ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين ، ومما جاء في خطبته الأولى :
في هذا الأسبوع مناسبتان دينيتان حيويتان؛ ولادة إمام وولادة نبي، أما الإمام فهو الإمام علي بن موسى الرضا(ع)، الذي صادفت ذكرى ولادته في الحادي عشر من شهر ذي القعدة، وأما النبي فهو السيد المسيح عيسى بن مريم، الذي تصادف ذكرى ولادته في الخامس والعشرين من شهر كانون الأول، بحسب ما هو معروف ومشهور.
الارتفاع بالقيم الإنسانيّة والروحانيّة
ولا بد لنا أن نقف أمام هاتين المناسبتين من أجل أخذ الدرس والعبرة، والارتفاع إلى القيم الروحية التي يمثلها هذا النبي(ع) وهذا الإمام(ع). فنحن عندما نلتقي بالإمام الرضا(ع)، فإننا نلتقي بالإمام الذي كانت حياته متحركة في أكثر من جانب من جوانب الأمة الإسلامية، من الناحيتين العلمية والروحية، فقد ملأ المرحلة التاريخية التي عاشها علماً وروحاً وحركة وتقوى، بحيث إننا عندما نقرأ تراثه، فإننا نشعر بأننا نرتفع بإنسانيتنا وبروحانيتنا، كما نرتفع بثقافتنا.
وما ينبغي لكل الذين يلتزمون ولاية أهل البيت(ع)، أن ينفتحوا على كل ما تركوه من تراث يغني عقل الإنسان ويفتح قلبه ويفجّر طاقاته، من أجل الإنسان والحياة كلها. وهناك بعض الخصوصيات في حياة الإمام الرضا(ع)، وهي اختيار الخليفة العباسي المأمون له لولاية العهد، التي رفضها في البداية، لأنه لم يجد أنها تحمل عناصر الجديّة بالمستوى الذي يمكن له أن ينفّذ فيه مشروعه الإسلامي، ليؤكد خط أهل البيت(ع) ومنهجهم في خط الإسلام ومنهجه، لأنها كانت ناشئة من بعض التعقيدات التي أحاطت بالصراع الذي حدث في داخل الخلافة العباسية بين المأمون وأخيه الأمين، وبين بني العباس الذين وقفوا إلى جانب أخيه ضده، ولكن الإمام(ع) عاد وقَبِل ذلك، من أجل أن يعطي صورة حيّة للآفاق الروحية العلمية التي تتمثل في منهج أهل البيت(ع).
أفضـل المعـاش
ونحن في هذا الموقف، نحاول أن نختصر الحديث بأن نأخذ من بعض تراث هذا الإمام، ما يمكن أن يرفع مستوانا الروحي والعقلي، ويجعل من كل واحد منا إنساناً يشعر بأن ما يملكه من طاقات، سواء كانت طاقاتِ علمٍ أو خبرةٍ أو قوةٍ أو جاهٍ، أنها أمانة الله عنده، وأن أفضل العيش، هو أن يفجّر الإنسان طاقاته، وأن لا يكون أنانياً بها، بحيث يشعر الناس الذين يعيشون معه، بأنه استطاع أن يرفع مستواهم ويغني عقولهم وقلوبهم.
سئل الإمام الرضا(ع): من أحسن الناس معاشاً؟ قال(ع): "من حَسُن معاش غيره في معاشه"، من عاش واستطاع من خلال عناصر عيشه في كل طاقاته، أن يحسّن ظروف الناس وعيشهم، ويحلّ مشكلاتهم ويفتح لهم أبواب الأمل والتقدم والخير في كل مجالات الحياة، قالوا: ومن أسوأ الناس معاشاً؟ قال(ع): "من لم يعش غيره في معاشه"، الأناني الذي لا يفكر إلا بنفسه، فلا يعطي علمه وخبرته وقوته لأحد، لأنه يعيش في زنزانة ذاته.
مصادقـة العقـل
وفي كلماته(ع) وهو يتحدث عن الصدقة الأفضل، قال: "عونك الضعيف أفضل الصدقة"، قد تتصدّق على إنسان بمال وما أشبه ذلك، ولكن عندما تجد إنساناً ضعيفاً أو أمةً ضعيفة، وتعين هذا الضعيف بما تملكه من عناصر القوة، فإن ذلك يمثل صدقة من أفضل الصدقات، لأنك عندما تعطي القوة للضعيف، فقد أعطيته ما يؤصّل إنسانيته.
ومن كلماته(ع): "صديق كل امرئ عقله". هذه الكلمة التي تقول للإنسان: عليك أن تصادق عقلك، أن يكون عقلك رفيقك، بحيث تستشيره في كل ما تنشئه من علاقات وما تبرمجه من مشاريع، لأن عقلك هو الذي يميّز بين الحسن والقبيح، وبين الضار والنافع، وبين الخير والشر.
ونلتقي بوصيته(ع) لأوليائه الذين يلتزمون خط أهل البيت(ع)، كيف يكون المجتمع الولائي الإمامي الذي ينفتح على خطهم(ع)، ومن الطبيعي أن خطّهم ليس بدعاً من الخطوط، بل هو خط الإسلام الأصيل، ولذلك فهي وصية لكل المسلمين. استمعوا إليه وهو يوصي عبد العظيم الحسني، وهو من العلماء الكبار الذين عاشوا مع الإمام الرضا(ع)، يقول(ع): "يا عبد العظيم، أبلغ عني أوليائي السلام، وقل لهم ألا يجعلوا للشيطان على أنفسهم سبيلاً ـ أن لا يتبعوا خطوات الشيطان في ما يخطط له من العداوة والبغضاء والانحراف عن الخط المستقيم، بل أن ينفتحوا على الله في خط رسله ومنهج وحيه ـ ومرهم بالصدق في الحديث ـ كونوا الصادقين لأن نبيّكم وأئمتكم كانوا الصادقين، فلا تأخذوا بأسباب الكذب ـ وأداء الأمانة، ومرهم بالسكوت وترك الجدال في ما لا يعنيهم ـ إذا أرادوا أن يتكلموا فعليهم أن يتكلموا، بما يحتاجونه من الكلام في شؤون العقيدة والشريعة وشؤون الحياة في ما ينتفعون به، وليبتعدوا عن كل كلام لغو ـ وإقبال بعضهم على بعض ـ كونوا المجتمع الذي ينفتح بعضه على بعض في المواصلة والمباذلة ـ والمزاورة، فإنّ ذلك قربةٌ إليّ، ولا يشغلوا أنفسهم بتمزيق بعضهم بعضاً ـ فهل طبقنا هذه الوصية؟ إننا مشغولون طائفياً وحزبياً وشخصانياً ومرجعياً بتمزيق بعضنا بعضاً ـ فإني آليت على نفسي أنه من فعل ذلك ـ من عاش في خط تمزيق المجتمع ـ وأسخط وليّاًَ من أوليائي، دعوت الله أن يعذّبه في الدنيا أشد العذاب، وكان في الآخرة من الخاسرين ـ ومشكلة البعض أنهم يذهبون إلى زيارة الإمام الرضا(ع)، ولكنهم يمزقون بعضهم بعضاً، ويؤذون المؤمنين ويشهّرون بهم ويسقطونهم ـ وعرّفهم أن الله قد غفر لمحسنهم وتجاوز عن مسيئهم، إلا من أشرك به أو آذى وليّاً من أوليائي، أو أضمر له سوءاً، فإن الله لا يغفر له حتى يرجع عنه، فإن رجع، وإلا نزع روح الإيمان عن قلبه، وخرج عن ولايتي ولم يكن له نصيب في ولايتنا، وأعوذ بالله من ذلك".
هذه وصية الإمام الرضا(ع) لأوليائه وشيعته، فكيف ننفّذ هذه الوصية؟ وكيف نخاطبه عندما نذهب إلى زيارته أو نزوره من بعيد؟ لنستحضر كل هذه القيم، لأن معنى الالتزام بالإمامة والولاية هي السير في هذا الخط.
ولادة المسيح المعجزة
أما ولادة السيد المسيح(ع) التي هي معجزة من الله، فكما أن الله أثبت قدرته في خلق آدم من دون أب وأم، وكما أثبت قدرته في خلق الناس من أب وأم، كذلك أراد أن يثبت قدرته في إنسان يولد من أم دون أب، واصطفى الله تعالى مريم(ع) من بين نساء العالمين لكي تجسّد هذا المظهر من قدرة الله تعالى.
