كتابات
30/11/2023

التَّحذير من الجدالِ عن أهلِ الباطلِ في الدّنيا

الجدال

يقول تعالى في كتابه الكريم: {هَأَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً * وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَّحِيماً * وَمَن يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً}[النساء: 109- 111].
 
{هَأَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً}. هذا الكلام موجَّه إلى كلِّ الذين يدافعون عن الذين يحيدون عن خطِّ الله ورسوله، ويجادلون عنهم محاولين تبرئتهم، فالله يقول لهؤلاء المدافعين: ما هي فائدة جدالكم عنهم؟ إنَّكم قد تستطيعون الدفاع عنهم في الدنيا، فتنقذونهم من العقوبات، لأنَّكم تملكون الوسائل المقنعة التي تثبت دعواكم الباطلة بطريقة أو بأخرى، ولا يملك الحاكم العلم بالغيب ليكتشف كذبكم، ولكن هل ينتهي الأمر عند هذا الحدّ؟ ألا تؤمنون بالآخرة وعذابها وثوابها؛ يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها؟ هل تستطيعون أن تجادلوا عنهم هناك، حيث لا تملك نفس لنفس شيئاً والأمر يومئذ لله؟! ومن الَّذي يكون عليهم وكيلاً ليتولى الدّفاع عنهم أمام الله؟ إنَّ على الإنسان المؤمن أن يفكِّر في قضيَّة الأمن والمصير على مستوى الآخرة لا على مستوى الدنيا، لأنَّ أمر الدنيا زائل بنعيمها وعذابها، أمَّا أمر الآخرة، فإلى خلود في كلِّ أجواء النعيم والجحيم. وهذا هو المفهوم الإسلامي الَّذي يوحي إلى الناس بأن يتجاوزوا حياتهم إلى الحياة الآخرة، من خلال ما يخوضون فيه من جدال حول القضايا التي يختلف فيها أمر الحقّ والباطل، ما يدفعهم إلى مراقبة الله في ذلك كلِّه، ليكون هو الأساس في النظرة إلى الأشياء.
{وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَّحِيماً}. إن الله يفتح باب رحمته ومغفرته لكلِّ خاطئ، من موقع الرَّحمة الَّتي جعلها لعباده في كلِّ زمان ومكان، وفي ذلك إيحاء للإنسان بأنَّ الخطيئة ليست ضريبةً لازمة للخاطئ، بل هي حالة طارئة يمكنه أن يتجاوزها إلى حيث الطَّاعة والرضوان، بالاستغفار الَّذي يعبِّر عن النَّدم والتَّوبة وإرادة التَّغيير، والتَّصميم على أن يصحِّح الإنسان نفسه وطريقه، كوسيلة من وسائل السموّ بالنفس الإنسانيَّة إلى آفاق الله.
{وَمَن يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً}. إنَّ الإنسان يتحمَّل مسؤوليَّة عمله، في ما يكسبه من آثام وخطايا، بكلِّ ما تفرضه من نتائج سلبيَّة على مستوى حياته في الدنيا، وعلى مستوى مصيره في الآخرة؛ فإذا كانت القضيَّة تنعكس على شخصيَّته، في ما يتَّصل بأمور الكرامة والشَّرف، فإنَّ عشيرته وأولاده وأهل بلده لا يتحمَّلون شيئاً من ذلك، لأنَّ شرف الإنسان يخصّه ولا يخصّ غيره، من خلال ممارسته، وإذا كانت القضيَّة تنعكس على مصيره في ما يتَّصل بعذاب الله، فلا يعذَّب إنسان لعمل إنسان آخر، لأنَّ العذاب كان نتيجة كسبه السيّئ، فهو الَّذي يحمل مسؤوليَّته. وعلى هذا الأساس، ينبغي للإنسان أن يواجه مواقفه، ليعرف كيف يتحمَّل مسؤوليَّته أمامها، وليعي جيداً أن الناس لا يغنون عنه شيئاً في قليل أو في كثير، كما أنَّ أخطاء الآخرين لا تلزمه بشيء ولا تخيفه في شيء، وعليه أن يراقب الله في كلِّ أموره، فإنَّه العليم الحكيم الَّذي يحيط بكلِّ شيء، ويدبّر الأمور بحكمته.

* من كتاب "النَّدوة"، ج 16.

يقول تعالى في كتابه الكريم: {هَأَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً * وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَّحِيماً * وَمَن يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً}[النساء: 109- 111].
 
{هَأَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً}. هذا الكلام موجَّه إلى كلِّ الذين يدافعون عن الذين يحيدون عن خطِّ الله ورسوله، ويجادلون عنهم محاولين تبرئتهم، فالله يقول لهؤلاء المدافعين: ما هي فائدة جدالكم عنهم؟ إنَّكم قد تستطيعون الدفاع عنهم في الدنيا، فتنقذونهم من العقوبات، لأنَّكم تملكون الوسائل المقنعة التي تثبت دعواكم الباطلة بطريقة أو بأخرى، ولا يملك الحاكم العلم بالغيب ليكتشف كذبكم، ولكن هل ينتهي الأمر عند هذا الحدّ؟ ألا تؤمنون بالآخرة وعذابها وثوابها؛ يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها؟ هل تستطيعون أن تجادلوا عنهم هناك، حيث لا تملك نفس لنفس شيئاً والأمر يومئذ لله؟! ومن الَّذي يكون عليهم وكيلاً ليتولى الدّفاع عنهم أمام الله؟ إنَّ على الإنسان المؤمن أن يفكِّر في قضيَّة الأمن والمصير على مستوى الآخرة لا على مستوى الدنيا، لأنَّ أمر الدنيا زائل بنعيمها وعذابها، أمَّا أمر الآخرة، فإلى خلود في كلِّ أجواء النعيم والجحيم. وهذا هو المفهوم الإسلامي الَّذي يوحي إلى الناس بأن يتجاوزوا حياتهم إلى الحياة الآخرة، من خلال ما يخوضون فيه من جدال حول القضايا التي يختلف فيها أمر الحقّ والباطل، ما يدفعهم إلى مراقبة الله في ذلك كلِّه، ليكون هو الأساس في النظرة إلى الأشياء.
{وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَّحِيماً}. إن الله يفتح باب رحمته ومغفرته لكلِّ خاطئ، من موقع الرَّحمة الَّتي جعلها لعباده في كلِّ زمان ومكان، وفي ذلك إيحاء للإنسان بأنَّ الخطيئة ليست ضريبةً لازمة للخاطئ، بل هي حالة طارئة يمكنه أن يتجاوزها إلى حيث الطَّاعة والرضوان، بالاستغفار الَّذي يعبِّر عن النَّدم والتَّوبة وإرادة التَّغيير، والتَّصميم على أن يصحِّح الإنسان نفسه وطريقه، كوسيلة من وسائل السموّ بالنفس الإنسانيَّة إلى آفاق الله.
{وَمَن يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً}. إنَّ الإنسان يتحمَّل مسؤوليَّة عمله، في ما يكسبه من آثام وخطايا، بكلِّ ما تفرضه من نتائج سلبيَّة على مستوى حياته في الدنيا، وعلى مستوى مصيره في الآخرة؛ فإذا كانت القضيَّة تنعكس على شخصيَّته، في ما يتَّصل بأمور الكرامة والشَّرف، فإنَّ عشيرته وأولاده وأهل بلده لا يتحمَّلون شيئاً من ذلك، لأنَّ شرف الإنسان يخصّه ولا يخصّ غيره، من خلال ممارسته، وإذا كانت القضيَّة تنعكس على مصيره في ما يتَّصل بعذاب الله، فلا يعذَّب إنسان لعمل إنسان آخر، لأنَّ العذاب كان نتيجة كسبه السيّئ، فهو الَّذي يحمل مسؤوليَّته. وعلى هذا الأساس، ينبغي للإنسان أن يواجه مواقفه، ليعرف كيف يتحمَّل مسؤوليَّته أمامها، وليعي جيداً أن الناس لا يغنون عنه شيئاً في قليل أو في كثير، كما أنَّ أخطاء الآخرين لا تلزمه بشيء ولا تخيفه في شيء، وعليه أن يراقب الله في كلِّ أموره، فإنَّه العليم الحكيم الَّذي يحيط بكلِّ شيء، ويدبّر الأمور بحكمته.

* من كتاب "النَّدوة"، ج 16.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية