مختارات
07/01/2020

مراتب التّوبة

مراتب التّوبة

إنّ التائب إمّا يتوب عن المعاصي كلّها ويستقيم على التّوبة إلى آخر عمره، فيتدارك ما فرط ولا يعود إلى ذنوبه، ولا يصدر عنه معصية إلا الزلات التي لا يخلو عنها غير المعصومين، وهذه التّوبة هي التوبة النصوح، والنفس التي صاحبها هي النفس المطمئنّة التي ترجع إلى ربها راضية مرضية، أو يتوب عن كبائر المعاصي والفواحش ويستقيم على أمهات الطاعات، إلا أنه ليس ينفكّ عن ذنوب تصدر عنه في مجاري أحواله غفلةً وسهوة وهفوة، لا عن محض العمد وتجريد القصد، وإذا أقدم على ذنب، لام نفسه وندم وتأسّف وجدّد عزمه على ألا يعود إلى مثله، ويتشمر للاحتراز عن أسبابه التي تؤدّي إليه، والنفس التي هذه مرتبتها هي النفس اللوّامة التي خيرها يغلب على شرّها، ولها حسن الوعد من الله - تعالى- بقوله: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ}[النّجم: 32].

وإلى مثلها الإشارة بقوله (صلّى الله عليه و آله): «خياركم كلّ مفتن توّاب»، وفي خبر آخر: "المؤمن كالسنبلة، يفي‏ء أحياناً ويميل أحياناً".

وفي خبر آخر: "لا بدّ للمؤمن من ذنب يأتيه الفينة بعد الفينة"، أي‏ الحين بعد الحين. وكلّ ذلك شاهد صدق على أنّ هذا القدر من الذنوب لا ينقض التّوبة ولا يلحق صاحبه بدرجة المصرّين، ومن يؤيس مثل هذا عن النّجاة ووصوله إلى درجة التّائبين فهو ناقص، ومثله مثل الطّبيب الذي يؤيس الصّحيح من دوام الصحّة بما يتناوله من الفواكه مرّة أو مرّتين، ومثل الفقيه الذي يؤيس المتفقّه عن نيل درجة الفقهاء بفتوره عن التّكرار في أوقات نادرة.

ولا ريب في نقصانه، فالعالم، حقّ العالم، هو الذي لا يؤيس الخلق من درجات السعادات، بما يتّفق لهم من الفترات ومقارفة السيّئات المختطفات، إذ أمثال الفترات وما يصدر عن السّهو والغفلات، لا يفسد النفس ولا يبطلها بحيث لا يقبل الإصلاح، أو يتوب ويستمرّ على الاستقامة مدة ثم تغلبه الشهوة في بعض الذنوب، فيقدم عليه عمداً وقصداً، لعجزه عن قهر الشهوة وقمعها، إلا أنّه مع ذلك، مواظب على الطاعات، وتارك لأكثر الذّنوب مع القدرة والشهوة، وإنما قهره بعض الشهوات، بحيث يغفل عند هيجانها، ويرتكب مقتضاها من دون مجاهدة وندامة، وعند قضاء هذه الشّهوة والفراغ عنها يتندّم، ويقول سأتوب عنها، لكنّه يسوّل نفسه ويسوّف توبته يوماً بعد يوم، والنفس التي هذه درجتها، هي التي تسمَّى النفس المسولة المسؤول صاحبها، وإليها الإشارة بقوله - تعالى-: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا}[التّوبة: 102].

فنجاتها من حيث مواظبته على الطاعات وكراهته لما يتعاطاه مرجوّ، فعسى الله أن يتوب عليها، ولكن يخاف عليها من حيث تسويفها وتأخيرها، فربما اختطفها الموت قبل التّوبة، ويقع أمرها في المشيئة، فيدخل في زمرة السعداء، أو يسلك في سلك الأشقياء، أو يتوب ويجري مدّة على الاستقامة، ثم يعود إلى الذّنوب عمداً وقصداً، من غير أن يحدث نفسه بالتّوبة، ومن غير أن يتأسّف ويتندّم، بل ينهمك انهماك الغافل في الذنوب واتباع الشّهوات، وهذا معدود من المصرّين، ونفسه محسوبة من النفوس الأمّارة بالسوء، الفرّارة من الخير، ومثله إن مات على التوحيد، وختم له بالحسنى، وغلبت طاعاته على سيّئاته، كان من أهل الجنّة، وإن ختم له بالسّوء كان من أهل النّار، وإن مات على التّوحيد، ولكن ترجّحت سيّئاته على حسناته، فأمره إلى الله، ولعلّه يعذّب في النّار مدّة بقدر زيادة سيّئاته على حسناته، ثم يخلص منها بعميم لطفه.

*من كتاب "جامع السعادات"،ج 3.

إنّ التائب إمّا يتوب عن المعاصي كلّها ويستقيم على التّوبة إلى آخر عمره، فيتدارك ما فرط ولا يعود إلى ذنوبه، ولا يصدر عنه معصية إلا الزلات التي لا يخلو عنها غير المعصومين، وهذه التّوبة هي التوبة النصوح، والنفس التي صاحبها هي النفس المطمئنّة التي ترجع إلى ربها راضية مرضية، أو يتوب عن كبائر المعاصي والفواحش ويستقيم على أمهات الطاعات، إلا أنه ليس ينفكّ عن ذنوب تصدر عنه في مجاري أحواله غفلةً وسهوة وهفوة، لا عن محض العمد وتجريد القصد، وإذا أقدم على ذنب، لام نفسه وندم وتأسّف وجدّد عزمه على ألا يعود إلى مثله، ويتشمر للاحتراز عن أسبابه التي تؤدّي إليه، والنفس التي هذه مرتبتها هي النفس اللوّامة التي خيرها يغلب على شرّها، ولها حسن الوعد من الله - تعالى- بقوله: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ}[النّجم: 32].

وإلى مثلها الإشارة بقوله (صلّى الله عليه و آله): «خياركم كلّ مفتن توّاب»، وفي خبر آخر: "المؤمن كالسنبلة، يفي‏ء أحياناً ويميل أحياناً".

وفي خبر آخر: "لا بدّ للمؤمن من ذنب يأتيه الفينة بعد الفينة"، أي‏ الحين بعد الحين. وكلّ ذلك شاهد صدق على أنّ هذا القدر من الذنوب لا ينقض التّوبة ولا يلحق صاحبه بدرجة المصرّين، ومن يؤيس مثل هذا عن النّجاة ووصوله إلى درجة التّائبين فهو ناقص، ومثله مثل الطّبيب الذي يؤيس الصّحيح من دوام الصحّة بما يتناوله من الفواكه مرّة أو مرّتين، ومثل الفقيه الذي يؤيس المتفقّه عن نيل درجة الفقهاء بفتوره عن التّكرار في أوقات نادرة.

ولا ريب في نقصانه، فالعالم، حقّ العالم، هو الذي لا يؤيس الخلق من درجات السعادات، بما يتّفق لهم من الفترات ومقارفة السيّئات المختطفات، إذ أمثال الفترات وما يصدر عن السّهو والغفلات، لا يفسد النفس ولا يبطلها بحيث لا يقبل الإصلاح، أو يتوب ويستمرّ على الاستقامة مدة ثم تغلبه الشهوة في بعض الذنوب، فيقدم عليه عمداً وقصداً، لعجزه عن قهر الشهوة وقمعها، إلا أنّه مع ذلك، مواظب على الطاعات، وتارك لأكثر الذّنوب مع القدرة والشهوة، وإنما قهره بعض الشهوات، بحيث يغفل عند هيجانها، ويرتكب مقتضاها من دون مجاهدة وندامة، وعند قضاء هذه الشّهوة والفراغ عنها يتندّم، ويقول سأتوب عنها، لكنّه يسوّل نفسه ويسوّف توبته يوماً بعد يوم، والنفس التي هذه درجتها، هي التي تسمَّى النفس المسولة المسؤول صاحبها، وإليها الإشارة بقوله - تعالى-: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا}[التّوبة: 102].

فنجاتها من حيث مواظبته على الطاعات وكراهته لما يتعاطاه مرجوّ، فعسى الله أن يتوب عليها، ولكن يخاف عليها من حيث تسويفها وتأخيرها، فربما اختطفها الموت قبل التّوبة، ويقع أمرها في المشيئة، فيدخل في زمرة السعداء، أو يسلك في سلك الأشقياء، أو يتوب ويجري مدّة على الاستقامة، ثم يعود إلى الذّنوب عمداً وقصداً، من غير أن يحدث نفسه بالتّوبة، ومن غير أن يتأسّف ويتندّم، بل ينهمك انهماك الغافل في الذنوب واتباع الشّهوات، وهذا معدود من المصرّين، ونفسه محسوبة من النفوس الأمّارة بالسوء، الفرّارة من الخير، ومثله إن مات على التوحيد، وختم له بالحسنى، وغلبت طاعاته على سيّئاته، كان من أهل الجنّة، وإن ختم له بالسّوء كان من أهل النّار، وإن مات على التّوحيد، ولكن ترجّحت سيّئاته على حسناته، فأمره إلى الله، ولعلّه يعذّب في النّار مدّة بقدر زيادة سيّئاته على حسناته، ثم يخلص منها بعميم لطفه.

*من كتاب "جامع السعادات"،ج 3.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية