إستشارة
السَّلام عليكم.
لديَّ ذنوب ومعاصٍ كباقي البشر، والسبب فيها فقدان الأمل في النجاة من العذاب بعد الموت، فالأمر بالنسبة إليَّ كأفلام الرعب الأجنبيَّة.
أنا مؤمنة وملتزمة بالصَّلاة والصِّيام، وأدعو الله دائماً، ولكنَّني أهرب في أغلب الأوقات من الدين وسيرته، حتى لا أتذكر يوم الموت؛ هذا اليوم المرعب الدموي المخيف. سؤالي بالتحديد هو: لو طلبت منك أن تحبّبني بالموت وتجعلني أنتظره وكأنَّه يوم نزهة جميل، أو كأنَّه يوم رحلة جميلة أنتظرها، هل تستطيع ذلك؟ وإن كان هذا من المحال، أرجو عدم الرد بكلمات ترعبني، فلدي من الرعب ما يكفي لهروبي من الدّين. شكراً لك.
وتعليق..
صدور الذنوب من البشر أمر طبيعي ما داموا غير معصومين، ولكنَّ الله تعالى فتح باب التوبة للمذنب، ووعده بقبولها، كما أنه تعالى وعد بقبول التوبة مرة بعد مرة حتى لو تكررت، وقد ورد ذلك في صيغة "غفار"، الَّتي تعني أنه كثير المغفرة، كما في قوله تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى}[طه: 82].
وكذلك، وردت في عدة آيات كلمة "تواب"، التي تعني كثرة قبوله لتوبة عباده، بل إنَّ لفظ تاب ومشتقاتها ذكرت في القرآن الكريم حوالى مئة مرة، بينما وردت كلمة "غفر" ومشتقاتها في القرآن الكريم، أكثر من كلمة "التوبة" بكثير.
ولزيادة الحرص منه تعالى على حث عباده على التوبة وعلى تأكيد قبوله لتوبتهم، فقد حرم اليأس من قبول التوبة في قوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}[الزمر: 53]، حيث يتضح من هذه الآية التي خاطب فيها الله تعالى من كَثرت ذنوبهم ومعاصيهم وأسرفوا في المعاصي، بأن عليهم أن يبادروا إلى طلب التوبة والمغفرة، وأن لا يعيشوا حالة اليأس من المغفرة وقبول التوبة، فإن الله تعالى سيقبل توبتهم ويعفو عنهم، لأنه غفور كثير المغفرة. كذلك، فإن الله تعالى قد فتح للعاصين باباً آخر هو باب الشفاعة، حيث أكدت الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة أنَّ الله تعالى بلطفه ورحمته وكرمه، سيأذن للأنبياء والأوصياء والمؤمنين بأن يشفع بعضهم للبعض الآخر، وخصوصاً لأهل الذنوب الكبيرة.
وعلى هذا الأساس، فإنه لا داعي لأن يعيش المسلم حالة الخوف من العقاب بشكل غير طبيعي، ولا بأن يحولها إلى عقدة تضغط على نفسه وأعصابه، ما دام ثمة فرص عديدة للنجاة من العقاب، من خلال عظيم لطف الله بعباده وعظيم مغفرته وعفوه، وبما سينالنا من شفاعة الشافعين، حيث يجب أن يعيش الأمل والتفاؤل والسعادة بالموت ولقاء الله تعالى.
لا داعي أبداً لأن تعيشي في حالة الرعب المذكورة، ولا بأن تتهمي الدين بأنه السبب المباشر لها، فإننا جميعاً قد قرأنا وسمعنا ما قرأت وسمعت عن العذاب والعقاب والنار، ولكننا لا نعيش ذلك الهاجس المرعب، ولم نتأثر به بالدرجة التي تسحق أعصابنا، بل بقينا بين الخوف والرجاء المتوازنين، ووعينا مدى رحمة الله تعالى وعفوه وطمعنا بها، فملأ قلوبنا الرجاء بالفوز والجنة ولقاء الله تعالى، وصرنا أكثر تقوى وإيماناً وحرصاً على الطاعة، بدل أن نصير، كما تقولين، ممن نفعل المعاصي لأننا فقدنا الأمل بالنجاة من العذاب!! فلماذا لم يفقد معظم الناس الأمل برغم كثرة معاصيهم؟ ولماذا استمروا على إيمانهم وعلى حبّهم للدين، بل ازدادوا إيماناً ولم يعيشوا اليأس بشكلٍ مرضي ومأساوي؟
إنَّ نفس المسلم المؤمن بالله تعالى وبسائر العقائد الحقة، والعامل بالواجبات والتارك للمحرمات، وخصوصاً الكبائر منها، هو صاحب النفس المطمئنة برغم ما قد يصدر عنه من ذنوب قد تاب عنها، وسيرتاح المؤمن حين يقرأ قوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53]، وسيجد في الموت سعادته حين يتحرر من متاعب هذه الدنيا ونعيمها الزائل.
***
مرسلة الاستشارة: عبير.
المجيب عن الاستشارة: الشّيخ محسن عطوي،
عالم دين وباحث ومؤلّف، عضو المكتب الشّرعي في مؤسّسة العلامة المرجع السيّد محمَّد حسين فضل الله(رض).
التاريخ: 5 آذار 2013م.
نوع الاستشارة: دينيَّة.
إستشارة
السَّلام عليكم.
لديَّ ذنوب ومعاصٍ كباقي البشر، والسبب فيها فقدان الأمل في النجاة من العذاب بعد الموت، فالأمر بالنسبة إليَّ كأفلام الرعب الأجنبيَّة.
أنا مؤمنة وملتزمة بالصَّلاة والصِّيام، وأدعو الله دائماً، ولكنَّني أهرب في أغلب الأوقات من الدين وسيرته، حتى لا أتذكر يوم الموت؛ هذا اليوم المرعب الدموي المخيف. سؤالي بالتحديد هو: لو طلبت منك أن تحبّبني بالموت وتجعلني أنتظره وكأنَّه يوم نزهة جميل، أو كأنَّه يوم رحلة جميلة أنتظرها، هل تستطيع ذلك؟ وإن كان هذا من المحال، أرجو عدم الرد بكلمات ترعبني، فلدي من الرعب ما يكفي لهروبي من الدّين. شكراً لك.
وتعليق..
صدور الذنوب من البشر أمر طبيعي ما داموا غير معصومين، ولكنَّ الله تعالى فتح باب التوبة للمذنب، ووعده بقبولها، كما أنه تعالى وعد بقبول التوبة مرة بعد مرة حتى لو تكررت، وقد ورد ذلك في صيغة "غفار"، الَّتي تعني أنه كثير المغفرة، كما في قوله تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى}[طه: 82].
وكذلك، وردت في عدة آيات كلمة "تواب"، التي تعني كثرة قبوله لتوبة عباده، بل إنَّ لفظ تاب ومشتقاتها ذكرت في القرآن الكريم حوالى مئة مرة، بينما وردت كلمة "غفر" ومشتقاتها في القرآن الكريم، أكثر من كلمة "التوبة" بكثير.
ولزيادة الحرص منه تعالى على حث عباده على التوبة وعلى تأكيد قبوله لتوبتهم، فقد حرم اليأس من قبول التوبة في قوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}[الزمر: 53]، حيث يتضح من هذه الآية التي خاطب فيها الله تعالى من كَثرت ذنوبهم ومعاصيهم وأسرفوا في المعاصي، بأن عليهم أن يبادروا إلى طلب التوبة والمغفرة، وأن لا يعيشوا حالة اليأس من المغفرة وقبول التوبة، فإن الله تعالى سيقبل توبتهم ويعفو عنهم، لأنه غفور كثير المغفرة. كذلك، فإن الله تعالى قد فتح للعاصين باباً آخر هو باب الشفاعة، حيث أكدت الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة أنَّ الله تعالى بلطفه ورحمته وكرمه، سيأذن للأنبياء والأوصياء والمؤمنين بأن يشفع بعضهم للبعض الآخر، وخصوصاً لأهل الذنوب الكبيرة.
وعلى هذا الأساس، فإنه لا داعي لأن يعيش المسلم حالة الخوف من العقاب بشكل غير طبيعي، ولا بأن يحولها إلى عقدة تضغط على نفسه وأعصابه، ما دام ثمة فرص عديدة للنجاة من العقاب، من خلال عظيم لطف الله بعباده وعظيم مغفرته وعفوه، وبما سينالنا من شفاعة الشافعين، حيث يجب أن يعيش الأمل والتفاؤل والسعادة بالموت ولقاء الله تعالى.
لا داعي أبداً لأن تعيشي في حالة الرعب المذكورة، ولا بأن تتهمي الدين بأنه السبب المباشر لها، فإننا جميعاً قد قرأنا وسمعنا ما قرأت وسمعت عن العذاب والعقاب والنار، ولكننا لا نعيش ذلك الهاجس المرعب، ولم نتأثر به بالدرجة التي تسحق أعصابنا، بل بقينا بين الخوف والرجاء المتوازنين، ووعينا مدى رحمة الله تعالى وعفوه وطمعنا بها، فملأ قلوبنا الرجاء بالفوز والجنة ولقاء الله تعالى، وصرنا أكثر تقوى وإيماناً وحرصاً على الطاعة، بدل أن نصير، كما تقولين، ممن نفعل المعاصي لأننا فقدنا الأمل بالنجاة من العذاب!! فلماذا لم يفقد معظم الناس الأمل برغم كثرة معاصيهم؟ ولماذا استمروا على إيمانهم وعلى حبّهم للدين، بل ازدادوا إيماناً ولم يعيشوا اليأس بشكلٍ مرضي ومأساوي؟
إنَّ نفس المسلم المؤمن بالله تعالى وبسائر العقائد الحقة، والعامل بالواجبات والتارك للمحرمات، وخصوصاً الكبائر منها، هو صاحب النفس المطمئنة برغم ما قد يصدر عنه من ذنوب قد تاب عنها، وسيرتاح المؤمن حين يقرأ قوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53]، وسيجد في الموت سعادته حين يتحرر من متاعب هذه الدنيا ونعيمها الزائل.
***
مرسلة الاستشارة: عبير.
المجيب عن الاستشارة: الشّيخ محسن عطوي،
عالم دين وباحث ومؤلّف، عضو المكتب الشّرعي في مؤسّسة العلامة المرجع السيّد محمَّد حسين فضل الله(رض).
التاريخ: 5 آذار 2013م.
نوع الاستشارة: دينيَّة.