كيف قصّ القرآن الكريم ذلك؟: {واذكر في الكتاب مريم ـ هذه الإنسانة الطاهرة التي تنازع الرجال في كفالتها، وتكفّلها النبي زكريا(ع) ـ إذ انتبذت من أهلها مكاناً شرقياً ـ اعتزلت للعبادة ـ فاتخذت من دونهم حجاباً ـ ستراً حتى تعيش عزلتها من جميع الجهات ـ فأرسلنا إليها روحنا ـ ويقال إنه جبرائيل(ع) ـ فتمثّل لها بشراً سوياً ـ في شكل أجمل الشباب، وهنا شعرت بخوف العذراء الطاهرة النقية عندما يقتحم عليها شاب لا تعرفه عزلتها، ومن الطبيعي أن تأتيها الهواجس في ما يريده هذا الشاب ـ قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً ـ إن كنت تخاف الله، فإني أستجير بالله منك ألا تفكر في سوء ـ قال إنما أنا رسول ربك ـ أنا لست شاباً من البشر ـ لأهب لك غلاماً زكياً ـ طاهراً نقياً في أعلى طهارات التزكية والنقاء والطهارة، وهنا استعجبت ـ قالت أنّى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغياً ـ إن المرأة عندما تحمل فإنها تحمل من علاقتها برجل، إما من خلال علاقة شرعية أو من علاقة غير شرعية ـ قال كذلك قال ربك ـ المسألة ليست خاضعة لقوانين البشر، وإنما هي خاضعة لإرادة الله ـ هو عليّ هيّن ولنجعله آية للناس ورحمة وكان أمراً مقضياً ـ هو آية للناس في خلقه ورحمة في رسالته.
ـ فحملته ـ كيف كان الحمل؟ وما معنى النفخ؟ وما هي العناصر التي أدت إلى ذلك؟ هذا كله سكت عنه القرآن الكريم ليبيّن أصل القضية من دون تفاصيل ـ فانتبذت به مكاناً قصيّاً* فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً ـ فقد جاءها ضعف الأنثى كأي أنثى تعيش حالة الضعف أمام هذه التجربة التي لم تعهد مثلها من قبل ولم تمر بها امرأة ـ فناداها من تحتها ـ البعض يقول إنه عيسى(ع)، والبعض يقول إنه المَلَك ـ ألا تحزني ـ فالله الذي بذلك هو الذي يرعاك وينقذك من كل ما يتوجه إليك من نقد ـ قد جعل ربك تحتك سرياً ـ جدولاً لتشربي وتغتسلي منه ـ وهزّي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنياً* فكلي واشربي وقري عيناً ـ ارتاحي بهذا المولود وهذا الاصطفاء الإلهي والإفاضة الإلهية ـ فإما تريّن من البشر أحداً فقولي إني نذرت للرحمن صوماً فلن أُكلم اليوم إنسياً* فأتت به قومها تحمله ـ وفوجئ قومها، هذه مريم الطاهرة النقية الصالحة العفيفة التي لم نر منها أي سوء تحمل غلاماً ـ قالوا يا مريم لقد جئتِ شيئاً فرياً يا أخت هارون ما كان أبوك اْمرأ سوء وما كانت أمك بغياً* فأشارت إليه ـ لأنها صامت عن الكلام، فطلبت منهم أن يتكلموا معه، وظنوا أنها تهزأ بهم ـ قالوا كيف نكلِّم من كان في المهد صبياً* قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً* وجعلني مباركاً أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً* وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقياً* والسلام عليّ يوم وُلدت ويوم أموت ويوم أُبعث حياً* ذلك عيسى بن مريم قول الحق الذي فيه يمترون ـ يشكون ـ ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه ـ في مقابل من قالوا إن عيسى ابن الله ـ إذا قضى أمراً فإنّما يقول له كن فيكون* وإن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم}.
وهكذا كانت ولادة السيد المسيح(ع) ولادة القدرة الإلهية والآية الإلهية والرحمة الإلهية والرسالة الإلهية، هذه الولادة التي عندما نعيشها في القرآن، فإننا نعيش كل آفاق الروح وعظمة الله وقدرته ونعمته. وأقولها لكل إخواني وأبنائي وبناتي من المسلمين، إذا أردتم أن تحتفلوا بميلاد السيد المسيح(ع)، فلا تأخذوا بما أخذ به الآخرون مما أسسه الغرب من أجواء الصنمية في الاحتفال، قد يطالبكم أولادكم في بعض المناطق أن تحتفلوا بالميلاد فاجلسوا معهم وحدّثوهم عن عيسى(ع) وأمه وولادته مما جاء في القرآن الكريم، وهذا احتفال بولادته، عند ذلك سوف يعرف أبناؤكم أن الإسلام يحتضن كل الرسالات ويعترف بكل الرسل، ولذلك لا مشكلة عندنا في الاحتفال بميلاد السيد المسيح(ع)، ولكن على الطريقة التي احتفل بها القرآن الكريم الذي هو الحق كله والحقيقة كلها.
الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
عباد الله.. اتقوا الله وواجهوا الأعداء من موقع واحد في هذه المرحلة التاريخية من تاريخنا الإسلامي، الذي نواجه فيه أعتى قوةٍ في الأرض من المستكبرين الذين يعملون على أساس العبث بأمننا وسياستنا واقتصادنا وكل أوضاعنا، ولا بد لنا أن نعرف كيف يخططون ويجرمون، لنعرف كيف نستعد لذلك في كل أوضاعنا، فماذا هناك:
الاحتلال أعلى أنواع الإرهاب
في فلسطين، يسقط في كل يوم أكثر من شهيد، ويُذبح أكثر من طفل، وتُشرَّد مئات الأُسر الفلسطينية في هذا البرد القارس، لتهيم في العراء بعد تدمير عشرات البيوت في أكثر من مخيم، تحت سمع وبصر عالم استكباري تقوده دول الغرب الذي أعطى إسرائيل الحرية في كل تلك الممارسات اللاإنسانية ضد الشعب الفلسطيني، الذي يطالب بحريته في الاستقلال وتقرير المصير، الأمر الذي يجعله يتحرك من موقع ردّ الفعل على الاحتلال، صارخاً بهذا العالم الذي يتهمه بالإرهاب في مواجهته للمحتل: فليخرج المحتل من أرضنا ولن تُطلق أية رصاصة ضده، لأن الاحتلال في منطق كل الحضارات أعلى أنواع الإرهاب... ولكن المشكلة هي أن الذين صنعوا إسرائيل كدولة، وطردوا الفلسطينيين من أرضهم، وحاصروهم في مخيّماتٍ، لا يؤمنون بأن الفلسطيني يستحق الحرية الإنسانية، بل يرون اليهودي هو الإنسان الذي تجب حمايته من المدافعين عن حرية وطنهم؟!
زيارة بلير: تأييد لإسرائيل
ومن الطريف أن رئيس الحكومة البريطانية الذي كان يتحدث عن عقد مؤتمر دولي للسلام، قد خضع لشروط شارون في تحويله إلى مؤتمر لإصلاح الواقع الداخلي للفلسطينيين، الذي يعني تنفيذهم لشروط أمريكا وإسرائيل، تماماً كما لو كان الشعب الفلسطيني قاصراً وبحاجة إلى إرشادٍ وتوجيهٍ وإصلاح، ليحصل على البَرَكة الأمريكية ـ الصهيونية... ثم تبنّي منطق إسرائيل في الربط بين مفاوضات التسوية وإيقاف الانتفاضة، مع رفض إسرائيل الالتزام بالكف عن الاغتيالات والاعتقالات والاجتياحات وتدمير البيوت وتجريف المزارع ومحاصرة الشعب كله، ومصادرة البنية التحتية، ورفضٍ لحق العودة وإزالة المستوطنات والجدار العنصري، ومنح الشعب الفلسطيني القدس الشرقية، إضافة إلى مصادرة أكثر أراضي الضفة الغربية.. لتبدأ المفاوضات بعد ذلك في ضغط أمريكي وأوروبي، تحت عنوان تنفيذ خارطة الطريق بالشروط الإسرائيلية المتفق عليها مع الإدارة الأمريكية، في الرسائل المتبادلة بين بوش وشارون!!
والسؤال الموجَّه إلى رئيس وزراء بريطانيا، الذي تتحمّل دولته المسؤولية التاريخية عن إنشاء الوطن القومي لليهود في فلسطين: ما هي صورة الدولة الفلسطينية في خطته؟ وهل يملك إعطاء الحق للشعب الفلسطيني في دولة مستقلة مترابطة متواصلة قادرة على الحياة، أم أن التحالف الأمريكي ـ الإسرائيلي لا يسمح للاتحاد الأوروبي أو لروسيا أو للأمم المتحدة بتجاوز الخطوط الحمر الإسرائيلية؟ لقد كانت زيارة بلير إلى فلسطين أقرب إلى تأييد إسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني.
العراق: الخطورة في الاحتلال
أما العراق، فإنه يتحرك في كارثة دموية يسقط فيها الأبرياء، وتنتشر فيها الفوضى الأمنية، ويعيش معها المواطن في أزمة معيشية يفتقد فيها ضروراته وحاجاته الحيوية... هذا العراق الذي لا يزال يجسّد الوحدة الوطنية بالرغم من العناصر التكفيرية التقسيمية التي تحاول أن تهزّ وحدته في حساسيات مذهبية أو دينية أو عرقية، حيث نسمع بعض الإثارات العربية من أعلى السلطات، لتتحدث عن الخوف على عروبة العراق من السيطرة الشيعية التي قد تجعله إسلامياً على الطريقة الإيرانية من خلال الانتخابات، وعن "الهلال الشيعي" الذي يضم إيران وسوريا والعراق ولبنان..
إن هؤلاء يثيرون مسألة الشيعة كما لو كان الشيعة خطراً على العروبة وعلى الإسلام وعلى السنّة، في الوقت الذي لا يرى فيه هؤلاء الاحتلال الأمريكي خطراً على العراق وعلى المنطقة، ولا يرون في التدخّل الإسرائيلي الخفيّ مشكلة للشعب العراقي؟ إنهم يخافون على العراق من هلال شيعي مثلث ولا يخافون عليه من صليب أمريكي ـ بريطاني تتوسطه نجمة داود، وهو صليب لا يمثل المسيحية، بل يمثل الاستكبار العالمي ضد الشعوب المستضعفة؟!
هل إثارة الحساسيات المذهبيّة تحفظ العروبة؟!
إننا نقول لهم: إن المسلمين الشيعة أشد عروبة من الكثيرين، وإنهم عاشوا طيلة التاريخ في مواجهة الاستعمار البريطاني تأكيداً لعروبتهم النقية الصافية التي لا تجد مشكلة في التزامها الإسلامي، وإنهم لم يفكروا في كل تاريخهم بهلال مذهبي، لأنهم يجدون قوتهم في نطاق الواقع العربي والإسلامي، على أساس المساواة مع الآخرين في الحقوق والواجبات...
إننا نطالب بتقديم الأدلة المدّعاة على هذه الدعوى، ليناقشها الشعب كله في إيران وفي العراق وسوريا ولبنان، لأننا نزعم أنها لا تملك أية واقعية قانونية سياسية، وإننا نأمل من بعض العرب أن يفكروا في الخطر الإسرائيلي الذي يعصف بالشعب الفلسطيني وبالمنطقة كلها، حتى في البلدان التي يتحدث زعماؤها بهذا المنطق... وأن يكفّوا عن إثارة الحساسيات المذهبية بين المسلمين، لأنها ليست في مصلحة أحد حتى الذين يثيرونها...
ونقول لهم أيضاً، إن الشعب العراقي ليس قاصراً ليتحدث هؤلاء عن الخوف عليه، بل إنه عندما يملك الحرية فسيختار الذين يمثلونه ويؤكدون مستقبلهم في عراق عربي مسلم موحَّد، يتعانق فيه السنّة والشيعة والأقليات الأخرى، ويتعاونون من موقع واحد في إخراج المحتل من الأرض الطاهرة المقدّسة...
إن هذه الأصوات تتحرك من خلال الخطة الأمريكية في الضغط على سوريا وإيران ولبنان، لتقديم هدية مجانية لأمريكا وإسرائيل، فهل هذا هو الذي يحفظ للعروبة قوتها وفاعليتها ووحدتها؟!
لبنان: استفتاء شعبيّ على الأولويّات
أما لبنان، فإن الأصوات التي ترتفع حول قانون الانتخاب، تنطلق لتحقق لفريق هنا وفريق هناك طموحاته في ذاتياته السياسية والطائفية والشخصانية، في حركة المعارضة والموالاة..
إننا نريد قانوناً يملك فيه المواطن اللبناني أن يتعرّف الشخص الذي يمنحه ثقته، في تاريخه السياسي، وعلاقاته الخارجية، وصلابته الوطنية، وإخلاصه لشعبه، لأننا نرى أن هناك أوضاعاً لا يعرف فيها الناخب حتى اسم الشخص الذي انتخبه. إن المسألة هي كيف يمكن أن نحقق القانون الذي يحفظ صدق التمثيل وحرية الاختيار، من دون ضغط مادي أو فئوي أو سياسي داخلي أو خارجي.
إننا نقترح القيام ـ في هذا المجال ـ باستفتاء شعبي، هل إن المواطنين يحملون همّ القانون الانتخابي ـ على أهميته ـ أو أنهم يفكرون في الانهيار الاقتصادي والسياسي، وفي السقوط الأخلاقي، وفي صرخات الجوع والحرمان وفقدان النور والتدفئة، وفي الجدل الذي أسقط الوحدة الوطنية، وأساء إلى معنى لبنان، في أساليب الصراع السياسي بين الذين يدّعون قيادته وإصلاحه؟! |