كتابات
15/03/2022

عندما يتمرَّدُ الطِّفلُ على طلباتِ الأهلِ

عندما يتمرَّدُ الطِّفلُ على طلباتِ الأهلِ

[يواجَه الطِّفل بالاستنكار الشَّديد عندما يقول "أنا حرّ"، ردّاً على طلب ما من أبويه. فمتى يكون الطّفل حرّاً، ومتى يكون عبداً؟].

قد لا يعبّر إطلاق هذه الكلمة الَّتي يستخدمها الأطفال أحياناً عن ذهنيَّة متمرِّدة راسخة لدى الطِّفل، لأنَّ الولد قد لا يستوعب هذه الدّلالة، لكنّه يعبّر بهذه الكلمة عن رفض الالتزام بعملٍ معيّن يُعلن عن حريّته في عدم الإتيان به.

وإذا كانت هذه الكلمة كلمة اجتماعيّة تعبّر عن التمرّد، فإنَّ استخدام الطفل لها يُعبّر عن إحساس إنسانيّ عامّ، حيث إنَّ الإنسان عندما يُفرَض عليه من الخارج أيّ شيء لا ينسجم مع ما يحبّ ويرغب، يبادر إلى الإعلان عن حريّته في عدم القيام به، أو عن حريّته في فعل ما يريد إذا كان ما يفعله أمراً مرفوضاً لدى الآخرين.

ولذلك، فإنَّ هذه الكلمة تستخدم في حالات التمرُّد الطفولي أو التمرّد الإنساني، في مواجهة مَنْ يملك قوّة فرض الكلمة أو فرض الفعل.

لكن ليس من الطبيعيّ أن يواجه الأهل هذا القول في الحالات العاديّة بالضّغط والقسوة، لأنَّ القسوة لن تمحو التمرّد، بل ترسّخه، فهي تعمّق لدى الطفل الإحساس بالرفض الدائم بسبب إحساسه بالقهر.

إنّ ردّ الفعل السليم على إطلاق هذه الكلمة، في رأيي، يكون بمحاورة الطفل بالأسلوب الذي يتناسب مع قدرته على فهم ووعي الأمور، وذلك بتبيان المصلحة التي تكمن وراء مطالبته بالعمل المقصود إذا كان يُعلن عن رفضه له، أو في تركه أمراً ما إذا كان يفعل شيئاً مضرّاً به. إنّ ذلك هو الأسلوب الذي يمكننا إذا أحسنّا استخدامه، من نزع فكرة الرفض من ذهن الطّفل، فضلاً عن نزعها من حياته، بينما قد يساهم ردّ الفعل القاسي في إبعاد الرَّفض عن سلوكه، لكنّه لن يتمكّن من إبعاده عن ذهنه. ودورنا بالنِّسبة إلى الطفل ليس فرض القبول عليه، ولكن إبعاد الرفض الدائم عنه، كي لا يتحوّل إلى ذهنيَّة الرفض في حال ازدادت قوّة الضَّغط عليه.

أمّا متى يكون الطّفل عبداً، فأنا لا أستسيغ استخدام كلمة العبد في المجال الإنساني، فالإنسان يعيش العبوديَّة أمام الله فقط، باعتبار أنَّ علاقة الإنسان بالله لا يمكن إلَّا أن تكون العبد مع السيّد، لأنَّ الإنسان هو خلق الله بكلّه، وليس له شيء لذاته في ذاته أمام الله. بالتالي، فإنّ تربية الطفل على أنّه عبد في علاقته بإنسانٍ ما هي تربية غير سليمة، حتّى إنّني أرفض أن يخاطب الإنسان من يملكون القداسة بأنَّه عبدهم، وأنا لا أجيز من ناحية تربويَّة الإيحاء للأطفال بمعنى العبوديَّة، أو دفع الطفل إلى التصريح أمامنا بأنّه عبد.

قد نحتاج تربوياً إلى إشعار الطفل بوجود قضايا تتعلَّق بمصيره لا يملك الحريّة في أن يفعل أو أنْ يترك ما يشاء منها، ولا سيّما في المرحلة التي نركّز فيها عناصر شخصيّته. كما نحتاج إلى إشاعة الإحساس بالأمن لدى الولد، ولتسهيل انصياعه للأوامر، إلى إشعاره بقوّة موقع مَنْ يرعاه، ونفاذ إرادته، مع تأكيد احترام حريّة الطّفل الذاتيّة في الاقتناع، وذلك باستخدام الأسلوب الذي يشعر الولد بأنَّ انصياعه لأمر المربّي، أباً كان أو معلِّماً، نابع من إرادته الشخصيَّة وليس من أمر صادر من فوق، بمعنى أنَّ مَن هو فوق، يقدّم الفكرة المطلوبة إلى الولد بأسلوب يجعله يختارها.

