أحكم الخلل والتلف

أحكم الخلل والتلف

ونريد به ظهور ما يستوجب بطلان العقد،  أو عدم وفاء أحد الطرفين بشروط التعاقد،  كأن لا يلتزم الزارع بالمدة المحددة،  أو بنوع البذر أو الزرع المتّفق عليه،  أو يتبين كون الأرض مغصوبة،  أو نحو ذلك من موارد اختلال العقد بما يؤدي إلى بطلانه أو ثبوت حق الفسخ فيه،  وبيان ذلك يقع في مسائل:


م -295:  إذا عين المالك نوعاً  خاصاً  من الزرع ضمن عقد المزارعة تعين على الزارع الوفاء به ولم يجز له زرع غيره،  وإذا تعدى ذلك فزرع غير ما اتفق عليه،  وعلم المالك به،  فإن حكمه يختلف بين ما إذا كان ذلك التعيين ملحوظاً  على نحو القيد الأساسي الذي لا يريد المالك سواه،  فإن المزارعة تبطل حينئذ،  ويترتب عليه ما سوف نذكره لاحقاً من حكم البطلان بصورة عامة،  وبين ما إذا كان ذلك ملحوظاً  على نحو "الشرط" الذي قد يرضى المالك ببديل عنه،  فإن لهذه الحالة صورتين:


الأولى: أن يعلم المالك بالخلاف قبل بلوغ الحاصل،  أي في بدايات الأمر، وحكمها أنه إذا كان البذر للزارع، فإن المزارعة تبطل ويتخير المالك بين إبقاء الزرع في إطار اتفاق جديد يتراضيان عليه ويطلب فيه المالك عوضاً عن ذلك نقداً  أوعيناً،  أو مجاناً بلا عوض،  وبين أن يلزم  الزارع  بإزالة الزرع النابت ودفع أجرة مثل ما فاته من منفعة الأرض.


وإن كان البذر للمالك بطلت المزارعة كذلك،  وكان له أن يطالب الزارع بأجرة مثل الأرض عن الفترة الماضية وببدل البذر،  فإذا بذله الزارع صار البذر المزروع للزارع،  وحينئذ يصبح المالك مخيراً  كما في الحالة الأولى بين إبقاء الزرع بعوض أو مجانا  وبين أمر الزارع بقلعه من الأرض.

الثانية: أن يعلم المالك بالخلاف بعد ظهور الحاصل وإيناعه،  فيتخير بين إبقاء عقد المزارعة على ما هو عليه وأخذ حصته المحددة له وبين فسخ العقد؛  فإن فسخ،  وكان البذر للعامل،  كان للمالك أجرة مثل منفعة أرضه وكان الحاصل للعامل الزارع، وإن كان البذر للمالك،  فللمالك المطالبة ببدل بذره زيادة على أجرة مثل منفعة أرضه،  ويكون الحاصل في هذه الحالة للزارع أيضاً  إذا بذل البذر للمالك؛  وفي كل الحالات فإنه ليس للعامل الزارع مطالبة المالك بأجرة عمله.


م -296: إذا طرأ خلال العمل في المزارعة ما منع من الاستمرار في الزراعة،  ولم يمكن رفع المانع إلى آخر المدة،  كأن يجتاح الماء  الأرض  ويغرقها،  أو يجف الماء الذي تسقى منه، أو يغصبها عدو،  أو نحو ذلك من الموانع القهرية الطبيعية أو البشرية،  وذلك قبل استلام الأرض أو بعده،  وقبل ظهور الزرع أو بعده ولكن قبل إدراكه ونضجه،  فإنه يحكم هنا ببطلان عقد المزارعة من الأول،  من جهة انكشاف عدم قابلية الأرض للزرع؛ وعليه، فيكون ما يسلم من الزرع الموجود لصاحب البذر،  فإن كان للمالك فإن عليه أن يدفع للزارع أجرة مثل عمله،  وإن كان للزارع فإن عليه أن يدفع لمالك الأرض أجرة مثل منفعة أرضه.


هذا فيما لو تعطلت الأرض كلها،  أما إذا طرأ المانع على بعضها فعطله وظل البعض الآخر سليما  فإنه يثبت لهما معاً  خيار تبعض الصفقة،  فلكل  منهما أن يبقي العقد على ما هو عليه أو يفسخ العقد ويلغيه؛ وحينئذ يكون مصير ما ظهر من الزرع بعد الفسخ هو ما يرتكز على القاعدة التالية الشاملة لأشباه هذا المورد:


إذا تراضيا على صيغة جديدة فهو على ما تراضيا عليه؛ وإذا لم يتراضيا فالزرع الموجود في الأرض لصاحب البذر،  فإن كان للمالك فهو حر فيه،  وعلى المالك دفع أجرة مثل العامل،  وليس له إجباره على الاستمرار في العمل؛ وإن كان البذر للعامل، فإن عليه أجرة مثل منفعة الأرض،  وللمالك حق أمره بقلع الزرع إن شاء.


م -297:  إذا قصّر الزارع في عمله، جهلاً منه بأصول الزراعة أو تقصيراً منه في بذل العناية المطلوبة،  فقل   الحاصل بسبب ذلك التقصير،  تخير المالك بين فسخ المزارعة أو إمضائها بالنسبة المتفق عليها؛ فإن فسخ فالحاصل لصاحب البذر،  فإن كان هو المالك فإن عليه أجرة مثل عمل الزارع،  وإن كان البذر للزارع فالحاصل له وعليه دفع مقدار من المال هو الأقل نسبة  ما بين قيمة أجرة مثل الأرض وقيمة حصة المالك من الحاصل على تقدير عدم التقصير؛ وبيانه بالمثال التالي: لو فرض أن أجرة الأرض التي لها هذه المواصفات هي ألف دينار،  وقيمة حصته من الحاصل على فرض عدم التقصير هو تسعمائة دينار،  فإن الذي يجب دفعه من قبل الزارع للمالك هو تسعمائة دينار التي هي أقل القيمتين،  وهكذا لو انعكس الفرض فكان الأقل قيمة أجرة الأرض،  فإنه يدفع قيمة أجرة الأرض لأنه أقل القيمتين.


م -298:  إذا ترك الزارع العمل في الأرض فلم يعمل فيها شيئاً،  فإن كان قد تسلّمها من المالك وصارت تحت يده فعليه ضمان أجرة منفعة مثلها للمالك،  وإن كانت ما تزال تحت يد المالك،  فإن كان عارفاً بعدم قيام الزارع بمضمون عقد المزارعة فليس على الزارع ضمان،  وإن لم يكن عارفاً، وكان قد اعتبر أن الأمر قد صار في عهدة الزارع،  فعليه ضمان أجرتها للمالك؛ نعم إذا كان ترك العمل فيها لعذر عام مانع،  كتساقط  الثلوج أو انقطاع الماء عنها،  فإن حكمه هو بطلان عقد المزارعة بالنحو الذي ذكرناه في المسألة: (296).


م -299: إذا انكشف بعد ظهور الحاصل كون الأرض التي وقعت عليها المزارعة مغصوبة بطلت المزارعة من جانب مَنْ كانت الأرض المغصوبة تحت يده؛  فإن كان البذر له فالزرع له،  وعليه أجرة مثل منفعة الأرض  لمالكها،  وأجرة مثل العامل للزارع؛ وإن كان البذر للزارع وأجاز المالك عقد المزارعة له صح كما أجازه،  وإن لم يجزه كان الزرع للزارع وعليه أجرة المثل لمالك الأرض.

وأما إذا انكشف الحال قبل بلوغ الزرع وإدراكه، فإن المالك مخيّر بين إجازة المزارعة للزارع وبين فسخ العقد،  فإن فسخ كان له الحق بإزالة الزرع مع أخذ أجرة مثل أرضه خلال المدة الماضية وبين إبقاء الزرع بعوضٍ أو مجاناً.


م -300:  إذا مات مالك الأرض خلال المدة،  قبل ظهور الزرع  أو بعده،  لم يبطل عقد المزارعة، وأما إذا مات الزارع قبل ظهور الزرع فإن حكم استمرار ذلك التعاقد يختلف على وجوه:


الأول:  أن يكون عقد المزارعة مطلقاً  من جهة مباشرة الزارع للعمل بنفسه أو عدمها،  فلا ينفسخ العقد ويبقى لورثة الميت تمام حقه الثابت له بالعقد.


الثاني:  أن تؤخذ مباشرة الزارع  "قيداً"  أصيلاً  وحاسماً  في المزارعة،  بنحو تكون فيه إرادة المالك متعلقة بهذا الفرد المقيد من المزارعة بخصوصه،  فهنا ينفسخ العقد بموت الزارع ويبطل.


الثالث:  أن تؤخذ المباشرة "شرطاً"،  بمعنى أن  الزارع يريد إيجاد المزارعة ولكن بشرط مباشرة الزارع للعمل بنفسه،  فتكون رغبته متعلقة بحصول الزراعة بشكل عام أولاً، ثم بحصولها مشروطة بالمباشرة بمرتبة ثانية؛ فهنا لا ينفسخ العقد بالموت فوراً  وتلقائياً، بل يثبت للمالك خيار الفسخ،  فإن شاء أمضى المعاملة من خلال الورثة وإن شاء فسخ؛ وهذا الحكم ثابت، سواء لوحظ حين التعاقد فرد خاص من الزراعة بعينه،  أو لوحظ على نحو الكلي وبشكل عام،  فإن المباشرة ما دامت من قبيل الشرط فإن المعاملة تصبح رهن رغبة المالك، فإن شاء أمضاها وإن شاء فسخها؛ والذي يبدو أن المتعارف في مثل هذه الحالات من الاشتراط هو تعلق رغبة المالك بتحقق الزراعة بنحو عام وكلي ولكن بشرط مباشرة الزارع بنفسه،  فتكون الأوصاف الذي تذكر في عقد المزارعة شروطاً لا قيوداً، مثلها - في ذلك - مثل غيرها من المعاملات.

هذا كله إذا مات الزارع قبل انتهاء عملية الزرع،  أما إذا مات بعد انتهاء عمله بالنحو الذي طلب منه،  ولو قبل ظهور الحاصل وإدراك الزرع،  فإن العقد لا ينفسخ بموت الزارع ما دام قد قام بنفسه بكل ما عليه،  ويجب على المالك الوفاء لورثته بمقتضى العقد وإبقاء الزرع في أرضه حتى يدرك ويأخذ الورثة نصيبهم.


م ـ 301: إذا أوقع متولّي الوقف عقد المزارعة على الأرض الموقوفة على الذرية إلى مدة موافقة لمصلحة الوقف ومصلحة البطون المتعددة التي تتولد خلال تلك المدة، لم ينفسخ عقد المزارعة بموته خلال تلك المدة، وأما إذا أوقع العقد واحدٌ من الجيل المتقدم من الموقوف عليهم فمات في أثناء المدة، انفسخ العقد بموته إلا أن يجيزه ويقبله من يعنيه الأمر من الجيل الجديد المتولِّد خلال المدة.


م ـ302: يجوز لكلٍّ من المتعاقدين اشتراط خيار الفسخ على الآخر، وهو ما يسمى بـ"خيار الشرط"، فيحقّ لصاحب هذا الخيار أن يستخدم حقه بالفسخ وإلغاء المعاملة بالنحو الذي شرطه لنفسه، وعلى المشروط عليه الوفاء له وترك التمرد عليه. وكذلك يثبت في المزارعة "خيار تخلف الشرط"، وذلك في صورة ما لو خالف المشروط عليه بنود العقد المتفق عليها فيما يرجع إلى طريقة المزارعة ومدتها ومكانها ونوع الزرع ونحو ذلك. وكذلك يثبت فيها خيار "تبعض الصفقة"، وهو ما يجري في صورة ما لو انكشف صلاح جزء من الأرض للزراعة لا جميعها، وهو الذي ذكرناه في المسألة:


(296)، كذلك فإنه قد ينطبق على بعضفروع المزارعة ما يستلزم ثبوت خيار العيب أو خيار التدليس بالنحو الذي سبق ذكره في الإجارة.


خلاصة فيها فائدة مهمة:

    قد ظهر من خلال ما تقدم من مسائل هذا المبحث الثاني أننا نفرق بين نوعين من الخلل:


    الأول: ما نصطلح عليه بـ(البطلان)، وقد نعبر عنه بالانفساخ بلحاظ أنه نتيجة البطلان؛ ومرادنا به ما ينتج عن فقدان عنصر من عناصر العقد التي بيناها في المبحث الأول عند التعاقد أو بعده، الأمر الذي يترتب عليه صدور العقد باطلاً من الأول، أو بطلانه فيما بعد بنحو يرتدّ عكساً على العقد فيبطله من الأول، وذلك كما في صورة ما لو طرأ الجفاف على الأرض بعدما كانت مروية، مما سبق التعرض له؛ وأثر البطلان هو انفساخ العقد وعودة كل شيء إلى ما كان عليه إذا كان البطلان قد حدث قبل المباشرة بأي عمل من أعمال الزراعة، وأما إذا حدث بعد إنجاز شيء منها، فإن كان البذر للمالك فالزرع له وعليه أجرة مثل العامل مع ما دفعه من تكاليف عليه، وإن كان البذر من الزارع فالزرع له وعليه أجرة مثل منفعة الأرض لمالكها مع ما دفعه من تكاليف.

    وهذه النتيجة بهذا المقدار لا إشكال فيها، كما أنه لا إشكال فيما لو كان البذر للزارع ورضي المالك بإبقائه في أرضه مجاناً أو بعوض؛ لكن الإشكال يقع في صورة التنازع حول إبقاء البذر في الأرض أو نزعه منها، والظاهر أنه إذا كان البذر للزارع فإنه ليس له إجبار المالك على إبقائه في أرضه، فإن لم يرض المالك يجوز له أمره بقلعه، وعلى الزارع ـ حينئذ ـ قلعه، وإن كان الزرع للمالك فليس له إجبار الزارع على الاستمرار في عمله.


    الثاني: ما نصطلح عليه "بالفسخ"، والمراد به ما ينتج عن اختلال الشروط المتفق عليها في بنود العقد، أو عن استخدام خيار الفسخ المشروط، أو عن التراضي على الفسخ؛ وفي جميع هذه الحالات فإنه حيث لا يتراضيان على الاستمرار في العقد يختلف تفصيل الحكم على نحوين:


    1 ـ أن يكون في موجبات الفسخ ما يعد تقصيراً متعمداً أو عدواناً من قبل أحدهما، فإن التعويض ـ حينئذ عن العمل المبذول والنفقات المدفوعة يخضع لميزان "الضمان" حسب ما ورد في تفاصيل فروع هذا النحو في ما سبق من مسائل.


    2 ـ أن يكون حدوث موجبات الفسخ من دون تقصير ولا عدوان، فتكون نتيجة الفسخ وآثاره هي نفس أثر "البطلان" الذي ذكرناه آنفاً.


ونريد به ظهور ما يستوجب بطلان العقد،  أو عدم وفاء أحد الطرفين بشروط التعاقد،  كأن لا يلتزم الزارع بالمدة المحددة،  أو بنوع البذر أو الزرع المتّفق عليه،  أو يتبين كون الأرض مغصوبة،  أو نحو ذلك من موارد اختلال العقد بما يؤدي إلى بطلانه أو ثبوت حق الفسخ فيه،  وبيان ذلك يقع في مسائل:


م -295:  إذا عين المالك نوعاً  خاصاً  من الزرع ضمن عقد المزارعة تعين على الزارع الوفاء به ولم يجز له زرع غيره،  وإذا تعدى ذلك فزرع غير ما اتفق عليه،  وعلم المالك به،  فإن حكمه يختلف بين ما إذا كان ذلك التعيين ملحوظاً  على نحو القيد الأساسي الذي لا يريد المالك سواه،  فإن المزارعة تبطل حينئذ،  ويترتب عليه ما سوف نذكره لاحقاً من حكم البطلان بصورة عامة،  وبين ما إذا كان ذلك ملحوظاً  على نحو "الشرط" الذي قد يرضى المالك ببديل عنه،  فإن لهذه الحالة صورتين:


الأولى: أن يعلم المالك بالخلاف قبل بلوغ الحاصل،  أي في بدايات الأمر، وحكمها أنه إذا كان البذر للزارع، فإن المزارعة تبطل ويتخير المالك بين إبقاء الزرع في إطار اتفاق جديد يتراضيان عليه ويطلب فيه المالك عوضاً عن ذلك نقداً  أوعيناً،  أو مجاناً بلا عوض،  وبين أن يلزم  الزارع  بإزالة الزرع النابت ودفع أجرة مثل ما فاته من منفعة الأرض.


وإن كان البذر للمالك بطلت المزارعة كذلك،  وكان له أن يطالب الزارع بأجرة مثل الأرض عن الفترة الماضية وببدل البذر،  فإذا بذله الزارع صار البذر المزروع للزارع،  وحينئذ يصبح المالك مخيراً  كما في الحالة الأولى بين إبقاء الزرع بعوض أو مجانا  وبين أمر الزارع بقلعه من الأرض.

الثانية: أن يعلم المالك بالخلاف بعد ظهور الحاصل وإيناعه،  فيتخير بين إبقاء عقد المزارعة على ما هو عليه وأخذ حصته المحددة له وبين فسخ العقد؛  فإن فسخ،  وكان البذر للعامل،  كان للمالك أجرة مثل منفعة أرضه وكان الحاصل للعامل الزارع، وإن كان البذر للمالك،  فللمالك المطالبة ببدل بذره زيادة على أجرة مثل منفعة أرضه،  ويكون الحاصل في هذه الحالة للزارع أيضاً  إذا بذل البذر للمالك؛  وفي كل الحالات فإنه ليس للعامل الزارع مطالبة المالك بأجرة عمله.


م -296: إذا طرأ خلال العمل في المزارعة ما منع من الاستمرار في الزراعة،  ولم يمكن رفع المانع إلى آخر المدة،  كأن يجتاح الماء  الأرض  ويغرقها،  أو يجف الماء الذي تسقى منه، أو يغصبها عدو،  أو نحو ذلك من الموانع القهرية الطبيعية أو البشرية،  وذلك قبل استلام الأرض أو بعده،  وقبل ظهور الزرع أو بعده ولكن قبل إدراكه ونضجه،  فإنه يحكم هنا ببطلان عقد المزارعة من الأول،  من جهة انكشاف عدم قابلية الأرض للزرع؛ وعليه، فيكون ما يسلم من الزرع الموجود لصاحب البذر،  فإن كان للمالك فإن عليه أن يدفع للزارع أجرة مثل عمله،  وإن كان للزارع فإن عليه أن يدفع لمالك الأرض أجرة مثل منفعة أرضه.


هذا فيما لو تعطلت الأرض كلها،  أما إذا طرأ المانع على بعضها فعطله وظل البعض الآخر سليما  فإنه يثبت لهما معاً  خيار تبعض الصفقة،  فلكل  منهما أن يبقي العقد على ما هو عليه أو يفسخ العقد ويلغيه؛ وحينئذ يكون مصير ما ظهر من الزرع بعد الفسخ هو ما يرتكز على القاعدة التالية الشاملة لأشباه هذا المورد:


إذا تراضيا على صيغة جديدة فهو على ما تراضيا عليه؛ وإذا لم يتراضيا فالزرع الموجود في الأرض لصاحب البذر،  فإن كان للمالك فهو حر فيه،  وعلى المالك دفع أجرة مثل العامل،  وليس له إجباره على الاستمرار في العمل؛ وإن كان البذر للعامل، فإن عليه أجرة مثل منفعة الأرض،  وللمالك حق أمره بقلع الزرع إن شاء.


م -297:  إذا قصّر الزارع في عمله، جهلاً منه بأصول الزراعة أو تقصيراً منه في بذل العناية المطلوبة،  فقل   الحاصل بسبب ذلك التقصير،  تخير المالك بين فسخ المزارعة أو إمضائها بالنسبة المتفق عليها؛ فإن فسخ فالحاصل لصاحب البذر،  فإن كان هو المالك فإن عليه أجرة مثل عمل الزارع،  وإن كان البذر للزارع فالحاصل له وعليه دفع مقدار من المال هو الأقل نسبة  ما بين قيمة أجرة مثل الأرض وقيمة حصة المالك من الحاصل على تقدير عدم التقصير؛ وبيانه بالمثال التالي: لو فرض أن أجرة الأرض التي لها هذه المواصفات هي ألف دينار،  وقيمة حصته من الحاصل على فرض عدم التقصير هو تسعمائة دينار،  فإن الذي يجب دفعه من قبل الزارع للمالك هو تسعمائة دينار التي هي أقل القيمتين،  وهكذا لو انعكس الفرض فكان الأقل قيمة أجرة الأرض،  فإنه يدفع قيمة أجرة الأرض لأنه أقل القيمتين.


م -298:  إذا ترك الزارع العمل في الأرض فلم يعمل فيها شيئاً،  فإن كان قد تسلّمها من المالك وصارت تحت يده فعليه ضمان أجرة منفعة مثلها للمالك،  وإن كانت ما تزال تحت يد المالك،  فإن كان عارفاً بعدم قيام الزارع بمضمون عقد المزارعة فليس على الزارع ضمان،  وإن لم يكن عارفاً، وكان قد اعتبر أن الأمر قد صار في عهدة الزارع،  فعليه ضمان أجرتها للمالك؛ نعم إذا كان ترك العمل فيها لعذر عام مانع،  كتساقط  الثلوج أو انقطاع الماء عنها،  فإن حكمه هو بطلان عقد المزارعة بالنحو الذي ذكرناه في المسألة: (296).


م -299: إذا انكشف بعد ظهور الحاصل كون الأرض التي وقعت عليها المزارعة مغصوبة بطلت المزارعة من جانب مَنْ كانت الأرض المغصوبة تحت يده؛  فإن كان البذر له فالزرع له،  وعليه أجرة مثل منفعة الأرض  لمالكها،  وأجرة مثل العامل للزارع؛ وإن كان البذر للزارع وأجاز المالك عقد المزارعة له صح كما أجازه،  وإن لم يجزه كان الزرع للزارع وعليه أجرة المثل لمالك الأرض.

وأما إذا انكشف الحال قبل بلوغ الزرع وإدراكه، فإن المالك مخيّر بين إجازة المزارعة للزارع وبين فسخ العقد،  فإن فسخ كان له الحق بإزالة الزرع مع أخذ أجرة مثل أرضه خلال المدة الماضية وبين إبقاء الزرع بعوضٍ أو مجاناً.


م -300:  إذا مات مالك الأرض خلال المدة،  قبل ظهور الزرع  أو بعده،  لم يبطل عقد المزارعة، وأما إذا مات الزارع قبل ظهور الزرع فإن حكم استمرار ذلك التعاقد يختلف على وجوه:


الأول:  أن يكون عقد المزارعة مطلقاً  من جهة مباشرة الزارع للعمل بنفسه أو عدمها،  فلا ينفسخ العقد ويبقى لورثة الميت تمام حقه الثابت له بالعقد.


الثاني:  أن تؤخذ مباشرة الزارع  "قيداً"  أصيلاً  وحاسماً  في المزارعة،  بنحو تكون فيه إرادة المالك متعلقة بهذا الفرد المقيد من المزارعة بخصوصه،  فهنا ينفسخ العقد بموت الزارع ويبطل.


الثالث:  أن تؤخذ المباشرة "شرطاً"،  بمعنى أن  الزارع يريد إيجاد المزارعة ولكن بشرط مباشرة الزارع للعمل بنفسه،  فتكون رغبته متعلقة بحصول الزراعة بشكل عام أولاً، ثم بحصولها مشروطة بالمباشرة بمرتبة ثانية؛ فهنا لا ينفسخ العقد بالموت فوراً  وتلقائياً، بل يثبت للمالك خيار الفسخ،  فإن شاء أمضى المعاملة من خلال الورثة وإن شاء فسخ؛ وهذا الحكم ثابت، سواء لوحظ حين التعاقد فرد خاص من الزراعة بعينه،  أو لوحظ على نحو الكلي وبشكل عام،  فإن المباشرة ما دامت من قبيل الشرط فإن المعاملة تصبح رهن رغبة المالك، فإن شاء أمضاها وإن شاء فسخها؛ والذي يبدو أن المتعارف في مثل هذه الحالات من الاشتراط هو تعلق رغبة المالك بتحقق الزراعة بنحو عام وكلي ولكن بشرط مباشرة الزارع بنفسه،  فتكون الأوصاف الذي تذكر في عقد المزارعة شروطاً لا قيوداً، مثلها - في ذلك - مثل غيرها من المعاملات.

هذا كله إذا مات الزارع قبل انتهاء عملية الزرع،  أما إذا مات بعد انتهاء عمله بالنحو الذي طلب منه،  ولو قبل ظهور الحاصل وإدراك الزرع،  فإن العقد لا ينفسخ بموت الزارع ما دام قد قام بنفسه بكل ما عليه،  ويجب على المالك الوفاء لورثته بمقتضى العقد وإبقاء الزرع في أرضه حتى يدرك ويأخذ الورثة نصيبهم.


م ـ 301: إذا أوقع متولّي الوقف عقد المزارعة على الأرض الموقوفة على الذرية إلى مدة موافقة لمصلحة الوقف ومصلحة البطون المتعددة التي تتولد خلال تلك المدة، لم ينفسخ عقد المزارعة بموته خلال تلك المدة، وأما إذا أوقع العقد واحدٌ من الجيل المتقدم من الموقوف عليهم فمات في أثناء المدة، انفسخ العقد بموته إلا أن يجيزه ويقبله من يعنيه الأمر من الجيل الجديد المتولِّد خلال المدة.


م ـ302: يجوز لكلٍّ من المتعاقدين اشتراط خيار الفسخ على الآخر، وهو ما يسمى بـ"خيار الشرط"، فيحقّ لصاحب هذا الخيار أن يستخدم حقه بالفسخ وإلغاء المعاملة بالنحو الذي شرطه لنفسه، وعلى المشروط عليه الوفاء له وترك التمرد عليه. وكذلك يثبت في المزارعة "خيار تخلف الشرط"، وذلك في صورة ما لو خالف المشروط عليه بنود العقد المتفق عليها فيما يرجع إلى طريقة المزارعة ومدتها ومكانها ونوع الزرع ونحو ذلك. وكذلك يثبت فيها خيار "تبعض الصفقة"، وهو ما يجري في صورة ما لو انكشف صلاح جزء من الأرض للزراعة لا جميعها، وهو الذي ذكرناه في المسألة:


(296)، كذلك فإنه قد ينطبق على بعضفروع المزارعة ما يستلزم ثبوت خيار العيب أو خيار التدليس بالنحو الذي سبق ذكره في الإجارة.


خلاصة فيها فائدة مهمة:

    قد ظهر من خلال ما تقدم من مسائل هذا المبحث الثاني أننا نفرق بين نوعين من الخلل:


    الأول: ما نصطلح عليه بـ(البطلان)، وقد نعبر عنه بالانفساخ بلحاظ أنه نتيجة البطلان؛ ومرادنا به ما ينتج عن فقدان عنصر من عناصر العقد التي بيناها في المبحث الأول عند التعاقد أو بعده، الأمر الذي يترتب عليه صدور العقد باطلاً من الأول، أو بطلانه فيما بعد بنحو يرتدّ عكساً على العقد فيبطله من الأول، وذلك كما في صورة ما لو طرأ الجفاف على الأرض بعدما كانت مروية، مما سبق التعرض له؛ وأثر البطلان هو انفساخ العقد وعودة كل شيء إلى ما كان عليه إذا كان البطلان قد حدث قبل المباشرة بأي عمل من أعمال الزراعة، وأما إذا حدث بعد إنجاز شيء منها، فإن كان البذر للمالك فالزرع له وعليه أجرة مثل العامل مع ما دفعه من تكاليف عليه، وإن كان البذر من الزارع فالزرع له وعليه أجرة مثل منفعة الأرض لمالكها مع ما دفعه من تكاليف.

    وهذه النتيجة بهذا المقدار لا إشكال فيها، كما أنه لا إشكال فيما لو كان البذر للزارع ورضي المالك بإبقائه في أرضه مجاناً أو بعوض؛ لكن الإشكال يقع في صورة التنازع حول إبقاء البذر في الأرض أو نزعه منها، والظاهر أنه إذا كان البذر للزارع فإنه ليس له إجبار المالك على إبقائه في أرضه، فإن لم يرض المالك يجوز له أمره بقلعه، وعلى الزارع ـ حينئذ ـ قلعه، وإن كان الزرع للمالك فليس له إجبار الزارع على الاستمرار في عمله.


    الثاني: ما نصطلح عليه "بالفسخ"، والمراد به ما ينتج عن اختلال الشروط المتفق عليها في بنود العقد، أو عن استخدام خيار الفسخ المشروط، أو عن التراضي على الفسخ؛ وفي جميع هذه الحالات فإنه حيث لا يتراضيان على الاستمرار في العقد يختلف تفصيل الحكم على نحوين:


    1 ـ أن يكون في موجبات الفسخ ما يعد تقصيراً متعمداً أو عدواناً من قبل أحدهما، فإن التعويض ـ حينئذ عن العمل المبذول والنفقات المدفوعة يخضع لميزان "الضمان" حسب ما ورد في تفاصيل فروع هذا النحو في ما سبق من مسائل.


    2 ـ أن يكون حدوث موجبات الفسخ من دون تقصير ولا عدوان، فتكون نتيجة الفسخ وآثاره هي نفس أثر "البطلان" الذي ذكرناه آنفاً.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية