الأحاديث حوله متواترة لا مجال للشك فيها : الإمام المهدي (عج).. امتداد الإمامة مع الكتاب

الأحاديث حوله متواترة لا مجال للشك فيها : الإمام المهدي (عج).. امتداد الإمامة مع الكتاب
ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، وقال في خطبته الأولى:

 

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {إنما يريد الله ليُذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً}. من أهل هذا البيت ومن أئمته (ع) الإمام الحجة (عج)، الذي أعدّه الله تعالى من أجل أن يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بالإسلام، كما ملئت ظلماً وجوراً بالكفر والضلال والانحراف، هذا الإمام الذي نستقبل ذكرى مولده في الخامس عشر من شعبان، لنعيش آفاقه في غيبته، ولننفتح على حركته وثورته وانتصاراته في ظهوره.

غيبته (عج) وظهوره من غيب الله

وغيبة الإمام المهدي (عج) وظهوره، هما غيب من غيب الله، فكما أنّ لله تعالى الكثير من الغيب في عالم الآخرة، فله غيبه في عالم الدنيا مما عاشه الأنبياء والأولياء، ومن غيبه، غيبة الإمام المهدي (عج)، التي تمتد مع الزمن إلى ما شاء الله، خارجة عن المألوف في العمر وفي أكثر من جانب. فقضاء الله سبحانه قد ينطلق بغير المألوف لدى الناس، كما انطلق في معجزات الأنبياء، فتحوّلت العصا إلى ثعبان "يلقف ما يأفكون"، وتحوّلت اليد السمراء إلى يد بيضاء لدى موسى (ع)، وشقّ الله له في البحر "طريقاً يبساً"، وجعل عيسى (ع) يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله، وأعطى محمداً (ص) المعجزة الكبرى، وهي القرآن الكريم، والكثير من الكرامات. وقد أعطى القرآن الكريم من تاريخنا القرآني الديني نموذج نوح (ع) الذي عاش ألف سنة أو تزيد، "فلبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً"، ولا ندري كم عاش بعد الطوفان خارج نطاق قومه، وحدّثنا الله تعالى في الآخرة عن يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدّون، وعن يوم كان مقداره خمسين ألف سنة..

إن الله تعالى الذي يمنح الإنسان عمراً قصيراً بقدرته، هو الذي يمنح الإنسان عمراً طويلاً بقدرته، فهو الذي خلق، وهو الذي قدّر، وهو الذي قضى، ولذلك لا مجال لأن يعترض المعترضون عندما تكون المسألة متصلة بقدرة الله، لأنه على كل شيء قدير، فقد يعترض المعترضون عندما تكون المسألة متصلة بقدرة الناس، لأن قدراتهم محدودة في ما يختارون وفي ما يتحركون.

المكمل للرسالة

وهكذا، كانت القضية أن يكون الخلفاء من قريش ومن بني هاشم بالذات، ولذلك كان (عج) المكمِّل لما ورد عن رسول الله (ص): "الخلفاء اثنا عشر كلهم من قريش"، في ما اختصه الله تعالى من عناصر وخصائص وملكات لم يختص بها غيره، جعلته المؤهل لليوم الموعود الذي يتغيّر فيه الواقع الإنساني إلى واقع يأخذ فيه المستضعفون حقوقهم ويعيشون فيه حريتهم، على هدى الآية الكريمة، التي وإن نزلت في عهد موسى (ع)، ولكنها تحمل في مضمونها سنن الله في الكون إلى اليوم الموعود: {ونريد أن نمنّ على الذين استُضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين * ونمكِّن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون}.

تارك فيكم الثقلين

وهذا ما جاءت به الروايات الواردة عن أهل السنة والشيعة في حديثها عن شخصية الإمام المهدي(عج)، فالعقيدة المهدية هي عقيدة إسلامية يؤمن بها المسلمون من السنّة والشيعة، وقد أكدتها أقوال الكثير من المؤرخين والعلماء والباحثين، الذين أشاروا إلى أن الأحاديث في الإمام (عج) متواترة لا مجال للشك فيها، وقد ورد عن رسول الله (ص) في حديث الثقلين عن "زيد بن أرقم" يقول: "إني تارك فيكم الثقلين؛ كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض"، يعني أنه في كل زمان يكون فيه كتاب الله، فهناك إمام من أئمة أهل البيت (ع)، ولن يفترقا، بل لا بدّ أن تمتد حركة الإمامة مع امتداد حركة الكتاب في الواقع، بنص كلام رسول الله (ص).

المهدي (عج) من عترتي

ويُروى في كتب المسلمين من أهل السنّة عن "ابن مسعود"، أن النبي (ص) قال: "لا تذهب الدنيا حتى يلي أمتي رجل من أهل بيتي يقال له المهدي"، وعن "أبي هريرة" عن النبي (ص) أنه قال: "لو لم يبقَ من الدنيا إلا يوم واحد، لطوّل الله ذلك اليوم حتى يُخرج رجلاً من أهل بيتي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً"، وعن "أم سلمى" زوجة النبي (ص) أنها قالت: "سمعت رسول الله (ص) يقول: "المهدي من عترتي من ولد فاطمة (ع)"، وفي حديث أنه قال (ص): "إنه من ولدي هذا"، وأشار إلى الحسين (ع). وقد وردت روايات كثيرة عن أئمة أهل البيت (ع) وهم يبشّرون به، كما ورد اسمه (عج) في صحيفة عند الزهراء (ع) فيها تعداد أسماء الأئمة (ع) ، وقد ورد عن النبي (ص): "اسمه اسمي وكنيته كنيتي"، وورد عنه (ص): "إنه أشبه الناس بي خُلُقاً". هذه هي المسألة في الخط العام.

مسؤولياتنا زمن الغيبة

ما هي مهمتنا ومسؤوليتنا في زمن الغيبة؟ لقد دلّنا الإمام (عج) على الطريق الذي يجب أن نسلكه بعد أن أجاب على أسئلة أحد الرواة، فعرّف أتباعه آنذاك في أيام السفراء الأربعة، بأن الغيبة الصغرى التي كان الناس يتصلون فيها به بشكل مباشر من خلال السفراء الأربعة قد انتهت، وأن الغيبة الكبرى قد بدأت، قال (عج) وهو يجيب هذا السائل: "وأما الحوادث الواقعة - ما يستجدّ من أحداث تحتاجون فيها إلى معرفة أحكامها وخطوطها - فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا - هؤلاء الذين جمعوا أحاديث أهل البيت (ع)، فرتّبوها ونظّموها وفهموها - فإنهم حجّتي عليكم - لأنكم لن تعيشوا في فراغ - وأنا حجّة الله".

أ ـ اتباع العلماء المخلصين

ولذلك، فإن علينا أن نرجع إلى العلماء الذين يملكون علم الإسلام وتقواه، الذين أخلصوا لله ولرسوله، ولم يرتبطوا بسلطان جائر، ولم يخضعوا لأي حاكم ظالم، ولم يتحركوا في خط الانحراف السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي، كما قال رسول الله (ص) في ما روي عنه: "العلماء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا"، قيل: يا رسول الله وما دخولهم في الدنيا؟ قال (ص): "اتّباع السلطان - الذين يتبعون حكام الجور ويبررون لهم أفعالهم، ويؤيدونهم في مواقفهم وأوضاعهم، ويمنحونهم فتوى هنا عندما يريدون فتوى بالحرب، وفتوى هناك عندما يريدون فتوى بالسلم، بحيث يخضعون علمهم لحكام الجور - فإذا رأيتم العالم محبّاً لدنياه - لا يهتم برسالته ولا بدينه، ولا يتحرك من أجل رفعة أمته وإعزاز الإسلام، بل يهتم بمصالحه ونزواته، والحصول على المال، أجاء من حلال أو حرام، وفي البحث عن مواقع السلطة وتأييد الظالمين ضد المظلومين - فاتهموه على دينكم"، لا تتحركوا معه لتأخذوا منه الدين أو لتتبعوه في خط الدين.

ب ـ الوقوف مع المستضعفين

الدور الثاني الذي لا بدّ أن نقف معه، هو أن نكون دائماً في عهد الغيبة مع المستضعفين في الأرض، الذين يعمل المستكبرون على مصادرة حقوقهم، وإضعاف مواقعهم واضطهاد إنسانيتهم، لأن الله تعالى يريدنا أن نقف مع المستضعفين المظلومين حتى لو كانوا كفّاراً. صحيح أنه لا بد لنا أن نقف ضد الكفر، لكن لا بدّ أن نقف ضد الظلم حتى لو كان الظالم مسلماً وكان المظلوم كافراً، فالله تعالى يريد لنا أن نعطي كل صاحب حقّ حقه، سواء كان مسلماً أو كافراً، لا يجوز لك أن تظلم الكافر في حقه إذا كان له حق عندك، كما لا يجوز لك أن تظلم المسلم في حقه إذا كان له حق عندك، وقد ورد عن أئمة أهل البيت (ع)، أن الله تعالى "أوحى إلى نبي في مملكة جبّار من الجبّارين أن ائتِ هذا الجبار وقل له إني إنما استعملتك لتكفّ عني أصوات المظلومين - لا أريد أن أسمع مظلوماً يشكو إلي في ظل حكمك - فإني لن أدع ظلامتهم وإن كانوا كفّاراً"، لأن الله تعالى يريد العدل للناس جميعاً، كما يريد الإيمان للناس جميعاً.

لذلك، لا بد أن نكون مع المستضعفين في الأرض ضد المستكبرين فيها، لأن الله تعالى يرفض الاستكبار من كل إنسان؛ يرفضه من المسلمين كما من الكافرين، لأن الاستكبار يمثل علوّ الإنسان على الإنسان، والله لا يريد لإنسان أن يعلو على إنسان آخر، وقد قال الله تعالى: {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوّاً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين}.

ج ـ إقامة العدل

والدور الثالث، أن رسالة الإمام (عج) هي رسالة الإسلام في إقامة العدل في الأرض، {وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى}، {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوّامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين}، فالإمام ينطلق ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً، فمن أراد أن يكون من جنوده وأتباعه، فعليه أن لا يظلم أحداً ممن يعيش معه؛ أن لا يظلم عياله في بيته، ولا جيرانه في محلّته، وأن لا يظلم الذين يكونون تحت سلطته عندما يحكم، أو في موقع قضائه عندما يقضي. إذا كنت الظالم لزوجتك وأولادك أو جيرانك، فكيف تكون من جنوده؟ جنوده هم العادلون، السائرون في طريق الحق.

لذلك، اعرفوا ما هي حقوق الناس عندكم؛ عندما تعيش مع أبويك، فاعرف حقهما عليك وحقك عليهما، وعندما تتزوج، اعرف حق زوجتك عليك وحقك عليها. لا بدّ أن نعرف حقوق الناس لنعطي لكل ذي حق حقه، سواء كان صغيراً أو كبيراً. علينا أن نربي أنفسنا ومجتمعنا على العدل، وليكون كلٌّ منا الإنسان العادل، ليكون مجتمعنا المجتمع العادل، وأمتنا الأمة العادلة.

إن انتظار الإمام (عج) يفرض علينا أن نعدَّ أنفسنا على أساس المواصفات التي يتميّز بها أنصاره وأتباعه والسائرون في طريقه، لأننا عندما نكون الظالمين، صغيراً كان الظلم أو كبيراً، فإننا سوف نكون في الخط الآخر، خط أعدائه لا خط شيعته وأتباعه، وهذا ما ينبغي لنا أن نفكّر فيه.

اللهم أرنا الطلعة الرشيدة والغرّة الحميدة، واجعلنا من أتباعه والمستَشهدين بين يديه والسائرين في طريقه.

 

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله.. اتقوا الله في كل مواقع حياتكم الخاصة والعامة، حاولوا أن تكتشفوا في التقوى إنسانيتكم، فإن التقوى تمثل في التشريع الإلهي حركة الإنسان في أن يكون إنساناً يتحسس إنسانية الآخر من إخوانه كما يتحسس إنسانية نفسه، وليكون الإنسان الذي يشعر أنه مسؤول أمام الله تعالى بقدر ما يملك من طاقة، فالله جعل الإنسان خليفته في الأرض، وحمله المسؤولية؛ كلٌّ بحسب طاقته والدائرة التي يتحرك فيها والمدى الذي ينطلق فيه، لمواجهة كل المنكرات في الأرض..

ومن التقوى أن يحمل الإنسان مسؤولية همّ الدعوة إلى الله والعمل في سبيله، والجهاد في سبيل إعزاز أمته، وأن يعيش الاهتمام بأمور المسلمين والدفاع عنهم، والوقوف ضد أعدائهم من الظالمين والمستكبرين. وهذا ما نحاول رصده في سلوكنا وأوضاع أمتنا، وأوضاع المستكبرين الذين يضطهدون الأمة في اقتصادها وسياستها وأمنها وثقافتها وفي كل مواقعها. لذلك، لا بدّ أن نعيش الوعي المنفتح على قضايا الأمة، لنرفض ما يبتعد عن مصلحتها، ولنؤيد ما يقترب من ذلك، فماذا هناك؟

المسألة الفلسطينية ولعبة الخداع الصهيوني

لا تزال المسألة الفلسطينية تتحرك في داخل لعبة الخداع الصهيوني، فالانسحاب الإسرائيلي من المساحة المتفق عليها في اتفاق "شرم الشيخ"، لم يعطِ الفلسطينيين إلا بعض الأراضي الجرداء التي لا تملك الإمكانات لأيّ تأهيل مدني، بينما يحتفظ الإسرائيليون بالأماكن الخصبة الآهلة، بحجة أن الاتفاق يمنح إسرائيل الحرية في اختيار الأرض التي تعطيها للفلسطينيين كما لو كانت صدقة عليهم، ولم تضغط أمريكا على إسرائيل، بل ربما مارس الموفد الأمريكي الضغط على الفلسطينيين للقبول بالأمر الواقع، والظاهر أنهم سيقبلون ذلك..

أما مفاوضات الحلِّ النهائي، فلن تعطي الفلسطينيين شيئاً كبيراً أمام "اللاءات" الإسرائيلية التي لا يجرؤ حاكم إسرائيلي على التنازل عنها، ما يجعل القضية تتحرك في دائرة الشدّ والجذب القائمة على الخداع والضغط والمراوغة، تحت السقف الأمريكي الذي يعطي إسرائيل المظلة الأمنية التي تحميها من أيّ ضغوط دولية أو عربية.. وعلى الفلسطينيين الانتباه إلى حجم اللعبة، لا سيما أن المرحلة هي مرحلة النهايات التي تصل يمكن أن تصل بهم إلى الهاوية على مستوى القضية، وتؤدي إلى سقوط المستقبل بكل أبعاده وشعاراته، ليكون عنوانه الكبير، خيانة القائمين على القضية للقضية كلها..

تهاويل لفكّ المسارين

أما في الدائرة السورية - اللبنانية، فإن اللعبة تستهدف إسقاط وحدة المسارين بمختلف التهديدات والضغوط المتواصلة من قبل المسؤولين الصهاينة ، تارة في العلن، وأخرى من خلال الرسائل الدبلوماسية، والتي كان آخرها أن إسرائيل "ستنسحب إلى الحدود الدولية، وبعدها ستضرب البنى التحتية والجيشين السوري واللبناني إذا تعرضت لأيّ عملية من أية جهة كانت"..

الانسحاب: انتصار للبنان

إننا نعرف أن هذا كله يمثل نوعاً من التهويل الإعلامي، ولذلك فإن علينا أن نعتبر الموقف موقف انتصار للبنان في فرض الانسحاب على العدوّ، فنحافظ على النتائج الإيجابية ولا نحوّلها إلى سلبيات، ونعمل على التخطيط لما بعد الانسحاب من دون خوف على الواقع من عملية الانسحاب "من جانب واحد"، ونواصل المسيرة على أساس رفض تأثير هذا الانسحاب في التفكيك بين المسارين السوري واللبناني، والبقاء في خط المواجهة لدعم الموقف السوري في المطالبة بالانسحاب من الجولان حتى حدود الرابع من حزيران، لأن القضية واحدة في الموقعين، بل في المواقع كلها.

وعلى ضوء ذلك، لا بدّ من التدقيق في التحليل الذي يؤدي إلى خلق حالة نفسية انهزامية وخائفة في البلد، يسقط من خلالها الناس في تهاويل ومخاوف المستقبل، لأن هناك فرقاً بين الدعوة إلى الحذر وبين الحديث عن الأخطار المرتقبة بطريقة تجعل الناس يعيشون الفزع أمام المرحلة القادمة..

الاستقلال: تحرير إرادة البلد

إن الاستعداد للمرحلة هو في المزيد من الوحدة الداخلية، والتخطيط الدقيق الواعي للقضايا الحيوية للبلد، لسدّ الفراغات السياسية والاقتصادية والأمنية التي قد ينفذ منها العدوّ، لا سيما أننا نلتقي بذكرى الاستقلال الذي ينبغي لنا أن نستوحي منه ضرورة الاستعداد للاستقلال الجديد بزوال الاحتلال من أرضنا، ليقف الشعب اللبناني كله على مشارف الجنوب - مع المقاومة - للاحتفال هناك بانسحاب المحتل من الأرض، وللتأكيد على أن الاستقلال لا يعني انسحاب المحتلّ من الأرض فحسب، بل انسحابه من الواقع السياسي والاقتصادي والأمني كله، وتحرير إرادة البلد بأن تكون لنا السياسة المستقلة المنطلقة من إرادتنا في الانفتاح في مواقع الانفتاح في المنطقة، والانغلاق في مواقع الانغلاق مع العدوّ..

لدعم الشعوب المستضعفة

وإلى جانب ذلك، لا بدّ لنا من البقاء في مواقع الدعم والتأييد للشعوب المستضعفة المضطهدة، لا سيما شعب العراق الذي يعيش في قبضة الحصار الداخلي والخارجي، والشعب الأفغاني الذي دخل في حصار جديد، وشعب الشيشان الذي لم يستطع المؤتمر المنعقد في تركيا أن يحقق له شيئاً، ما يجعل عملية إبادته وتهجيره مستمرة..