* من كتاب "دنيا الطفل".

[يواجَه الطِّفل بالاستنكار الشَّديد عندما يقول "أنا حرّ"، ردّاً على طلب ما من أبويه. فمتى يكون الطّفل حرّاً، ومتى يكون عبداً؟].

قد لا يعبّر إطلاق هذه الكلمة الَّتي يستخدمها الأطفال أحياناً عن ذهنيَّة متمرِّدة راسخة لدى الطِّفل، لأنَّ الولد قد لا يستوعب هذه الدّلالة، لكنّه يعبّر بهذه الكلمة عن رفض الالتزام بعملٍ معيّن يُعلن عن حريّته في عدم الإتيان به.

وإذا كانت هذه الكلمة كلمة اجتماعيّة تعبّر عن التمرّد، فإنَّ استخدام الطفل لها يُعبّر عن إحساس إنسانيّ عامّ، حيث إنَّ الإنسان عندما يُفرَض عليه من الخارج أيّ شيء لا ينسجم مع ما يحبّ ويرغب، يبادر إلى الإعلان عن حريّته في عدم القيام به، أو عن حريّته في فعل ما يريد إذا كان ما يفعله أمراً مرفوضاً لدى الآخرين.

ولذلك، فإنَّ هذه الكلمة تستخدم في حالات التمرُّد الطفولي أو التمرّد الإنساني، في مواجهة مَنْ يملك قوّة فرض الكلمة أو فرض الفعل.

لكن ليس من الطبيعيّ أن يواجه الأهل هذا القول في الحالات العاديّة بالضّغط والقسوة، لأنَّ القسوة لن تمحو التمرّد، بل ترسّخه، فهي تعمّق لدى الطفل الإحساس بالرفض الدائم بسبب إحساسه بالقهر.

إنّ ردّ الفعل السليم على إطلاق هذه الكلمة، في رأيي، يكون بمحاورة الطفل بالأسلوب الذي يتناسب مع قدرته على فهم ووعي الأمور، وذلك بتبيان المصلحة التي تكمن وراء مطالبته بالعمل المقصود إذا كان يُعلن عن رفضه له، أو في تركه أمراً ما إذا كان يفعل شيئاً مضرّاً به. إنّ ذلك هو الأسلوب الذي يمكننا إذا أحسنّا استخدامه، من نزع فكرة الرفض من ذهن الطّفل، فضلاً عن نزعها من حياته، بينما قد يساهم ردّ الفعل القاسي في إبعاد الرَّفض عن سلوكه، لكنّه لن يتمكّن من إبعاده عن ذهنه. ودورنا بالنِّسبة إلى الطفل ليس فرض القبول عليه، ولكن إبعاد الرفض الدائم عنه، كي لا يتحوّل إلى ذهنيَّة الرفض في حال ازدادت قوّة الضَّغط عليه.

أمّا متى يكون الطّفل عبداً، فأنا لا أستسيغ استخدام كلمة العبد في المجال الإنساني، فالإنسان يعيش العبوديَّة أمام الله فقط، باعتبار أنَّ علاقة الإنسان بالله لا يمكن إلَّا أن تكون العبد مع السيّد، لأنَّ الإنسان هو خلق الله بكلّه، وليس له شيء لذاته في ذاته أمام الله. بالتالي، فإنّ تربية الطفل على أنّه عبد في علاقته بإنسانٍ ما هي تربية غير سليمة، حتّى إنّني أرفض أن يخاطب الإنسان من يملكون القداسة بأنَّه عبدهم، وأنا لا أجيز من ناحية تربويَّة الإيحاء للأطفال بمعنى العبوديَّة، أو دفع الطفل إلى التصريح أمامنا بأنّه عبد.

قد نحتاج تربوياً إلى إشعار الطفل بوجود قضايا تتعلَّق بمصيره لا يملك الحريّة في أن يفعل أو أنْ يترك ما يشاء منها، ولا سيّما في المرحلة التي نركّز فيها عناصر شخصيّته. كما نحتاج إلى إشاعة الإحساس بالأمن لدى الولد، ولتسهيل انصياعه للأوامر، إلى إشعاره بقوّة موقع مَنْ يرعاه، ونفاذ إرادته، مع تأكيد احترام حريّة الطّفل الذاتيّة في الاقتناع، وذلك باستخدام الأسلوب الذي يشعر الولد بأنَّ انصياعه لأمر المربّي، أباً كان أو معلِّماً، نابع من إرادته الشخصيَّة وليس من أمر صادر من فوق، بمعنى أنَّ مَن هو فوق، يقدّم الفكرة المطلوبة إلى الولد بأسلوب يجعله يختارها.

* من كتاب "دنيا الطفل".

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية