مشكلتنا أننا ارتجاليون حتى في مواقعنا الدينية:
أرادنا الإسلام أن نخطط لنتدبر عواقب الأمور
ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، وقال في خطبته الأولى:
في حديث الإمام الصادق(ع) قال: "إن رجلاً أتى إلى النبي(ص) فقال: يا رسول الله أوصني، فقال له رسول الله(ص): فهل أنت مستوصٍ إن أنا أوصيتك؟ حتى قال له ذلك ثلاثاً، وفي كلها يقول له الرجل: نعم يا رسول الله، فقال له رسول الله(ص): فإني أوصيك، إذا أنت هممت بأمر فتدبّر عاقبته، فإن يكن رشداً فأمضه، وإن يكن غياً فانته عنه".
معرفة مداخل الأمور ومخارجها
لقد أراد رسول الله(ص) أن يجعل من هذه الوصية التي تنفتح على كل حركة الإنسان في أقواله وأعماله وعلاقاته وانتماءاته، على مستوى الدنيا والآخرة، برنامجاً عملياً للإنسان طيلة حياته، وهذا ما ينبغي لنا أن نتحرك فيه. فالمسألة من خلال هذه الوصية، هي أن الأمور،كل الأمور، لا يمكن أن تحكم عليها ببداياتها، بل بنهاياتها، لأن الشيء ربما يكون خيراً في أوله، ولكنه يكون شراً في آخره، وقد يكون العكس. ولذلك، لا بد للإنسان من أن يتدبر أمره في كل ما يريد القيام به قبل أن يبدأ بالعمل، ليعرف مداخل الأمور ومخارجها، ومصادر الأمور ومواردها، وليعرف النتائج السلبية أو الإيجابية الناجمة عن القيام بهذا العمل أو ذاك. ولا تنحصر هذه المسألة بحياة الإنسان الشخصية، بل تشمل أيضاً أوضاعه في القضايا العامة، فالإنسان، مثلاً، إذا أراد أن يدخل في الحياة الزوجية، فعليه أن لا يدرس الأمور بشكل سطحي، من خلال جمال من يريد أن يتزوج به، رجلاً أو امرأة، أو من خلال بعض القضايا الجاذبة التي لا تمثل أي عمق في حركة الحياة.
دراسة الأمور بعمق
على الإنسان أن يعي أن العلاقة الزوجية هي علاقة تستمر مع الإنسان طول عمره، بحيث يصبح فيه أحد الزوجين، جزءاً من شخصية الآخر وحياته، ولذلك فلا بد له أن يدرس المسألة بعمق لا عمق مثله، وبشمولية لا شمولية مثلها، وقد أعطى الإسلام المواصفات العامة في شخصية الزوج أو الزوجة في عملية الاختيار بالنسبة للرجل والمرأة، وهي مسألة الخلق والدين: "إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوّجوه إلاّ تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير"، لأن الخلق هو الذي يمثل الجسر الذي يربط بين شخص وآخر، حيث يشعر كل إنسان بمسؤوليته الأخلاقية عن الآخر، ولأن الدين يربي في الإنسان إنسانيته، ويمنع كل واحد من الطرفين أن يسيء إلى الآخر بما لا يرضي الله سبحانه. وقد ورد في الحديث عن رسول الله(ص)، جواباً على سؤال شخص: من أتزوج؟ قال(ص): "عليك بذات الدين".
وهكذا في القضايا الشخصية الأخرى، كما في علاقات الصداقة، فعندما تريد أن تصادق إنساناً، فإن عليك أن تعرف ما هي نتائج الصداقة على أخلاقك وأوضاعك وعلى المجتمع الصغير الذي تعيش فيه.
وكذلك الأمر عندما يريد الإنسان أن ينتمي إلى أية جهة، إلى حزب أو حركة أو منظمة أو جمعية.. عليك أن لا تتحرك عاطفياً في هذا المجال، بأن يجذبك شعار هنا أو شخص هناك، بل عليك أن تدرس النتائج التي تترتب على انتمائك، على مستوى الدنيا والآخرة، في انسجامه مع دينك ومع مبادئك، وأن تدرس مداخل هذا الانتماء ومخارجه، وخلفياته السياسية أو الاجتماعية، أو غير ذلك، لأنك قد تربط نفسك بوضع لربما يكون فيه هلاك الدنيا والآخرة، لأن الإنسان إذا التزم بخط أو بدين، عليه أن يخضع كل نشاطه الاجتماعي والسياسي وعلى كل الأصعدة لما التزمه من هذا الدين.
رضى الله في العمل
وهذا ما جاء الحديث فيه،أنه "من الناس الذين هم في ظل عرش الله يوم لا ظل إلاّ ظله، من لم يقدم رجلاً ولم يؤخر أخرى حتى يعلم أن ذلك لله رضى"، بحيث نكون مستعدين لأن نجيب الله سبحانه لو أوقفنا بين يديه في أي لحظة ليسألنا عما فعلنا من أعمال، لأن المشكلة ليست في أن تجيبني أو أجيبك، أو أن تدافع عن نفسك أمامي أو أدافع عنك، بل القضية أن تجيب الله ـ سبحانه ـ في سؤاله، وهذه مسألة يحتاج الإنسان فيها إلى الدقة، لأن المشكلة التي نعيشها، هي أننا نتحرك عاطفياً ولا نتحرك عقلانياً أو مبدئياً، فنحن، عندما نتحرك في الأجواء الاجتماعية، نشعر بأنفسنا نتحرك بالعصبيات على المستوى العائلي، أو على المستوى الضيعوي، أو الوطني أو الإقليميي.. بحيث يتعصب الإنسان لخصوصيته، بقطع النظر عما إذا كانت حقاً أو باطلاً، الأمر الذي يدفع بالإنسان وإن كان صائماً أو حاجاً أو مصلياً، إلى التحرك من خلال عصبيته بعيداً عن موازين الحق..
وهكذا الأمر في الخطوط السياسية، حيث يعتبر بعض الناس أن السياسة شيء والدين شيء آخر، ولذا لا مانع من أن يكذب الإنسان في السياسة وأن يخون فيها.. ولكن القضية ليست كذلك، لأن الظلم حرام في كل مكان، وفي كل موقع، وما ينطبق على السياسة، ينطبق على الاجتماع والاقتصاد والأمن...
وهناك كلمة وردت عن أهل البيت(ع) أن "المرء مع من أحب"، يحشر الناس يوم القيامة مع من أحبوه، ففكر في من تحب، سواء على المستوى السياسي أو الاجتماعي أو على المستويات الأخرى في هذا المجال.
لسان العاقل وراء قلبه
ولعل مشكلتنا في أكثر مواقعنا السياسية والاجتماعية، وحتى الدينية، أننا ارتجاليون وحماسيون وانفعاليون، نرتبط بالشخص من خلال عاطفة، ونرتبط بالأشياء من خلال ما توحيه إلينا اللحظة، بينما نجد في هذا البرنامج النبوي الشريف، أن علينا أن نخطط وندرس الأمور في جميع جوانبها وكافّة مراحلها، لنكون المجتمع الذي يخطط، بحيث لا يدخل في مشروع إلا بعد أن يعرف كل سلبياته وإيجابياته. وقد ورد عن الإمام علي(ع) في هذا المجال كلمته المشهورة: "لسان العاقل وراء قلبه، وقلب الأحمق وراء لسانه". فالعاقل إذا أراد أن يقول الكلمة في أي مجال، في بيته أو في منطقته، أو أراد أن يوقّع، مثلاً، على قرار أو أي شيء آخر، فإنه يتدبّر الأمر، أي أنه يستشير عقله قبل أن يقول كلمته، ليدرس العقلُ الكلمة في كل نتائجها، وفي كل سلبياتها وإيجابياتها، فإذا قال له العقل قُلها قالها، وإذا قال له لا تقلها لم يقلها. ولذلك فاللسان جندي من جنود العقل، أما الأحمق فقلبه وراء لسانه، فإذا خطرت الكلمة في ذهنه قالها، ثم إذا بدت له النتائج السلبية من جرائها، طلب من العقل أن يدبره وأن يرتب له الوسائل التي يستطيع من خلالها أن يتخلص من تلك المشاكل.
معرفة مواقع الخطأ
ويقول الإمام علي(ع) في هذا المجال: "من استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطأ"، أي أن على الإنسان، إذا ما أراد أن يتحرك في أمر، أن يتعرف على كل الاحتمالات، وأن لا يستغرق في ما يفكر فيه، بل يحاول أن يعرف كل وجهات النظر وما فكر فيه الآخرون، الاحتمالات التي يمكن أن تتحقق من خلال هذا العمل أو ذاك، أو من خلال هذه الكلمة أو تلك، فالإنسان الذي يدرس القضية من جميع جوانبها ويدرس جميع احتمالاتها، يعرف مواقع الخطأ ليجتنبها، حتى إذا سار في أي مشروع، سار وهو يعرف طريق الصواب.
وفي ذلك يقول الإمام علي(ع): "من نظر في العواقب، أمن من النوائب"، فالإنسان الذي يفكر في عواقب الأمور، يستطيع أن يحمي نفسه من كل المشاكل ومن كل المصائب التي قد تحدث له، ويقول الإمام جعفر الصادق(ع): "ليس بحازم من لم ينظر في العواقب، والنظر في العواقب تلقيح القلوب"، أي أن النظر في عواقب الأمور والتدبر فيها يلقّح عقلك، ويجعله عقلاً منتجاً، وكذلك قلبك، ولذلك كانت وصية الإمام الصادق(ع) لابن جندب: "وقفْ عند كل أمر حتى تعرف مدخله من مخرجه، قبل أن تقع فيه فتندم". إنه يقول له إنك إذا أردت أن تتحرك، فقف في بداية الطريق، وادرس مدخل هذا الأمر الذي تريد أن تدخل فيه، وادرس مخرجه، فإذا عرفت مدخله ورأيت فيه الصلاح، وعرفت مخرجه إذا أردت الخروج منه، عند ذلك تقدم، وإلا فإنك إذا بادرت إلى أمر دون أن تعرف مدخله ومخرجه، فإنك تندم لذلك كله.
وهكذا يقول الإمام الصادق(ع): "احذروا عواقب العثرات"، أي تفكر في الطريق التي تسير فيها، وفكّر في ما يمكن أن تقع فيه من العثرات، لتعرف ما هي نتائجها على حاضرك ومستقبلك.
الاستفادة من تجارب الماضين
إننا عندما نقرأ هذه الكلمات، وعندما نستوحي القرآن الكريم، في كل ما جاء به الله تعالى، في الحديث عمن سبقنا ممّن كفروا بالله، وممّن أشركوا به، وممّن انحرفوا عن خطه المستقيم.. نرى أن الله يريدنا أن نتدبر التاريخ لنعرف العواقب التي حلّت بالشعوب من خلال الارتجال وعدم التفكير بالنتائج، كما أنه يريدنا أيضاً، عندما ننطلق في حياتنا البيتية والاجتماعية والاقتصادية، أن نتدبّر عواقب الآخرة. ومن هنا، على الإنسان أن لا يدرس فقط عاقبة عمله في نتائج الدنيا، بل أن يدرس عاقبة عمله في نتائج الآخرة أيضاً، لأن الآخرة هي دار الخلود في الجنة إذا أحسنت، ودار الخلود في النار إذا أسأت، وهذا مضمون ما ورد في الدعاء المعروف: "اللهم اجعل مستقبل أمري خيراً من ماضيه، وخير أعمالي خواتيمها، وخير أيامي يوم ألقاك فيه".
أيها الأحبة، لتكن لنا ذهنية التخطيط للأشياء، في كل مواقع الدنيا والآخرة، لأن الإنسان الذي يخطط ويدرس ويعرف النتائج قبل أن يبدأ، هو إنسان يقلّ خطأه، وربما لا يقع في الخطأ أصلاً، وقانا الله وإياكم العواقب السيئة، ووفقنا لأن ننفتح على قضايا المصير، بالعقل والتدبير وتقوى الله في ذلك كله.
الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
عباد الله.. اتقوا الله في ما تفكرون أو تتحركون فيه، وفي ما تخططون له، لا سيما في القضايا العامة، التي تتحملون مسؤوليتها على مستوى المجتمع والشعب والأمة. لا تستعجلوا إصدار القرارات في الأمور، لأنكم تريدون أن تتخلصوا من مشكلة هنا أو أزمة هناك، بل حاولوا أن تعطوا الأمور الكثير من التفكير، وأن تحركوا المواقع في الكثير من التخطيط، لأن أعداء الله وأعداء الأمة يخططون ويدققون، ويدرسون النتائج في كل خططهم، حتى أنهم يدرسوننا في جامعاتهم ومعاهدهم ومراكزهم، يدرسون المجتمع كيف يفكر، يدرسون خلافاتنا في الدين، وخلافاتنا في المذهب، وخلافاتنا الاجتماعية والسياسية الحزبية، يدرسون ذلك كله، ويخططون لإثارة الفتن بين طائفة وطائفة، وبين مذهب ومذهب، وبين حزب وحزب، وبين جماعة وجماعة، ليهيئوا الأوضاع من أجل إرباك المجتمع سياسياً واقتصادياً... بغية تدميره وإضعافه، وعندما نستغرق في خلافاتنا، يمكنهم حينها أن يسيطروا عليه اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وأمنياً، وهذا ما عشناه في بلادنا العربية والإسلامية، وفي كل بلدان العالم الثالث، لأن كل فريق يفكر بشخصه وبجماعته، ولا يفكر بالشعب كله وبالأمة كلها، بحيث تتحرك الشخصانية والعصبية هنا وهناك، ليجعل كل فريق من نفسه الواجهة لإسقاط الآخر، ومن هذه العصبية والشخصانية يتحرك شخص هنا ليسبّ مقدساً هناك، فيثور الآخرون على ذلك لحماية مقدساتهم، وكذلك الأمر في القضايا السياسية وغيرها.
هذه هي حالنا في هذا الشرق، في مدى الخمسين سنة الأخيرة، وحيث كان الاستعمار يسيطر على المنطقة كلها، كنا نتلهى بخلافاتنا، بخلافاتنا المذهبية سنة وشيعة، وبخلافاتنا الطائفية مسلمين ومسيحيين، وبخلافاتنا الحزبية والحركية والتنظيمية، بحيث لم تستفد الأمة الإسلامية من كل هذه الحروب والخلافات، بينما كان المستفيد الأكبر منها الاستكبار، وخاصة أمريكا والصهيونية، فقد ازدادوا قوة وازددنا ضعفاً، ازدادوا تقدماً وازددنا تخلفاً.
علينا أن نعي أنه ما من مجتمع إلا وفيه خلافات، ولكن علينا أن نتعلم كيف ندير خلافاتنا حتى لا تسقط المجتمع كله، وعلينا دائماً أن نلتفت إلى كلمات الحق التي يراد بها الباطل. لا يكفي أن نستمع إلى كلمة الحق من شخص لنجري وراءه، بل لا بد أن ندرس خلفيات هذا الشخص، هل يريد الحق من كلمة الحق، أم يريد بها الباطل. لذلك، قبل أن تسيروا مع الإنسان ادرسوا خلفياته، وقبل أن تتحركوا مع أي خط ادرسوا نتائجه، ولعلنا نريد أن نؤكد هذا المعنى من خلال الكلمة القرآنية: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم}، لأن الريح التي تمثل القوة، عندما تتجمع تستطيع تحقيق النجاح، ولكن عندما تتوزع، فإنها لا بد أن تعطي الفشل في هذا المجال، لذلك حدقوا بالقضايا الكبرى، وبقضايا الأمة، ولا تحدقوا بقضايا الأفراد، فإن الأمة إذا عزّت وقويت وانتصرت، فإن كل الأفراد يعزون وينتصرون. علينا أن نتعرف من خلال هذه الكلمات على الواقع، وكيف ساهم واقعنا الاجتماعي والسياسي مما كنا نخوض فيه في النتائج السلبية التي نواجهها الآن والتي يتحرك فيها الناس.
الصراع مع العدو.. تطورات متلاحقة
تطل التطورات المتلاحقة على مستوى المنطقة والعالم على مرحلة جديدة تدخل فيها قضية الصراع ضد إسرائيل في وضع جديد يمثل محاولة لمصادرة التاريخ العربي والإسلامي من خلال المفاوضات الجديدة، وللتخطيط - في نهاية المطاف – للاعتراف بشرعية سيطرة العدو على فلسطين واعتبارها دولة من دول المنطقة، ما يؤدي إلى الكثير من المتاهات السياسية والاقتصادية.
إننا ندرك أنه لولا الضغوط التي أحاطت بأكثر من بلد، ولولا الظروف الصعبة التي مثلت حالة ضاغطة على البعض، لما انتهت المسألة إلى ما انتهت إليه في العالم العربي أولاً، والعالم الإسلامي ثانياً، حيث كانت الخطة الأمريكية ـ الأوروبية تقضي أن تحصل إسرائيل على الشرعية القانونية في المنطقة، وذلك من خلال التخطيط لأكثر من حرب وفتنة وإرباك سياسي واحتلال أرض وتدمير شعب، ما جعل المنطقة تغرق في بحر من المشاكل السياسية والأمنية والاقتصادية.
الشعوب العربية لم تقل كلمتها
إننا نعتقد أن الشعوب العربية لم تقل كلمتها في التطورات المتلاحقة، لأنها ليست هي التي تفاوض، بل الأنظمة الواقعة تحت ضغوط الدول الكبرى، ولذلك يجب أن يبقى الرفض الشعبي شاملاً ضد الاعتراف بالعدو أو إقامة السلام معه، فلا يسمح للتطبيع أن يفرض نفسه على الواقع، لأنه حرام بالمطلق، بل هو من أكبر الكبائر، لأنه يعني إسقاط الأمة في الحاضر والمستقبل تحت تأثير الصهيونية والاستكبار العالمي.. إن العدو يتحدث الآن عن إجراء استفتاء شعبي في الكيان الصهيوني للانسحاب من الجولان، والسؤال: ماذا عن الاستفتاء الشعبي في العالم العربي كله في قرار الصلح مع إسرائيل والذي سيرفض قطعاً الصلح معها، ما يعني إلغاء الصوت الشعبي الأصيل.
الواقع العربي: فقدان التوازن
ثم .. ماذا عن القدس وعودة اللاجئين إلى وطنهم، وتحرير الأرض من المستوطنات، وإطلاق سراح المعتقلين من الفلسطينيين واللبنانيين؟!
إن العدو ينقل الفلسطينيين والعرب من متاهةٍ إلى متاهةٍ، ومن إرباكٍ الى إرباكٍ، ولا نجد هناك أي استعداد لعقد قمة عربية تمنح القوة للقضية المصيرية وتدفع بالأمور إلى خط التوازن، في الوقت الذي يزداد فيه الواقع العربي ضعفاً وسقوطاً وذلاً ومهانة.
إن التسوية القادمة لن تحمل للعرب السلام أو التوازن السياسي والاقتصادي والأمني، بل ستدخلهم في نفق جديد مظلم لا يُعرف آخره، فعلى الشعوب أن تستعد لمواجهة الواقع المستجدّ بوسائل جديدة.
مجزرة عربصاليم: مشهد الوحش اليهودي
وليس بعيداً من ذلك، فإن المجزرة الوحشية التي حدثت بالأمس في عربصاليم في قصف مدرستها، مما أدى إلى سقوط كثير من أطفالها، هي الصورة التي مازالت تمثل مشهد الوحش اليهودي الذي يفترس الطفولة في البيت والشارع والمدرسة.. ومن اللافت أن الولايات المتحدة الأمريكية تكتفي بإعلان الأسف على لسان سفيرها في بيروت، وتدعو الضحايا إلى ضبط النفس، ولا ندري كيف يكون رد الفعل الأمريكي لو كانت المقاومة هي التي قصفت مدرسة إسرائيلية.. إن أمريكا لا تعترف بإنسانية الأطفال اللبنانيين أو الفلسطينيين، بل القضية تقتصر على أطفال اليهود فقط، ومن الطريف أن العدو اعتبر المسألة خطأ غير مقصود، في الوقت الذي نعرف فيه دقة تصويبه في عمليات القصف، لأنه يريد أن يتفادى رد الفعل العالمي، ليجد المبرر لنفسه في ذلك، وستجتمع لجنة تفاهم نيسان وتقدم النصائح لعدم تكرار ذلك، ليبقى من الجريمة آلام الأطفال وجراحهم. إن هذه الجريمة سوف تبقى شاهداً على الوحشية اليهودية ضد كل ما هو إنساني في المنطقة كلها، وعلينا أن لا ننسى ذلك في المستقبل، لأن هذه الجراح والآلام تشير إلى الذهنية اليهودية في التعاطي مع العرب والمسلمين.
حذار تناسي الاحتلال
وفي نهاية المطاف، نحذر من الاستمرار في الضياع في متاهات المشاكل الداخلية الصغيرة وتناسي مشكلة الاحتلال الإسرائيلي وإفرازاتها والتصفيق المسبق للتسوية أو التمهيد المسبق للتطبيع مع العدوّ.
إن إسرائيل لا تنسى أطماعها بعد التسوية، فعلينا أن لا ندفن رؤوسنا في الرمال ونسترخي أمام العدو الذي نراه في هذه الأيام يغتال المجاهدين داخل فلسطين المحتلة.
إن علينا أن لا ننسى أننا كنا البلد العربي الوحيد ـ تقريباًـ الذي أنتج مقاومة قاهرة للعدو جعلته يصرخ طوال سنوات الاحتلال، وهذا ما يحمّلنا مسؤولية مضاعفة لحمل الأمانة في هذا الواقع الجهادي والسياسي، حتى نسقط أهداف العدو كشعوب حتى وإن صالحت الأنظمة، لأنه لن يترك التآمر علينا حتى لو تركناه.. حددوا أعداءكم جيداً وأصدقاءكم جيداً، فإنكم بذلك تضعون حجر الأساس في صناعة مستقبل الوطن والأمة. |