ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين، ومما جاء في خطبته الأولى:
يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {إنما يريد الله ليُذهب عنكم الرجس أهل البيت ويُطهّركم تطهيراً}. في هذا اليوم ـ الخامس والعشرين من شهر شوّال ـ نلتقي بذكرى وفاة الإمام جعفر الصادق(ع)، الذي ملأ الدنيا علماً وحركة وفكراً وتقوى وورعاً، بحيث أغنى العالم الإسلامي بكل علمه في المدى الذي فُتح له، وفي مساحة الحرية التي استطاع أن يستفيد منها في فترة الصراع بين الأمويين والعباسيين، هذه الفترة التي شُغل فيها الطرفان عن التضييق على أئمة أهل البيت(ع)، كما كان يفعل أسلافهم، وكما فعل أبناؤهم.
مسؤولية العالم في نشر العلم
انطلق الإمام الصادق(ع) في إغناء الثقافة الإسلامية بالمستوى الذي انفتح فيه على كل الناس. وقد روى(ع)، أن أباه الإمام الباقر (ع)، عندما دنت منه الوفاة قال له: "يا بنيّ، أوصيك بأصحابي خيراً"، فكان جواب الإمام الصادق (ع): "والله لأدعنّهم والرجل منهم يكون في المصر فلا يسأل أحداً". فالإمام الصادق (ع) تعهّد أمام أبيه ـ وتلك كانت ثقافته ورسالته ـ أن يثقّف أصحابه بالمستوى الذي يحصلون فيه على الاكتفاء العلمي والثقافي، بحيث يكونون معلِّمين للناس ولا يحتاجون إلى أن يتعلّموا من أحد.
هذا النهج الذي رسمه أهل البيت (ع) للعلماء كافة، وهو أن لا يعتزلوا الناس، ولا يحاولوا أن يتلمّسوا لأنفسهم الأعذار في ترك الدعوة إلى الله وتثقيف الناس، والابتعاد عن الاستماع إلى أسئلتهم وما يحتاجونه من العلم، وأن يبادروا إلى تعليم الناس قبل أن يسألوهم، وأن يجيبوهم عما يسألونه مهما كان السؤال محرجاً، حاداً كان أو صعباً، لأن الإمام الصادق (ع) قال: "قرأت في كتاب عليّ (ع)، أن الله لم يأخذ على الجهّال عهداً بطلب العلم حتى أخذ على العلماء عهداً ببذل العلم للجهال، لأن العلم كان قبل الجهل".
وهكذا، رأينا أن الإسلام يريد من كل مسلم أن يفرّغ نفسه في كل جمعة لأمر دينه، لأنه يريد من المسلمين كافة أن يملكوا ثقافة دينهم، وأن لا يكون الدين عندهم مجرد شعائر عبادية يمارسونها في أوقاتها المعلومة، بل أن يملك الإنسان المسلم ولو بشكل تدريجي، ثقافة الإسلام، بحيث يستطيع أن يعيش في حياته ومع عائلته على أساس ثقافة الإسلام وأخلاقيته وفقهه وعقيدته، كما أنه يستطيع أن يتحوّل إلى داعية إلى الإسلام في كل بلد يذهب إليه، وفي كل مجتمع يعيش فيه. وفيما رواه الإمام الصادق (ع) قال: "قال رسول الله (ص): "أفٍّ لرجل لا يفرّغ نفسه في كل جمعة لأمر دينه، فيتعاهده ويسأل عن دينه"، ونفهم من هذه الكلمة، أن النبي (ص) لم يرد من الناس أن يتبعوا الدين فحسب، بل أن يتثقفوا به، فكما يفرّغون أنفسهم للعمل ـ وتلك مسؤوليتهم ـ فإن عليهم أن يربّوا أنفسهم تربية إسلامية، فيكون عقلهم عقلاً إسلامياً، ونهجهم نهجاً إسلامياً، هكذا كان الإمام الصادق (ع) يتحرك في كل مجالات الواقع.
منهج الإمام الصادق(ع) الحواري
ويُنقل أنه كان (ع) موضع احترام كل الناس، ممن يقولون بإمامته وممن لا يقولون بها. ويروى عن إمام المذهب المالكي، وهو "مالك بن أنس"، أنه قال: "جعفر بن محمد اختلفت إليه زماناً ـ ترددت عليه ـ فما كنت أراه إلا على إحدى ثلاث خصال: إما مصلٍ وإما صائم وإما يقرأ القرآن، وما رأت عين ولا سمعت أذن ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر بن محمد الصادق علماً وورعاً". وقد تتلمذ عليه إمام المذهب الحنفي "أبو حنيفة" مدة سنتين، وكان يُنقل عنه ـ بحسب روايات أهل السنّة ـ أنه قال: "لولا السنتان لهلك النعمان".
وينقل عن "أبي حنيفة"، أن الخليفة العباسي، أبا جعفر المنصور، قال له: لقد فُتن الناس بجعفر بن محمد وأقبلوا عليه، وأصبح له شأن كبير عندهم، وأريدك أن تحضّر له من مسائلك ما تستطيع أن تتغلّب فيها عليه، فيقول أبو حنيفة: فحضّرت له أربعين مسألة من كبار المسائل، ودخلت على أبي جعفر المنصور، وجعفر بن محمد جالس إلى جانبه، فأخذتني هيبة الإمام الصادق أكثر مما أخذتني هيبة الخليفة، فقال لي المنصور: ألقِ على أبي عبد الله ـ وهي كنية الإمام الصادق ـ مسائلك، فبدأت ألقي عليه مسائلي، فكان (ع) يقول: "أنتم تقولون كذا، وأهل المدينة يقولون كذا، ونحن نقول كذا"، فربما التقى معنا وربما اختلف عنا جميعاً، إلى أن انتهت كل مسائلي ـ في هذا الجواب التفصيلي الذي لا يقتصر على بيان الرأي، وإنما يحيط بكل الآراء ـ ثم قال أبو حنيفة: ألسنا قد روينا أن أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس.
ورأينا أن الإمام الصادق (ع) إنسان الحوار، الذي لا يتعقّد من أيّ مسألة، ويشجّع الناس أن يلقوا إليه مسائلهم حتى لو كانت ضد الإسلام، وكيف كان(ع) يجلس في المسجد الحرام والناس يطوفون بالبيت، وهو يستقبل جماعة من الزنادقة الذين لا يؤمنون بالله ولا بالإسلام، ويذكر منهم ابن أبي العوجاء وغيره، فكان يفتح صدره لهم، وكانوا يتحدثون بكل جرأة، حتى إن ابن أبي العوجاء قال له: "إلى متى تدوسون هذا البيدر"، وهو يشير إلى الطواف حول الكعبة، وأجابه الإمام الصادق (ع) بكل هدوء ورحابة صدر حتى أسكته، وكان قد جاء إلى الإمام ليتحداه، فعندما رجع إلى أصحابه قالوا له: لقد فضحتنا، فأجابهم: أتعرفون إلى من بعثتمونني، إنه ابن من حلق رؤوس كل هؤلاء الناس، ثم قال: ما هذا ببشر، وإن كان في الدنيا روحاني يتجسّد إذا شاء، ويتروّح إذا شاء، فهو هذا (وأشار إلى الإمام الصادق(ع)).
وهكذا رأينا كيف امتدت مدرسة الإمام الصادق (ع) في كل مواقع الإسلام، حتى عدّ الناس ممن تتلمذ على يديه وتثقف عليه وروى عنه، أربعة آلاف شخص. وفي رواية، أن أحد الأشخاص دخل مسجد الكوفة ووجد تسعمائة شيخ ـ وهم الأساتذة ـ وكل واحد منهم يقول: حدّثني جعفر بن محمد.
