ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين، ومما جاء في خطبته الأولى:
من القيم الأخلاقية التي أراد الله للإنسان أن يأخذ بها في كل حياته، سواء الفردية أو الاجتماعية، أن يكون أميناً على نفسه وعلى الناس، بحيث ينصح نفسه ولا يغشّها، وينصح الناس ولا يغشّهم، وهذا ما أكّدت عليه الأحاديث الشريفة الواردة عن الرسول(ص) وعن الأئمة من أهل البيت(ع)، وهذا ما كان عليه الأنبياء السابقون {وأنا لكم ناصحٌ أمين} {أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين}.
تعامل الأمة بالنصح
أراد الله سبحانه وتعالى للأمة كلها أن تتعامل بالنصح، في علاقاتها الإنسانية، سواء كانت هذه العلاقات علاقات الرأي التي يحتاج فيها الإنسان إلى رأي الآخر، أو في المعاملات، سواء في الزواج أو في الشراكة أو في التجارة أو ما أشبه ذلك، أو في العلاقات الاجتماعية التي تنطلق من خلال أوضاع معينة وتعقيدات معينة، وهكذا في المسائل السياسية عندما يريد الناس أن يرتبطوا بخط سياسي هنا، أو شخصية سياسية هناك ممن يديرون أمور الناس، لأن الله أراد للمجتمع أن يستقرّ وأن يمثل وحدةً بين أفراده في جميع أمورهم.
والوحدة في الإسلام ليست مجرد حالة شكلية يلتقي الناس فيها في صعيد واحد، ولكنها عملية اندماج الأمة مع بعضها البعض، بحيث يرى كل فرد أن مسؤوليته عن الأفراد الآخرين كمسؤوليته عن نفسه، فكما ينصح لنفسه عليه أن ينصح لأمته، وكما يبتعد عن غش نفسه فعليه أن لا يغش أمته، وقد اختصر النبي(ص) الدين كله في كلمة، إذ روي عنه(ص) أنه سُئل: ما الدين؟ قال: "الدين النصيحة"، قالوا: لمن؟ قال: لله ولرسوله ولأئمة المسلمين ولعامتهم"، أي لجميع المسلمين. ومعنى ذلك، أن النصح للمسلمين هو في خط النصح لله ولرسوله ولأئمة المسلمين، فالإنسان الذي ينتمي إلى الإسلام، ويعيش في مجتمع مسلم، عليه أن يكون ناصحاً للمسلمين في علاقاتهم، وفي معاملاتهم، وفي سياساتهم، وفي كل أوضاعهم الاجتماعية.
وهكذا ورد في حديث النبي(ص): "من لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم"، "ومن لم يصبح ويمسى ناصحاً لله ولرسوله ولكتابه ولإمامه ولعامّة المسلمين فليس منهم"، أي أن دخولك في النسيج الإسلامي وفي المجتمع الإسلامي مشروط بأن تكون ناصحاً للمسلمين ، لأن الذي يغش المسلمين لا يمكن أن يكون جزءاً من هذا النسيج الحي ومن هذه الأمة، لأن الغش يهدّم الأمة ويمزِّق نسيجها الاجتماعي والسياسي والديني.
النصح منزلة عظيمة
وهكذا ورد عن النبي(ص): "إن أعظم الناس منزلة عند الله يوم القيامة ـ وكلمة أعظم تعني أقرب الناس إلى الله ـ أمشاهم في أرضه في النصيحة لخلقه"، يعني الذي تكون حركته في كل أوضاعه ونشاطاته حركة النصح بأن ينصح لكل خلق الله في كل أمورهم وقضاياهم، بحيث يعمل على رفع مستواهم وتأكيد وحدتهم، وتقوية طاقاتهم وما إلى ذلك.
وفي حديث عن الإمام جعفر الصادق(ع) يقول: "عليكم بالنصح لله في خلقه فلن تلقاه بعمل أفضل منه". ويفهم من هذا، أن الجوانب الاجتماعية في الإسلام، والتي تتصل بسلامة الناس وبارتفاع مستواهم، هي من أفضل الأعمال عند الله، والله يعطيه على هذا الأساس المنزلة العليا.
وقد ورد في الحديث عن الإمام الصادق(ع): "من استشاره أخوه المؤمن فلم يمحضه النصيحة سلبه الله لبّه" سواء كانت الاستشارة في موضوع شخصي أو في المسائل السياسية والاجتماعية وما أشبه ذلك، لأنك إذا لم تكن أميناً على إعطاء الرأي الناصح حول الشخص الذي استشرت حوله، فإن الله سبحانه فإن الله يسلبك هذا الرأي الذي يقصدك الناس من أجله، ولذلك يعتبر هذا نوعاً من أنواع الخيانة، لأنك لم تنصح من استنصحك.
الغشّ من أخلاق اللئام
وهكذا نقرأ في مسألة الغش: "من غشّ أخاه المسلم نزع الله بركة رزقه وأفسد عليه معيشته وعاقبه ـ في الدنيا ـ ووكله إلى نفسه"، وهكذا: "من باع عيباً لم يبيّنه...ـ إذا باع إنساناً بسيطاً مغفلاً بضاعةً ولم يبيّن له ما في البضاعة من عيب ـ لم يزل في مقت الله ولم تزل الملائكة تلعنه..."، {ما عندكم ينفد وما عند الله باق}.
وهكذا ورد عن الرسول(ص): "المسلم أخو المسلم، لا يحل لمسلم باع من أخيه شيئاً يعلم به عيبا إلا بيّنه له...". ويقول الإمام علي(ع): "شرّ الناس من يغش الناس"، ويقول(ع): "الغش من أخلاق اللئام"، "والمؤمن لا يغش أخاه ولا يخونه ولا يخذله ولا يتهمه".
وهكذا سُئل الإمام الصادق(ع) عن الرجل يكون عنده لونان من طعام واحد وسعرهما شيء وأحدهما خير من الآخر فيخلطهما جميعاً، ويبرز فيهما الجانب الجيد ثم يبيعهما بسعر واحد، قال: "لا يصلح له أن يفعل ذلك يغش به المسلمين حتى يبيّنه".
وعن رسول الله(ص) أنه قال: "المؤمنون بعضهم لبعض نصحة وادون ـ يود أحدهم الآخر ـ وإن بعدت منازلهم وأبدانهم، وانفجر بعضهم لبعض غششاً متخاونون وإن اقتربت منازلهم وأبدانهم".
وعن الإمام الباقر(ع)، ينقل عن النبي(ص) في تجربة من تجاربه، بحيث كان(ص) يطوف على الأسواق ويفحص عن البضاعة، ومرّ في سوق المدينة بطعام، فقال لصاحبه: ما أرى طعامك إلا طيباً، وسأله عن سعره، فأوحى الله عز وجل إلى النبي(ص) ليسدده أن يدسّ يديه في الطعام، ففعل، فأخرج طعاماً ردياً، فقال لصاحبه: ما أراك إلا وقد جمعت خيانةً وغشاً للمسلمين". وفي حديثه(ص): "من غشنا فليس منا"، "ليس في ديننا غش"، "من غش المسلمين فليس منهم"...
الصدق في القول
ولهذا، لا بدَّ لنا أمام كل هذه الفوضى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وحتى الدينية التي ربما تؤدي إلى إسقاط المجتمع وحدوث البلاء والفتن، نتيجة تحرك الناس وفق مزاجهم وأهوائهم ومصالحهم المادية من دون أي مراعاة للآخرين، أن نعمل على أساس {واتقوا فتنة لا تصيبنّ الذين ظلموا منكم خاصة}.
ولذلك فقد خطّ الله سبحانه وتعالى لنا طريقاً في العمل التجاري نتعامل على أساسه مع الناس، نصدقهم فيه القول ولا نغشّهم، وعلى هذا الأساس أيضاً يجب أن نتعامل في المسائل الدينية أو الاجتماعية أو السياسية، أن نكون الناصحين، فننطلق من قناعاتنا وليس من خلال العصبية الشخصية التي تهوى هذا أو ذاك.
وهكذا، فإن الغيبة حرام، وقد نهى الإسلام عنها، {أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه}، لكن هناك بعض الموارد التي تجوز فيها الغيبة، كما في مورد النصيحة للآخرين، في شراكة أو زواج أو غير ذلك، والغيبة هي ذكرك لأخيك في عيب مستور، حرام في غير باب النصيحة، بحيث لا يجوز إقفالها في باب النصيحة تحت عنوان الغيبة، لأنه إذا سددناها فإن المشكلة ستكون أكبر من المشكلة التي تحصل من خلال ذكر عيوب الآخرين...
مجاهدة النفس
أيها الأحبة، القرآن الكريم يؤكد دائماً على الآخرة، ويؤكد على أن الدنيا تذهب {كل من عليها فان} {إنك ميت وإنهم ميتون} {يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها}. لذلك فإننا في كل أعمالنا، لا بد من أن نراقب الله سبحانه وتعالى، ولا نراقب ما نحصل عليه في الدنيا من أموال، أو أن نرضي عصبياتنا أو نشفي غليلنا أو غيظنا من فلان أو فلان، لأن هذا كله سوف يموت مع صاحبه ويبقى بعد ذلك الحساب أمام الله {يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً والأمر يومئذٍ لله}. وينطلق النداء: {لمن الملك اليوم لله الواحد القهار}، الذي يقهر كلّ عباده.
لذلك فلنجاهد أنفسنا، حتى إذا زين لها الشيطان بعض الأساليب الملتوية لتصريف بضاعة أو الغش فيها حتى لا تقع الخسارة، علينا أن نعرف أن الرزق الحرام سوف يمحقه الله، وأن الرزق الحلال سوف يباركه الله، وأن المال يزول والعمل الصالح يبقى {المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخيرٌ أملاً}. كل الذين غشوا وماتوا ذهب كل غشهم وبقيت مسؤوليته، وكل الذين نصحوا وماتوا بقيت لهم نصيحتهم.
لذلك {وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى* فإن الجنة هي المأوى}، ولذلك علينا أن نعمل لكي نكون في الجنة "لم أرَ كالجنة نام طالبها". نسأل الله أن يعيننا على أنفسنا لما يعين به الصالحين على أنفسهم، وأن يأخذ بنا سبيل الصالحين.
الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
عباد الله اتقوا الله، وفكِّروا في كلِّ أوضاع الأمة الإسلامية التي تعيش في هذه المرحلة أقصى ما تعيشه أمة، لأن الاستكبار العالمي المتحالف مع الكفر العالمي يعمل على تحطيم ومصادرة كل قضاياها وكل ثرواتها، والعبث بأمنها وبكل سياستها.
إنّهم ينطلقون صفاً واحداً، لأنّهم مهما اختلفوا في مصالحهم، فإنهم يلتقون على مواجهة أمة الإسلام والمسلمين التي يريدونها أن تتحوّل إلى بقرة حلوب تعطي الرخاء لاقتصادهم حتى على أساس فقر البلاد الإسلامية، وهكذا نحن نرى أن أغلب الثروات الإسلامية تذهب إلى مواقع المستكبرين، حتى إنهم عندما يدفعون ثمن البترول فإنهم يستغلّونه في مصارفهم وفي تحسين أوضاعهم، ويحجزونه عندما نختلف معهم، ويوظفونه في البورصات، واللعب بالأسهم هنا وأسهم هناك، يرفعونها تارة لمصالحهم ويخفضونها أخرى..
إن الأمة الإسلامية أمام حالة الضعف والعجز والفشل، وأمام الخطة التي ينطلق بها المستكبرون، لا تدير أمورها بنفسها، ولا تتحرك من أجل ضبط أوضاعها وقضاياها وتنمية طاقاتها وقوتها، لذلك أصبحت أكلة للآكلين، ولذلك فإن علينا أن نتحرك كأمة ولا نتحرك كأفراد، وأن يكون لنا الوعي السياسي والاجتماعي كما هو الوعي الثقافي والإسلامي، من أجل أن نحفظ أمتنا من كلِّ التحديات التي تواجهنا، فتعالوا لنرى ماذا هناك:
أمريكا قمة الوحشية في انتهاك حقوق الإنسان
هل بدأ الرئيس الأمريكي بوش بحربه ضد الفلسطينيين بالتحالف مع إسرائيل تحت شعار الحرب ضدّ «الإرهاب» الذي تحوّل إلى سيفٍ يجرِّده في وجه الذين يبحثون عن الحرية ويعارضون السياسة الأمريكية، وليلحق العالم كلّه للقيام بهذا الدور من دون السماح لأحد بالاعتراض والمناقشة، والتمييز بين مفهوم الإرهاب والمقاومة من أجل التحرير...؟!
لم تعترض الإدارة الأمريكية ورئيسها على عمليات الاغتيالات والاجتياحات، حتى إنها لم تتحدَّث حتى بأسلوب الأسف عن الضحايا من المدنيين الفلسطينيين، وعن عذابات الشعب الفلسطيني من جراء العقاب الجماعي للشعب كلّه بتقطيع أوصاله ومصادرة أراضيه، ومحاصرته في حياته الغذائية، ما يمثل قمة الوحشية في انتهاك حقوق الإنسان.. ولم تناقش شارون عندما قال إن عمليات الاغتيال لنشطاء الانتفاضة ستتواصل بوتيرة أوسع حتى في ظلّ الهدنة، لأنه ليس معنياً بها، بل هي أمر داخلي فلسطيني... حتى إذا لم يصبر المجاهدون على هذا المسلسل الدموي الإسرائيلي، وقاموا بمهاجمة الأمن الإسرائيلي دفاعاً عن الأمن الفلسطيني، تحركت الأجهزة الأمريكية لإدانة هذا العمل الشرير ـ حسب تعبير مجلس الأمن القومي الأمريكي ـ بأشدّ العبارات، ودعوة السلطة الفلسطينية إلى التحرّك لتفكيك الشبكات الإرهابية. وأعطى الرئيس بوش الضوء الأخضر الكبير للقيام بعملية إبادة للمجاهدين بمختلف الأسلحة الأمريكية بواسطة السلطة الفلسطينية التي أبدت كل استعداد لتصفية رجال الانتفاضة، حتى إن بعض المسؤولين الأمنيين فيها أعلن أنه سيقوم بالمهمة الأمنية ضدّ كلّ الذين يتحركون في مواجهة إسرائيل حتى النهاية... وجاءت عملية اغتيال المجاهد إسماعيل أبو شنب بالطائرات الأمريكية بطريقة وحشية، لتخلط كل الأوراق، ولتجعل المجاهدين في حلّ من الالتزام بالهدنة.. ولا تزال الإدارة الأمريكية ورئيسها يدعوان إسرائيل إلى مزيد من الاغتيالات، والحصار الخانق للشعب الفلسطيني، وقد قدّمت للحكومة الصهيونية جائزة كبيرة في ضمانات القروض، التي بلغت تسعة مليارات دولار، إضافةً إلى مساعدة خاصة تقدّر بمليار دولار تشجيعاً لها على القيام بهذه الحرب بالتحالف الاستراتيجي الأمريكي الإسرائيلي.
إنّ الرئيس بوش لا يؤمن بالحرية للشعب الفلسطيني، بل هي للشعب اليهودي وحده، وعلى الفلسطينيين أن يقبلوا الحلّ الصهيوني الذي يحوّل أرضهم إلى سجن كبير، وأوصال جغرافية مقطّعة تسمى دولة... إنه يتحدث عن الأمن الإسرائيلي، ولا يتحدث عن السياسة وعن الاحتلال، لأنه يرى ـ مع إدارته ـ بأن الاحتلال هو دفاع عن النفس، أمّا التحرير والمقاومة فهو إرهاب.
صبرٌ وصمود في وجه الغطرسة الإسرائيلية
إننا نريد من العالم العربي والإسلامي الغارق في نومة أهل الكهف بقدر ما يتصل الأمر بالقضايا العربية والإسلامية المصيرية، ولا سيما القضية الفلسطينية من خلال خارطة الطريق التي لم يلتزم بها اليهود على أرض الواقع، نريد منه أن يستيقظ من هذه الغيبوبة السياسية، لأن إسرائيل إذا انتصرت على الانتفاضة فلن يبقى هناك أية كرامة عربية أو إسلامية على مستوى المسؤولين.. ولن يعرفوا أي عنفوان للحرية والاستقلال.
وإننا نعتقد أن الشعب الفلسطيني المثخن بالجراح سوف يعرف طريقه إلى الصمود والصبر والتخطيط للمواجهة والمحافظة على الوحدة، في دراسة واعية للظروف الموضوعية المحيطة بالقضية والمنطقة، وللمتغيرات التي تتحرك معها الرياح من كل جانب.
المقدسات في خطر
ومن جهة أخرى، فإننا نتذكّر في مناسبة ذكرى محاولة إحراق المسجد الأقصى، كيف أن الاحتلال الصهيوني قبل أيام أعطى الحرية لغير المسلمين من السوّاح واليهود في الدخول إلى ساحاته، الأمر الذي نخشى معه أن تتطور الأمور إلى إقامة اليهود شعائرهم الدينية إلى جانب المسلمين، ليكون المسجد الأقصى مشتركاً بينهم وبين المسلمين، كمقدمة لبناء الهيكل. إن على المسلمين التحرّك من أجل ممارسة الضغوط بكلّ قوّة، لأن السكوت عن ذلك وأمثاله قد يؤدي إلى نتائج مأساوية على مستوى المقدسات الإسلامية.
الاحتلال: خداع وتضليل
أما العراق فإنه لا يزال في حالة اهتزاز أمني، بحيث بدأ الوضع يتحول إلى ما يشبه الفوضى، ولا يزال الشعب العراقي يعاني من فقدان الشروط الضرورية الحيوية للحياة، وذلك من خلال فشل قوات الاحتلال في إدارة الخدمات الضرورية، وتحوّلها إلى الدفاع عن جنودها بدلاً من الدفاع عن الشعب العراقي الذي بدأ أفراده من المدنيين يسقطون قتلى وجرحى بفعل الجيش الأمريكي الذي يطلق الرصاص عشوائياً، فيقتل الأطفال والنساء والشيوخ، ويدمِّر البيوت ثم يعتذر عمّا ارتكبه. كما إن هذه القوات لم تستطع حماية المؤسسات الدولية، ولا سيما مؤسسة الأمم المتحدة التي أصابها التفجير المأساوي.
والسؤال: كيف نصدّق الاحتلال الذي لم يستطع تحقيق أية انطلاقة سياسية عندما يَعِد العراقيين بالحرية والديموقراطية والأمن.. إنها الكذبة الكبرى التي تعرف أجهزة الأمن الأمريكية كيف تطلقها من أجل الخداع والتضليل، كما أطلقت أكذوبة أسلحة الدمار الشامل.
لبنان: أخطبوط فساد
أما في لبنان، فإن حركة إزالة التعديات الكهربائية قد تكون ناجحةً جزئياً، ولكن السؤال: الجميع يعترفون بأن بعض الذين يديرون هذه المؤسسة أو أشرفوا عليها، قد أخذوا العمولات والرشاوى من أكثر من جهة، ويقال إنهم معروفون بأسمائهم... فهل تملك الدولة قوّة لتسترجع منهم تلك الأموال؟ وهل يملك أحد محاسبة الكبار النافذين على ما أخذوه من خلال المسؤولين من جماعتهم؟... ثم هل نطمع أن تمتد هذه الانتفاضة الإصلاحية المحاسبية لتشمل كل الملفات التي تمثل أخطبوط الفساد في البلاد...
إننا نخشى، ومن خلال تجاربنا التاريخية في مسيرة الحكومات المتلاحقة، أن تبقى الأسئلة بلا جواب، وأن يبقى التمييع والتسويات والترضيات بين الكبار سيد الموقف. |