ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين، ومما جاء في خطبته الأولى:
الالتزام بمنهج أهل البيت(ع)
يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {إنما يريد الله ليُذهب عنكم الرجس أهل البيت ويُطهّركم تطهيراً}.
في تراث الإمام جعفر الصادق(ع)، أنه كان في أكثر أحاديثه يتحدث عن رسول الله(ص)، ليعرِّف الناس بالإسلام من خلال رسول الله(ص)، وكان في ما لا ينسبه إلى رسول الله بشكل مباشر، يؤكد للناس أن حديثه هو حديث رسول الله، وأن الأئمة من أهل البيت(ع) ليست لهم أحاديث خاصة، وآراء خاصة، بل إنهم في كل ما يقولونه وفي كل ما يفعلونه ينطلقون من حديث رسول الله ومن سيرته.
وهذا هو منهج أهل البيت(ع)، الذي يدعو إلى ارتباط الناس برسول الله(ص)، ليلتزموا سنته، وليبقوا في خط رسالته، فلا يستغرقون في أي شخصية أكثر مما يستغرقوا في شخصيته، فهو الأصل وهو الرسول وهو الإمام وهو الحجة، والأئمة من أهل البيت(ع)، هم من خلال علي تلاميذه وخلفاؤه وأوصياؤه.
ولذلك، لا بدّ لنا أن نذكر رسول الله(ص) في ما نُطلق من فكر، وفي ما نستنبط من فقه، وفي ما نلقيه من موعظة، حتى يبقى رسول الله(ص) فينا عقلاً يهدينا إلى الحقيقة، وقلباً يعلّمنا المحبة، ولساناً يعرّفنا الصدق، وحركةً تعرِّفنا الاستقامة في خط الله سبحانه وتعالى.
لسيرة صحيحة: توثيق الأحاديث والرواة
أن لا يبقى رسول الله(ص) فينا مجرد مولد نلهو به، كما يفعل الكثير من الناس عندما ينذرون أن يقيموا مولداً، حيث لا علاقة له برسول الله(ص)، لا من قريب ولا من بعيد، حيث يقرأ المولد والناس مشغولون بالحلويات وبالمقبلات، ولا يذكر فيه أي شيء عن رسول الله وعن أخلاقه وعن سيرته وعن كل فضائله، إنما يقرأ في كتاب قد لا يكون موثوقاً في هذا المجال، وهكذا بالنسبة للتعازي، بحيث يؤتى بقرّاء أشبه بالأميين أو قارئات أشبه بالأميات يشوّهون العزاء أكثر مما يعطون الفكرة الحسينية.
ولذا، أصبحت أغلب هذه المجالس ـ ولا نقول كلها ـ تؤكد التخلف وتحشو عقول الناس بالخرافة. إن المسألة هي أنه حتى يذكر الإنسان رسول الله، لا بد أن يكون له الثقافة الإسلامية الواسعة، ولا بد أن يقوم بعملية تحقيق تاريخي. وهكذا عندما نريد أن نذكر الحسين(ع) في سيرته، فإن علينا أن نوثّق كل حديث، لندقق في أن الذين رووه هل هم ثقاة أم ليسوا بثقاة؟! كما هو الحال في كتاب البحار مثلاً الذي يقول عنه صاحبه بأنه لا يلتزم بكل ما ورد فيه، وإنما هو كناية عن تجميع معلومات.
إنّ الخطورة تكمن في أن الذين يتولّون وعظ الناس وتوجيههم لا يملكون ثقافة إسلامية عميقة واقعية، وفي ظل وضع أصبحنا فيه لا نتفاعل إلا مع قارىء التعزية الذي يملك صوتاً جميلاً، والذي يتقن التلحين أكثر، حتى إنني كنت أقول لبعض قرّاء التعزية من الخطباء، لماذا تنقل هذه المسألة غير الصحيحة وأنت تعرف أن هذا كذب، فيقول: ماذا أفعل، الناس يريدون شيئاً يُبكي، ولا يمكن إبكاءهم إلا إذا قرأت مثل هذه الروايات.
فلو ذكرت واقعة الحسين(ع) بمأساتها أمامنا لما بكينا، ولكننا نبكي لمجرد سماع التلحين. وهكذا وصل الأمر إلى حد أصبح فيه من يسمون بالرواديد، يدخلون الألحان الموجودة بالأغاني على نحو يناسب القصة، ويقولون عنها بأنها أغاني شرعية وألحان شرعية، ولقد قال لي بعض الأشخاص بأنه يبكي الناس عن طريق الإتيان بشعر فيه حنين ولا علاقة له بالحسين من قريب أو بعيد.
الارتباط بالثقافة الأصيلة لأهل البيت(ع)
نحن في عصر الثقافة، وفي عصر انفتح فيه العالم على الثقافة الإسلامية وعلى التشيع، ومن المؤسف أن الكثير من الفضائح والخرافات والغلوّ وما إلى ذلك يعرض على الإنترنت والتلفزيونات والإذاعات، والآخر يراقب ويقول تعالوا، انظروا إلى ما عند الشيعة، وفي هذه الأوضاع كيف يمكن للناس أن تحترم هذا الفكر.
لذلك، لا بد أن تكون هذه المسألة موضع دراسة لكل القائمين عليها، لأنها ليست قضية عاطفة، وإنما أصبحت من المسائل المرتبطة بالثقافة الإسلامية وبثقافة أهل البيت(ع) التي نقدمها للعالم.
ولذلك لا يجوز أن ندع الأشخاص شبه الأميين، والذين لا يملكون ثقافة تاريخية ولا إسلامية ولا علمية، يوجّهون الناس، لأن من يريد أن يوجه الناس لا بد أن يملك الكثير من ثقافة التوجيه.
لذلك كان أهل البيت(ع) يؤكدون لنا أن يكون ارتباطنا بالمصادر الأساسية للإسلام، وكانوا يذكرون الله في كل أحاديثهم وفي كل أوضاعهم.
حركة اللسان بين الإثارة والحكمة
ومن بين هذه الأحاديث ـ ونحن في أجواء ذكرى الإمام الصادق(ع) ـ التي ركّز عليها في روايته عن رسول الله(ص) مسألة حركة اللسان، واللسان معروف أنه هو الوسيلة التي يعبر فيها الإنسان عن كل ما لديه من فكر ومزاج ومشاعر وأحاسيس وصداقة وعداوة وحب وبغض وما إلى ذلك، وهو وسيلة التواصل مع الآخرين.
والنبي(ص) في هذه الأحاديث التي نقلها الإمام الصادق(ع)، ينبّه إلى خطورة استخدام اللسان على الدين والدنيا معاً، لأنه يمكن أن يحقق نتائج سلبية على مستوى إثارة الفتن وعلى مستوى إثارة الحروب، خصوصاً إذا كان من يتكلم ممن يستمع الناس إليه، وممن يأخذون بكلامه وبخطابه.
فقد يتحدث عن موضوعات تتعلق بالسلم والحرب، وقد يتحدث عن موضوعات تتعلق بالأوضاع الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية.
وربما يعمل الكثير من الناس على إثارة الفتن المذهبية التي تفرّق بين المسلمين على المستوى الشعبي، بين السنة والشيعة مثلاً، بحجّة إظهار الحقيقة.
ولكن لا بد من التمييز بين أسلوب الإثارة والتشهير والتجريح، الذي يستثير الغرائز والأحقاد، وبين أسلوب تبيان الحقيقة من خلال الحكمة والموعظة الحسنة والحوار المفتوح، وهكذا في الأنواع الأخرى من الفتن السياسية والحزبية والفتن الاجتماعية، والذي غالباً ما تكون وراءه الأجهزة المخابراتية في العالم، والتي تعتمد الكذب لإحداثها، وهذا ما درجت عليه المخابرات الإسلامية، ولكن بأسلوب آخر، بحيث يجوَّز الكذب تحت العنوان الثانوي، وما إلى ذلك، والكذب كما نعلم يزوّر الحقيقة ويقلب الصورة ويجعل الإنسان يتصور الأمور على غير صورتها، وكم من بيوت وأسر هدمتها الإشاعات والأكاذيب على رؤوس أصحابها، لأن هناك كلمة انطلقت هنا، وإشاعات انطلقت هناك.
ولذلك كان النبي(ص) يؤكد على خطورة اللسان وكان الإمام الصادق(ع) ينقل بعض هذه الأحاديث.
عن الإمام الصادق(ع)، قال: "جاء رجل إلى النبي(ص) فقال: يا رسول الله أوصني، قال: احفظ لسانك ـ ولكن هذا لم يكتفِ بهذه الوصية ـ قال: يا رسول الله أوصني، قال: احفظ لسانك، قال: يا رسول الله أوصني، قال: احفظ لسانك، ويحك وهل يكبّ الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم".
وفي حديث آخر عن رسول الله(ص) رواه الإمام الصادق(ع): "قال رسول الله(ص): من لم يحسب كلامه من عمله كثرت خطاياه وحضر عذابه".
لذلك يقول النبي(ص) حسب هذه الرواية، إن على الإنسان أن يعرف أن كلامه جزء من عمله، وأن سيحاسب على كلامه كجزء من هذا العمل، لأن العمل على قسمين: عمل تتحرك فيه الأعضاء، وعمل يتحرك فيه اللسان.
وهكذا، "وحضر عذابه" يعني يواجه العذاب، لأن العذاب يحضر في مسؤولية الإنسان بحضور أسبابه من الكلام الذي لا يرضي الله.
وقال بعض الرواة: سمعت أبا عبد الله جعفر الصادق(ع) يقول: "قال رسول الله(ص): من رأى موضع كلامه من عمله قلّ كلامه إلا في ما يعنيه"، وهذا يعني أن على الإنسان أن يقتصر في حديثه على الكلام الذي هو جزء من مسؤوليته ويتصل بحياته.
قال رسول الله(ص)، وهذا حديث خطير جداً: "يعذب الله اللسان بعذاب لا يعذب به شيئاً من الجوارح. فيقول اللسان: أي ربي عذبتني بعذاب لم تعذب به شيئاً، فيقال له: خرجت منك كلمة فبلغت مشارق الأرض ومغاربها، فسُفك بها الدم الحرام ـ إما لأنها خلقت فتنة أو مشكلة، أو أنها سلطت ظالماً على شخص من خلال الجواسيس والمخابرات الذين ينقلون الكلام عن الأبرياء إلى الظلمة ـ وانتهب بها المال الحرام، وانتهك بها الفرج الحرام. وعزتي وجلالي لأعذبنّك بعذاب لا أعذب به شيئاً من جوارحك". والخطاب هنا للإنسان.
قال رسول الله(ص) في الحديث المروي عن الإمام الصادق(ع): "أمسك لسانك، فإنها صدقة تصدّق بها على نفسك" يعني عندما تتصدّق على الآخرين، فإن الصدقة تعطيك خيراً في الدنيا من خلال نتائجها في المجتمع، وفي الآخرة يعطيك الله ثواب الصدقة، وهناك صدقة تتصدق بها على نفسك، وهي أن تمسك لسانك عن كل ما يضرّك أمام الله والناس. "ولا يعرف عبد حقيقة الإيمان حتى يخزن من لسانه"، أي يتحفظ في كلامه، فلا يطلق من الكلام ما ليس فيه مصلحة.
والحديث الأخير، عندما بادر النبي(ص) شخصاً بالكلام ليعظه ويوجهه بأن من الممكن للإنسان أن يبلغ الجنة بعد الإيمان بالله ورسله واليوم الآخر وفرائضه، وذلك من خلال العمل الاجتماعي إذا كان فيه مصلحة الأمة، سواء كان انتصاراً للمظلومين، أو بتوجيه الناس الجاهلين، أو من خلال حفظ اللسان.. يقول: "قال رسول الله(ص) لرجل أتاه: ألا أدلّك على أمر يدخلك الله به الجنة قال: بلى يا رسول الله ـ ومن منّا لا يحب اختصار الطريق إلى الجنّة ـ قال: أنِل مما أنالك الله ـ لقد أعطاك الله رزقاً قد يحتاجه بعض الناس فأعطهم مما أعطاك الله، وهذا عمل يدخلك الجنة ـ قال: فإن كنت أحوج ممن أنيله؟ قال: فانصر المظلوم ـ استعمل قوتك في سبيل نصرة المظلوم ـ قال: فإن كنت أضعف ممن أنصره، قال: فاصنع للأخرق ـ أي أشر على الأحمق الذي لا يملك العقل الذي يستطيع من خلاله أن يدبر أموره ـ قال: فإن كنت أخرق ممن أصنع له، قال: فاصمت لسانك ـ أي بيدك أن تطلقه وبيدك أن تضبطه ـ إلا من خير ـ أي أبعد لسانك عن الشر ووجهه إلى الخير ـ ثم قال له، أما يسرك أن تكون فيك خصلة من هذه الخصال تجرك إلى الجنة".
وهكذا ـ أيها الأحبة ـ نلتقي مع رسول الله(ص) والإمام الصادق(ع) وأئمة أهل البيت(ع)، في هذه القيم الروحية الأخلاقية التي ترفع من روحية الإنسان وتصنع التوازن في المجتمع وتقرّب بين الناس وتسير بالجميع إلى الخط المستقيم.
الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
عباد الله، اتقوا الله في ما تطلقون به ألسنتكم، لا سيما في المراحل الصعبة التي ربما تحرق الكلمة فيها مجتمعاً أو تحرك الكثيرين من أعداء الله لينفذوا منها إلى التدخل في شؤون الإسلام والمسلمين، وإلى مصادرة أوضاعهم العامة، وهذا ما نلاحظه في ما تقوم به المخابرات الدولية التي تحاول أن توظف الكثيرين من المسلمين من أجل أن يثيروا فتنة دينية هنا وفتنة طائفية هناك، وفتنة عائلية أو حزبية أو ما أشبه ذلك، حتى يخلطوا الأوراق في الواقع الإسلامي، وحتى يكون بأس المسلمين بينهم، ليضعفوا ويسقطوا، وليسطيع العدو أن ينفذ من خلال ذلك.
ونحن نلاحظ في مرحلتنا هذه التي تتحدانا في أكثر قضايانا أن المخابرات الدولية والتيارات غير الإسلامية، والحاكمين الذين يريدون أن يحاصروا شعوبهم، يعملون على أساس سياسة "فرِّق تسد"، ليقسموا الدين الواحد ويحوّلوه إلى مزق متناثرة، وليقسموا الوطن الواحد ويقسّموا حتى الحزب الواحد والحركة الواحدة والعائلة الواحدة وما إلى ذلك، حتى ينفذوا من هذه الثغرات ليكيدوا للإسلام والمسلمين، وهذا ما نلاحظه في السياسة الأمريكية في العالم الإسلامي، في كل اجتماعات العرب والمسلمين على مستوى المسؤولين أو على مستوى الأحزاب، فإننا نجد أنهم لا يخرجون بنتيجة، لأن المسألة أن كل واحد منهم ينطلق من خلال خط مرتبط بالمخابرات الدولية هنا وهناك، فتعالوا لنرى ما هي الصورة في عالمنا الإسلامي:
المؤتمر الإسلامي جزء من المشكلة
في طهران، انعقد مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية، للبحث في موضوع العراق والصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي والإرهاب، في الوقت الذي تُطلق أمريكا التهديدات ضد إيران وغير دولة أو منظمة إسلامية جهادية مقاومة للاحتلال، من أجل التخطيط لإرباك العالم الإسلامي بتوزيع الاتهامات الكاذبة هنا وهناك، في سياق الكذبة الكبرى حول أسلحة الدمار الشامل في العراق، التي لم تستطع أن تجد دليلاً عليها بالرغم من كل نشاط استخباراتها.. في الوقت الذي نعلم أن الظروف السياسية والأمنية لا تسمح بعمل عسكري، ولكن المسألة هي المزيد من الضغط الوقائي للتحذير من التدخّل في العراق...
إننا نتساءل: ما هي الآليات السياسية والاقتصادية والأمنية التي تملكها هذه الدول الإسلامية لتنفيذ قرارات مؤتمراتها في قضايا العالم الإسلامي، حتى لا تتحوّل إلى أوراق تتطاير في الهواء قبل أن ينفضّ المؤتمر؟ هذا إضافة إلى أن غالبية هؤلاء خاضعون للسياسة الأمريكية التي فرضت عليهم العجز والفشل والإحساس بالإحباط، وذلك من خلال الضغوط المتنوّعة التي تطبق على الواقع كله، ما أدى إلى أن يخاف غالبية هؤلاء من استخدام أوراق الضغط التي يملكونها في اللعبة السياسية، حتى أصبحوا مشكلة لقضايانا الإسلامية بدلاً من أن يكونوا جزءاً من الحل؟!.. إنه مؤتمر يصيب الشعوب بالإحباط، ويؤدي إلى المزيد من التعقيدات مع الأنظمة الحاكمة، والى إرباك الواقع كله.
القمة العربية: مزيد من التنازلات
وفي "شرم الشيخ"، يُعقد مؤتمر قمة عربي برئاسة الرئيس الأمريكي "بوش"، لبحث خريطة الطريق والحرب ضد الإرهاب، وذلك للضغط على المؤتمرين، ولا سيما المندوب الفلسطيني، للتسليم بكل الخطة الأمريكية التي تتفهّم تحفظات إسرائيل على "الخريطة"، والتي تفرّغها من مضمونها، لتحوّل الدولة الفلسطينية الموضوعة على الطاولة إلى نموذج للحكم الذاتي البلدي من دون سلاح أو سياسة أو ثروات مائية وما أشبه ذلك...
إن الرئيس الأمريكي سيطلب من المؤتمرين أن يقدّموا التنازلات لإسرائيل، وأن يسحبوا المبادرة العربية المرفوضة منها من التداول، لإقناعها بالقبول بـ"السلام" مع الفلسطينيين، من دون أن يطلب منها تقديم التنازلات لهم.. كما سيطالب بوش المؤتمرين بالضغط على السلطة الفلسطينية لإيقاف الانتفاضة، لتراقب إسرائيل سلامة التطبيق، من دون أن توقف عدوانها على الشعب الفلسطيني، بحجة حماية الأمن الإسرائيلي؟؟
القمّة الفلسطينية ـ الإسرائيلية: القضاء على الانتفاضة
إن العرب قد تعوّدوا على أن أمريكا تسحب كل قراراتها السياسية والأمنية إذا لم توافق عليها إسرائيل، وتحمّل الفلسطينيين المسؤولية عن ذلك كله... إن المشكلة هي أن هؤلاء لا يملكون أن يقولوا لأمريكا ولرئيسها كلمة "لا"، لأنهم أدمنوا كلمة "نعم" لكل ما تفرضه أمريكا على الواقع العربي كله...
وفي العقبة (في الأردن)، قمة إسرائيلية ـ فلسطينية ـ أمريكية لن تكون بأفضل من القمة العربية، لأن المطلوب أمريكياً ـ في هذه القمة ـ أن يساعد الفلسطينيون "شارون" للحصول على موافقة حكومته المعارضة لخارطة الطريق، وذلك بالتخلي عن كثير من مطالبهم في القدس وعودة اللاجئين وإزالة المستوطنات، ليقبلوا بما تقدّمه إسرائيل لهم ...
أما القمة بين رئيس الوزراء الفلسطيني ورئيس وزراء العدو، فإنها لن تكون بأفضل من القمة السابقة، حتى لو قدّم "شارون" بعض المغريات التي لا قيمة لها للفلسطينيين مع بقاء الاحتلال والاغتيالات والاعتقالات، ما جعل البعض يتساءل: هل هناك خطة مشتركة للقضاء على مجاهدي الانتفاضة بيد صهيونية، لتنظيف الساحة الفلسطينية من أية معارضة للتنازلات الفلسطينية في المستقبل؟؟
وعود أمريكية كاذبة
أما في العراق، فقد فشلت أمريكا ـ ومعها قوات التحالف ـ في تحقيق أيّ وعد سياسي أو أمني أو اقتصادي للعراقيين وللعالم، ما أدى إلى الكثير من الإرباك في القضايا العامة، ولا سيما على صعيد الأمن والخدمات، وهذا هو الذي أدى إلى نشوء بعض حالات المقاومة بشكل متحرك، إضافة إلى التظاهرات المطالبة بزوال الاحتلال، ليقرر الشعب العراقي مصيره بنفسه، لأنه يملك الكفاءات والإمكانات المتنوّعة لحكم نفسه بنفسه.
الإقلاع عن المناكفات السياسية
أما في لبنان، فإن هناك أكثر من مشكلة سياسية أو اقتصادية أو بيئية، ولا سيما مشكلة النفايات في صيدا وغيرها، وفي الضاحية الجنوبية، وخصوصاً في المناطق المجاورة لمعمل نفايات العمروسية، وما يتسبب به من مشاكل صحية نتيجة الروائح المنبعثة منه، والتي قال لنا الأهالي الذين شكوا لنا إنها انعكست مزيداً من الأمراض التي تفتك بالناس وخصوصاً في منطقة "حيّ السلم"..
إننا ندعو المسؤولين، ولا سيما الأجهزة الصحية الرسمية، إلى التحقق من ذلك ومعالجته بسرعة، حفاظاً على صحة المواطنين... إن البلد بحاجة إلى مطامر صحية، كما يحتاج إلى بعض المطامر لوأد الخلافات والمناكفات السياسية التي تجعله رهين الفوضى السياسية والإهمال الشامل. |