الشهور تتصل بالنظام الكوني
في هذا اليوم، يوم الجمعة، نلتقي بشهر رمضان المبارك، وإذا كان الفقهاء في العالم الإسلامي ـ من السنّة والشيعة ـ يختلفون حول بداية الشهر، فإن ذلك ينطلق من خلال خطين اجتهاديين في مسألة بدايات الشهور ونهاياتها، فالخط الاجتهادي المعروف بين المسلمين في معرفة بداية الشهر هو الرؤية، حتى إن بعض الفقهاء يقولون إنه لا بد من الرؤية البصرية المجرّدة، فلو رآه الناس بواسطة المناظير المكبّرة كـ"التليسكوب" أو ما شابهها، فلا اعتبار في ذلك، وهذا رأي موجود متحرك لدى كثير من الاجتهادات الإسلامية ـ السنّية والشيعية معاً ـ ولهذا تختلف الرؤية في مختلف البلدان، كما إن هناك اختلافاً في الوثاقة وعدم الوثاقة، فمثلاً أمس، كان هناك دعوى رؤية في البحرين من حوالي خمسة وعشرين شخصاً، وهناك دعوى رؤية في السعودية من حوالي عشرين شخصاً، وكذلك في لبنان، ولكن بعض المراجع لم يقتنع بذلك، ولذا أعلنوا أن أول أيام شهر رمضان هو السبت.
أما رأْينا الذي أعلنّاه منذ أكثر من عشر سنوات، فهو اعتبار مسألة الشهر مسألة تتصل بالنظام الكوني الذي وضعه الله تعالى للزمن، فكما قضية طلوع الشمس وغروبها خاضعة لنظام الزمن، رآها الناس أو لم يروها، كذلك بالنسبة للقمر، فإن الشهر القمري ينتهي عندما يدخل القمر في المحاق ـ في دائرة الظلام ـ وهي مرحلة الاقتران، بحيث يكون بمستوى واحد مع الشمس ومع الأرض فلا يُرى، فإذا خرج من فترة المحاق وبدأ يختزن الضوء، عند ذلك يبدأ الشهر، وهذا النظام كان موجوداً قبل وجود الإنسان، يقول تعالى: {إن عدّة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض}. والمعروف أن الفلك أصبح علماً لا يخطئ، بحيث يخضع لقواعد معينة يستطيع من خلالها العلماء المتخصصون تحديد أوائل الشهور إلى ما بعد خمسين سنة، وهذا ما تلاحظونه في الكسوف، بحيث يحدّدون الكسوف حتى ما بعد مائة سنة، وهو ما رأيناه في الكسوف الأخير الذي كانوا يتحدثون عنه منذ مطلع القرن.
وقضية الرؤية هي قضية مرتبطة بكونها وسيلة من وسائل المعرفة، ولذلك، إذا أخبرنا علماء الفلك المتخصصون بأن القمر قد خرج من المحاق وبدأ يختزن الضوء، فإن الشهر يكون قد بدأ. وقد دعَوْنا علماء المسلمين في العالم الإسلامي إلى الأخذ بالحسابات الفلكية الدقيقة التي لا يختلف علماء الفلك فيها، ونحن نتصل بمختلف علماء الفلك في العالم ونطَّلع على بعض الآراء من خلال الإنترنت، وعلى هذا الأساس نحكم بالموضوع قبل أن يأتي شهر رمضان أو شوّال، حتى يستعد الناس، وإن كان البعض لا يعجبهم ذلك.
ولست في مقام الجدل حول أي من الخطين أفضل، ولكن هذا الخط هو الذي يمكن أن يوحِّد المسلمين في العالم، ومن المفارقات أن بداية شهر شعبان اختلف الناس فيه بين الأربعاء والخميس والجمعة، واعتماد الآراء المتعددة في هذا المجال يوقع الناس في كثير من المشاكل. وهناك كثير من الناس يتّخذون من الاختلاف في أوائل الشهور أو نهاياتها طريقاً إلى العصبيات، ويبدأون بتوجيه الاتهامات، وهذا نوع من التخلّف، فإذا كنا واعين وكنا في موقع التقدّم، فلا ينبغي أن يكون هذا الاختلاف سبباً للعصبية والخلاف.
تحسين الخُلُق
ونبقى مع خطبة النبي(ص) التي استقبل بها شهر رمضان في آخر جمعة من شعبان. في هذه الخطبة، تحدَّث النبي(ص) ـ كما ذكرنا في الأسبوع الماضي ـ عن الجوانب الروحية والعبادية وبعض الجوانب الاجتماعية، وفي بقية هذه الخطبة، يتحدَّث النبي(ص) عن الجانب الإنساني في علاقة الإنسان بالناس الآخرين في هذا الشهر، كأنه(ص) يقول: إن عليك أن تكون إنساناًَ تحترم إنسانية الآخر، فتتعامل معه ـ سواء كان الآخر عائلتك أو جارك، أو عاملاً أو موظفاً عندك وما إلى ذلك ـ في هذا الشهر تعاملاً إنسانياً، بحيث تحترم إنسانيته، فلا تحاول أن تقسو عليه أو تعنف معه أو تقهره أو تقوم بإذلاله، بأن تثقل عليه المسؤوليات التي تحمّله إياها، بل حاول أن تتعامل معه بالخلق الحسن، وفي هذا يرفع الله تعالى موقعك فيكتب لك النجاة في المصير يوم القيامة.
يقول(ص): "أيها الناس، من حسّن في هذا الشهر خلقه كان له جواز على الصراط يوم تزلُّ فيه الأقدام"، والصراط هو الطريق التي يعبرها الناس إلى ساحة القيامة، وكثير من الناس لا يستطيعون أن يجتازوه، فإذا أراد الإنسان أن يجتاز الصراط ويتحرك عليه بكل حرية من دون أن يقع أو يتأخر، فعليه أن يحسّن خلقه في هذا الشهر، لأن جائزة حسن الخلق هو هذا الجواز الذي يمنحه الله للإنسان، وهذا كناية عن النجاة من غضب الله وسخطه. وهذا يعطينا فكرة كم لحسن الخلق من قيمة أخلاقية وروحية في الإسلام، حتى إنه ورد في بعض الأحاديث: "إن الخلق الحسن يذيب الخطيئة كما تذيب الشمس الجليد، وإن الخلق السيّىء يفسد العمل كما يفسد الخل العسل"، وأن الإنسان قد يكون له خلق حسن ولكن عمله قليل "فيبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم"، فالله تعالى يهتم بأن يعيش الإنسان مع الناس بالأخلاق الحسنة، سواء في بيته الأبوي أو في بيته العائلي، أو مع الناس الذين يتعامل معهم في كل مواقع العمل في الحياة، وقد جعل الرسول(ص) القاعدة للخلق الحسن وربطها بالإيمان في قوله (ص): "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ويكره له ما يكره لها"، وقد ورد عن عليّ (ع): "يا بني، إجعل نفسك ميزاناً بينك وبين غيرك، فأحبب لغيرك ما تحب لنفسك، واكره له ما تكره لها".
كفّ الشر عن الآخرين
ويكمل النبي (ص): "ومن خفّف فيه عما ملكت يمينه، خفف الله حسابه ـ أن يخفِّف عليه دوام عمله مثلاً، لأن ثقل الصوم على الإنسان، ربما يمنعه من الاستمرار في العمل بالمستوى نفسه الذي كان عليه قبل شهر رمضان، وملك اليمين كان سائداً في السابق، وهو غير موجود اليوم، أما اليوم، فهو ممّن تملك عمله وواقع تحت مسؤوليتك، كالموظف أو العامل، فعليك أن تخفِّف عنه هذه المسؤوليات بمقدارٍ يجعله يرتاح في صيامه، وجائزة ذلك أن الله تعالى يخفف عنك الحساب يوم يقوم الناس لربّ العالمين ـ ومن كفّ فيه شره كفّ الله عنه غضبه يوم يلقاه ـ فعلى الإنسان في شهر رمضان، أن يكون الناس في سلام معه، فتكون علاقته معهم هي علاقة السلام، فلا يصدر منه أي كلام أو عمل يسيء إليهم، وأول من يجب أن يكفّ الإنسان عنه شره عياله، خلافاً لبعض الناس الذي يدخل إلى البيت وقت الظهر ويبدأ بالصياح والضرب بحجة أنه صائم!! فعندما يفجّر الإنسان غضبه بالناس الآخرين، عليه أن يتذكّر غضب الله، لأن الله ينتصر للمظلوم في الدنيا والآخرة.
صلة الرّحم وإكرام اليتيم
ومن وصل فيه رحمه وصله الله برحمته يوم يلقاه، ومن قطع رحمه قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه ـ فالله تعالى أراد للأرحام أن تتواصل، والمطلوب من الإنسان، مهما أمكنه، أن يصل حتى الرحم القاطع، وقد جاء شخص إلى الإمام الصادق(ع) يشكو بني عمه الذين أبوا إلا القطيعة لرحمه، ويسأله هل يقطعهم، فقال(ع): "إن قطعتهم قطعكم الله، وإن وصلتهم وصلكم الله". وأي جائزة أعظم من أن يعطيك الله ثواب ذلك رحمته يوم القيامة وأنت بحاجة إلى رحمته.
ومن أكرم فيه يتيماً أكرمه الله يوم يلقاه"، ورعاية الأيتام تكون بمختلف أنواع الرعاية، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، من خلال المبرات التي تكفل الأيتام وترعاهم وتعلّمهم، والثواب على ذلك هو أن الله سوف يكرمك يوم القيامة جزاءً لإكرامك هذا اليتيم.
ثم يأتي النبي(ص) إلى الجانب العبادي، ففي هذا الشهر، لا بدّ للإنسان أن يقوّي عنصر العبادة فيه، لأن ذلك هو الذي يقرّبه إلى الله ويفتح له أبواب الخير، يقول(ص): "ومن تطوّع فيه بصلاة كتب الله له براءة من النار، ومن أدّى فيه فرضاً كان له ثواب من أدّى سبعين فريضة فيما سواه من الشهور، ومن كثّر فيه من الصلاة ثقّل الله ميزانه يوم تخفّ الموازين ـ وفي رواية أنه من كثّر فيه من الصلاة على النبي (ص)، وهناك رواية تتحدث عن الصلاة المستحبّة والنوافل ـ ومن تلا فيه آية من القرآن كان له أجر من ختم القرآن في غيره من الشهور ـ والقراءة لا بد أن تكون قراءة وعي وتدبّر ـ. ألا إن أبواب الجنان في هذا الشهر مفتّحة فاسألوا ربكم أن لا يغلقها عليكم ـ بمعاصيكم ـ وأبواب النيران مغلّقة فاسألوا ربكم أن لا يفتحها عليكم، والشياطين مغلولة فاسألوا ربكم أن لا يسلّطها عليكم".
إن شهر رمضان هو شهر المغفرة والرحمة والبركة، والشقي من حُرم غفران الله فيه، وعلينا أن ننتهز هذه الفرصة لنقوّي إيماننا والتزامنا وعملنا وإنسانيتنا، لأن الله تعالى أراد شهر رمضان شهراً يُكسبنا التقوى في كل الشهور.
الشهور تتصل بالنظام الكوني
في هذا اليوم، يوم الجمعة، نلتقي بشهر رمضان المبارك، وإذا كان الفقهاء في العالم الإسلامي ـ من السنّة والشيعة ـ يختلفون حول بداية الشهر، فإن ذلك ينطلق من خلال خطين اجتهاديين في مسألة بدايات الشهور ونهاياتها، فالخط الاجتهادي المعروف بين المسلمين في معرفة بداية الشهر هو الرؤية، حتى إن بعض الفقهاء يقولون إنه لا بد من الرؤية البصرية المجرّدة، فلو رآه الناس بواسطة المناظير المكبّرة كـ"التليسكوب" أو ما شابهها، فلا اعتبار في ذلك، وهذا رأي موجود متحرك لدى كثير من الاجتهادات الإسلامية ـ السنّية والشيعية معاً ـ ولهذا تختلف الرؤية في مختلف البلدان، كما إن هناك اختلافاً في الوثاقة وعدم الوثاقة، فمثلاً أمس، كان هناك دعوى رؤية في البحرين من حوالي خمسة وعشرين شخصاً، وهناك دعوى رؤية في السعودية من حوالي عشرين شخصاً، وكذلك في لبنان، ولكن بعض المراجع لم يقتنع بذلك، ولذا أعلنوا أن أول أيام شهر رمضان هو السبت.
أما رأْينا الذي أعلنّاه منذ أكثر من عشر سنوات، فهو اعتبار مسألة الشهر مسألة تتصل بالنظام الكوني الذي وضعه الله تعالى للزمن، فكما قضية طلوع الشمس وغروبها خاضعة لنظام الزمن، رآها الناس أو لم يروها، كذلك بالنسبة للقمر، فإن الشهر القمري ينتهي عندما يدخل القمر في المحاق ـ في دائرة الظلام ـ وهي مرحلة الاقتران، بحيث يكون بمستوى واحد مع الشمس ومع الأرض فلا يُرى، فإذا خرج من فترة المحاق وبدأ يختزن الضوء، عند ذلك يبدأ الشهر، وهذا النظام كان موجوداً قبل وجود الإنسان، يقول تعالى: {إن عدّة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض}. والمعروف أن الفلك أصبح علماً لا يخطئ، بحيث يخضع لقواعد معينة يستطيع من خلالها العلماء المتخصصون تحديد أوائل الشهور إلى ما بعد خمسين سنة، وهذا ما تلاحظونه في الكسوف، بحيث يحدّدون الكسوف حتى ما بعد مائة سنة، وهو ما رأيناه في الكسوف الأخير الذي كانوا يتحدثون عنه منذ مطلع القرن.
وقضية الرؤية هي قضية مرتبطة بكونها وسيلة من وسائل المعرفة، ولذلك، إذا أخبرنا علماء الفلك المتخصصون بأن القمر قد خرج من المحاق وبدأ يختزن الضوء، فإن الشهر يكون قد بدأ. وقد دعَوْنا علماء المسلمين في العالم الإسلامي إلى الأخذ بالحسابات الفلكية الدقيقة التي لا يختلف علماء الفلك فيها، ونحن نتصل بمختلف علماء الفلك في العالم ونطَّلع على بعض الآراء من خلال الإنترنت، وعلى هذا الأساس نحكم بالموضوع قبل أن يأتي شهر رمضان أو شوّال، حتى يستعد الناس، وإن كان البعض لا يعجبهم ذلك.
ولست في مقام الجدل حول أي من الخطين أفضل، ولكن هذا الخط هو الذي يمكن أن يوحِّد المسلمين في العالم، ومن المفارقات أن بداية شهر شعبان اختلف الناس فيه بين الأربعاء والخميس والجمعة، واعتماد الآراء المتعددة في هذا المجال يوقع الناس في كثير من المشاكل. وهناك كثير من الناس يتّخذون من الاختلاف في أوائل الشهور أو نهاياتها طريقاً إلى العصبيات، ويبدأون بتوجيه الاتهامات، وهذا نوع من التخلّف، فإذا كنا واعين وكنا في موقع التقدّم، فلا ينبغي أن يكون هذا الاختلاف سبباً للعصبية والخلاف.
تحسين الخُلُق
ونبقى مع خطبة النبي(ص) التي استقبل بها شهر رمضان في آخر جمعة من شعبان. في هذه الخطبة، تحدَّث النبي(ص) ـ كما ذكرنا في الأسبوع الماضي ـ عن الجوانب الروحية والعبادية وبعض الجوانب الاجتماعية، وفي بقية هذه الخطبة، يتحدَّث النبي(ص) عن الجانب الإنساني في علاقة الإنسان بالناس الآخرين في هذا الشهر، كأنه(ص) يقول: إن عليك أن تكون إنساناًَ تحترم إنسانية الآخر، فتتعامل معه ـ سواء كان الآخر عائلتك أو جارك، أو عاملاً أو موظفاً عندك وما إلى ذلك ـ في هذا الشهر تعاملاً إنسانياً، بحيث تحترم إنسانيته، فلا تحاول أن تقسو عليه أو تعنف معه أو تقهره أو تقوم بإذلاله، بأن تثقل عليه المسؤوليات التي تحمّله إياها، بل حاول أن تتعامل معه بالخلق الحسن، وفي هذا يرفع الله تعالى موقعك فيكتب لك النجاة في المصير يوم القيامة.
يقول(ص): "أيها الناس، من حسّن في هذا الشهر خلقه كان له جواز على الصراط يوم تزلُّ فيه الأقدام"، والصراط هو الطريق التي يعبرها الناس إلى ساحة القيامة، وكثير من الناس لا يستطيعون أن يجتازوه، فإذا أراد الإنسان أن يجتاز الصراط ويتحرك عليه بكل حرية من دون أن يقع أو يتأخر، فعليه أن يحسّن خلقه في هذا الشهر، لأن جائزة حسن الخلق هو هذا الجواز الذي يمنحه الله للإنسان، وهذا كناية عن النجاة من غضب الله وسخطه. وهذا يعطينا فكرة كم لحسن الخلق من قيمة أخلاقية وروحية في الإسلام، حتى إنه ورد في بعض الأحاديث: "إن الخلق الحسن يذيب الخطيئة كما تذيب الشمس الجليد، وإن الخلق السيّىء يفسد العمل كما يفسد الخل العسل"، وأن الإنسان قد يكون له خلق حسن ولكن عمله قليل "فيبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم"، فالله تعالى يهتم بأن يعيش الإنسان مع الناس بالأخلاق الحسنة، سواء في بيته الأبوي أو في بيته العائلي، أو مع الناس الذين يتعامل معهم في كل مواقع العمل في الحياة، وقد جعل الرسول(ص) القاعدة للخلق الحسن وربطها بالإيمان في قوله (ص): "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ويكره له ما يكره لها"، وقد ورد عن عليّ (ع): "يا بني، إجعل نفسك ميزاناً بينك وبين غيرك، فأحبب لغيرك ما تحب لنفسك، واكره له ما تكره لها".
كفّ الشر عن الآخرين
ويكمل النبي (ص): "ومن خفّف فيه عما ملكت يمينه، خفف الله حسابه ـ أن يخفِّف عليه دوام عمله مثلاً، لأن ثقل الصوم على الإنسان، ربما يمنعه من الاستمرار في العمل بالمستوى نفسه الذي كان عليه قبل شهر رمضان، وملك اليمين كان سائداً في السابق، وهو غير موجود اليوم، أما اليوم، فهو ممّن تملك عمله وواقع تحت مسؤوليتك، كالموظف أو العامل، فعليك أن تخفِّف عنه هذه المسؤوليات بمقدارٍ يجعله يرتاح في صيامه، وجائزة ذلك أن الله تعالى يخفف عنك الحساب يوم يقوم الناس لربّ العالمين ـ ومن كفّ فيه شره كفّ الله عنه غضبه يوم يلقاه ـ فعلى الإنسان في شهر رمضان، أن يكون الناس في سلام معه، فتكون علاقته معهم هي علاقة السلام، فلا يصدر منه أي كلام أو عمل يسيء إليهم، وأول من يجب أن يكفّ الإنسان عنه شره عياله، خلافاً لبعض الناس الذي يدخل إلى البيت وقت الظهر ويبدأ بالصياح والضرب بحجة أنه صائم!! فعندما يفجّر الإنسان غضبه بالناس الآخرين، عليه أن يتذكّر غضب الله، لأن الله ينتصر للمظلوم في الدنيا والآخرة.
صلة الرّحم وإكرام اليتيم
ومن وصل فيه رحمه وصله الله برحمته يوم يلقاه، ومن قطع رحمه قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه ـ فالله تعالى أراد للأرحام أن تتواصل، والمطلوب من الإنسان، مهما أمكنه، أن يصل حتى الرحم القاطع، وقد جاء شخص إلى الإمام الصادق(ع) يشكو بني عمه الذين أبوا إلا القطيعة لرحمه، ويسأله هل يقطعهم، فقال(ع): "إن قطعتهم قطعكم الله، وإن وصلتهم وصلكم الله". وأي جائزة أعظم من أن يعطيك الله ثواب ذلك رحمته يوم القيامة وأنت بحاجة إلى رحمته.
ومن أكرم فيه يتيماً أكرمه الله يوم يلقاه"، ورعاية الأيتام تكون بمختلف أنواع الرعاية، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، من خلال المبرات التي تكفل الأيتام وترعاهم وتعلّمهم، والثواب على ذلك هو أن الله سوف يكرمك يوم القيامة جزاءً لإكرامك هذا اليتيم.
ثم يأتي النبي(ص) إلى الجانب العبادي، ففي هذا الشهر، لا بدّ للإنسان أن يقوّي عنصر العبادة فيه، لأن ذلك هو الذي يقرّبه إلى الله ويفتح له أبواب الخير، يقول(ص): "ومن تطوّع فيه بصلاة كتب الله له براءة من النار، ومن أدّى فيه فرضاً كان له ثواب من أدّى سبعين فريضة فيما سواه من الشهور، ومن كثّر فيه من الصلاة ثقّل الله ميزانه يوم تخفّ الموازين ـ وفي رواية أنه من كثّر فيه من الصلاة على النبي (ص)، وهناك رواية تتحدث عن الصلاة المستحبّة والنوافل ـ ومن تلا فيه آية من القرآن كان له أجر من ختم القرآن في غيره من الشهور ـ والقراءة لا بد أن تكون قراءة وعي وتدبّر ـ. ألا إن أبواب الجنان في هذا الشهر مفتّحة فاسألوا ربكم أن لا يغلقها عليكم ـ بمعاصيكم ـ وأبواب النيران مغلّقة فاسألوا ربكم أن لا يفتحها عليكم، والشياطين مغلولة فاسألوا ربكم أن لا يسلّطها عليكم".
إن شهر رمضان هو شهر المغفرة والرحمة والبركة، والشقي من حُرم غفران الله فيه، وعلينا أن ننتهز هذه الفرصة لنقوّي إيماننا والتزامنا وعملنا وإنسانيتنا، لأن الله تعالى أراد شهر رمضان شهراً يُكسبنا التقوى في كل الشهور.