أكَّد الإسلام أهميَّة الصَّبر ونهى عن الجزع. والجزع هو أن يستعظم الإنسان البلاء ويُخيّل إليه أنه لا يُحتمل، بينما خلق الله الإنسان وأعدَّه على أساس أن يتحمَّل الأثقال الكبيرة في حياته.
والصَّبر يمثّل حال قوَّة، لأنَّه يساعد الإنسان على أن يضغط على شهواته ومشاعره وأحاسيسه ومشاكله وخسارته وآلامه، فالصَّبر ليس موقف ضعف، ولكنَّه موقف قوَّة، لأن الإنسان في صبره يصبح هو سيِّد نفسه وسيِّد مشاعره وأحاسيسه وآلامه، فلا تسقطه مشاعره وأحاسيسه الحزينة وآلامه القاسية، بل تقوّيه...
ويحدثنا الله تعالى عن الأوضاع الصعبة التي تمرّ على الإنسان، كالمجاعات، أو الخوف الَّذي يحدث في حالات الاهتزاز الأمني والخطر، وفي حالات الجدب الزراعي أيضاً، وما إلى ذلك، فيقول تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}[البقرة: 155-157].
أمَّا بالنِّسبة إلى الإنسان الّذي يواجه المشاكل، سواء في حياته العائليَّة أو الزوجيَّة أو العمليَّة، فنقرأ قوله تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ - أي حاول أن تحلَّ المشكلة على نحو تحوّل عدوّك إلى صديق، لا أن تحوّل أصدقاءك إلى أعداء، وهذه تحتاج إلى جهد وقوَّة إرادة - وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ }[فصِّلت: 34- 35].
وورد عن الإمام عليّ(ع): "الصَّبر في الأمور بمنـزلة الرأس من الجسد، فإذا فارق الرأس الجسد فسد الجسد، وإذا فارق الصَّبر الأمور فسدت الأمور"[1]. وفي الصَّبر يقول الإمام الصَّادق(ع): "الصَّبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا ذهب الرأس ذهب الجسد، وكذلك إذا ذهب الصَّبر ذهب الإيمان"[2]، لأنّ الإنسان إذا ذهب صبره، ذهبت طاعته وحلّت مكانها المعصية.
وورد عن الإمام الكاظم (ع)، في وصيَّته لهشام بن الحكم: "يا هشام، اصبر على طاعة الله، واصبر على معاصي الله - أي إذا أجهدتك الطاعة، فاصبر عليها ولا تتركها، وإلا فإنه ستحلّ مكانها المعصية - فإنما الدنيا ساعة - هو مقدار إحساس الإنسان بالدنيا - فما مضى منها فليس تجد له سروراً ولا حزناً، وما لم يأتِ منها فليس تعرفه، فاصبر على تلك السَّاعة الَّتي أنت فيها، فكأنك قد اغتبطت"[3].
ويقول الإمام عليّ(ع): "الصَّبر أن يحتمل الرَّجل ما ينوبه ويكظم ما يغضبه"[4]، وورد عنه(ع): "الصَّبر صبران؛ صبر عند المصيبة حسنٌ جميل، وأحسن من ذلك الصَّبر عند ما حرّم الله عزَّ وجلَّ عليك، والذِّكر ذكران؛ ذكر الله عزَّ وجلَّ عند المصيبة، وأفضل من ذلك ذكر الله عند ما حرَّم الله عليك فيكون حاجزاً"[5]...
وقد أكَّد الله تعالى في كتابه الكريم أن نتواصى بالصَّبر أمام التحدّيات الكبرى، ولأننا نعيش في مرحلة من المراحل الصَّعبة القاسية التي يفرضها الكافرون والمشركون والمستكبرون والتكفيريون، والَّتي لم يمرّ على المسلمين أصعب منها من خلال التحدّيات التي يريدون لنا أن نسقط أمامها ونهتزّ لنتراجع عن حقّنا وقضايانا، فإنّ علينا أن نصبر ونصبر ونصبر، وقد جاء في قوله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ}[الزمر: 10].
[1] ميزان الحكمة، محمّد الريشهري، ج2، ص 1558.
[2] الكافي، الشيخ الكليني، ج2، ص 89.
[3] بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج 75، ص 311.
[4] ميزان الحكمة، ج2، ص 1561.
[5] الكافي، ج2، ص 90.
* من خطبة جمعة لسماحته، بتاريخ: 4 شوّال 1429هـ/ الموافق: 3 تشرين أوّل 2008م.
أكَّد الإسلام أهميَّة الصَّبر ونهى عن الجزع. والجزع هو أن يستعظم الإنسان البلاء ويُخيّل إليه أنه لا يُحتمل، بينما خلق الله الإنسان وأعدَّه على أساس أن يتحمَّل الأثقال الكبيرة في حياته.
والصَّبر يمثّل حال قوَّة، لأنَّه يساعد الإنسان على أن يضغط على شهواته ومشاعره وأحاسيسه ومشاكله وخسارته وآلامه، فالصَّبر ليس موقف ضعف، ولكنَّه موقف قوَّة، لأن الإنسان في صبره يصبح هو سيِّد نفسه وسيِّد مشاعره وأحاسيسه وآلامه، فلا تسقطه مشاعره وأحاسيسه الحزينة وآلامه القاسية، بل تقوّيه...
ويحدثنا الله تعالى عن الأوضاع الصعبة التي تمرّ على الإنسان، كالمجاعات، أو الخوف الَّذي يحدث في حالات الاهتزاز الأمني والخطر، وفي حالات الجدب الزراعي أيضاً، وما إلى ذلك، فيقول تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}[البقرة: 155-157].
أمَّا بالنِّسبة إلى الإنسان الّذي يواجه المشاكل، سواء في حياته العائليَّة أو الزوجيَّة أو العمليَّة، فنقرأ قوله تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ - أي حاول أن تحلَّ المشكلة على نحو تحوّل عدوّك إلى صديق، لا أن تحوّل أصدقاءك إلى أعداء، وهذه تحتاج إلى جهد وقوَّة إرادة - وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ }[فصِّلت: 34- 35].
وورد عن الإمام عليّ(ع): "الصَّبر في الأمور بمنـزلة الرأس من الجسد، فإذا فارق الرأس الجسد فسد الجسد، وإذا فارق الصَّبر الأمور فسدت الأمور"[1]. وفي الصَّبر يقول الإمام الصَّادق(ع): "الصَّبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا ذهب الرأس ذهب الجسد، وكذلك إذا ذهب الصَّبر ذهب الإيمان"[2]، لأنّ الإنسان إذا ذهب صبره، ذهبت طاعته وحلّت مكانها المعصية.
وورد عن الإمام الكاظم (ع)، في وصيَّته لهشام بن الحكم: "يا هشام، اصبر على طاعة الله، واصبر على معاصي الله - أي إذا أجهدتك الطاعة، فاصبر عليها ولا تتركها، وإلا فإنه ستحلّ مكانها المعصية - فإنما الدنيا ساعة - هو مقدار إحساس الإنسان بالدنيا - فما مضى منها فليس تجد له سروراً ولا حزناً، وما لم يأتِ منها فليس تعرفه، فاصبر على تلك السَّاعة الَّتي أنت فيها، فكأنك قد اغتبطت"[3].
ويقول الإمام عليّ(ع): "الصَّبر أن يحتمل الرَّجل ما ينوبه ويكظم ما يغضبه"[4]، وورد عنه(ع): "الصَّبر صبران؛ صبر عند المصيبة حسنٌ جميل، وأحسن من ذلك الصَّبر عند ما حرّم الله عزَّ وجلَّ عليك، والذِّكر ذكران؛ ذكر الله عزَّ وجلَّ عند المصيبة، وأفضل من ذلك ذكر الله عند ما حرَّم الله عليك فيكون حاجزاً"[5]...
وقد أكَّد الله تعالى في كتابه الكريم أن نتواصى بالصَّبر أمام التحدّيات الكبرى، ولأننا نعيش في مرحلة من المراحل الصَّعبة القاسية التي يفرضها الكافرون والمشركون والمستكبرون والتكفيريون، والَّتي لم يمرّ على المسلمين أصعب منها من خلال التحدّيات التي يريدون لنا أن نسقط أمامها ونهتزّ لنتراجع عن حقّنا وقضايانا، فإنّ علينا أن نصبر ونصبر ونصبر، وقد جاء في قوله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ}[الزمر: 10].
[1] ميزان الحكمة، محمّد الريشهري، ج2، ص 1558.
[2] الكافي، الشيخ الكليني، ج2، ص 89.
[3] بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج 75، ص 311.
[4] ميزان الحكمة، ج2، ص 1561.
[5] الكافي، ج2، ص 90.
* من خطبة جمعة لسماحته، بتاريخ: 4 شوّال 1429هـ/ الموافق: 3 تشرين أوّل 2008م.