كتابات
24/11/2022

أهميَّةُ العلمِ للأمَّةِ والمسؤوليَّةُ المشتركةُ بينَ العالِمِ والنَّاس

أهميَّةُ العلمِ للأمَّةِ والمسؤوليَّةُ المشتركةُ بينَ العالِمِ والنَّاس

في حديث عن عليّ (ع) يقول: "قوام الدنيا بأربعة: بعالم مستعمِلٍ لعلمه، وبغنيٍّ باذل لمعروفه، وبجاهلٍ لا يتكبَّر أن يتعلَّم، وبفقير لا يبيع آخرته بدنيا غيره، فإذا عطَّل العالم علمه، وأمسك الغنيّ معروفه، وتكبّر الجاهل أن يتعلَّم، وباع الفقير آخرته بدنيا غيره، فعليهم الثّبور"1، أي الهلاك.

هذه العناوين الأربعة يرتبط بعضها بالبعض الآخر، فالعنوان الأوَّل، هو عنوانُ فئةِ العلماء الَّذين يملكون العلم الذي تتوقَّف عليه أوضاع النَّاس الفكرية والعلمية، سواء العلم الَّذي يرتبط بالواقع الديني في ما يجب على الإنسان أن يتعلَّمه من أمور دينه، أو الذي يرتبط بكلّ مفاصل الحياة، مما ينفتح على الحاجات العامَّة للحياة، وما يعطي للحياة نمواً وتقدماً وازدهاراً، ويعطي للناس كلَّ ما يمثِّل ضروراتهم في حاجاتهم وفي أوضاعهم. فلا فرق في مضمار العلم بين العلم الذي ينفتح على أسرار الكون أو على أسرار الإنسان أو على أسرار القضايا التي تتعلّق بالإنسان في حياته، وفي كلّ أوضاعه الداخلية أو الخارجية.

والعلم في الإسلام ليس حالة ذاتيَّة، بمعنى أنّه ليس للعالم الحريَّة في أن لا يعطي علمه، بل إنّ علمه يمثِّل مسؤوليَّته وعليه أن يبذله، وقد ورد في الحديث عن الإمام أمير المؤمنين (ع): "ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلَّموا، حتَّى أخذ على أهل العلم أن يعلِّموا"2، ويمثِّل أيضاً مسؤوليَّته عن الواقع الذي تتحرَّك فيه الانحرافات الفكرية على جميع المستويات، بحيث يصبح الانحراف حالة عامَّة، تماماً مثل الأمراض الخطيرة التي تؤدِّي إلى هلاك الإنسان، لأنَّ الانحرافات الفكريَّة تؤدِّي إلى الهلاك العقيدي، أو الهلاك الشَّرعي، أو ما إلى ذلك.. نقرأ في الحديث الشَّريف: "إذا ظهرت البِدَع في أمّتي، فليظهر العالم علمه، فمن لم يفعل فعليه لعنة الله"3.

وقضية إظهار العلم، ليست -كما يفهمه البعض - بأن يستجيب العالم لمن يسأله، فإذا لم يسأله أحد فلا مسؤوليَّة عليه، أو كما يقول البعض: إنَّ العالم كالشجرة، إذا لم تهزّها، فلن يسقط الثَّمر عليك، وبذلك يبرر الكثير من العلماء انعزالهم عن قضايا المجتمع.

ولكنَّنا نستوحي من هذا الحديث وغيره، أنَّ على العالم أنْ يُظهِر علمه، بحيث يندفع إلى السَّاحة العامَّة ليلاحق كلَّ خطوط البدع التي تعمل على إسقاط العقيدة أو الشَّريعة أو الواقع.

