يقول تعالى في كتابه الكريم: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}(آل عمران: 103).
{وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا}، فهو في مضمونه الشَّامل الذي يشمل الإسلام كلّه، في مضمون الكتاب، وحركة القيادة في خططها العمليَّة، يمثِّل العروة الوثقى التي لا انفصام لها ولا انقطاع، فلا بُدَّ لكم من التمسّك به والارتباط به، واعتباره الخطَّ الَّذي يتواصل به الجميع، والرابط الذي يربط بين الأفراد الَّذين قد يختلفون في خصوصياتهم ومواقعهم.
{وَلَا تَفَرَّقُواْ} ليقف كلّ واحدٍ منكم في ناحية بعيدة عن الناحية التي يقف فيها الآخر، على أساس العصبيَّة الذاتيَّة أو العائليَّة أو القوميَّة أو العرقيَّة أو الوطنيَّة أو الإقليميَّة... وغير ذلك مما يختلف عليه النَّاس في قضاياهم العامّة والخاصّة، فإنَّ التفرّق والاختلاف يؤدّيان إلى الضَّعف تارةً، وإلى السقوط أخرى، وإلى الابتعاد عن الخطّ المستقيم ثالثة.
{وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ} بالإسلام الَذي هداكم إليه؛ الذي جمعكم بعد فرقة، ووحَّدكم بعد تمزّق، {إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء} لا تلتقون على موقف، ولا ترتكزون على قاعدةٍ، يحقد بعضكم على بعض، ويلعن بعضكم بعضاً، {فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ}، بما أودعه في داخلها من الإسلام المنفتح على الله الَّذي يشيع الألفة الروحية من خلال العقيدة الواحدة والشريعة الواحدة والخطّ الواحد والهدف الواحد، {فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} متراحمين، متناصحين، مجتمعين على أمرٍ واحدٍ، متحابّين، خاضعين لعنوانٍ واحد، وهو الأخوَّة في الله الَّتي تفتح القلوب بعضها على بعض، وتزيل الحقد والعداوة والبغضاء.
{وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ}، أي على حافة الهاوية الَّتي كادت أن تسقطكم في النَّار، من خلال الكفر الَّذي كنتم تقيمون عليه، وتتحرّكون في دائرته، وتختلفون فيما بينكم من خلال نوازعه وأوضاعه، {فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا} بالإسلام الَّذي فتح لكم أبواب الخير كلّه، وأبواب رضوانه الَّذي ينتهي بكم إلى الجنَّة ويُبعدكم عن النَّار.
{كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ} التي توضح لكم سبيل السَّلامة في الدُّنيا والآخرة، وموارد الهلاك، لتأخذوا تلك وتتركوا هذه {لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} إلى الحقّ والصواب، بالمعرفة الواضحة، والحجّة القويَّة، والمنهج القويم.
وقد نستوحي من كلمة "الاعتصام بحبل الله" وإلحاقها بكلمة {وَلا تَفَرَّقُواْ}، أنَّ من الضَّروريّ للمسلمين أن يتلمَّسوا الركائز الَّتي ترتكز عليها الوحدة، من خلال ما يلتقون عليه من مبادئ الإسلام ومفاهيمه العامَّة، ليشعروا بالوحدة الفكريَّة والعمليَّة التي تجمعهم، ويتركوا ما اختلفوا فيه من ذلك، فيرجعوا فيه إلى الله والرسول في ما أفاض فيه القرآن من أساليب وقواعد للحوار من أجل الوصول إلى الحقيقة، ويبتعدوا عن الاستغراق في خلافاتهم من مواقع العقدة الطائفيَّة المشبعة بالحقد والضَّغينة ومختلف عوامل الإثارة، فإنَّ السَّير في هذا الخطّ، ينطلق من الاعتصام بحبل الله الَّذي يجمع ولا يفرِّق.
وقد يبدو للبعض أنَّ مفهوم "الاعتصام بحبل الله"، يفرض الالتقاء على المبادئ الأصيلة في الكتاب والسنَّة فقط، ولا يشمل الحالات التي يشعر فيها كلّ فريق بأنَّ الفريق الآخر لا يصدُر عن الحقيقة في عقيدته وفي علمه، ما يجعل الالتقاء به - على هذا الصعيد - التقاءً مع الانحراف والضلال...
ولكنَّنا نحسب أنَّ هذه الفكرة غير دقيقة، لأنَّ المفهوم من (الاعتصام بحبل الله)، هو اعتبار الكتاب أساساً للوحدة في المبادئ المتَّفق عليها، وفي أسلوب الوصول إلى الوفاق في المبادئ المختلف عليها، لأنَّ الرجوع إلى الكتاب، يعني الالتزام بقواعده وتشريعاته في طبيعة الفكرة وفي أسلوب الوصول إليها. وإنَّنا نعتقد أنَّ السبب في ما وصل إليه المسلمون من تناحر واختلاف وتفرّق، هو أنَّهم انطلقوا من موقع العقد الذاتية التي تتحكَّم بأعصابهم وانفعالاتهم، ولـم ينطلقوا في مواجهة خلافاتهم من موقع الحوار الإسلامي على هدي القرآن وطريقه...
* من كتاب "النَّدوة"، ج 16.
يقول تعالى في كتابه الكريم: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}(آل عمران: 103).
{وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا}، فهو في مضمونه الشَّامل الذي يشمل الإسلام كلّه، في مضمون الكتاب، وحركة القيادة في خططها العمليَّة، يمثِّل العروة الوثقى التي لا انفصام لها ولا انقطاع، فلا بُدَّ لكم من التمسّك به والارتباط به، واعتباره الخطَّ الَّذي يتواصل به الجميع، والرابط الذي يربط بين الأفراد الَّذين قد يختلفون في خصوصياتهم ومواقعهم.
{وَلَا تَفَرَّقُواْ} ليقف كلّ واحدٍ منكم في ناحية بعيدة عن الناحية التي يقف فيها الآخر، على أساس العصبيَّة الذاتيَّة أو العائليَّة أو القوميَّة أو العرقيَّة أو الوطنيَّة أو الإقليميَّة... وغير ذلك مما يختلف عليه النَّاس في قضاياهم العامّة والخاصّة، فإنَّ التفرّق والاختلاف يؤدّيان إلى الضَّعف تارةً، وإلى السقوط أخرى، وإلى الابتعاد عن الخطّ المستقيم ثالثة.
{وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ} بالإسلام الَذي هداكم إليه؛ الذي جمعكم بعد فرقة، ووحَّدكم بعد تمزّق، {إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء} لا تلتقون على موقف، ولا ترتكزون على قاعدةٍ، يحقد بعضكم على بعض، ويلعن بعضكم بعضاً، {فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ}، بما أودعه في داخلها من الإسلام المنفتح على الله الَّذي يشيع الألفة الروحية من خلال العقيدة الواحدة والشريعة الواحدة والخطّ الواحد والهدف الواحد، {فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} متراحمين، متناصحين، مجتمعين على أمرٍ واحدٍ، متحابّين، خاضعين لعنوانٍ واحد، وهو الأخوَّة في الله الَّتي تفتح القلوب بعضها على بعض، وتزيل الحقد والعداوة والبغضاء.
{وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ}، أي على حافة الهاوية الَّتي كادت أن تسقطكم في النَّار، من خلال الكفر الَّذي كنتم تقيمون عليه، وتتحرّكون في دائرته، وتختلفون فيما بينكم من خلال نوازعه وأوضاعه، {فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا} بالإسلام الَّذي فتح لكم أبواب الخير كلّه، وأبواب رضوانه الَّذي ينتهي بكم إلى الجنَّة ويُبعدكم عن النَّار.
{كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ} التي توضح لكم سبيل السَّلامة في الدُّنيا والآخرة، وموارد الهلاك، لتأخذوا تلك وتتركوا هذه {لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} إلى الحقّ والصواب، بالمعرفة الواضحة، والحجّة القويَّة، والمنهج القويم.
وقد نستوحي من كلمة "الاعتصام بحبل الله" وإلحاقها بكلمة {وَلا تَفَرَّقُواْ}، أنَّ من الضَّروريّ للمسلمين أن يتلمَّسوا الركائز الَّتي ترتكز عليها الوحدة، من خلال ما يلتقون عليه من مبادئ الإسلام ومفاهيمه العامَّة، ليشعروا بالوحدة الفكريَّة والعمليَّة التي تجمعهم، ويتركوا ما اختلفوا فيه من ذلك، فيرجعوا فيه إلى الله والرسول في ما أفاض فيه القرآن من أساليب وقواعد للحوار من أجل الوصول إلى الحقيقة، ويبتعدوا عن الاستغراق في خلافاتهم من مواقع العقدة الطائفيَّة المشبعة بالحقد والضَّغينة ومختلف عوامل الإثارة، فإنَّ السَّير في هذا الخطّ، ينطلق من الاعتصام بحبل الله الَّذي يجمع ولا يفرِّق.
وقد يبدو للبعض أنَّ مفهوم "الاعتصام بحبل الله"، يفرض الالتقاء على المبادئ الأصيلة في الكتاب والسنَّة فقط، ولا يشمل الحالات التي يشعر فيها كلّ فريق بأنَّ الفريق الآخر لا يصدُر عن الحقيقة في عقيدته وفي علمه، ما يجعل الالتقاء به - على هذا الصعيد - التقاءً مع الانحراف والضلال...
ولكنَّنا نحسب أنَّ هذه الفكرة غير دقيقة، لأنَّ المفهوم من (الاعتصام بحبل الله)، هو اعتبار الكتاب أساساً للوحدة في المبادئ المتَّفق عليها، وفي أسلوب الوصول إلى الوفاق في المبادئ المختلف عليها، لأنَّ الرجوع إلى الكتاب، يعني الالتزام بقواعده وتشريعاته في طبيعة الفكرة وفي أسلوب الوصول إليها. وإنَّنا نعتقد أنَّ السبب في ما وصل إليه المسلمون من تناحر واختلاف وتفرّق، هو أنَّهم انطلقوا من موقع العقد الذاتية التي تتحكَّم بأعصابهم وانفعالاتهم، ولـم ينطلقوا في مواجهة خلافاتهم من موقع الحوار الإسلامي على هدي القرآن وطريقه...
* من كتاب "النَّدوة"، ج 16.