كتابات
30/01/2023

مِنْ نتائجِ استضعافِ النَّاسِ وسلبِهم حقوقَهم

مِنْ نتائجِ استضعافِ النَّاسِ وسلبِهم حقوقَهم

في كلمةٍ للإمام عليّ (ع) في (نهج البلاغة)، وقد أرسلها إلى أمراء الأجناد الَّذين كان يرسلهم إلى الجبهات، يقول (ع): "إنَّما أهلك من كان قبلكم، أنهم منعوا النَّاس الحقَّ فاشتروه".

والمراد من ذلك، أنَّه في المجتمعات التي سبقتكم، كان الحكام والَّذين يملكون السلطة السياسية أو الاجتماعية، والذين كانت بيدهم حركة حقوق الناس في قضاياهم المتَّصلة بأرزاقهم وبكلّ أمورهم المرتبطة بمفردات حياتهم هنا وهناك، والَّتي من المفترض أن يؤدّيها الحاكمون دون أيّ مقابل، كانوا يمنعون النَّاس حقّهم، ما اضطرَّ الناس إلى أن يدفعوا الرّشوة، وإلى أن يشتروا الحقّ الَّذي هو حقّهم الَّذي فرضه الله تعالى.

ألا يوجد في واقعنا الذي نعيشه، سواء في البلاد العربيَّة والإسلاميَّة، أو في بلدان العالم الثالث، الكثيرون من النَّاس الذين يُمنَعون من حقوقهم، فيضطرون إلى أن يدفعوا المال للحصول على حقوقهم الطبيعية، وحقوقهم الشرعية، وحقوقهم الوطنية، وما إلى ذلك؟... إننا نواجه كثيراً من ذلك، حتى على مستوى الدول، فنحن نعرف أنَّ الكثير من الدول الكبيرة تمنع الدَّول الصغيرة من حقوقها الإنسانية، فتضطرّ معها الدول الصغيرة إلى أن تدفع من ثرواتها، ومن استثماراتها، ومن كل أوضاعها، وتخضع للشروط التي تفرضها الدول الكبرى.

ثم يقول (ع): "وأخذوهم بالباطل فاقتدوه"1، أي أنهم طبّقوا عليهم شريعة الباطل وحركته، واعتبروها قانوناً يفرضونه بالقوّة، حتى أصبح مألوفاً لدى النَّاس، وأصبح الخطّ الَّذي يفرض على الناس أن يسيروا عليه، والقانون الَّذي يفرض عليهم أن يطبّقوه. وهذا هو الذي يؤكِّد سقوط المجتمعات وسقوط الأمم، لأنَّ الأمّة إنما تحيا وتكبر وتعظم وتتطوَّر إذا انطلقت لتأخذ حقوقها غير منقوصة، من دون أن تقدِّم أيَّ تنازل في مقابل هذه الحقوق، فإذا منعوا الحقّ، فسيضطرون إلى شرائه من خلال كلِّ أوضاعهم الحيويَّة، وإذا أخذوا بالباطل، فإنهم يضطرّون - بفعل هذه القوَّة - أن يقتدوه وأن يتبعوه، وأن يخضعوا كلَّ حياتهم له، ما يؤثِّر تأثيراً سلبيّاً على كل واقع الحياة، باعتبار أنَّ الباطل لا يمكن أن يبني الحياة، بل الحقّ هو الذي يبني الحياة التي يشعر فيها الناس بالطمأنينة والسكينة والتوازن والاستقامة.

وهناك حديث آخر عن رسول الله (ص) يقول: "كيف يقدِّس الله قوماً لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم"2. يقول (ص): قد يكون هناك بعض الضعفاء ممّن لهم حقوق على الأقوياء، كما هو الحال في بعض العمَّال الذين يعملون عند شخصيَّة مسؤولة هنا وهناك، فتمنعه تلك الشخصيَّة أجره، أو أن يكون لإنسانٍ ضعيفٍ دَيْنٌ على إنسان شديد أو قويّ، فيمنع الضَّعيف حقَّه، أو أن يصادر القويّ مال الضّعيف، وهكذا في الحقوق التي تتَّصل بالنفس وبالعرض، وهي الحقوق المعنويَّة وما إلى ذلك.

فالنبيّ (ص) - حسب هذه الرواية - يقول: إنَّ هذه الأمَّة لا يقدِّسها الله تعالى، يعني لا يحترمها، ولا ينـزل إليها بلطفه وبرحمته، لأنَّه سبحانه وتعالى أراد من الأقوياء أن يتحسّسوا مسؤوليَّة قوّتهم، بأن لا يغمطوا حقوق الضعفاء، بل أن يدافعوا عنهم، ويريد للأمَّة التي يعيش فيها هؤلاء الضّعفاء والأشدّاء الأقوياء، أن تمسك يد القويّ لتأخذ منه الحقّ للضعيف، وهذا ما روي عن إمامنا أمير المؤمنين (ع)، عندما تسلَّم الخلافة الفعلية داخل السلطة، لأنَّ الخلافة حقّه بنصّ الله تعالى ورسوله، ولذلك كان يقول: "الذليل عندي عزيز حتى آخذ الحقَّ له، والقويّ عندي ضعيف حتى آخذ الحقّ منه"3، ليس هناك في الحقّ قويّ وضعيف.

وعندما يتحدَّث الرسول (ص)، فكأنَّه يقول لنا: إنَّ عليكم أن لا تقدِّسوا أيّ جماعة أو فئة، أو أيّ حكومة، أو أيّ دولة لا يؤخذ فيها الحقّ للضّعيف من القويّ. وفي حديث آخر، يقول (ص): "إن الله لا يقدِّس أمّة لا يأخذ الضَّعيف حقَّه من القويّ وهو غير متعتع"، يعني بقوَّة، ليس فيه نقصان. فالله عندما يقدّس، فإنه يقدِّس الذين يطيعونه، ويطبّقون شريعته، ويخافون من عقابه، ويرجون ثوابه، أمَّا الناس الذين لا يتّقون الله تعالى في ذلك، فإنّ الله سبحانه وتعالى لا يقدِّسهم ولا يحترمهم.

* من كتاب "النَّدوة"، ج 14.

[1]نهج البلاغة، ج3، ص 138.

[2]بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج72، ص 355.

[3]نهج البلاغة، ج1، ص 89.

في كلمةٍ للإمام عليّ (ع) في (نهج البلاغة)، وقد أرسلها إلى أمراء الأجناد الَّذين كان يرسلهم إلى الجبهات، يقول (ع): "إنَّما أهلك من كان قبلكم، أنهم منعوا النَّاس الحقَّ فاشتروه".

والمراد من ذلك، أنَّه في المجتمعات التي سبقتكم، كان الحكام والَّذين يملكون السلطة السياسية أو الاجتماعية، والذين كانت بيدهم حركة حقوق الناس في قضاياهم المتَّصلة بأرزاقهم وبكلّ أمورهم المرتبطة بمفردات حياتهم هنا وهناك، والَّتي من المفترض أن يؤدّيها الحاكمون دون أيّ مقابل، كانوا يمنعون النَّاس حقّهم، ما اضطرَّ الناس إلى أن يدفعوا الرّشوة، وإلى أن يشتروا الحقّ الَّذي هو حقّهم الَّذي فرضه الله تعالى.

ألا يوجد في واقعنا الذي نعيشه، سواء في البلاد العربيَّة والإسلاميَّة، أو في بلدان العالم الثالث، الكثيرون من النَّاس الذين يُمنَعون من حقوقهم، فيضطرون إلى أن يدفعوا المال للحصول على حقوقهم الطبيعية، وحقوقهم الشرعية، وحقوقهم الوطنية، وما إلى ذلك؟... إننا نواجه كثيراً من ذلك، حتى على مستوى الدول، فنحن نعرف أنَّ الكثير من الدول الكبيرة تمنع الدَّول الصغيرة من حقوقها الإنسانية، فتضطرّ معها الدول الصغيرة إلى أن تدفع من ثرواتها، ومن استثماراتها، ومن كل أوضاعها، وتخضع للشروط التي تفرضها الدول الكبرى.

ثم يقول (ع): "وأخذوهم بالباطل فاقتدوه"1، أي أنهم طبّقوا عليهم شريعة الباطل وحركته، واعتبروها قانوناً يفرضونه بالقوّة، حتى أصبح مألوفاً لدى النَّاس، وأصبح الخطّ الَّذي يفرض على الناس أن يسيروا عليه، والقانون الَّذي يفرض عليهم أن يطبّقوه. وهذا هو الذي يؤكِّد سقوط المجتمعات وسقوط الأمم، لأنَّ الأمّة إنما تحيا وتكبر وتعظم وتتطوَّر إذا انطلقت لتأخذ حقوقها غير منقوصة، من دون أن تقدِّم أيَّ تنازل في مقابل هذه الحقوق، فإذا منعوا الحقّ، فسيضطرون إلى شرائه من خلال كلِّ أوضاعهم الحيويَّة، وإذا أخذوا بالباطل، فإنهم يضطرّون - بفعل هذه القوَّة - أن يقتدوه وأن يتبعوه، وأن يخضعوا كلَّ حياتهم له، ما يؤثِّر تأثيراً سلبيّاً على كل واقع الحياة، باعتبار أنَّ الباطل لا يمكن أن يبني الحياة، بل الحقّ هو الذي يبني الحياة التي يشعر فيها الناس بالطمأنينة والسكينة والتوازن والاستقامة.

وهناك حديث آخر عن رسول الله (ص) يقول: "كيف يقدِّس الله قوماً لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم"2. يقول (ص): قد يكون هناك بعض الضعفاء ممّن لهم حقوق على الأقوياء، كما هو الحال في بعض العمَّال الذين يعملون عند شخصيَّة مسؤولة هنا وهناك، فتمنعه تلك الشخصيَّة أجره، أو أن يكون لإنسانٍ ضعيفٍ دَيْنٌ على إنسان شديد أو قويّ، فيمنع الضَّعيف حقَّه، أو أن يصادر القويّ مال الضّعيف، وهكذا في الحقوق التي تتَّصل بالنفس وبالعرض، وهي الحقوق المعنويَّة وما إلى ذلك.

فالنبيّ (ص) - حسب هذه الرواية - يقول: إنَّ هذه الأمَّة لا يقدِّسها الله تعالى، يعني لا يحترمها، ولا ينـزل إليها بلطفه وبرحمته، لأنَّه سبحانه وتعالى أراد من الأقوياء أن يتحسّسوا مسؤوليَّة قوّتهم، بأن لا يغمطوا حقوق الضعفاء، بل أن يدافعوا عنهم، ويريد للأمَّة التي يعيش فيها هؤلاء الضّعفاء والأشدّاء الأقوياء، أن تمسك يد القويّ لتأخذ منه الحقّ للضعيف، وهذا ما روي عن إمامنا أمير المؤمنين (ع)، عندما تسلَّم الخلافة الفعلية داخل السلطة، لأنَّ الخلافة حقّه بنصّ الله تعالى ورسوله، ولذلك كان يقول: "الذليل عندي عزيز حتى آخذ الحقَّ له، والقويّ عندي ضعيف حتى آخذ الحقّ منه"3، ليس هناك في الحقّ قويّ وضعيف.

وعندما يتحدَّث الرسول (ص)، فكأنَّه يقول لنا: إنَّ عليكم أن لا تقدِّسوا أيّ جماعة أو فئة، أو أيّ حكومة، أو أيّ دولة لا يؤخذ فيها الحقّ للضّعيف من القويّ. وفي حديث آخر، يقول (ص): "إن الله لا يقدِّس أمّة لا يأخذ الضَّعيف حقَّه من القويّ وهو غير متعتع"، يعني بقوَّة، ليس فيه نقصان. فالله عندما يقدّس، فإنه يقدِّس الذين يطيعونه، ويطبّقون شريعته، ويخافون من عقابه، ويرجون ثوابه، أمَّا الناس الذين لا يتّقون الله تعالى في ذلك، فإنّ الله سبحانه وتعالى لا يقدِّسهم ولا يحترمهم.

* من كتاب "النَّدوة"، ج 14.

[1]نهج البلاغة، ج3، ص 138.

[2]بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج72، ص 355.

[3]نهج البلاغة، ج1، ص 89.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية