بالعودة إلى الذّاكرة، نستحضر من أرشيف خطب الجمعة لسماحة العلّامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض)، خطبته الّتي ألقاها بتاريخ 2 ربيع الثاني العام 1428ه/ الموافق 20 /4/2007م، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، والّتي تحدَّث فيها عن أهميّة قضاء حاجات الآخرين، بما يبرز أصالة النظام الأخلاقي والإنساني في الإسلام، وبما يحقّق لنا الثواب والكرامة والدّرجة عند الله تعالى، مستشهداً بالعديد من الأحاديث المباركة الخاصّة بهذا الموضوع. جاء في الخطبة:
"في النظام الأخلاقي التربويّ الإسلاميّ، نقرأ فيما جاء عن النبيّ(ص)، وعن الأئمَّة من أهل البيت(ع)، أنّ الطّاقة التي يملكها الإنسان، والّتي من خلالها يستطيع أن ينفع الناس، وأن يقضي حاجاتهم، وأن يخفّف من آلامهم ويكشف كرباتهم، هذه الطّاقة، عندما يستخدمها الإنسان من أجل رعاية المجتمع في حاجاته الحيويّة والضروريّة، بحيث يبادر إلى دراسة حاجات الناس لقضائها، وإلى تعرّف مشاكلهم لحلّها، تقرّباً إلى الله في ذلك كلّه، فإنّ هذا الخطّ الأخلاقيّ إذا أخذ به، فإنه يرفع درجته عند الله تعالى.
ونحن نقرأ في الحديث عن الإمام جعفر الصّادق(ع) في هذا الاتجاه أنه قال: «من مشى في حاجة أخيه المؤمن، يطلب بذلك ما عند الله ـ يتقرّب إلى الله به ـ حتى تُقضى له، كتب الله عزّ وجلّ له بذلك مثل أجر حجّة وعمرة مبرورتين، وصوم شهرين من أشهر الحرم واعتكافهما في المسجد الحرام، ومن مشى فيها بنيّة ولم تقضَ، كتب الله له بذلك مثل حجّة مبرورة. فارغبوا في الخير». فالإمام الصّادق(ع) يعتبر أن المؤمن إذا مشى في حاجة أخيه، وكان قادراً على أن يقضيها أو عازماً على ذلك ـ قُضيت أو لم تقضَ ـ فإنّ الله تعالى يرفع درجته بذلك، ويعطيه ثواب الحجّ والعمرة والصّوم والاعتكاف.
ويقول الإمام الصَّادق(ع): «تنافسوا في المعروف لإخوانكم ـ ليكن لكم التّسابق في بذل المعروف، وهو ما يمثِّل الخير ـ وكونوا من أهله، فإنَّ للجنّة باباً يقال له المعروف، لا يدخله إلّا من اصطنع المعروف في الحياة الدّنيا، فإنّ العبد ليمشي في حاجة أخيه المؤمن، فيوكّل الله عزَّ وجلَّ به ملكين؛ واحداً عن يمينه، وآخر عن شماله، يستغفران له ربَّه، ويدعوان بقضاء حاجته». ثم قال(ع): «والله، لرسول الله لأسرّ بقضاء حاجة المؤمن إذا وصلت إليه من صاحب الحاجة»، فهذا الجهد الّذي يبذله الإنسان في قضاء الحاجة، ليس جهداً ضائعاً، بل يجعل له الدّرجات العليا عند الله تعالى.
وفي الحديث عن الإمام الباقر(ع) يقول: «والله، لئن أعول أهل بيت من المسلمين، أسدّ جوعتهم، وأكسو عورتهم، فأكفّ وجوههم عن النّاس، أحبّ إليّ من أن أحجّ حجّة وحجّة ومثلها ومثلها (حتى بلغ عشراً)، ومثلها ومثلها (حتى بلغ السّبعين)». ونقرأ عن الإمام الباقر(ع) أيضاً أنّه قال: «أوحى الله عزّ وجلّ إلى موسى، أنَّ مِن عبادي من يتقرّب إليّ بالحسنة، فأحكّمه في الجنّة. فقال موسى: يا ربّ، وما تلك الحسنة؟ قال: يمشي مع أخيه المؤمن في قضاء حاجته، قُضيت أو لم تُقضَ».
وفي الحديث أيضاً عنه(ع) عن الحالة النفسيّة التي يعيشها المؤمن إذا ما عرف أنَّ هناك مؤمنين محتاجين ويعانون ضيقاً، يقول: «إنّ المؤمن لترد عليه الحاجة لأخيه، فلا تكون عنده، فيهتمُّ بها قلبه، فيدخله الله تعالى بهمّه الجنّة». وفي الحديث عن الإمام الكاظم(ع) يقول: «إنّ لله عباداً في الأرض يسعون في حوائج النّاس، هم الآمنون يوم القيامة، ومن أدخل على مؤمن سروراً، فرّح الله قلبه يوم القيامة». فكيف بمن يُدخل الحزن على المؤمنين؟".
وخدمة النّاس من أبرز مصاديق عبادة الخالق والتقرّب الفعليّ إليه ونيل محبّته ورضوانه. يقول(رض):
"وفي الحديث عن الإمام الصَّادق أنّه قال: «قال الله عزّ وجلّ: الخلق عيالي، فأحبّهم إليَّ ألطفهم بهم، وأسعاهم في حوائجهم». وفي الحديث عنه(ع) أنّه قال: «ما قضى مسلم لمسلم حاجة، إلّا ناداه الله: عليّ ثوابك، ولا أرضى لك بدون الجنّة». ويقول(ع): «من أحبّ الأعمال إلى الله عزّ وجلّ، إدخال السرور على المؤمن: إشباع جوعته، أو تنفيس كربته، أو قضاء دينه». وعن الإمام الباقر(ع): «قال رسول الله(ص): من سرّ مؤمناً فقد سرّني، ومن سرَّني فقد سرّ الله»".
ويختم سماحته بالدَّعوة إلى انتهاج سبيل قضاء الحاجات بما قدَّر الله لنا، عملاً بما أوصانا به الأئمَّة(ع)، وتأكيداً للعمل بأخلاقيّات الإسلام الأساسيّة، ومنها قضاء الحوائج:
"نقرأ في وصية الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(ع) لصاحبه «كميل بن زياد»، أنه قال: «يا كميل، مر أهلك أن يروحوا في كسب المكارم، ويُدلجوا في حاجة من هو نائم ـ والإدلاج هو السّير في اللّيل ـ فوالذي وسع سمعه الأصوات، ما من أحد أودع قلباً سروراً، إلّا وخلق الله له من ذلك السّرور لطفاً، فإذا نزلت به نائبة، جرى إليها كالماء في انحداره، حتّى يطردها كما تُطرد غريبة الإبل».
هذه هي القاعدة الأخلاقيّة الإسلاميّة؛ أن يتحرّك مجتمعنا في سبيل أن نبادر إلى إدخال السّرور على المؤمنين بكلّ ما نستطيع، لنقضي حوائجهم، وننفّس كروبهم، والله تعالى يتقبَّل ذلك منّا ويرفع درجاتنا، ويسير بنا إلى رضوانه الّذي ينتهي بنا إلى الجنّة".