وهناك نقطة لا بدَّ أن نلتفت إليها أمام تلك الفكرة، وهي أنَّ هناك الكثير من الحالات التي يعيش الناس فيها الغفلة عمَّا يسألون، بمعنى أنّهم لم يتثقَّفوا بالثقافة التي ترسم من خلال رحابتها علامات الاستفهام التي تدفعهم إلى السّؤال، فلا يعتبرون أنَّ الكثير من الأشياء مشاكل تستدعي البحث عن حلول لها، بل يعتبرون أنَّ الواقع الذي يعيشه النَّاس هو الاستقامة والحقيقة. ولذلك، لا بدَّ أن نعرّف الإنسان العادي كيف يفكِّر، وأن نشجّعه على أن يسأل، وأن يقوم العالِمُ بدوره في توعية النَّاس ويحضّهم على أن يسألوا. ونحن نقرأ في القرآن الكريم: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}[النّحل: 43]، ونقرأ في سيرة الإمام محمَّد الباقر (ع)، أنَّه كان يقول لبعض أصحابه: "إذا حدَّثتكم بشيء فاسألوني عن كتاب الله"4. كأنه يقول لهم: لا تتقبَّلوا أيَّ شيء من دون أن تتعرفوا جذوره، لأنَّني أحدِّثكم بالقرآن الكريم، فإذا سمعتم منّي الفكرة، فاسألوني عن جذورها من القرآن الكريم، فقد كان يريد أن يثير في أنفسهم علامات الاستفهام عمَّا يسمعون من فكر، وكيف يربطونه بالقرآن الكريم، لتكون لهم ثقافة القرآن. وبذلك، أراد الإمام الباقر (ع) - وهو إمام معصوم - أن يعلِّمهم أنهم إذا سمعوا كلاماً من غيره، فعليهم أن يسألوا عن الأساس في هذا الكلام، وأن لا يتعبَّدوا بكلِّ كلام، وأن يتثقَّفوا بالقرآن الكريم في كلِّ ما يصدر عن هذا العالِم أو ذاك... كأنَّه يريد بذلك أن يجعل المسلم إنساناً جريئاً على السّؤال، بحيث لا يخاف من سؤالِ أحد، ولا يتعقَّد من سؤال أحد، وفي هذا إيحاء للعلماء بأن لا يتعقَّدوا مما يسألهم الآخرون، في أيِّ شيء من الأشياء في هذا المقام.

وقد تحدَّثنا في أكثر من حديث وفي أكثر من مجال أنَّه ليس هناك مقدَّسات في الحوار، وكان شعارنا: ليس هناك سؤال تافه ولا سؤال محرج، الحقيقة بنت الحوار، لأنَّ الإسلام يريد للعلم أن ينتشر في النَّاس كلِّهم، فلا يريد لأحد أن يحبس علمه مما يملك من العلم، ولا يريد لأحد أن يبقى على جهله في ما يعيشه من حالات الجهل.

وعليه، فإنَّ هذا الحديث الشَّريف يؤكِّد هذه النقطة، وهي أنَّ العالم إذا عطَّل علمه أو كتمه، فسوف تكون النَّتيجة سلبية بالنّسبة إلى الجاهل، لأنَّ العالم إذا حجب علمه ولم يتحمَّل مسؤوليَّة العلم، فعند ذلك يتكبّر الجاهل أن يتعلَّم، وعند ذلك يقول: أنا غير مستعدّ لأن أذلّ نفسي وأذهب إلى العالم وأتوسَّل إليه كي يعلّمني وهو يمتنع عن بذل علمه، فهو يشعر بأن ذلك يضعه في مواقع الذلّ، وفي المواقع الحقيرة في شخصيَّته، وما إلى ذلك.

ولهذا، نستطيع أن نأخذ فكرة عامَّة، وهي أنَّ مسألة العلم في الأمَّة هي مسألة المسؤوليَّة المشتركة بين العالم والجاهل، فالعالم مسؤول عن أن يحرّك علمه في كلِّ حاجات الجاهل ليتعلَّم، والجاهل مسؤول عن أن يلاحق العالم في كلِّ ما يحتاجه من علم، لأنّ نموَّ المجتمعات وتقدّمها يتوقَّفان على ما تمتلكه من الدَّرجة العالية من العلم.

* من كتاب "النَّدوة"، ج 14.

[1]بحار الأنوار، العلَّامة المجلسي، ج75، ص 64.

[2]ميزان الحكمة، محمّد الريشهري، ج6، ص 160.

[3]ميزان الحكمة، ج1، ص 238.

[4]الكافي، الشَّيخ الكليني، ج1، ص 60.

في حديث عن عليّ (ع) يقول: "قوام الدنيا بأربعة: بعالم مستعمِلٍ لعلمه، وبغنيٍّ باذل لمعروفه، وبجاهلٍ لا يتكبَّر أن يتعلَّم، وبفقير لا يبيع آخرته بدنيا غيره، فإذا عطَّل العالم علمه، وأمسك الغنيّ معروفه، وتكبّر الجاهل أن يتعلَّم، وباع الفقير آخرته بدنيا غيره، فعليهم الثّبور"1، أي الهلاك.

هذه العناوين الأربعة يرتبط بعضها بالبعض الآخر، فالعنوان الأوَّل، هو عنوانُ فئةِ العلماء الَّذين يملكون العلم الذي تتوقَّف عليه أوضاع النَّاس الفكرية والعلمية، سواء العلم الَّذي يرتبط بالواقع الديني في ما يجب على الإنسان أن يتعلَّمه من أمور دينه، أو الذي يرتبط بكلّ مفاصل الحياة، مما ينفتح على الحاجات العامَّة للحياة، وما يعطي للحياة نمواً وتقدماً وازدهاراً، ويعطي للناس كلَّ ما يمثِّل ضروراتهم في حاجاتهم وفي أوضاعهم. فلا فرق في مضمار العلم بين العلم الذي ينفتح على أسرار الكون أو على أسرار الإنسان أو على أسرار القضايا التي تتعلّق بالإنسان في حياته، وفي كلّ أوضاعه الداخلية أو الخارجية.

والعلم في الإسلام ليس حالة ذاتيَّة، بمعنى أنّه ليس للعالم الحريَّة في أن لا يعطي علمه، بل إنّ علمه يمثِّل مسؤوليَّته وعليه أن يبذله، وقد ورد في الحديث عن الإمام أمير المؤمنين (ع): "ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلَّموا، حتَّى أخذ على أهل العلم أن يعلِّموا"2، ويمثِّل أيضاً مسؤوليَّته عن الواقع الذي تتحرَّك فيه الانحرافات الفكرية على جميع المستويات، بحيث يصبح الانحراف حالة عامَّة، تماماً مثل الأمراض الخطيرة التي تؤدِّي إلى هلاك الإنسان، لأنَّ الانحرافات الفكريَّة تؤدِّي إلى الهلاك العقيدي، أو الهلاك الشَّرعي، أو ما إلى ذلك.. نقرأ في الحديث الشَّريف: "إذا ظهرت البِدَع في أمّتي، فليظهر العالم علمه، فمن لم يفعل فعليه لعنة الله"3.

وقضية إظهار العلم، ليست -كما يفهمه البعض - بأن يستجيب العالم لمن يسأله، فإذا لم يسأله أحد فلا مسؤوليَّة عليه، أو كما يقول البعض: إنَّ العالم كالشجرة، إذا لم تهزّها، فلن يسقط الثَّمر عليك، وبذلك يبرر الكثير من العلماء انعزالهم عن قضايا المجتمع.

ولكنَّنا نستوحي من هذا الحديث وغيره، أنَّ على العالم أنْ يُظهِر علمه، بحيث يندفع إلى السَّاحة العامَّة ليلاحق كلَّ خطوط البدع التي تعمل على إسقاط العقيدة أو الشَّريعة أو الواقع.

وهناك نقطة لا بدَّ أن نلتفت إليها أمام تلك الفكرة، وهي أنَّ هناك الكثير من الحالات التي يعيش الناس فيها الغفلة عمَّا يسألون، بمعنى أنّهم لم يتثقَّفوا بالثقافة التي ترسم من خلال رحابتها علامات الاستفهام التي تدفعهم إلى السّؤال، فلا يعتبرون أنَّ الكثير من الأشياء مشاكل تستدعي البحث عن حلول لها، بل يعتبرون أنَّ الواقع الذي يعيشه النَّاس هو الاستقامة والحقيقة. ولذلك، لا بدَّ أن نعرّف الإنسان العادي كيف يفكِّر، وأن نشجّعه على أن يسأل، وأن يقوم العالِمُ بدوره في توعية النَّاس ويحضّهم على أن يسألوا. ونحن نقرأ في القرآن الكريم: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}[النّحل: 43]، ونقرأ في سيرة الإمام محمَّد الباقر (ع)، أنَّه كان يقول لبعض أصحابه: "إذا حدَّثتكم بشيء فاسألوني عن كتاب الله"4. كأنه يقول لهم: لا تتقبَّلوا أيَّ شيء من دون أن تتعرفوا جذوره، لأنَّني أحدِّثكم بالقرآن الكريم، فإذا سمعتم منّي الفكرة، فاسألوني عن جذورها من القرآن الكريم، فقد كان يريد أن يثير في أنفسهم علامات الاستفهام عمَّا يسمعون من فكر، وكيف يربطونه بالقرآن الكريم، لتكون لهم ثقافة القرآن. وبذلك، أراد الإمام الباقر (ع) - وهو إمام معصوم - أن يعلِّمهم أنهم إذا سمعوا كلاماً من غيره، فعليهم أن يسألوا عن الأساس في هذا الكلام، وأن لا يتعبَّدوا بكلِّ كلام، وأن يتثقَّفوا بالقرآن الكريم في كلِّ ما يصدر عن هذا العالِم أو ذاك... كأنَّه يريد بذلك أن يجعل المسلم إنساناً جريئاً على السّؤال، بحيث لا يخاف من سؤالِ أحد، ولا يتعقَّد من سؤال أحد، وفي هذا إيحاء للعلماء بأن لا يتعقَّدوا مما يسألهم الآخرون، في أيِّ شيء من الأشياء في هذا المقام.

وقد تحدَّثنا في أكثر من حديث وفي أكثر من مجال أنَّه ليس هناك مقدَّسات في الحوار، وكان شعارنا: ليس هناك سؤال تافه ولا سؤال محرج، الحقيقة بنت الحوار، لأنَّ الإسلام يريد للعلم أن ينتشر في النَّاس كلِّهم، فلا يريد لأحد أن يحبس علمه مما يملك من العلم، ولا يريد لأحد أن يبقى على جهله في ما يعيشه من حالات الجهل.

وعليه، فإنَّ هذا الحديث الشَّريف يؤكِّد هذه النقطة، وهي أنَّ العالم إذا عطَّل علمه أو كتمه، فسوف تكون النَّتيجة سلبية بالنّسبة إلى الجاهل، لأنَّ العالم إذا حجب علمه ولم يتحمَّل مسؤوليَّة العلم، فعند ذلك يتكبّر الجاهل أن يتعلَّم، وعند ذلك يقول: أنا غير مستعدّ لأن أذلّ نفسي وأذهب إلى العالم وأتوسَّل إليه كي يعلّمني وهو يمتنع عن بذل علمه، فهو يشعر بأن ذلك يضعه في مواقع الذلّ، وفي المواقع الحقيرة في شخصيَّته، وما إلى ذلك.

ولهذا، نستطيع أن نأخذ فكرة عامَّة، وهي أنَّ مسألة العلم في الأمَّة هي مسألة المسؤوليَّة المشتركة بين العالم والجاهل، فالعالم مسؤول عن أن يحرّك علمه في كلِّ حاجات الجاهل ليتعلَّم، والجاهل مسؤول عن أن يلاحق العالم في كلِّ ما يحتاجه من علم، لأنّ نموَّ المجتمعات وتقدّمها يتوقَّفان على ما تمتلكه من الدَّرجة العالية من العلم.

* من كتاب "النَّدوة"، ج 14.

[1]بحار الأنوار، العلَّامة المجلسي، ج75، ص 64.

[2]ميزان الحكمة، محمّد الريشهري، ج6، ص 160.

[3]ميزان الحكمة، ج1، ص 238.

[4]الكافي، الشَّيخ الكليني، ج1، ص 60.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية