كتابات
28/11/2022

الإيمانُ حركةٌ في العقلِ وليس فوقَه

الإيمانُ حركةٌ في العقلِ وليس فوقَه

هناك حقيقة دينيّة أصيلة، وهي أنَّ الإيمان حركة في العقل وليست فوقه، حتّى الماورائيّات الغيبيّة لا بدَّ من رصد وجودها بالعقل أوّلاً، ثمّ تطلق له بعد ذلك حريّة التحرّك في المجهول، فكلّ ما في الوجود لا بدَّ من أن يكون للعقل دور في رصده، وإن لم يملك هذا الأخير وسائل البحث في بعض امتداداته، فالوجود لا بدَّ أن يكون عقلانياً، وإن كان العقل لا يتمتَّع بالقدرة على معالجة ما في داخله من مفردات وتعقيدات تخرج عن دائرة الحسّ المألوف. فنحن ندرك الله بالعقل، ولكنَّنا لا نملك الوسيلة للبحث في ذاته الله... في البرهان الدّيني، نحن نرصد الغيب بالعقل حقيقة ووجوداً، ولكنّنا لا نعرف ما وراءه وكنه وجوده، تماماً كما هي الفلسفة، قد لا تستطيع من خلالها معرفة كنه الجوهر، ولكنّك تستطيع أن تشير إليه.

فالإنسان مؤمن بما يعقل، وعلى هذا الأساس، كان لا بدّ له من خوض تجربة الشكّ، من أجل الوصول إلى اليقين، وذلك يتطلَّب رحلة طويلة في عالم الصِّراع الفكري الداخلي، حيث تتجاذب الإنسان الاهتزازات من خلال تناقض الاحتمالات، وتضادّ الأفكار، وتعارض الاتّجاهات التي تتمّ مناقشتها وجدانياً وعقلياً بكلِّ موضوعيَّة وانفتاح، ليعرف الحقّ من الباطل، وينتقل من الجهل إلى العلم.

وفي هذا الإطار، ربّما يعتبر بعض النَّاس ـــ والأخصّ المؤمنين منهم ـــ أنّ الإنسان الذي يشكّ في الله أو الرسول أو الرسالة كافر في مصطلح الكفر. ولكنّ الإمام جعفر الصادق (ع) يوضح هذا الأمر في ردّه على سؤال:

"رجل شكّ في الله؟.. قال: كافر. قال: شكّ في رسول الله (ص)؟... قال (ع): كافر". ثمَّ استدرك (ع) فقال: "إنَّما يكفر إذا جحد"1.

فما دام الإنسان يعيش الشكّ الذي يزحف بالبحث نحو اليقين، فهو ليس بكافر، وإنّما هو باحث عن الحقيقة، ويؤكِّد ذلك قول آخر للإمام الصّادق (ع): "لو أنَّ العباد حين جهلوا وقفوا لم يكفروا لم يضلّوا"2.

فالمسألة ـــ إذاً ـــ هي أن لا تجحد لمجرَّد الشّكّ، لأنَّ الجحود يحتاج إلى برهان، تماماً كما هو الإثبات يحتاج إلى برهان أيضاً، ولهذا يقول بعض الفلاسفة: في العالَم لا وجود لملحدين بالمعنى العلمي للإلحاد، إذ لم يستطع أحد إقامة دليل واحد ينفي وجود الله...

* من كتاب "في آفاق الحوار الإسلامي المسيحي".

[1]ميزان الحكمة، محمّد الريشهري، ج3، ص 850.

[2]غرر الحكم، الشيخ الآمدي، ص 3582.

هناك حقيقة دينيّة أصيلة، وهي أنَّ الإيمان حركة في العقل وليست فوقه، حتّى الماورائيّات الغيبيّة لا بدَّ من رصد وجودها بالعقل أوّلاً، ثمّ تطلق له بعد ذلك حريّة التحرّك في المجهول، فكلّ ما في الوجود لا بدَّ من أن يكون للعقل دور في رصده، وإن لم يملك هذا الأخير وسائل البحث في بعض امتداداته، فالوجود لا بدَّ أن يكون عقلانياً، وإن كان العقل لا يتمتَّع بالقدرة على معالجة ما في داخله من مفردات وتعقيدات تخرج عن دائرة الحسّ المألوف. فنحن ندرك الله بالعقل، ولكنَّنا لا نملك الوسيلة للبحث في ذاته الله... في البرهان الدّيني، نحن نرصد الغيب بالعقل حقيقة ووجوداً، ولكنّنا لا نعرف ما وراءه وكنه وجوده، تماماً كما هي الفلسفة، قد لا تستطيع من خلالها معرفة كنه الجوهر، ولكنّك تستطيع أن تشير إليه.

فالإنسان مؤمن بما يعقل، وعلى هذا الأساس، كان لا بدّ له من خوض تجربة الشكّ، من أجل الوصول إلى اليقين، وذلك يتطلَّب رحلة طويلة في عالم الصِّراع الفكري الداخلي، حيث تتجاذب الإنسان الاهتزازات من خلال تناقض الاحتمالات، وتضادّ الأفكار، وتعارض الاتّجاهات التي تتمّ مناقشتها وجدانياً وعقلياً بكلِّ موضوعيَّة وانفتاح، ليعرف الحقّ من الباطل، وينتقل من الجهل إلى العلم.

وفي هذا الإطار، ربّما يعتبر بعض النَّاس ـــ والأخصّ المؤمنين منهم ـــ أنّ الإنسان الذي يشكّ في الله أو الرسول أو الرسالة كافر في مصطلح الكفر. ولكنّ الإمام جعفر الصادق (ع) يوضح هذا الأمر في ردّه على سؤال:

"رجل شكّ في الله؟.. قال: كافر. قال: شكّ في رسول الله (ص)؟... قال (ع): كافر". ثمَّ استدرك (ع) فقال: "إنَّما يكفر إذا جحد"1.

فما دام الإنسان يعيش الشكّ الذي يزحف بالبحث نحو اليقين، فهو ليس بكافر، وإنّما هو باحث عن الحقيقة، ويؤكِّد ذلك قول آخر للإمام الصّادق (ع): "لو أنَّ العباد حين جهلوا وقفوا لم يكفروا لم يضلّوا"2.

فالمسألة ـــ إذاً ـــ هي أن لا تجحد لمجرَّد الشّكّ، لأنَّ الجحود يحتاج إلى برهان، تماماً كما هو الإثبات يحتاج إلى برهان أيضاً، ولهذا يقول بعض الفلاسفة: في العالَم لا وجود لملحدين بالمعنى العلمي للإلحاد، إذ لم يستطع أحد إقامة دليل واحد ينفي وجود الله...

* من كتاب "في آفاق الحوار الإسلامي المسيحي".

[1]ميزان الحكمة، محمّد الريشهري، ج3، ص 850.

[2]غرر الحكم، الشيخ الآمدي، ص 3582.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية