشكلة بطريقته الخاصّة؟

إن الطلاق ليس حلاً، ولكنه يمثّل الهروب من المشكلة، بتهديم الهيكل الذي يثيرها، بينما يحاول الإسلام أن يجعل الطلاق آخر الحلول باعتباره أبغض الحلال إلى الله. أما الرجوع إلى المحاكم، فليس عملياً في مثل هذه الحوادث اليوميّة التي قد تفشي معها أسراراً نفسيةً وعمليةً كثيرة، في الوقت الذي لا مجال لإثبات الكثير من حوادثها بالأدلة الشرعيّة، لأن الممارسات الشخصية ـ ولا سيما ما يتعلق بالجانب الجنسي من العلاقة ـ لا تتمّ أمام الناس، فكيف يمكن التعامل مع عملية الإثبات فيها بطريقة معقولة؟ هذا، مع ما يقتضيه ذلك من المراجعة المتكرّرة للمحاكم، تبعاً لتكرّر مثل هذه الحوادث؛ فلا مجال إلا لاعتبار الموضوع من شؤون الصلاحيات الممنوحة للزّوج، من ناحية القوامة على المرأة في نطاق الحياة الزوجيّة؛ تماماً كما هي بعض الأساليب التأديبية التي يتركها القانون للمدير في الحالات اليوميّة الطارئة، التي ينحرف فيها بعض الموظفين بطريقة مستمرّة؛ ولكن ذلك لا بدّ من أن ينطلق من خلال الالتزام الإيماني، الذي يمنعه من ممارسة الضّرب في غير الحدود التي أباحها الله؛ فإذا تعدّى حدود الله، كان للزّوجة أن ترفع أمرها إلى الحاكم الشّرعيّ ليرجعه إلى الخطّ الصحيح، لأن القضية تتخذ مجرى آخر، يفرض على السلطة التدخّل لردّ الاعتداء وإنقاذ المعتدى عليه.

ونحن لا ننكر أنّ مثل هذا الأمر قد يجعل التطبيق خاضعاً لبعض ألوان الاستغلال الذّاتي من قبل الزوج؛ ولكن الذنب في ذلك ليس ذنب التّشريع، بل هي مشكلة المجتمع، والذي لا يتحرّك لتطبيق الخطة الشاملة بشكل متوازن ضاغط؛ ولعل من أبرز الشواهد على ذلك، ما نلاحظه من ألوان الظلم الشّخصي والاجتماعي على الفرد والمجتمع الذي لا ينطلق من حالة شرعيّة تسمح بالاستغلال، من خلال بعض الثّغرات الموجودة فيها، بل ينطلق من حالات خاصّة وعامّة تشجع على ذلك كلّه، من خلال ما تفرضه لعبة القوّة والضّعف في الحياة.

{فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً}، لأن هذه الإجراءات لم تفرض تنفيساً لعقدة أو تشجيعاً لظلم أو فرضاً لسلطة ذاتيّة، بل فرضت لمواجهة مشكلة تبحث عن حلّ، لتساعد البيت الزّوجي على التماسك والاستمرار، ولتدفع الزوجة إلى القيام بمسؤوليّاتها تجاه زوجها تنفيذاً لحكم الله. فإذا تحقّق الهدف مع أيّ مرحلة من مراحل الحلّ، فيجب على الزّوج أن يمسك عن أيّ تصرّف سلبيّ آخر، لأنّ الله لم يجعل له أيَّة سلطة عليها من قريب أو بعيد، خارج نطاق حقوقه الشرعيّة المفروضة.
*من كتاب "تفسير من وحي القرآن"، ج 7.
 
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية