كتابات
09/11/2022

الإفراطُ والتَّفريطُ في جهادِ النَّفس

الإفراطُ والتَّفريطُ في جهادِ النَّفس

اختلف الناس في جهاد النفس بين إفراط وتفريط، فهناك الفئة التي أخذت بهذا الأسلوب في حياتها، فحاصرت كلّ أبعاد النفس، فلم تترك لها مجالاً تنطلق فيه وتتجوّل، لتطلق خطواتها في الأرض الواسعة الفسيحة، لتبلغ المدى الذي تريد أن تبلغه في غير انحراف وضلال، وأغلقت عليها كلّ الَّنوافذ، فلم تدع لها نافذة تطّلع منها على العالم، فليس لها إلَّا الجدران الأربعة الخالية إلَّا من بصيص ضوء، تجترّ أشكالها وألوانها ما أمكنها الاجترار، وتحوّلت إلى النفس في رغباتها وشهواتها، تمنعها من كلّ شيء، إمعاناً في الكبت، وإغراقاً في التَّعذيب، حتّى كأنّ تعذيب النَّفس وإيلامها، فرض من فرائض الدين، وشعيرة من شعائر الإيمان التي تتقرّب إلى الله بها، ليمنحها الثَّواب عليها في الدنيا والآخرة.

وكانت النتيجة ـــ في ذلك كلّه ـــ مزيداً من الإمعان في إضعاف النفس، فوق ما هي فيه من ضعف، لأنَّ الجهاد تحوّل إلى إجهاد طائل تحته، فإنَّ الأسلوب كان بعيداً من الوقوع في التجربة، لتجنّب الإنسان عن الدخول فيها، واختيار الابتعاد عن مجالاتها وإغراءاتها. وبذلك، لم يحصل الإنسان على القوّة في إطار التجربة المتحرّكة في ساحة الصِّراع، بل كانت القوّة التي تتحرّك لتجرّب بطولاتها بعيداً من وجود عدُوّ في الميدان، كالإنسان الذي يتخيَّل عدوّاً يهاجمه، حتى إذا صادفه في الواقع، وجد أمامه شيئاً لم يحسب حسابه، فرأى أنَّ الهزيمة هي خير ما ينقذ به نفسه.

وهذا هو سبيل الكثيرين ممّن اتّخذوا لأنفسهم سبيل العزلة عن النَّاس وعن الحياة، لأنّهم يخافون من التجربة، ويخشون على أنفسهم عاقبة السّقوط، فيمتنعون عن كلّ ما يخوض فيه النَّاس من صراع وعراك في قضايا الحياة، وقضايا العقيدة، لأنَّ صراع العقيدة يورّطهم في الوقوع في الشكوك والشبهات، أمّا صراع الحياة، فيعرّضهم للوقوع في إغرائها المثير، ويسلِّمهم إلى عذاب السعير.

وهكذا انحرفوا حيث أرادوا لأنفسهم الاستقامة، وضلّوا حيث أرادوا لحياتهم الهدى، وانهزموا حيث حاولوا الحصول على النّصر، لأنَّ علامة الاستقامة والهدى، أن تستقيم في طريقك، وتهتدي في سبيلك، إزاء الطرق المنحرفة والسبل المعوجّة، كما أنّ دليل النصر هو أن تثبت في المعركة، لا أن تهرب منها، فإنَّ الهارب من المعركة منهزمٌ، وإن حصل على السَّلامة، لأنّه لم يحصل على شرف الحرب، وإنْ حصل على نتائج النَّصر.

وقديماً قال الشَّاعر:

ليس البطولةُ أن تموت من الظَّما إنَّ البطولةَ أن تَعُبَّ الماءَ

*من كتاب "الإسلام ومنطق القوّة".

اختلف الناس في جهاد النفس بين إفراط وتفريط، فهناك الفئة التي أخذت بهذا الأسلوب في حياتها، فحاصرت كلّ أبعاد النفس، فلم تترك لها مجالاً تنطلق فيه وتتجوّل، لتطلق خطواتها في الأرض الواسعة الفسيحة، لتبلغ المدى الذي تريد أن تبلغه في غير انحراف وضلال، وأغلقت عليها كلّ الَّنوافذ، فلم تدع لها نافذة تطّلع منها على العالم، فليس لها إلَّا الجدران الأربعة الخالية إلَّا من بصيص ضوء، تجترّ أشكالها وألوانها ما أمكنها الاجترار، وتحوّلت إلى النفس في رغباتها وشهواتها، تمنعها من كلّ شيء، إمعاناً في الكبت، وإغراقاً في التَّعذيب، حتّى كأنّ تعذيب النَّفس وإيلامها، فرض من فرائض الدين، وشعيرة من شعائر الإيمان التي تتقرّب إلى الله بها، ليمنحها الثَّواب عليها في الدنيا والآخرة.

وكانت النتيجة ـــ في ذلك كلّه ـــ مزيداً من الإمعان في إضعاف النفس، فوق ما هي فيه من ضعف، لأنَّ الجهاد تحوّل إلى إجهاد طائل تحته، فإنَّ الأسلوب كان بعيداً من الوقوع في التجربة، لتجنّب الإنسان عن الدخول فيها، واختيار الابتعاد عن مجالاتها وإغراءاتها. وبذلك، لم يحصل الإنسان على القوّة في إطار التجربة المتحرّكة في ساحة الصِّراع، بل كانت القوّة التي تتحرّك لتجرّب بطولاتها بعيداً من وجود عدُوّ في الميدان، كالإنسان الذي يتخيَّل عدوّاً يهاجمه، حتى إذا صادفه في الواقع، وجد أمامه شيئاً لم يحسب حسابه، فرأى أنَّ الهزيمة هي خير ما ينقذ به نفسه.

وهذا هو سبيل الكثيرين ممّن اتّخذوا لأنفسهم سبيل العزلة عن النَّاس وعن الحياة، لأنّهم يخافون من التجربة، ويخشون على أنفسهم عاقبة السّقوط، فيمتنعون عن كلّ ما يخوض فيه النَّاس من صراع وعراك في قضايا الحياة، وقضايا العقيدة، لأنَّ صراع العقيدة يورّطهم في الوقوع في الشكوك والشبهات، أمّا صراع الحياة، فيعرّضهم للوقوع في إغرائها المثير، ويسلِّمهم إلى عذاب السعير.

وهكذا انحرفوا حيث أرادوا لأنفسهم الاستقامة، وضلّوا حيث أرادوا لحياتهم الهدى، وانهزموا حيث حاولوا الحصول على النّصر، لأنَّ علامة الاستقامة والهدى، أن تستقيم في طريقك، وتهتدي في سبيلك، إزاء الطرق المنحرفة والسبل المعوجّة، كما أنّ دليل النصر هو أن تثبت في المعركة، لا أن تهرب منها، فإنَّ الهارب من المعركة منهزمٌ، وإن حصل على السَّلامة، لأنّه لم يحصل على شرف الحرب، وإنْ حصل على نتائج النَّصر.

وقديماً قال الشَّاعر:

ليس البطولةُ أن تموت من الظَّما إنَّ البطولةَ أن تَعُبَّ الماءَ

*من كتاب "الإسلام ومنطق القوّة".

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية