يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {إنما يريد الله ليُذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً}. من أهل هذا البيت سيدتنا فاطمة الزهراء(ع)، التي مرّت ذكرى ولادتها قبل يومين. هذه الإنسانة التي عاشت طفولتها مع رسول الله(ص)، وانطلق شبابها معه، كانت تمثّل الطهر كأعظم ما هو الطهر، والصفاء كأصفى ما يكون، وكانت تتمثل في عقلها عقل رسول الله المنفتح على الحقيقة وعلى الثروة الفكرية، وفي روحها روح رسول الله التي ارتفعت في روحانيتها إلى مواقع القرب من الله عزّ وجلّ، كما أنها ـ وهي التي لم تتعدَّ، حسب أشهر الروايات الثمانية عشر ربيعاً من عمرها ـ كانت الإنسانة المعصومة في فكرها، فلم يخطىء لها فكر، وفي عاطفتها فلم تنحرف لها عاطفة، وفي كلماتها وفي كل سلوكياتها، فكانت الحق كله.
هذه الإنسانة التي ارتفعت في ميزان القيم، فاستحقت في كل القيم الروحية والأخلاقية والإنسانية والعملية، أن تكون سيدة نساء العالمين، وفي رواية "سيدة نساء أهل الجنة"، وهذه صفة ليست عادية؛ إنها تؤكد معنى كل هذه العصمة في حياتها، لأنها عندما تكون سيدة نساء أهل الجنة، فإننا نعرف أن هناك نساءً بلغن أعلى الدرجات في القيم الروحية، وفي طاعة الله عزّ وجلّ، فإذا كانت السيدة الزهراء(ع) سيّدتهن، فأيّ موقع عظيم تملكه هذه السيدة العظيمة.
أمُّ أبيـها:
عاشت(ع) طفولتها مع رسول الله(ص) لأنها فقدت أمها مبكراً، فكان النبي(ص) أباها وأمها، وعندما انفتحت في طفولتها على أبيها، وهو يعاني من المشركين، كانت تسير معه وهي الطفلة التي تدرج. وينقل تاريخها أن المشركين كانوا يأتون إلى رسول الله(ص)، فيضعون على ظهره أمعاء الشاة، فكانت(ع) تأتي وهي تبكي لتزيل ذلك عن أبيها، كانت ـ كما يذكر لنا كتّاب سيرتها وسيرة أبيها ـ تعطي رسول الله(ص) وهو ابن الخامسة والأربعين، من كل قلبها الطاهر، أعمق المشاعر والعواطف، وهو الذي فقد حنان الأمومة وعاطفتها في أول سنيّ عمره، فكانت تعوّضه عما فقده، حتى قال عنها: "إنها أم أبيها"، كأنه(ص) شعر أن أمه بُعثت في شخص الزهراء(ع)، من حيث دفق العاطفة والحنان. فأية عاطفة هي هذه العاطفة التي تنساب في شخصية رسول الله ليستعيد أمه في ابنته؟ إنها الكلمة العظيمة جداً، والتي تعطي المعاني الكبيرة.
لا كفؤ لفاطمة إلا عليّ:
وقد عاشت مع رسول الله(ص) في مكة، وكان عليّ(ع) معها في طفولتها الأولى، ولذلك كنا نعبّر أنهما "كانا تلميذين لرسول الله في القسم الداخلي"، فكان(ص) يعلّم فاطمة كما يعلّم عليّاً، ولذلك كانت(ع) تملك العقل والروح اللّذين كان يملكهما علي(ع)، ولذا ورد في الحديث: "لولا عليّ لم يكن لفاطمة كفؤ"، لأن الكفاءة ليست كفاءة النسب، فقد كان لرسول الله أبناء عم، ولكنها كانت كفاءة العقل والروحانية والطهر والنقاء والصفاء والعصمة. وتقول السيرة، إنّ فاطمة(ع) خُطبت من كبار الصحابة، ولكنّ النبي(ص) كان يقول: "إني أنتظر أمر ربي"، وقد كان له عدة بنات، وزوّجهن، ولكن فاطمة(ع) كانت مميزة عنهنّ. وعندما جاء عليّ(ع) ليخطبها، ولم يكن له مال، أشرق وجه رسول الله، واستجاب له، لأنه يعرف معنى عليّ في معنى فاطمة وسرّ فاطمة في سرّ علي، ولم يكن لعليّ(ع) إلا درع، فأخذه النبي وباعه، وكان مهرها، وهو عبارة عن خمسمائة درهم ـ ليس كهذه الأيام ـ لأن المهر ليس ثمن المرأة وليس ضمانتها، فالله تعالى عبّر عنه: {وآتوا النساء صدقاتهن نِحلة}، والنحلة هي العطية والهدية.
وجاء الأمر لرسول الله(ص) من ربه، بأن يزوّج علياً لفاطمة، فكان بيتها بيتاً لأبيها. وينقل المؤرخون عن هذه العلاقة بين رسول الله وبين ابنته ـ وهي التي تشبه أباها هدياً وخُلقاً وسمتاً، وكانت مشيتها لا تخطئ مشية رسول الله ـ أنها كانت إذا دخلت عليه، قام رسول الله فقبّل يدها وأجلسها مجلسه، وإذا دخل عليها رسول الله(ص)، قامت الزهراء(ع) فقبّلت يده وأجلسته مجلسها. هناك حالة روحية لا نستطيع أن نعبّر عنها في علاقة الزهراء(ع) برسول الله(ص)، لأنها لم تكن مجرد جسد، كانت روحاً تسمو وتصفو وترق وتنفتح، هذه هي الزهراء(ع)، كأنها تذوب روحانيةً وصفاءً وطهراً. ولذلك كان رسول الله(ص) يجد فيها نفسه، كأنها ذابت في رسول الله، ووجد فيها الإنسانة التي تمثل عقله وروحه على الرغم من صغر سنها، ويقول أمير الشعراء أحمد شوقي وهو يتحدث عن علاقة النبي بابنته:
ما تمنى غيرها نسلاً ومن يلد الزهراء يزهد في سواها
ثم عاشت مع عليّ(ع) كأعظم ما تكون الحياة الزوجية، ولذلك عند وفاتها قالت له: "ما عهدتني كاذبةً ولا خائنة ولا خالفتك منذ عاشرتني"، وكان عليّ(ع) يقول عنها، وهو يمثل انسجامهما الزوجي، أنها "كانت تطيعني في كل شيء، ولم تخالفني في شيء"، لأنها كانت تفهم معنى عليّ، فهو ليس مجرد زوج، ولكنه يمثل القمة في كل شيء؛ القمة في العلم والروح والجهاد والخلق، كان(ع) الإنسان الذي لم يجد رسول الله(ص) في كل صحابته من يستحق أن يكون خليفته غيره، لأنه كان يحمل كل علم رسول الله: "علّمني رسول الله ألف باب من العلم، فتح لي من كل باب ألف باب"، ويقول(ص): "أنا مدينة العلم وعليّ بابها"، وهو الذي كان حاضن عليّ ومعلِّمه، فيتّبعه "اتباع الفصيل أثر أمه".
لذلك، كانت الزهراء(ع) تعرف معنى عليّ(ع)، وقد عاشا كأفقر ما يعيشه زوجان، كان عندهما جلد كبش يفرشانه وينامان عليه، وكان عليّ(ع) يقول: "استقت بالقربة حتى أثّر في صدرها، وطحنت بالرّحى حتى مجلت يداها، وكسحت البيت حتى اغبرّت ثيابها... فقلت لها: لو أتيت أباك فسألتيه خادماً..."، فذهبا إلى رسول الله، وعرف منهما ذلك، فقال(ص): "أفلا أعلمكما ما هو خير لكما من الخادم"؟ قالا: "بلى يا رسول الله"، فقال: "إذا أخذتما منامكما، فكبّرا أربعاً وثلاثين مرة، وسبِّحا ثلاثاً وثلاثين، واحمدا ثلاثاً وثلاثين"، قالا: "رضينا عن الله ورسوله". أعطاهما شيئاً من الروح وذكر الله، كأنه يقول لهما: كبّرا الله واحمداه وسبّحاه، فإنه هو الذي يفرّج عنكما.
كانت(ع) تفهم كل ما يفكر به رسول الله(ص) قبل أن يتكلم به، وينقل المؤرخون عن النبي(ص)، أنه كان إذا سافر، فبيت فاطمة آخر البيوت عهداً به، وإذا عاد كان بيت فاطمة أول البيوت عهداً به. وعند عودته من بعض أسفاره، دخل على بيت فاطمة، فوجد كساءً على الدار فرجع، فاستغربت الزهراء(ع)، وعرفت أنّ الذي أثقل النبي(ص) هو الكساء الذي كان من نصيب عليّ من الحرب، فأعطت الستار لولديها الحسن والحسين(ع) وقالت لهما: "انطلقا إلى أبي، فأقرئاه السلام، وقولا له: ما أحدثنا بعدك غير هذا، فشأنك به"، ووصل الحسنان(ع) إلى المسجد، وصعدا إلى المنبر، وأعطيا الكساء لجدهما، فاندفع رسول الله(ص) أمام المسلمين وهو يقول: "فداها أبوها، فداها أبوها، فداها أبوها، ما لآل محمد وللدنيا إنهم خُلقوا للآخرة".
القرآن يكرِّم أهل البيت(ع)
وقد كرّمها القرآن الكريم، حيث جعلها من أهل البيت الذين أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، وهذه الآية هي دليل عصمة هؤلاء الأطهار؛ عصمة عليّ وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)، ومن هنا نؤكد على عصمة الزهراء(ع)، وإن كان بعض المفترين ينسبون إلينا بأننا لا نقول بعصمتها(ع). وقد أنزل الله تعالى فيها وفي عليّ(ع) قرآناً عندما تصدّقا بطعامهما: {ويُطعمون الطعام على حبّه مسكيناً ويتيماً وأسيراً* إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً}، وقدّمها النبي(ص) في المباهلة مع نصارى نجران، وعاشت وربت الحسنين، وكانت(ع) تعلّم نساء المهاجرين والأنصار، ووقفت إلى جانب علي تدافع عن حقّه، ومن ذلك، الخطبة التي ألقتها في مسجد رسول الله(ص)، والتي تتميّز بالأبعاد الثقافية الإسلامية، وبالموقف القويّ، والشجاعة في مواجهة الأنصار والمهاجرين آنذاك، ولم يكن للزهراء أيّ هم إلا الدفاع عن حق عليّ(ع)، لأنه كان إمامها، وكانت تقول لنساء المهاجرين والأنصار: "أصبحت والله عائفةً لدنياكن، قالية لرجالكن... وما الذي نقموا من أبي الحسن؟! نقموا منه والله نكير سيفه، وقلة مبالاته بحتفه".
كانت قوية بالحق، حتى إن عليّاً(ع) ـ كما تقول بعض كتب السيرة ـ كان يطوف بها على جموع المهاجرين والأنصار لتدافع عن حقه أمام الذين سلبوا حقه، لأنها كانت تحمل مسؤولية الإسلام.
نحن نريد للمرأة المسلمة ألاّ تكون الزهراء(ع) عندها مجرد دمعة، بل أن تكون قدوةً في الفكر والروح والجهاد في سبيل الحق، وأن تمتلك شجاعة الموقف وصلابته. إن المشكلة أن كثيراً من الناس صغّروا صورة الزهراء، حتى أصبحت عندهم مجرد مناسبة للبكاء، ولكنّها سيدة النساء، والطاهرة المعصومة، وعلى النساء أن يقتدين بها. صحيح أنّ العاطفة في تذكّر أهل البيت(ع) مقدّسة، ولكن أهل البيت(ع) أكبر من العاطفة، وهم الذين حملوا الإسلام رسالة وضحوا وجاهدوا في سبيله، فإذا أردنا أن نتولاّهم، فإن من شرط ذلك أن نسير بسيرتهم، ونعمل عملهم، وهذا ما عبّر عنه عليّ(ع): "ألا وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، ومن طعمه بقرصيه، ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك، ولكن أعينوني بورع واجتهاد، وعفّة وسداد".
في ذكرى ولادة الزهراء(ع)، نريد للمرأة المسلمة أن تولد عقلاً وروحاً وفكراً وعاطفةً وصلابةً وشجاعةً وجهاداً، والزهراء(ع) ليست قدوةً للمرأة، ولكنها قدوة للمسلمين جميعاً، وعلينا أن نعيش مثل هذه الروح، ونعرف أن الزهراء(ع) كانت تفكر بالمؤمنين والمؤمنات قبل أن تفكر بنفسها. ينقل عنها ولدها الحسن(ع)، أنها كانت تقوم الليل حتى تتورّم قدماها، وكانت تدعو للمؤمنين والمؤمنات ولا تدعو لنفسها، وهي الضعيفة النحيلة، فقال لها: "يا أماه، لم لا تدعين لنفسك؟"، فقالت(ع): "يا بني، الجار ثم الدار".
هذا هو سرّ أهل البيت(ع): {إنما يريد الله ليُذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً}، هم الطهارة كلها، والصفاء كله، والروحانية كلها، فسلام الله عليهم، ورزقنا الله شفاعتهم في الدنيا والآخرة.
الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
عباد الله... اتقوا الله، وواجهوا الموقف بالكثير من التركيز والوحدة، والشجاعة والصلابة في الموقف في مواجهة أعداء الله ورسوله، لأن الموقف الذي نعيشه يمثل الكثير من الأوضاع الصعبة القلقة التي يُراد من خلالها إسقاط الواقع الإسلامي كله، وعلينا أن نظل في مسؤولياتنا في كل ما يوجَّه إلينا من تحديات هنا وهناك على جميع المستويات.
شارون: إثارة الغرب لضرب مواقع الممانعة
ماذا في جديد شارون؟ إنه يعلن أن على المجتمع الحرّ أن يتوحَّد ضد ما يسمّيه الإرهاب الإسلامي، ليعلن على هذا "الإرهاب" حرباً بلا هوادة، ويعرض على مصر التعاون معها في ذلك، وهو يقصد به مقاومة الفصائل الفلسطينية لاحتلاله، وقتل الفلسطينيين واعتقالهم وتدمير بنيتهم، في الوقت الذي يمتنّ عليهم وعلى العالم بانسحابه من غزة، الذي يهدف من ورائه إلى الاستيلاء على معظم أراضي الضفة الغربية ـ بما فيها القدس ـ من خلال المستوطنات والجدار الفاصل، وتجميد الحل التفاوضي النهائي، متذرِّعاً باشتراط ضرب الانتفاضة من قِبَل السلطة في حرب أهلية فلسطينية.
وهو في زيارته لفرنسا، يطالب بإنقاذ إسرائيل من المقاومة الإسلامية في لبنان، في الوقت الذي يعرف الجميع ـ والأمم المتحدة ـ أنها هي التي تخترق سيادة لبنان يومياً بطائراتها، وتحتل قسماً من أراضيه في مزارع شبعا، ولكنه يحاول دائماً أن يأخذ دور الضحية في كل إجرامه الاحتلالي الوحشي.
ومن جانب آخر، فإنه يطالب فرنسا، والاتحاد الأوروبي من خلالها، بالضغط على إيران في مشروعها النووي السلمي، الذي يخاف من تحوّله إلى مشروع نووي عسكري، مع علم الجميع أن إيران قد اعترفت بلجنة حظر التجارب الذرية ووقّعت على الاتفاق، بينما لم تعترف إسرائيل بها ولم توقّع عليه، وهي التي تملك ترسانة نووية هائلة، من دون أن نرى أيّ تحفّظ أو استنكار من قِبَل الدول الغربية في أمريكا وأوروبا، فضلاً عن الدعوة إلى محاسبتها على ذلك، فيما لا تزال تحتل الأراضي الفلسطينية، وتعتدي على الشعب الفلسطيني، وتهدد كل الدول العربية، وتصعّد من تهديداتها بقصف المفاعلات الإيرانية.
ومن المضحك أن يصرّح شارون بأن فرنسا "تتفهّم خطر حزب الله وسوريا على إسرائيل"، مع العلم بأنها هي الخطر على لبنان وسوريا في احتلالها لبعض أراضيهما، وتهديدها المستمر لأمنهما.
ومن اللافت حديث المسؤولين الفرنسيين عن معاداة السامية، وهو الشعار الذي ترفعه إسرائيل ضد كل الذين يعارضون سياستها، بينما ينطلق من جديد، بأساليب متنوّعة في أبعادها السياسية والثقافية والإعلامية، مشروع معاداة الإسلام، هذا الذي حذّر منه سابقاً الأمين العام للأمم المتحدة، ولكن هذا المشروع لا يزال يتفاعل في الغرب، مستغلاً بعض الأعمال التفجيرية التي يقوم بها فريق من الناس الإرهابيين، في ظل استنكار الأكثرية الإسلامية في العالم.
إن على العالمين العربي والإسلامي في هذه المرحلة التي يواجهان فيها الحرب من أكثر من جانب، ولا سيما في تجدد خطر الاحتلال ضد شعوبهما بشكل مباشر أو غير مباشر، اليقظة والحذر والوعي لكل الخلفيات الكامنة وراء الواقع، من أجل عملية الإنقاذ الشامل التي أصبحت تمثل مسألة الوجود على أكثر من صعيد سياسي وأمني واقتصادي وإعلامي وثقافي.
هذا مع الالتفات إلى الساحة الفلسطينية في إدارة مسألة الانسحاب من غزة، لكي لا تتحوّل إلى حيلة إسرائيلية تساندها أمريكا لتصفية القضية الفلسطينية التي هي سرّ الخلاص والمصير للعروبة والإسلام معاً، وعلى الفلسطينيين أن يملكوا وعي الوحدة في الموقف والحركة والتخطيط، لتبقى القضية حيّة صامدة بصمود الشعب كله، واللجوء إلى الحوار الموضوعي العقلاني الواعي في كل ما يختلفون حوله.
الإرهاب: جذوره السياسة الاستكبارية
وإذا كان الإرهاب لا يزال يتحرك بالوسائل الوحشية التي يسقط فيها الأبرياء في البلاد الإسلامية وغيرها، بفعل الاحتلال وردود الفعل عليه، فإنّ علينا مواجهة الموقف بالمزيد من الوعي والتخطيط، وتأكيد أن جذور هذه الظاهرة الشريرة تنطلق من خلال السياسة الاستكبارية التي فرضت نفسها على الواقع الإسلامي، نتيجة الضغط على الشعوب في قضاياها الحيوية والمصيرية، بما يزيد من إرباك القضية ولا يحلّ أيّ مشكلة. ولذا، فلا بد من التركيز على أنّ السياسة الاستكبارية هي أساس المشكلة، وما يستتبع ذلك من ردود فعلٍ، ليعرف الجميع أن القوة ليست حلاً، بل معالجة الجذور هي التي تساهم في رفع الخطر، ومنها مسألة الاحتلال في فلسطين والعراق.
إن المشكلة التي نواجهها هي إرهاب الدولة المتمثل في أمريكا وإسرائيل، إضافة إلى إرهاب الأفراد المتخلّفين في ذهنياتهم وأعمالهم، وعلينا أن نبقى رافضين كلياً لاعتبار المقاومة من أجل التحرير إرهاباً، لأنها تمثل حركة تحرير الأرض والإنسان.
العراق: الأخذ بأسباب الحوار
ويبقى العراق يعاني من نزيف الدم الذي يتفجّر من أجساد الأبرياء، ومن الاحتلال الذي يراوغ في استمرار قواته في العراق لتحقيق خططه الاستراتيجية لحماية مصالحه العامة، بعيداً عن مصلحة الشعب العراقي الذي تحوّلت ساحته إلى ساحة للإرهاب المتنوّع، وإلى العناوين الطائفية التي يخطط فيها الأعداء لفتنة مذهبية، وحرب أهلية، وفوضى أمنية تأكل الأخضر واليابس، الأمر الذي يدفع المخلصين إلى رفع الصوت عالياً، وعلى العراقيين أن يأخذوا بأسباب الوعي والوحدة التي هي خشبة الخلاص التي يعبرون فيها إلى مستقبل الحرية والانفتاح في أوضاعهم العامة والخاصة، واعتبار الحوار هو الأسلوب الوحيد الذي يحلّون فيه مشاكلهم المتنوّعة.
لبنان: محاولات إثارة الفتن
أما لبنان، فإنه يتعرّض لبعض أوضاع إثارة الفتنة العمياء، بما يثيره البعض من خفافيش الظلام من مشاعر الحقد الأسود في الدائرة الإسلامية التي لا تزال تواجه الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، والاحتلال الأمريكي في العراق، والاستكبار العالمي في أكثر مواقع الممانعة في العالم العربي والإسلامي، من أجل إشغال المسلمين ـ ومن خلالهم اللبنانيون ـ بالفتنة المذهبية والطائفية لتذهب ريحهم القوية هباء. إننا نحذّر الجميع من هذه الأصوات الناشزة، والوساوس الشيطانية الخفية التي يثيرها أكثر من وسواس خنّاس.