ويقع في مسائل نذكرها تحت عنوانين:
1ـ أحكام الأداء:
م ـ331: يستحقّ العامل الجعالة عند أدائه للعمل بالنحو المنصوص عليه، فإن كان النص على إيصال الحيوان الشارد مثلاً إلى البلد استحقّ الجعل بالإيصال إلى البلد ولو لم يتسلمه منه أحد؛ وإن كان الجعل على تسليمه باليد لصاحبه لم يستحق الجعل إلا عند تسليمه له بيده، وهكذا لو كان الجعل مثلاً على خياطة الثوب فخاط بعضه ولم يتمه، لم يستحق شيئاً على الجاعل إلا أن يكون الجعل على الكل موزعاً على أجزائه، كما لو جعل شيئاً معيناً لمن يساعده في حفر هذه القناة جميعها أو بعضها، إما بالنص على ذلك أو من خلال ما هو متعارف في أمثاله، فإن العامل ـ حينئذ ـ يستحق من العوض بنسبة ما أنجز من العمل.
م ـ332: إذا لم يشترط الجاعل مباشرة العامل للعمل بنفسه فإن العامل يستحق تمام الجعل عند إنجاز العمل حتى لو شاركه غيره فيه تبرعاً أو بأجرة، بل حتى لو استقل غيره بالعمل بطلب من المجعول له تبرعاً أو بإجارة أو جعالة، فإن المجعول له الأول يستحق تمام الجعل على الجاعل الأول الذي هو صاحب الحاجة المفقودة مثلاً، كذلك فإن المجعول له الثاني يستحق على المجعول له الأول ما وعده به من جعل، وهنا يجوز للأول أن يعطي الثاني جعلاً أقل مما سيأخذه من الجاعل الأول؛ وكذلك الحكم لو كان المجعول له قد استأجر عاملاً لينجز العمل المجعول عليه.
هذا فيما لو لم يشترط الجاعل المباشرة، أما إذا اشترط المباشرة وخصه بالجعل فلا تبطل الجعالة إذا شاركه غيره، بل يسقط من الجعل بمقدار ما عمل الشريك، أما الشريك فلا يستحق أجرة على المجعول له، لأنه لا يحق له إشراك غيره معه، ولا على الجاعل، لأن الجعل من قبله لم يكن موجهاً للشريك، فيكون بمنـزلة المتبرع، نعم إذا كان المجعول له قد أوهمه وخدعه فإنه يضمن حينئذ تعب ذلك الشريك المغرور الذي يحق له الرجوع بأجرة مثل عمله على من غره.
م ـ333: إذا قام شخص بعمل لآخر بدون علمه قاصداً به التبرع، فجعل ذلك الآخر جعلاً لمن يؤدي له ذلك العمل، لم يكن لذلك المتبرع مطالبة الجاعل بشيء، سواء كان قيامه بالعمل قبل الجعالة أو بعدها.
م ـ334: لما كانت الجعالة إيقاعاً يمكن توجيهه إلى مطلق القادر على الفعل، فإنه ـ حينئذ ـ قد يبادر أكثر من عامل لأدائه وإنجازه، فإذا بادروا وأنجز كل واحد تمام العمل، كما في مثل سقاية الزرع وبذر البذار وتطهير الثوب ونحو ذلك من الأمور المستترة التي يمكن فعلها مرة ثانية دون الالتفات إلى أن العمل قد أنجز قبل ذلك، فإنه يستحق كل واحد منهم على الجاعل تمام الجعل؛ وأما إذا أنجز كل واحد منهم جزءاً منه فإنه الجعل بينهم بنسبة ما عمل كل واحد منهم.
م ـ335: إذا أخبره مخبر بأن فلاناً قد جعل جائزة لمن رد له سيارته الضائعة، فسعى وردّها لصاحبها، وتبين له أن صاحب السيارة لم يكن قد جعل شيئاً على ذلك، فليس للواجد أن يُلزم صاحب السيارة بشيء، بل ولا ذلك المخبر الذي تبين كذبه أو اشتباهه إذا لم يفد قوله الاطمئنان ولا كان بينة شرعية، وإلا فإن كان قد حصل له الاطمئنان، أو كان المخبر شخصين عادلين، فإن على المخبر في هذه الحالة تحمل مسؤولية قوله ودفع أجرة المثل لذلك الواجد.
2 ـ حكم التنازع وأثر الفسخ أو البطلان:
م ـ336: قد يقع نزاع بين المالك والعامل حول الجعالة من جهات مختلفة، وتفصيلها كما يلي:
1 ـ إذا حصل التنازع بينهما على أصل إيقاع الجعالة وعدمها، أو على نوع العمل المجعول عليه، أو على جنس الجعل، أو على مقدار العمل المطلوب، فإن القول في هذه الأمور ونحوها قول المالك مع يمينه.
2 ـ إذا تنازعا على مقدار الجعل فالقول قول منكر الزيادة مع يمينه.
م ـ337: قد ظهر مما سبق حكم بعض حالات بطلان الجعالة الناتجة عن خللٍ في شروط العقد وأركانه، ومن المفيد هنا ذكر ما يمكن أن يكون قاعدة عامة فنقول:
أولاً: قد ذكرنا أن الجعالة غير لازمة، وأن بإمكان كل من الطرفين فسخها والتراجع عنها عدا ما استثنيناه، وحيث يتراجع أحدهما بعدما كان العامل قد أنجز شيئاً من العمل فإنّ له من الجعل بنسبة ما أنجز إجمالاً.
ثانياً: في كل حالة تقع الجعالة فيها باطلةً على عمل محرم أو عابث لا يكون ما أنجزه العامل من العمل محترماً، فلا يستحق الجعل على الجاعل، بل ولا أجرة المثل. وفي كل حال تبطل فيها الجعالة لغير ذلك من الأسباب التي يكون فيها جهد العامل محترماً، وكان قد أقدم على العمل بمقتضى الجعالة جهلاً منه بالبطلان أو انخداعاً منه بتزيين الجاعل أو غيره، فإن للعامل في مثل هذه الحالات أجرة مثل عمله بنسبة ما أنجز منه، ويضمن ذلك له إما الجاعل أو مَنْ غرّه، على حسب قواعد (الضمان).