لقد كان الإمام الصادق (ع) إمام الوحدة الإسلامية، فكان يريد للشيعة أن ينفتحوا على المذاهب الأخرى ولا ينعزلوا عنهم، وكان (ع) يقول: "ما أيسر ما رضي به الناس عنكم، كفّوا ألسنتكم عنهم"، لأن الاختلاف لا يُعالج بالسب واللعن والتشهير، بل بالحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، لأنك من خلال السبّ واللعن تزيد خصمك حقداً على حقد، أما إذا حاورته وتكلمت معه بالتي هي أحسن، فإنك تليّن قلبه، وتدخل بالتالي إلى عقله، ودور المسلم أن يدعو إلى الإسلام على الصورة التي وصف الله تعالى بها نبيّه (ص): {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضّوا من حولك}.
من هم شيعة علي (ع)؟
وفي رواية، أن شخصاً جاء إلى الإمام الصادق (ع) وقال له: كيف نصنع مع عشائرنا وخلطائنا من الناس؟ فقال(ع): "صلّوا في عشائرهم، واشهدوا جنائزهم، وعودوا مرضاهم، وأدوا حقوقهم، فإن الرجل منكم إذا ورع في دينه وصدق الحديث وأدى الأمانة وحسن خلقه مع الناس قيل "هذا جعفري"، فيسرّني ذلك، وإذا كان على غير ذلك، دخل عليّ بلاؤه وعاره". "كونوا زيناً لنا ولا تكونوا شيناً علينا". وقد كان (ع) ينفتح على السنّة كما ينفتح على الشيعة، وينفتح على أهل الأديان الأخرى كما ينفتح على المسلمين.
ولذلك، فإن الإمام الصادق (ع) يشكل النموذج الأكمل للإنسان الذي يمثل القيادة والإمامة الإسلامية التي ترتفع بالناس إلى أعلى مستوى، والتي تشير إلى الناس أن يتقدموا ويأخذوا بأسباب العلم، وينفتحوا على العقل كله، ويتحركوا من أجل أن يكون المسلم هو الإنسان الذي يعطي العالم ـ من موقع الخط الإسلامي المستقيم ـ عقلاً من عقله، وعلماً من علمه، ومحبةً من قلبه، وخلقاً من أخلاقه، ليكون إنسان الحياة والنموذج الأكمل للإنسانية.
هذه هي رسالة أهل البيت (ع)، رسالة الإسلام، التي تريدنا أن نرتفع حيث يرتفع الإسلام بأهله، وأن نتحرك، عندما يريدنا الإسلام أن نتحرك في خط الدعوة إلى الله والخير والعدل والحق، تلك هي رسالتهم(ع)، وعلينا ان نرتفع معهم وبهم ونتعلّم علومهم، فهذا ما جاء في أحاديثهم: "أحيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا"، قيل: وكيف ذلك ـ هل نضرب رؤوسنا بالسيوف وظهورنا بالسلاسل؟!! ـ فيجيبون: بأن تعلّموا الناس علومنا، وتنقلوا إليهم أحاديثنا، ليحبونا من خلال ذلك، إحياء أمرنا هو إحياء علومنا وثقافتنا، وروحانيتنا وأخلاقنا، وأن تكونوا صورة عنا أهل البيت (ع).
لقد كان رسول الله (ص) القمة في كل شيء، وعليكم أن تقتربوا من هذه القمة، وعليّ (ع) كان القمة، وكان يريد للناس أن يحملوا علمه ويتعلّموا من خبرته، وعلينا أن نقترب من هذه القمة في علمه وروحانيته وأخلاقه، وقد كان الأئمة من أهل البيت (ع) هم أئمة الهدى والخير والحق، وكانوا القيادة العظيمة الرشيدة للناس، فلنكن في هذا الاتجاه:
فتشبّهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبّه بالكرام فلاح
الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
عباد الله.. اتقوا الله وواجهوا مرحلتكم الصعبة التي تداعى فيها المستكبرون إلى مواقعكم من كل حدب وصوب، من أجل السيطرة على كل مقدّراتكم وكل مصيركم وأوضاعكم السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، فلا بد أن نقف وقفة واحدة لمواجهة ذلك كله، لننتصر على الذين يريدون هزيمتنا وإسقاطنا، فماذا هناك؟
إرهاب إسرائيلي ولا مبالاة عربية
الدوّامة السياسية والأمنية في الدائرة اليهودية والفلسطينية في فلسطين تتواصل، لتخلق أكثر من مشكلة، ولتصنع أكثر من مأزق لإسرائيل من جهة، في قلق الحاضر والمستقبل، وفي الجانب الاقتصادي الذي انكمش بشكل حادّ، وفي الجانب الأمني الذي لا يزال يفرض نفسه على واقع الناس في الكيان العبري، وعلى الجيش الذي يتحرك في عدوانيته الوحشية بطريقة هستيرية، من خلال حاجز الخوف الذي لم يسقطه حاجز الجدار الفاصل، إضافةً إلى الطبيعة النازية التي بدأت تحكمه في مواجهة الشعب الفلسطيني بالقمع الدموي، والتدمير المنهجي للبيوت والمنشآت والمرافق الفقيرة ومصادر الرزق المحدودة، والتجريف المتواصل لحقول الزيتون، الأمر الذي حوّل الإنسان اليهودي في هذا الجيش إلى وحش مفترس لا يعرف معنىً لأية أخلاقية إنسانية أو دينية، في تعامله مع الأطفال والنساء وكل المدنيين الذين يلغ في دمائهم بدم بارد...
وهكذا، يعيش اليهود الإرباك السياسي الذي يحاصرهم من خلال الموقف الأوروبي السلبي ضد كيانهم، في الاستفتاء الشعبي في دولها الذي أظهر أن 59% منهم يقولون إن "إسرائيل خطر على السلام في العالم"، مع استطلاع للرأي جديد أجرته رابطة مناهضة التشهير اليهودية ـ الأمريكية التي قالت إن "نحو نصف الأمريكيين يعتبرون أن إسرائيل أكثر دول العالم تهديداً للسلام العالمي"، هذا إضافةً إلى أن الامتداد الإسلامي في أوروبا الذي قد يبلغ ثلث السكان، تحوّل إلى مشكلة لدى إسرائيل، بحسب تصريح بعض قادتها السياسيين، لأن ذلك سوف يترك تأثيره على الرأي العام الأوروبي بشكل سلبي ضد إسرائيل، وإيجابي مع المسلمين، ولا سيما الفلسطينيين...
كما أن بعض الصحف الإسرائيلية كتبت بأن: "الوضع الإسرائيلي من سيئ إلى أسوأ"، وقد كتب بعض المختصين أن "التردي المقلق في وضع إسرائيل ينبع أولاً وقبل كل شيء من وضع المجتمع في الاقتصاد والحكم، وأن المعطيات تظهر أن التدهور يُبعد إسرائيل عن الدول الصناعية ويقرّبها بشكل مقلق من جاراتها في الشرق المباشر"، بحسب قول الصحيفة...
هذا في الوضع الإسرائيلي، أما الوضع الفلسطيني، فلا يزال يعيش في كارثة اقتصادية، وإرباك سياسي، وحصار خانق، وجدل داخلي في دائرة السلطة وفي نطاق فصائل الانتفاضة، حول أكثر من مسألة مثيرة للجدل حول الهدنة والقيادة الموحَّدة وتفويض السلطة، إلى جانب التدخّل العربي في مسألة إدارة الحوار التي لا تخلو من الضغط، لا سيما مع الانفتاح المصري الجديد على إسرائيل، في الاجتماع المرتقب بين وزير الخارجية المصري الذي سيزور الأرض المحتلة ويلتقي المسؤولين الإسرائيليين، من دون اللقاء برئيس السلطة الفلسطينية كشرط لاستقباله في إسرائيل...
وإننا إذ نواجه هذا الواقع للقضية الفلسطينية، نلاحظ أن هذا الشعب قد تُرك للريح، من دون اهتمام عربي على جميع المستويات، حتى إن المسؤولين العرب لم يكلّفوا أنفسهم وضع ميزانية استثنائية لتعزيز الصمود والالتزام بتنفيذ المساهمات في قمة الانتفاضة التي طواها النسيان.. وهكذا، نلاحظ أنهم يخافون حتى من الاتصال الهاتفي برئيس السلطة الفلسطينية الذي فرض عليه الرئيس الأمريكي الحَجْر السياسي، كتنفيذ لقرار الإعدام الذي كان اتخذه "شارون"...
إنّ الشعب الفلسطيني هو الضمانة للصمود، ولإنتاج المستقبل، وللضغط المتحرك في أكثر من موقع على العدوّ، وللانفتاح على العالم في حركته الفاعلة من أجل التحرير والاستقلال.
الفتنة تطلُّ برأسها في العراق
أما في العراق، فإن هناك أكثر من تخطيط داخلي أو خارجي لإثارة الفتنة، عبر استثارة الحساسيات حول الحصص السياسية والاقتصادية في "جبنة" الحكم، ما قد يجد أذناً صاغية لدى بعض الناس الذين يحاولون إثارة الأحاديث المذهبية والطائفية، أو يحركون التعقيدات الحزبية، لا سيما أن بعض الأطراف العربية الرسمية بدأوا ينفخون في نار الفتنة، وبالتحديد بين السنّة والشيعة، لتمكين الاحتلال أن يبقى بوصفه الضمانة ضد الحرب الأهلية أو ضد التقسيم...
ونحن نعلم أن الخطة الأمريكية المرسومة للعراق تعمل على استمرار الاحتلال في تكامل مع أكثر من بلد عربي، من أجل أن لا يتمكّن العراقيون من بناء عراق حرّ موحَّد مستقلّ، وحكم وطني مرتكز على أصوات الشعب العراقي، في انتخابات حرّة لا تخضع للتعقيدات الاستهلاكية في الآليات أو في الشروط التي يُراد لها أن تبقى في الوقت الضائع...
وبهذه المناسبة، فإننا نستنكر ـ وفي شدة ـ الأعمال الإرهابية ضد المدنيين العراقيين وقوى الشرطة، سواء كان ذلك من خلال قوات الاحتلال أو فصائل الإرهاب، لأن المقاومة لا شرعية لها ضد الشعب العراقي الذي عاش في أجواء الاضطهاد والظلم والتشريد من النظام الطاغي في مدى عقود من السنين، لأن قتل المدنيين بهذه الطريقة هو إرهاب وليس مقاومة...
وإننا ندعو إخواننا في العراق، من علماء دين ومثقفين وسياسيين، مع كل فئات الشعب الطيّب الجريح، أن يأخذوا بأسباب الحذر من الخطط التي تدبَّر للعراق على صعيد الفتنة أو التقسيم أو الفوضى، ليثبتوا للعالم أنهم في المستوى الحضاري والإسلامي في بناء دولة حرّة مستقلّة منفتحة على الشعب كله في خط العدل، وعلى المنطقة كلها والعالم كله في خط العلاقات السياسية المسؤولة القائمة على الاحترام المتبادل.
لبنان: الوضوح هو المطلوب
أما في لبنان، فإنّ السؤال الذي يدور في وجدان الشعب كله هو: ما هي الأسرار التي تختفي وراء مناقشة المسؤوليات التي تدخل في حساب المسؤولين ليُتحدث عنها بشكل سرّي في أكثر من موقع دستوري؟ ثم، ما هي الخلفيات الكامنة وراء إغلاق ملف هنا وفتح ملف هناك، ومحاسبة مسؤول عن تاريخه الدامي وحماية مسؤول من المحاسبة والمساءلة؟
إن طلاب لبنان يقرأون تاريخه الذي لا ندري كيف بدأ وكيف عاشت شخصياته في نقاء المسؤولية، وكيف يُكتب هذا التاريخ الذي تتضخّم فيه الشخصيات غير الضخمة، وتبيّض فيه الصفحات السوداء، ويهمس فيه الجميع عن السرّ الذي تتحرك فيه الكلمة في مواقع الحكم والقضاء والمجالس المشرفة على الخدمات والمحاسبة وغيرها...
إن الشعب يطالب بأن يكون هو القوة التي تحاسب وتعاون وتحاكم، وأن يكون الوضوح في حركة الدولة والصراحة في خلفيات السياسة والاقتصاد والأمن والتربية هو العنوان الكبير في الواقع كله.. فهل من مجيب؟! |