في حوار عن الجهاد والردة والمرأة في الإسلام
فضل الله : الجهاد حق إنساني في مواجهة الظلم والعدوان
أفردت مجلة "نيوزويك" العربية على صفحاتها باب للحديث عن جملة من المفردات القيمية الإسلامية، والتي يدور الجدال حول مرتكزاتها الثقافية الإسلامية ومواطن تحققها، ومنها الجهاد، المساواة، حرية الدين. مستنطقةً بذلك مجموعة من المرجعيات الدينية ومنهم العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله الذي أجاب عن الأسئلة التالية.
الجهاد في الإسلام
س: ما هو الجهاد؟ وفي ظل أيِّ شروط يقرُّ الإسلام استخدام العنف؟ ماذا تقول للانتحاريين الذين يبرّرون ما يقومون به بأنّه من الدّين؟
ج: الجهاد في المفهوم الإسلامي، في خطِّ المواجهة العنيفة للأعداء، هو الحركة القتالية التي تستهدف منع هؤلاء من السيطرة على الأرض والإنسان بطريقة العنف الذي يصادر حرية النّاس، ويقتل الناس ويستولي على ثرواتهم، ويشلّ إرادتهم في تقرير مصيرهم، وفي إدارة شؤونهم بكلّ حرية؛ فهو أسلوب مواجهة العنف بالعنف، ومقابلة القوة بالقوة، ما يجعله ذا طابع دفاعي تارةً، ووقائيّ أخرى، وهذا ما عبّر عنه القرآن الكريم في قوله تعالى: {
وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ}[البقرة:190]، وقوله تعالى: {
أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ}[الحج:39]، وقوله تعالى: {
وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء}[الأنفال:58].
الجهاد في الإسلام لا يختلف عن مضمون حضاري إنساني ينطلق من نداء الفطرة الإنسانية في حق الدفاع النفس
وفي ضوء ذلك، فإنّ الجهاد في هذا الاتجاه، لا يختلف عن أيّ مضمون حضاري إنساني ينطلق في مفاهيمه وقوانينه وقيمه من نداء الفطرة الإنسانية في حق الدفاع عن النفس، أو في منع المستكبرين من الاستفادة من أيّة فرصة لمفاجأة الناس بالعدوان، وهذا مما يلتقي فيه الإسلام بكلِّ الحضارات العامة التي تتحرك في خط القيم الإنسانية.
وهناك قيمة دفاعية أخرى للجهاد، وهي الدفاع عن المستضعفين الذين يرزحون تحت ضغط واضطهاد الأقوياء المستكبرين، ولا يملكون ما يمكّنهم من الدفاع عن أنفسهم، لذلك على المنتمين إلى الإسلام أن يقوموا بالدفاع عن هؤلاء إذا طلبوا منهم ذلك، لأنّ القيمة الإنسانية في الإسلام تجعل الإنسان مسؤولاً عن مواجهة الظلم الذي يتعرض له الضعفاء، وذلك بتحريرهم من كل أوضاعهم وحالاتهم الصّعبة والقاسية. ومن الطبيعي أن مثل هذا التحرك الدفاعي عن المستضعفين لا ينطلق عشوائياً، بل يخضع لخطوات مدروسة في عملية إنقاذ هؤلاء بالوسائل السلمية، وذلك بالتعاون مع الشعوب والمنظمات التي تعمل في مجال الدفاع عن حقوق النّاس المستضعفين، ومنع الأقوياء الظالمين من إبادتهم أو إبادة مواقعهم، بحيث لا يُلجأ إِلى القوة إلاّ بعد استنفاد الوسائل السلمية. وقد تحدّث القرآن الكريم عن هذه الحالة الإنقاذية في قوله تعالى: {
وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً}[النساء:75].
أما في غير هذه الحالات، فلا شرعية لاستخدام القوة ضد الآخرين أو الاعتداء عليهم، حتى في صورة الاختلاف في الدين أو العرق أو الاتجاهات الأخرى، وقد تكرر في القرآن الكريم قوله تعالى: {
وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ}[البقرة:190]، الأمر الذي يؤكد رفض الإسلام للعدوان الذي يتمثل في إرهاب الناس وقتلهم واضطهادهم من دون حق.
إنّ قضية الجهاد في الإٍسلام ليست قضية العنف ضد الكافر، بل هو حركة ضدّ المحارب العدواني، وقد فرّق القرآن الكريم بين فريقين من الناس ممّن يختلفون مع المسلمين في الدِّين، وهما الفريق المسالم، والفريق المحارب العدواني، يقول تعالى: {ل
ا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ *
إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}[الممتحنة:8- 9]، فقد تحدث عن الفريق الأول، وهو الفريق الذي لم يدخل مع المسلمين في قتال عدواني ولم يخرجهم من أوطانهم، بل كان فريقاً مسالماً يعيش السلام معهم، أنَّ على المسلمين الإحسان إليهم ورعايتهم، والعدل معهم في كلِّ قضاياهم، وحفظ حقوقهم الإنسانية في جميع المجالات.
الإسلام أراد للمسلمين أن يدخلوا في معاهدات سلام مع الآخرين الذين يختلفون معهم على أساس الحق والعدل وحفظ حقوقهم الإنسانية
أما الفريق الثاني، وهو الذي يخوض القتال العدواني ضد المسلمين، ويطردهم من أوطانهم، أو يساعد الفئات العدوانية الظالمة على تشريدهم من بلادهم، فإن الله تعالى ينهى المسلمين عن إقامة أيِّ علاقة ولائية معهم ما داموا في هذه الحالة العدائية.
إنّ القوة التي يخطِّط الإسلام لأتباعه أن يأخذوا بها، ليست القوة العدوانية الإرهابية، بل هي القوة الإنسانية الدفاعية والوقائية والقيمية، وقد أراد الإسلام للمسلمين أن يدخلوا في معاهدات سلام مع الآخرين الذين يختلفون معهم، على أساس الحق والعدل وحفظ حقوقهم الإنسانية، وهذا ما أكّده تعالى في قوله: {
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ}[البقرة:208]، وقوله تعالى: {
وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا…}[الأنفال:61]. وقد دعا الإسلام المسلمين إلى الأخذ بأسباب الحوار مع اليهود والنصارى بالوسائل الثقافية الحضارية بأفضل الأساليب، فقال تعالى: {
وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}[العنكبوت:46].
أما المنهج الإسلامي في حلّ المشاكل الخلافية، فهو اتّباع الطريقة التي تحوِّل الأعداء إلى أصدقاء، وذلك هو قوله تعالى: {
وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}[فصلت:34]، ما يوحي بأنّ على المسلمين أن يستخدموا الوسائل التي يمكنهم من خلالها أن يكونوا أصدقاء العالم في حلّ المشاكل مع الآخرين، من دون التنازل عن أصالتهم الفكرية والروحية.
أما نداؤنا للانتحاريين الذين يفجِّرون أجسادهم في المدنيين الأبرياء، وللتكفيريين الذين يقتلون الناس لاختلافهم معهم في بعض الآراء المذهبية حتى في الواقع الإسلامي، أو الذين يطلقون التفجيرات الوحشية في المجتمعات المدنية، فيقتلون النساء والأطفال والشيوخ والشباب الذين لا علاقة لهم بأَيّ حرب عدوانية، إنّ النداء الذي نوجهه إلى هؤلاء، إنّ ما تقومون به من أعمال وحشية من الصنف غير الإنساني، لا علاقة له بالإسلام من قريب أو بعيد، وسوف يؤدي إلى غضب الله لا إلى رضاه، وإنّ هذا الأسلوب يُشوّه صورة الإسلام والمسلمين، ويعطي الآخرين فكرة خاطئة عن الدين الحنيف وأهله.
نداؤنا للانتحاريين وللتكفيريين، إن ما تقومون به من أعمال وحشية من الصنف غير الإنساني، لا علاقة له بالإسلام، وسوف يؤدي إلى غضب الله
ا
لارتداد خيانة للمجتمع الإسلامي:
س: كيف يعرِّف الإسلام الارتداد؟ وكيف يمكن التّوفيق بين فكرة أنّه {لا إكراه في الدّين}، وبين محاسبة المرتدّ على ارتداده؟
ج: الارتداد هو الموقف السلبي الذي يقفه المسلم من الإسلام الذي انتمى إليه، وذلك بالخروج عن الانتماء إليه من دون حجَّة ولا برهان، بإنكار قواعده العقيدية الأصيلة في الإيمان بالله الواحد وبالرسول والرسالة واليوم الآخر، ورفض القضايا الأساسية للدين كلّه.
أما طريقة مواجهة الارتداد في شخصية المرتدّ، فهي دعوته إلى طرح الأسس التي ارتكز عليها في إنكاره للإسلام، والدخول في حوار مع العلماء المختصين حول كل تلك المفردات الثقافية بكلِّ حرية وموضوعية، من أجل إقناعه بالخطأ الذي وقع فيه في رفضه للدين وخروجه منه، فإذا امتنع من الدخول في الحوار، أو بقي على سلبيته بعد إقامة الحجج عليه، فإنّ ذلك يوحي بأنَّه ينطلق في موقفه من حالة عناد معقّد، لا من حالة فكرية منفتحة، ما قد يؤدِّي إِلى الإخلال بالنظام العام للمجتمع الذي يمثّل الإسلام الأساس الوجودي لسلامته واستقراره، بحيث يكون الموقف السلبي ـ في هذه الحالة ـ أشبه بالخيانة العظمى للوطن كلّه.
وهنا ملاحظة، وهي أنّه إذا لم يستطع المحاور إقناع المرتد بالدليل أو بالبرهان، فليس له عليه أيّة حجة في ارتداده، كما أنّه إذا لم يعلن ارتداده وبقي ملتزماً بالنظام العام على مستوى الانتماء القانوني المجتمعي، فلا يحاسب على تفكيره في الانتقال إلى الدين الآخر.
أما قوله تعالى: {
لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}(البقرة/256)، أو قوله تعالى: {
أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ}(يونس/99)، فإنهما يعالجان أن مسألة الدين، هي مسألة تنطلق من حالة ثقافية عقلية عند الإنسان، فلا يملك أحد إكراهه على ما يتصل بها، ولاسيما إذا تبيّن عند الإنسان الرشد من الغيّ في حالة الوضوح الفكري، فهي مسألة تتصل بالمنطقة الداخلية للإنسان. أما قضية الارتداد، فإنها ترتبط بالمنطقة الخارجية، وهي الاستمرار بالالتزام بالنظام العام للدين بعد انتمائه إليه. ولعلَّنا نستوحي من قوله تعالى: {
قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ}[الحجرات:14]، أن قضيَّة الدّخول في الإسلام لا ترتبط بالعقيدة الإيمانية فقط، وبالتزام تفاصيله الفكرية والشرعية، بل ترتبط أيضاً بالتزام المسلم بالانتماء إلى المجتمع الإسلاميّ، وتطبيق القانون الّذي يشمل الوطن الإسلاميّ الذي يعيش فيه، تماماً كما هو حال الأشخاص الذين يلتزمون قوانين وأنظمة الدول التي يعيشون فيها دون أن يؤمنوا بنظامها من النّاحية الثّقافية، بل إنّهم يطبّقون أنظمتها الّتي تشمل المواطنين المقيمين في تلك البلاد.
إن المرتد يسيء إلى النظام العام بتمرده عليه، وهذا ليس مقبولاً في التشريع الإسلامي
إنَّ المرتد يسيء إِلى النظام العام بتمرده عليه، وهذا ليس مقبولاً في التشريع الإسلامي.
المساواة بين الجنسين في الإسلام:
س: ما هي حقوق المرأة في الإسلام؟ وبماذا يختلف مفهوم الإسلام حول مسألة المساواة بين المرأة والرجل عن المفهوم الغربي؟
ج: المرأة في الإسلام إنسانٌ كامل الإنسانية في عناصره العقليَّة، ولها الحق في الأخذ بأسباب العلم حتى تبلغ أعلى درجاته، وفي كل الاختصاصات العلميَّة، كما أنَّ لها كلّ الحقوق الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، فالمرأة إنسان مستقل اقتصادياً، وليس لأيّ رجل سلطة على موقعها المالي في الملكية، وفي حركتها الإنمائية والتجارية وعلاقاتها الاقتصادية، وهي شخصية اجتماعية في نشاطاتها الخيرية والحركية والتربوية والرياضية والإدارية وما إلى ذلك، وهي شخصيَّة سياسيَّة لها الحق في الانتخاب الديموقراطي وفي الترشّح للانتخابات، وفي انتخابها كشخص ممثّل لإرادة النّاس، ومن حقها أن يكون لها الموقع المتقدّم في السُّلطة التشريعية والتنفيذية في أعلى المراكز.
المرأة في الإسلام إنسان كامل الإنسانية في عناصره العقلية، ولها الحق أن تكون في المواقع المتقدمة من السلطة التشريعية والتنفيذية
وإذا كانت هناك بعض التحفّظات الفقهيَّة لدى بعض الفقهاء المسلمين في حقها القانوني في رئاسة الدولة، فإنّ هناك بعض الاجتهادات التي بدأت تناقش هذه المسألة. ولكن هناك بعض التشريعات الإسلامية المتعلّقة بالمرأة ليست موجودة في الغرب، كمسألة الحجاب الذي هو فريضة عليها في ستر جسدها ما عدا الوجه والكفين والقدمين، وذلك من خلال النظرية الإسلامية الّتي ترى أن على الرّجل والمرأة أن لا يخضعا للإثارة الجنسيّة، لها احتياطاً للالتزام بالعفة التي قد تفقد فاعليتها تحت تأثير عناصر الإثارة، باعتبار أنّ المزاج العام الذي عاشته المرأة في تاريخها وفي واقعها الحاضر، يتحرّك من فكرة أنّ المرأة تمثّل عنصر الإثارة الجنسية أكثر من الرجل، وهذا ما نلاحظه في سياسة الفن الروائي والإعلامي والإعلاني، الّذي يقدم المرأة في مظهرها المتنوع كعنصر جاذب للجنس في اجتذاب الآخرين، ولاسيما من المراهقين…
الفرق بين الإسلام والغرب، هو أن الحضارة الإسلامية هي حضارة ملتزمة أخلاقياً، بينما الحضارة الغربية لا تنفتح على هذا الالتزام
إن الفرق بين الإسلام والغرب، هو أنّ الحضارة الإسلامية هي حضارة ملتزمة أخلاقياً، بينما الحضارة الغربية لا تنفتح على هذا الالتزام، بل إنها تعتبر الجانب الأخلاقي ينطلق من الحرية الذاتية للإنسان، بما فيها الحرية الجنسية، فلا يعتبر الجنس غير الشرعي جريمة مدنية، لأنّه أمر يختصُّ بالشخص لا بالقيمة… ونحن لا نرى في الحجاب المعتدل ـ الذي لا يتمثَّل بالنقاب ـ مشكلةً للمرأة أو حاجزاً لها عن ممارستها كل التزاماتها الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ولعلنا نلاحظ من باب النكتة، أنّ الرجال في العالم، ولاسيما الرسميين في المواقع الرئاسية والإدارية، يلتزمون الحجاب فيما عدا غطاء الرأس، وأنّ النساء في الغرب يلتزمن غالباً بالحجاب، حجاب الصدر والأعضاء الجنسية،
أما مسألة بعض التشريعات، كمسالة الإرث والشهادة، فلها تفسير في التشريع الإسلامي يرتبط بتكامل المسؤوليّات الملقاة على عاتق كلّ من الرّجل والمرأة.
أمّا القضاء، فإنّ هناك رأياً اجتهادياً يـُجيز للمرأة أن تكون قاضية، وهو رأي ننظر إليه بشكل إيجابي.
وتبقى قضية الطَّلاق التي جعلها الإسلام بيد الرجل، لأنّه يتحمَّل كلَّ مسؤولية الحياة الزوجية، ولكن التشريع الإسلامي جعل للمرأة الحقَّ في الطلاق في كثير من الحالات التي تتحول فيها الحياة الزوجية إِلى جحيم لا يطاق بالنسبة إليها، مما لا يتسع له نطاق الجواب عن السؤال.
وخلاصة الفكرة: إنّ المرأة في الإسلام هي إنسان كامل الإنسانية، وإنّ بعض الاستثناءات الشرعية خاضعة للفروق الطبيعيّة بين الرجل والمرأة.
كما إنّ الفرق بين النظرة الغربية والنظرة الإسلامية بالنسبة إلى المرأة والرجل هو نتيجة الفرق بين القاعدة الحضارية التي ترتكز عليها الحضارة الغربية المادية، والقاعدة الحضارية الإسلامية التي يتزاوج فيها الجانب الروحي والجانب المادي.
وإذا كان التخلّف الذي عاشه المسلمون في تاريخهم الذي طغت عليه كثير من التراكمات السلبية، قد أسقط موقع المرأة الإنساني، فإنّ ذلك ليس مسؤولية الإسلام في أصالته، بل هي مسؤولية الواقع المتخلّف الذي عاشه المسلمون في التاريخ، كما عاشته الكثير من الشعوب في تاريخها، وكما هي الشعوب الغربية في التاريخ القديم.
مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 22 رجب 1428 هـ الموافق: 06/08/2007 م