إن إيماننا بالعدل والحرية للشعوب المستضعفة، يفرض علينا أن نكون مع المستضعفين ضدّ المستكبرين، منفتحين على وعد الله بالنصر في نهاية المطاف..

ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، وقال في خطبته الأولى:

 

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {إنما يريد الله ليُذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً}. من أهل هذا البيت ومن أئمته (ع) الإمام الحجة (عج)، الذي أعدّه الله تعالى من أجل أن يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بالإسلام، كما ملئت ظلماً وجوراً بالكفر والضلال والانحراف، هذا الإمام الذي نستقبل ذكرى مولده في الخامس عشر من شعبان، لنعيش آفاقه في غيبته، ولننفتح على حركته وثورته وانتصاراته في ظهوره.

غيبته (عج) وظهوره من غيب الله

وغيبة الإمام المهدي (عج) وظهوره، هما غيب من غيب الله، فكما أنّ لله تعالى الكثير من الغيب في عالم الآخرة، فله غيبه في عالم الدنيا مما عاشه الأنبياء والأولياء، ومن غيبه، غيبة الإمام المهدي (عج)، التي تمتد مع الزمن إلى ما شاء الله، خارجة عن المألوف في العمر وفي أكثر من جانب. فقضاء الله سبحانه قد ينطلق بغير المألوف لدى الناس، كما انطلق في معجزات الأنبياء، فتحوّلت العصا إلى ثعبان "يلقف ما يأفكون"، وتحوّلت اليد السمراء إلى يد بيضاء لدى موسى (ع)، وشقّ الله له في البحر "طريقاً يبساً"، وجعل عيسى (ع) يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله، وأعطى محمداً (ص) المعجزة الكبرى، وهي القرآن الكريم، والكثير من الكرامات. وقد أعطى القرآن الكريم من تاريخنا القرآني الديني نموذج نوح (ع) الذي عاش ألف سنة أو تزيد، "فلبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً"، ولا ندري كم عاش بعد الطوفان خارج نطاق قومه، وحدّثنا الله تعالى في الآخرة عن يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدّون، وعن يوم كان مقداره خمسين ألف سنة..

إن الله تعالى الذي يمنح الإنسان عمراً قصيراً بقدرته، هو الذي يمنح الإنسان عمراً طويلاً بقدرته، فهو الذي خلق، وهو الذي قدّر، وهو الذي قضى، ولذلك لا مجال لأن يعترض المعترضون عندما تكون المسألة متصلة بقدرة الله، لأنه على كل شيء قدير، فقد يعترض المعترضون عندما تكون المسألة متصلة بقدرة الناس، لأن قدراتهم محدودة في ما يختارون وفي ما يتحركون.

المكمل للرسالة

وهكذا، كانت القضية أن يكون الخلفاء من قريش ومن بني هاشم بالذات، ولذلك كان (عج) المكمِّل لما ورد عن رسول الله (ص): "الخلفاء اثنا عشر كلهم من قريش"، في ما اختصه الله تعالى من عناصر وخصائص وملكات لم يختص بها غيره، جعلته المؤهل لليوم الموعود الذي يتغيّر فيه الواقع الإنساني إلى واقع يأخذ فيه المستضعفون حقوقهم ويعيشون فيه حريتهم، على هدى الآية الكريمة، التي وإن نزلت في عهد موسى (ع)، ولكنها تحمل في مضمونها سنن الله في الكون إلى اليوم الموعود: {ونريد أن نمنّ على الذين استُضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين * ونمكِّن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون}.

تارك فيكم الثقلين

وهذا ما جاءت به الروايات الواردة عن أهل السنة والشيعة في حديثها عن شخصية الإمام المهدي(عج)، فالعقيدة المهدية هي عقيدة إسلامية يؤمن بها المسلمون من السنّة والشيعة، وقد أكدتها أقوال الكثير من المؤرخين والعلماء والباحثين، الذين أشاروا إلى أن الأحاديث في الإمام (عج) متواترة لا مجال للشك فيها، وقد ورد عن رسول الله (ص) في حديث الثقلين عن "زيد بن أرقم" يقول: "إني تارك فيكم الثقلين؛ كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض"، يعني أنه في كل زمان يكون فيه كتاب الله، فهناك إمام من أئمة أهل البيت (ع)، ولن يفترقا، بل لا بدّ أن تمتد حركة الإمامة مع امتداد حركة الكتاب في الواقع، بنص كلام رسول الله (ص).

المهدي (عج) من عترتي

ويُروى في كتب المسلمين من أهل السنّة عن "ابن مسعود"، أن النبي (ص) قال: "لا تذهب الدنيا حتى يلي أمتي رجل من أهل بيتي يقال له المهدي"، وعن "أبي هريرة" عن النبي (ص) أنه قال: "لو لم يبقَ من الدنيا إلا يوم واحد، لطوّل الله ذلك اليوم حتى يُخرج رجلاً من أهل بيتي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً"، وعن "أم سلمى" زوجة النبي (ص) أنها قالت: "سمعت رسول الله (ص) يقول: "المهدي من عترتي من ولد فاطمة (ع)"، وفي حديث أنه قال (ص): "إنه من ولدي هذا"، وأشار إلى الحسين (ع). وقد وردت روايات كثيرة عن أئمة أهل البيت (ع) وهم يبشّرون به، كما ورد اسمه (عج) في صحيفة عند الزهراء (ع) فيها تعداد أسماء الأئمة (ع) ، وقد ورد عن النبي (ص): "اسمه اسمي وكنيته كنيتي"، وورد عنه (ص): "إنه أشبه الناس بي خُلُقاً". هذه هي المسألة في الخط العام.

مسؤولياتنا زمن الغيبة

ما هي مهمتنا ومسؤوليتنا في زمن الغيبة؟ لقد دلّنا الإمام (عج) على الطريق الذي يجب أن نسلكه بعد أن أجاب على أسئلة أحد الرواة، فعرّف أتباعه آنذاك في أيام السفراء الأربعة، بأن الغيبة الصغرى التي كان الناس يتصلون فيها به بشكل مباشر من خلال السفراء الأربعة قد انتهت، وأن الغيبة الكبرى قد بدأت، قال (عج) وهو يجيب هذا السائل: "وأما الحوادث الواقعة - ما يستجدّ من أحداث تحتاجون فيها إلى معرفة أحكامها وخطوطها - فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا - هؤلاء الذين جمعوا أحاديث أهل البيت (ع)، فرتّبوها ونظّموها وفهموها - فإنهم حجّتي عليكم - لأنكم لن تعيشوا في فراغ - وأنا حجّة الله".

أ ـ اتباع العلماء المخلصين

ولذلك، فإن علينا أن نرجع إلى العلماء الذين يملكون علم الإسلام وتقواه، الذين أخلصوا لله ولرسوله، ولم يرتبطوا بسلطان جائر، ولم يخضعوا لأي حاكم ظالم، ولم يتحركوا في خط الانحراف السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي، كما قال رسول الله (ص) في ما روي عنه: "العلماء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا"، قيل: يا رسول الله وما دخولهم في الدنيا؟ قال (ص): "اتّباع السلطان - الذين يتبعون حكام الجور ويبررون لهم أفعالهم، ويؤيدونهم في مواقفهم وأوضاعهم، ويمنحونهم فتوى هنا عندما يريدون فتوى بالحرب، وفتوى هناك عندما يريدون فتوى بالسلم، بحيث يخضعون علمهم لحكام الجور - فإذا رأيتم العالم محبّاً لدنياه - لا يهتم برسالته ولا بدينه، ولا يتحرك من أجل رفعة أمته وإعزاز الإسلام، بل يهتم بمصالحه ونزواته، والحصول على المال، أجاء من حلال أو حرام، وفي البحث عن مواقع السلطة وتأييد الظالمين ضد المظلومين - فاتهموه على دينكم"، لا تتحركوا معه لتأخذوا منه الدين أو لتتبعوه في خط الدين.

ب ـ الوقوف مع المستضعفين

الدور الثاني الذي لا بدّ أن نقف معه، هو أن نكون دائماً في عهد الغيبة مع المستضعفين في الأرض، الذين يعمل المستكبرون على مصادرة حقوقهم، وإضعاف مواقعهم واضطهاد إنسانيتهم، لأن الله تعالى يريدنا أن نقف مع المستضعفين المظلومين حتى لو كانوا كفّاراً. صحيح أنه لا بد لنا أن نقف ضد الكفر، لكن لا بدّ أن نقف ضد الظلم حتى لو كان الظالم مسلماً وكان المظلوم كافراً، فالله تعالى يريد لنا أن نعطي كل صاحب حقّ حقه، سواء كان مسلماً أو كافراً، لا يجوز لك أن تظلم الكافر في حقه إذا كان له حق عندك، كما لا يجوز لك أن تظلم المسلم في حقه إذا كان له حق عندك، وقد ورد عن أئمة أهل البيت (ع)، أن الله تعالى "أوحى إلى نبي في مملكة جبّار من الجبّارين أن ائتِ هذا الجبار وقل له إني إنما استعملتك لتكفّ عني أصوات المظلومين - لا أريد أن أسمع مظلوماً يشكو إلي في ظل حكمك - فإني لن أدع ظلامتهم وإن كانوا كفّاراً"، لأن الله تعالى يريد العدل للناس جميعاً، كما يريد الإيمان للناس جميعاً.

لذلك، لا بد أن نكون مع المستضعفين في الأرض ضد المستكبرين فيها، لأن الله تعالى يرفض الاستكبار من كل إنسان؛ يرفضه من المسلمين كما من الكافرين، لأن الاستكبار يمثل علوّ الإنسان على الإنسان، والله لا يريد لإنسان أن يعلو على إنسان آخر، وقد قال الله تعالى: {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوّاً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين}.

ج ـ إقامة العدل

والدور الثالث، أن رسالة الإمام (عج) هي رسالة الإسلام في إقامة العدل في الأرض، {وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى}، {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوّامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين}، فالإمام ينطلق ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً، فمن أراد أن يكون من جنوده وأتباعه، فعليه أن لا يظلم أحداً ممن يعيش معه؛ أن لا يظلم عياله في بيته، ولا جيرانه في محلّته، وأن لا يظلم الذين يكونون تحت سلطته عندما يحكم، أو في موقع قضائه عندما يقضي. إذا كنت الظالم لزوجتك وأولادك أو جيرانك، فكيف تكون من جنوده؟ جنوده هم العادلون، السائرون في طريق الحق.

لذلك، اعرفوا ما هي حقوق الناس عندكم؛ عندما تعيش مع أبويك، فاعرف حقهما عليك وحقك عليهما، وعندما تتزوج، اعرف حق زوجتك عليك وحقك عليها. لا بدّ أن نعرف حقوق الناس لنعطي لكل ذي حق حقه، سواء كان صغيراً أو كبيراً. علينا أن نربي أنفسنا ومجتمعنا على العدل، وليكون كلٌّ منا الإنسان العادل، ليكون مجتمعنا المجتمع العادل، وأمتنا الأمة العادلة.

إن انتظار الإمام (عج) يفرض علينا أن نعدَّ أنفسنا على أساس المواصفات التي يتميّز بها أنصاره وأتباعه والسائرون في طريقه، لأننا عندما نكون الظالمين، صغيراً كان الظلم أو كبيراً، فإننا سوف نكون في الخط الآخر، خط أعدائه لا خط شيعته وأتباعه، وهذا ما ينبغي لنا أن نفكّر فيه.

اللهم أرنا الطلعة الرشيدة والغرّة الحميدة، واجعلنا من أتباعه والمستَشهدين بين يديه والسائرين في طريقه.

 

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله.. اتقوا الله في كل مواقع حياتكم الخاصة والعامة، حاولوا أن تكتشفوا في التقوى إنسانيتكم، فإن التقوى تمثل في التشريع الإلهي حركة الإنسان في أن يكون إنساناً يتحسس إنسانية الآخر من إخوانه كما يتحسس إنسانية نفسه، وليكون الإنسان الذي يشعر أنه مسؤول أمام الله تعالى بقدر ما يملك من طاقة، فالله جعل الإنسان خليفته في الأرض، وحمله المسؤولية؛ كلٌّ بحسب طاقته والدائرة التي يتحرك فيها والمدى الذي ينطلق فيه، لمواجهة كل المنكرات في الأرض..

ومن التقوى أن يحمل الإنسان مسؤولية همّ الدعوة إلى الله والعمل في سبيله، والجهاد في سبيل إعزاز أمته، وأن يعيش الاهتمام بأمور المسلمين والدفاع عنهم، والوقوف ضد أعدائهم من الظالمين والمستكبرين. وهذا ما نحاول رصده في سلوكنا وأوضاع أمتنا، وأوضاع المستكبرين الذين يضطهدون الأمة في اقتصادها وسياستها وأمنها وثقافتها وفي كل مواقعها. لذلك، لا بدّ أن نعيش الوعي المنفتح على قضايا الأمة، لنرفض ما يبتعد عن مصلحتها، ولنؤيد ما يقترب من ذلك، فماذا هناك؟

المسألة الفلسطينية ولعبة الخداع الصهيوني

لا تزال المسألة الفلسطينية تتحرك في داخل لعبة الخداع الصهيوني، فالانسحاب الإسرائيلي من المساحة المتفق عليها في اتفاق "شرم الشيخ"، لم يعطِ الفلسطينيين إلا بعض الأراضي الجرداء التي لا تملك الإمكانات لأيّ تأهيل مدني، بينما يحتفظ الإسرائيليون بالأماكن الخصبة الآهلة، بحجة أن الاتفاق يمنح إسرائيل الحرية في اختيار الأرض التي تعطيها للفلسطينيين كما لو كانت صدقة عليهم، ولم تضغط أمريكا على إسرائيل، بل ربما مارس الموفد الأمريكي الضغط على الفلسطينيين للقبول بالأمر الواقع، والظاهر أنهم سيقبلون ذلك..

أما مفاوضات الحلِّ النهائي، فلن تعطي الفلسطينيين شيئاً كبيراً أمام "اللاءات" الإسرائيلية التي لا يجرؤ حاكم إسرائيلي على التنازل عنها، ما يجعل القضية تتحرك في دائرة الشدّ والجذب القائمة على الخداع والضغط والمراوغة، تحت السقف الأمريكي الذي يعطي إسرائيل المظلة الأمنية التي تحميها من أيّ ضغوط دولية أو عربية.. وعلى الفلسطينيين الانتباه إلى حجم اللعبة، لا سيما أن المرحلة هي مرحلة النهايات التي تصل يمكن أن تصل بهم إلى الهاوية على مستوى القضية، وتؤدي إلى سقوط المستقبل بكل أبعاده وشعاراته، ليكون عنوانه الكبير، خيانة القائمين على القضية للقضية كلها..

تهاويل لفكّ المسارين

أما في الدائرة السورية - اللبنانية، فإن اللعبة تستهدف إسقاط وحدة المسارين بمختلف التهديدات والضغوط المتواصلة من قبل المسؤولين الصهاينة ، تارة في العلن، وأخرى من خلال الرسائل الدبلوماسية، والتي كان آخرها أن إسرائيل "ستنسحب إلى الحدود الدولية، وبعدها ستضرب البنى التحتية والجيشين السوري واللبناني إذا تعرضت لأيّ عملية من أية جهة كانت"..

الانسحاب: انتصار للبنان

إننا نعرف أن هذا كله يمثل نوعاً من التهويل الإعلامي، ولذلك فإن علينا أن نعتبر الموقف موقف انتصار للبنان في فرض الانسحاب على العدوّ، فنحافظ على النتائج الإيجابية ولا نحوّلها إلى سلبيات، ونعمل على التخطيط لما بعد الانسحاب من دون خوف على الواقع من عملية الانسحاب "من جانب واحد"، ونواصل المسيرة على أساس رفض تأثير هذا الانسحاب في التفكيك بين المسارين السوري واللبناني، والبقاء في خط المواجهة لدعم الموقف السوري في المطالبة بالانسحاب من الجولان حتى حدود الرابع من حزيران، لأن القضية واحدة في الموقعين، بل في المواقع كلها.

وعلى ضوء ذلك، لا بدّ من التدقيق في التحليل الذي يؤدي إلى خلق حالة نفسية انهزامية وخائفة في البلد، يسقط من خلالها الناس في تهاويل ومخاوف المستقبل، لأن هناك فرقاً بين الدعوة إلى الحذر وبين الحديث عن الأخطار المرتقبة بطريقة تجعل الناس يعيشون الفزع أمام المرحلة القادمة..

الاستقلال: تحرير إرادة البلد

إن الاستعداد للمرحلة هو في المزيد من الوحدة الداخلية، والتخطيط الدقيق الواعي للقضايا الحيوية للبلد، لسدّ الفراغات السياسية والاقتصادية والأمنية التي قد ينفذ منها العدوّ، لا سيما أننا نلتقي بذكرى الاستقلال الذي ينبغي لنا أن نستوحي منه ضرورة الاستعداد للاستقلال الجديد بزوال الاحتلال من أرضنا، ليقف الشعب اللبناني كله على مشارف الجنوب - مع المقاومة - للاحتفال هناك بانسحاب المحتل من الأرض، وللتأكيد على أن الاستقلال لا يعني انسحاب المحتلّ من الأرض فحسب، بل انسحابه من الواقع السياسي والاقتصادي والأمني كله، وتحرير إرادة البلد بأن تكون لنا السياسة المستقلة المنطلقة من إرادتنا في الانفتاح في مواقع الانفتاح في المنطقة، والانغلاق في مواقع الانغلاق مع العدوّ..

لدعم الشعوب المستضعفة

وإلى جانب ذلك، لا بدّ لنا من البقاء في مواقع الدعم والتأييد للشعوب المستضعفة المضطهدة، لا سيما شعب العراق الذي يعيش في قبضة الحصار الداخلي والخارجي، والشعب الأفغاني الذي دخل في حصار جديد، وشعب الشيشان الذي لم يستطع المؤتمر المنعقد في تركيا أن يحقق له شيئاً، ما يجعل عملية إبادته وتهجيره مستمرة..

إن إيماننا بالعدل والحرية للشعوب المستضعفة، يفرض علينا أن نكون مع المستضعفين ضدّ المستكبرين، منفتحين على وعد الله بالنصر في نهاية المطاف..

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية