في حكم الاشتراط في القرض
وفيه مسائل:
ـ يجوز في القـرض أن يشتـرط كـلا المتعاقديين ـ أو أحدهمـا ـ على الآخر ما يشاء من الشروط السائغة إلا ما جر نفعاً مالياً للمقرض نفسه أو لمن يريده المقرض من الأشخاص أو الجهات؛ وعليه فإنه يجوز للمقرض أن يشترط على المقترض أموراً مثل الرهن أو الكفيل، أو أن يدعو بالرحمة لأمواته، أو أن يلتزم ببعض أحكام الشريعة؛ كما يجوز أن يشترط أحدهما أو كلاهما على الآخر تأجيل الوفاء بالقرض إلى مدة معينة، أو التسليم بكيفية معينة أو في مكان معين، ونحو ذلك مما لا يجر نفعاً مالياً؛ أما أن يشترط أحدهما على الآخر ما يجر نفعاً مالياً لنفسه أو لمن يريده من الأشخاص أو الجهات، كأن يشترط عليه دفع نقد أو عين أو القيام بعمل له أو لولده أو لأجنبي أو للمسجد الفلاني أو غير ذلك؛ فهو جائز من المقترض على المقرض، وغير جائز من المقرض على المقترض، بل إنه هو الربا المحرم الذي يصطلح عليه الفقهاء بـ (ربا الدين أو القرض)، واقتصاديو زماننا بـ (الفائـدة)؛ وهو الـذي وعدنـا ـ في مبحث ربا المعاملة ـ بالتعرض له هنا في مبحث الدين.
وزيادة في التوضيح نقول: حيث يحرم على المقرض أخذ شيء زيادة على القرض فإنه لا فرق بين أن تكون الزيادة عينية، كما إذا أقرضه عشرة دراهم مشترطاً إرجاعها إثني عشر، أو تكون عملاً، كأن يشترط عليه خياطة ثوبه زيادة على القرض، أو تكون منفعة، كسكنى دار له أو التصرف بالعين المرهونة عنده، أو ما يشبه ذلك من الزيادات التي تجر نفعاً؛ وكذلك فإنه لا فرق في الزيادة المشترطة على المقترض بين أن تكون للمقرض نفسه أو لشخص أو جهة يريدها المقرض، فلو قال: «أقرضتك عشرة دراهم بشرط أن تهب زيداً درهماً أو تخيط له ثوبه أو تصرفه في عمارة المسجد الفلاني» كان ذلك من الربا المحرم. فإن لم تكن الزيادة مالية ولا تستوجب بذل مال ولا تجر نفعاً مادياً للمقرض ولا لغيره، بل كانت نفعاً أخروياً لا يكلف المقترض جهداً ولا بذل مال، كالدعاء له أو لمن يحب، أو كانت من الشروط التي لها علاقة بطبيعة المعاملة، كاشتراط الرهن أو الكفيل، لم تكن من الربا المحرم.
ـ يعتبر من الزيادة المحرمة ما لو اشترط المقرض أن يبيعه المقترض أو يؤاجره شيئاً بأقل من قيمته، أو أن يشتري من المقرض أو يستأجر منه شيئاً بأكثر من قيمته، وذلك بنحو يكون التعاقد في هذه الموارد على القرض المشروط بمثل هذه الفائدة، كأن يقول له: «أقرضتك مئة دينار بشرط أن تشتري مني هذه السلعة التي تباع في السوق بعشرة دنانير بعشرين ديناراً»، أو ما أشبه ذلك. في حين يجوز الاقتراض مع الزيادة ولكن بطريقة معاكسة لتلك الطريقة، وذلك بأن يكون التعاقد على الشراء بأزيد من ثمن المثل بشرط إقراضه المال، فيقول له: «بعتك هذا الكتاب بعشرين ديناراً ولك عليّ أن أقرضك مئة دينار»؛ ولكن إذا رغب المتقارضان أن يتهربا من الربا بهذه الطريقة لم يجز ذلك منهما ولم يصح إلا إذا كان الشراء جِدِّياً ناتجاً عن الرغبة فيه والحاجة إليه، وإلا فإن كان المقصود الجدي هو الاقتراض بالفائـدة ـ لا نفس الشراء ـ لم يكف ذلك في التخلص من الربا على الأحوط وجوباً.
ـ لا فرق في حرمة الإشتراط بين ما لو كان مصرحاً به في العقد وبين ما لو كان الإشتراط مضمراً بحيث وقع القرض مبنياً عليه، فإن لم يشترط الفائدة، لا صريحاً ولا مضمراً، فلا بأس بأن يفيَ المقترضُ بأزيد مما اقترض، بل يستحب ذلك له، لأنه من حسن الأداء لحقوق الغير؛ بل يجوز أن يكون هدفُ المقترض من دفع الزائد أن يراه المقرضُ حسنَ الوفاء فيتشجع لإقراضه مرة ثانية؛ وفي مقابل ذلك فإنه يجوز للمقرض أن يكون حين إقراضه طامعاً بما يعرفه عنه من دفع الزيادة وحسن الأداء، ويحل له أخذ الزيادة وهو على هذه النية وإن كُره منه ذلك في هذه الحالة بخاصة وفي غيرها أيضاً، بل يستحب له أن يحتسب ما يعطيه المقترضُ إياه بعنوان الهدية، من القرض الذي له عليه.
ـ كما يحرم اشتراط الفائدة وأخذها من قبل المقرض فإنه يحرم قبول اشتراطها ودفعُها من قبل المقترض، إلا أن يقصد في نفسه عدم الالتزام بدفعها إلا مكرهاً، ولا سيما إن كان يتضرر بترك الاقتراض أو يقع في الحرج، وسوف نتعرض لذكر هذه المسألة لاحقاً في أكثر من مورد. (أنظر المسألة: 125).
ـ لا يستثنى على ـ الأحوط لزوماً ـ من حرمة الربا، الربا بين الولد ووالده، ولا بين الزوج وزوجته، ولا بين المسلم والكافر الحربي، بل تحرم المراباة في القرض بين هـؤلاء ـ على الأحـوط لزومـاً ـ كما تحرم بين غيرهم، وذلك بدون فرق بين ما ذكرناه في ربا المعاملة حول ذلك وبين هذا المورد. (أنظر المسألة: «785» من الجزء الثاني).
ـ رغم أن اشتراط الزيادة حرام فإن معاملة الاقتراض لا تبطل بتضمنها لشرط محرم، بل يبطل الشرط وحده ويقع لاغياً، فيملك المقترض ما يأخذه من عين أو نقد وتترتب عليه جميع آثار الملك، فيما لا يملك المقرض الزيادة التي اشترطها إلا أن يرضى المقترض بأخذه لها وتصرفه فيها رغم كونه مضطراً لدفعها أو مكرهاً عليه، بما في ذلك صورة ما لو علم بعدم استحقاق المقرض لتلك الزيادة، فإن طابت نفس المقترض عنها بهذا النحو حلَّت الزيادة للمقرض ـ حينئذ ـ رغم حرمة طلبه لها واشتراطها عليه أساساً.
ـ لا يخفى أن البنوك الربوية المستحدثة في هذا الزمان ترتكز في معظم نشاطاتها المالية على القروض الربوية، ورغم أن كثيراً من الناس مبتلون بالتعامل معها ـ بل ومضطرون أحياناً كثيرة ـ فإن ذلك لا يبيح إيداع الأموال فيها مع شرط الفائدة، سواء كان أهلياً أو حكومياً، وسواء كان إسلامياً أو غير إسلامي، فيحرم أخذ الفائدة منه في هذه الصورة، لكن لو أخذها حلّ له التصرّف فيها مع علمه برضا البنك بأخذه لها على كل حال؛ فإن لم يشترط أخذ الفائدة حين إيداع أمواله فيها بل كان قصده حفظ ماله وصيانته، جاز له الإيداع فيها حتى مع علمه بأن البنك سوف يعطيه الفائدة، لكنه لو لم يعطه البنك الفائدة الموعودة لأيّ سبب من الأسباب لم يجز له المطالبة بها، لأنّه لا يستحقّها.
ومن جهة أخرى فإنه لا يجوز له الاقتراض من البنك بالفائدة، ولا دفعُها له إلا أن يقصد ـ في نفسه ـ حين التعاقد عدم الالتزام بشرط الزيادة، بحيث لو تمكن من عدم الدفع لما دفع، ولكنه حين الاستحقاق ومطالبته بها يدفعها بضغط القانون أو بطيب النفس. ولا سيما إذا تضرر بترك الاقتراض، كما في صورة عجزه ـ بدونه ـ عن تحصيل الحد الأدنى من متطلبات معاشه اللازم له ولعياله، أو وقع ـ بدونه ـ في الحرج الذي يشق تحمله في ما يرجع إلى بعض شؤونه وأعماله وعلاقاته.
هذا، وإننا سوف نتعرض لأحكام أعمال البنوك وما يناسبها لاحقاً في مبحث خاص إن شاء الله تعالى. (
أنظر ص: 215).
في حكم الاشتراط في القرض
وفيه مسائل:
ـ يجوز في القـرض أن يشتـرط كـلا المتعاقديين ـ أو أحدهمـا ـ على الآخر ما يشاء من الشروط السائغة إلا ما جر نفعاً مالياً للمقرض نفسه أو لمن يريده المقرض من الأشخاص أو الجهات؛ وعليه فإنه يجوز للمقرض أن يشترط على المقترض أموراً مثل الرهن أو الكفيل، أو أن يدعو بالرحمة لأمواته، أو أن يلتزم ببعض أحكام الشريعة؛ كما يجوز أن يشترط أحدهما أو كلاهما على الآخر تأجيل الوفاء بالقرض إلى مدة معينة، أو التسليم بكيفية معينة أو في مكان معين، ونحو ذلك مما لا يجر نفعاً مالياً؛ أما أن يشترط أحدهما على الآخر ما يجر نفعاً مالياً لنفسه أو لمن يريده من الأشخاص أو الجهات، كأن يشترط عليه دفع نقد أو عين أو القيام بعمل له أو لولده أو لأجنبي أو للمسجد الفلاني أو غير ذلك؛ فهو جائز من المقترض على المقرض، وغير جائز من المقرض على المقترض، بل إنه هو الربا المحرم الذي يصطلح عليه الفقهاء بـ (ربا الدين أو القرض)، واقتصاديو زماننا بـ (الفائـدة)؛ وهو الـذي وعدنـا ـ في مبحث ربا المعاملة ـ بالتعرض له هنا في مبحث الدين.
وزيادة في التوضيح نقول: حيث يحرم على المقرض أخذ شيء زيادة على القرض فإنه لا فرق بين أن تكون الزيادة عينية، كما إذا أقرضه عشرة دراهم مشترطاً إرجاعها إثني عشر، أو تكون عملاً، كأن يشترط عليه خياطة ثوبه زيادة على القرض، أو تكون منفعة، كسكنى دار له أو التصرف بالعين المرهونة عنده، أو ما يشبه ذلك من الزيادات التي تجر نفعاً؛ وكذلك فإنه لا فرق في الزيادة المشترطة على المقترض بين أن تكون للمقرض نفسه أو لشخص أو جهة يريدها المقرض، فلو قال: «أقرضتك عشرة دراهم بشرط أن تهب زيداً درهماً أو تخيط له ثوبه أو تصرفه في عمارة المسجد الفلاني» كان ذلك من الربا المحرم. فإن لم تكن الزيادة مالية ولا تستوجب بذل مال ولا تجر نفعاً مادياً للمقرض ولا لغيره، بل كانت نفعاً أخروياً لا يكلف المقترض جهداً ولا بذل مال، كالدعاء له أو لمن يحب، أو كانت من الشروط التي لها علاقة بطبيعة المعاملة، كاشتراط الرهن أو الكفيل، لم تكن من الربا المحرم.
ـ يعتبر من الزيادة المحرمة ما لو اشترط المقرض أن يبيعه المقترض أو يؤاجره شيئاً بأقل من قيمته، أو أن يشتري من المقرض أو يستأجر منه شيئاً بأكثر من قيمته، وذلك بنحو يكون التعاقد في هذه الموارد على القرض المشروط بمثل هذه الفائدة، كأن يقول له: «أقرضتك مئة دينار بشرط أن تشتري مني هذه السلعة التي تباع في السوق بعشرة دنانير بعشرين ديناراً»، أو ما أشبه ذلك. في حين يجوز الاقتراض مع الزيادة ولكن بطريقة معاكسة لتلك الطريقة، وذلك بأن يكون التعاقد على الشراء بأزيد من ثمن المثل بشرط إقراضه المال، فيقول له: «بعتك هذا الكتاب بعشرين ديناراً ولك عليّ أن أقرضك مئة دينار»؛ ولكن إذا رغب المتقارضان أن يتهربا من الربا بهذه الطريقة لم يجز ذلك منهما ولم يصح إلا إذا كان الشراء جِدِّياً ناتجاً عن الرغبة فيه والحاجة إليه، وإلا فإن كان المقصود الجدي هو الاقتراض بالفائـدة ـ لا نفس الشراء ـ لم يكف ذلك في التخلص من الربا على الأحوط وجوباً.
ـ لا فرق في حرمة الإشتراط بين ما لو كان مصرحاً به في العقد وبين ما لو كان الإشتراط مضمراً بحيث وقع القرض مبنياً عليه، فإن لم يشترط الفائدة، لا صريحاً ولا مضمراً، فلا بأس بأن يفيَ المقترضُ بأزيد مما اقترض، بل يستحب ذلك له، لأنه من حسن الأداء لحقوق الغير؛ بل يجوز أن يكون هدفُ المقترض من دفع الزائد أن يراه المقرضُ حسنَ الوفاء فيتشجع لإقراضه مرة ثانية؛ وفي مقابل ذلك فإنه يجوز للمقرض أن يكون حين إقراضه طامعاً بما يعرفه عنه من دفع الزيادة وحسن الأداء، ويحل له أخذ الزيادة وهو على هذه النية وإن كُره منه ذلك في هذه الحالة بخاصة وفي غيرها أيضاً، بل يستحب له أن يحتسب ما يعطيه المقترضُ إياه بعنوان الهدية، من القرض الذي له عليه.
ـ كما يحرم اشتراط الفائدة وأخذها من قبل المقرض فإنه يحرم قبول اشتراطها ودفعُها من قبل المقترض، إلا أن يقصد في نفسه عدم الالتزام بدفعها إلا مكرهاً، ولا سيما إن كان يتضرر بترك الاقتراض أو يقع في الحرج، وسوف نتعرض لذكر هذه المسألة لاحقاً في أكثر من مورد. (أنظر المسألة: 125).
ـ لا يستثنى على ـ الأحوط لزوماً ـ من حرمة الربا، الربا بين الولد ووالده، ولا بين الزوج وزوجته، ولا بين المسلم والكافر الحربي، بل تحرم المراباة في القرض بين هـؤلاء ـ على الأحـوط لزومـاً ـ كما تحرم بين غيرهم، وذلك بدون فرق بين ما ذكرناه في ربا المعاملة حول ذلك وبين هذا المورد. (أنظر المسألة: «785» من الجزء الثاني).
ـ رغم أن اشتراط الزيادة حرام فإن معاملة الاقتراض لا تبطل بتضمنها لشرط محرم، بل يبطل الشرط وحده ويقع لاغياً، فيملك المقترض ما يأخذه من عين أو نقد وتترتب عليه جميع آثار الملك، فيما لا يملك المقرض الزيادة التي اشترطها إلا أن يرضى المقترض بأخذه لها وتصرفه فيها رغم كونه مضطراً لدفعها أو مكرهاً عليه، بما في ذلك صورة ما لو علم بعدم استحقاق المقرض لتلك الزيادة، فإن طابت نفس المقترض عنها بهذا النحو حلَّت الزيادة للمقرض ـ حينئذ ـ رغم حرمة طلبه لها واشتراطها عليه أساساً.
ـ لا يخفى أن البنوك الربوية المستحدثة في هذا الزمان ترتكز في معظم نشاطاتها المالية على القروض الربوية، ورغم أن كثيراً من الناس مبتلون بالتعامل معها ـ بل ومضطرون أحياناً كثيرة ـ فإن ذلك لا يبيح إيداع الأموال فيها مع شرط الفائدة، سواء كان أهلياً أو حكومياً، وسواء كان إسلامياً أو غير إسلامي، فيحرم أخذ الفائدة منه في هذه الصورة، لكن لو أخذها حلّ له التصرّف فيها مع علمه برضا البنك بأخذه لها على كل حال؛ فإن لم يشترط أخذ الفائدة حين إيداع أمواله فيها بل كان قصده حفظ ماله وصيانته، جاز له الإيداع فيها حتى مع علمه بأن البنك سوف يعطيه الفائدة، لكنه لو لم يعطه البنك الفائدة الموعودة لأيّ سبب من الأسباب لم يجز له المطالبة بها، لأنّه لا يستحقّها.
ومن جهة أخرى فإنه لا يجوز له الاقتراض من البنك بالفائدة، ولا دفعُها له إلا أن يقصد ـ في نفسه ـ حين التعاقد عدم الالتزام بشرط الزيادة، بحيث لو تمكن من عدم الدفع لما دفع، ولكنه حين الاستحقاق ومطالبته بها يدفعها بضغط القانون أو بطيب النفس. ولا سيما إذا تضرر بترك الاقتراض، كما في صورة عجزه ـ بدونه ـ عن تحصيل الحد الأدنى من متطلبات معاشه اللازم له ولعياله، أو وقع ـ بدونه ـ في الحرج الذي يشق تحمله في ما يرجع إلى بعض شؤونه وأعماله وعلاقاته.
هذا، وإننا سوف نتعرض لأحكام أعمال البنوك وما يناسبها لاحقاً في مبحث خاص إن شاء الله تعالى. (
أنظر ص: 215).