محاضرات
05/11/2024

*خطبة الجمعة لسماحته، بتاريخ: 5/ 2/ 1999.

*خطبة الجمعة لسماحته، بتاريخ: 5/ 2/ 1999.

يقول الله سبحانه وتعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}[البقرة: 155 – 157].
في هذه الآيات وفي غيرها، يركِّز الله على قضيَّة المشاكل والتحدّيات الَّتي تصيب الفرد والمجتمع في كلّ أوضاعهم، انطلاقاً من أنَّ الحياة لا تصفو لأحد، ولا تسيرُ في خطٍّ واحد، فإذا حصلْتَ على شيء منها، فقدْتَ شيئاً آخر، وإذا نجحْتَ في شيءٍ فشلْت في شيء آخر.
ولذلك، فإنَّ الله يريد للإنسان أن يتماسك، وأن يصمد، وأن يثبت، لا يريد له أن يسقط أمام البلاء وأمام التحدّي، فالحياة في تعقيداتها السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، قد تفرض على الإنسان، فرداً أو جماعةً، بعض الخوف؛ الخوف على النفس في المشاكل الأمنيَّة، والخوف على المال في المشاكل الاقتصاديَّة، والخوف على الأولاد والأهل في قضايا المرض وما أشبه ذلك.
وهكذا في مسائل الإنتاج ومسائل الجوع، وهذا أمرٌ لا نزال نعيشه في الهزَّات الَّتي تحدث في العالم، فهذه الهزَّات الاقتصاديَّة التي تسقط العملة هنا والعملة هناك، والَّتي تُربِكُ الاقتصاد هنا والاقتصاد هناك، نجد أنَّها تتنقَّل بين قارَّة وأخرى، وبين بلدٍ وآخر، فالكلُّ يشكو من هذه المشكلة؛ هذا يحدِّثك عن السيولة النقديَّة وفقدانها، وذاك يحدِّثك عن القحط في الزّراعة، وذاك يحدِّثك عن غلاء، وعن المشاكل في قضايا الاستيراد والتَّصدير، وما إلى ذلك مما يتخبَّط فيه النَّاس.
وهكذا نجد أنَّ التحدّيات الأمنيَّة على المستوى العامّ وعلى المستوى الخاصّ، تواجه النَّاس، فهذا يفقد ولده، وذاك يفقد أخاه، وما إلى ذلك.
إنَّ الله يقول لنا إنَّ هذا من طبيعة الحياة، لأنَّ الحياة تتحرَّك في خطوط الصِّراع، فالله يدفع النَّاس بعضهم ببعض: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ...}[الحجّ: 40]. فالحياة قائمة على الصِّراع، وقائمة على البلاء الَّذي يتحرَّك من أنّها محدودة، والمحدود لا بدَّ أن يعطيك شيئاً ويمنعك شيئاً آخر.
لذلك، يقول الله لنا فكِّروا في القضيَّة من خلال إيمانكم، ولا تفكِّروا فيها من خلال غرائزكم، فالغرائز الإنسانيَّة قد تُسقِط الإنسان على أساس نقاط الضّعف، فيسقط الإنسان عند الجوع، وعند الخوف، وعند النَّقص في الأنفس والأموال والثَّمرات، يسقط، يجزع، يبكي، يتراجع، ربما يبيع موقفه، ويبيع دينه ونفسه، ولكنَّ الله يقول لك: أوحِ إلى نفسك، أيُّها الإنسان، قل لنفسك إنَّني ملك الله، اصبر، والصَّبر ليس انهزاماً، ولكنَّه موقف التَّماسك، تماسَكْ وفكِّرْ وتحرّكْ نحو المشكلة، لأنَّك إذا سقطت أمام المشكلة، لم يعد لك عقلٌ تفكِّر به، ولم يعد لك إرادة تركّزها.
لذلك اصبر، لا تخضع إذا توتّرَتْ أعصابُكَ، لا تسقط إذا حزن قلبك، لكن تماسك، واصبر، وارفع رأسك إلى الله، وفكِّر أنَّ الحياة ليست الفرصة الأولى والأخيرة لك، ولكنَّ هناك حياةً أخرى، فإذا فقدْتَ شيئاً هنا، فقد تجدُ بدلاً منه على أفضل ما يكون هناك، وإذا ابتلاك الله بشيء، فإنَّه يمكنُ أن يخرجَك من البلاء، إنَّ الَّذي رزقك أوَّلاً يرزقك ثانياً، وإنَّ الله بكرمِهِ عندما أعطاك وجودَكَ، هو الكريمُ حتَّى بعد أن يبتليَك، وسيعطيك كما أعطاك، الله عوَّدك الجميل، فقس على ما مضى، وبشَّر: {ولَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} الَّذين يتماسكون ولا يسقطون، فيحضِّرون عقولهم لتفكِّر، ويحضِّرون إرادتهم لتركِّز الموقف، وينطلقون إلى الله.
{الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} نحن ملك الله، ولله أن يتصرَّفَ بنا كما يشاء، والله لا يتصرَّف معنا إلَّا بحكمة، لأنّه تعالى لا يتصرَّف عن انتقام أو عن حالة نفسيَّة، كما نتصرَّف نحن في ردود الفعل، لأنَّ الله عندما يتصرَّف بأيِّ شيء في خلقه، فإنَّه يتصرَّف من موقع الحكمة التي ركَّز الوجود عليها، والتي أراد للإنسان أن يتحرَّك فيها.
{قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ}، وإذا كنَّا ملكاً لله، فلا نملك من أنفسنا وممن حولنا شيئاً إلَّا ما أعطانا الله، {وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}، وسوف نرجع إليه لنقدِّم حسابنا بين يديه. فلماذا نجزع؟ ولماذا نسقط؟ نحن جزء من نظام الكون، والنِّظام يتنوَّع، ها أنتم ترونَهُ صحواً في يومٍ، ومطراً في يومٍ، وعواصفَ في يومٍ، ونسيماً عليلاً في يومٍ، وحرارةً هنا، وبرداً هناك، ويسير الكون، لأنَّه إذا لم يكن بردٌ وحرٌّ وصحوٌ وشتاءٌ، لم تستقم الحياة، كلّ ما في الكون من مفردات النِّظام، له دور في بناء النّظام.
لذلك، المرض له دور، والصحّة لها دور، والغنى له دور، والفقر له دور، قد لا تعرفه في ذاته، ولكن عندما تدرس كلَّ الواقع الإنسانيّ، تجد أنَّ الله سبحانه وتعالى جعل لكلِّ شيء في الأفراد والجماعات، مصلحةً هنا ومصلحةً هناك.
نحن عندما نفكِّر في الموت، نتعقَّد من الموت، ولكن فكِّروا لو أنَّه لا موت منذ كان الوجود، فهل تتَّسع الحياة لكلِّ النّاس؟ ولذلك "لو دامت لك، لما وصلت إليك". لذلك، هذا الأمر من حكمة الله، فكما يأتي الموسم، وينتهي الموسم، ويصير الخريف، وتتساقط أوراق الخريف، وتبدأ دورة الحياة من جديد، كذلك نحن الأوراق، نتساقط، ويأتي جيل جديد، وتنطلق الحياة، وبعد ذلك {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}[المطفّفين: 6].
*من خطبة جمعة لسماحته، بتاريخ: 5/ 2/ 1999.
يقول الله سبحانه وتعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}[البقرة: 155 – 157].
في هذه الآيات وفي غيرها، يركِّز الله على قضيَّة المشاكل والتحدّيات الَّتي تصيب الفرد والمجتمع في كلّ أوضاعهم، انطلاقاً من أنَّ الحياة لا تصفو لأحد، ولا تسيرُ في خطٍّ واحد، فإذا حصلْتَ على شيء منها، فقدْتَ شيئاً آخر، وإذا نجحْتَ في شيءٍ فشلْت في شيء آخر.
ولذلك، فإنَّ الله يريد للإنسان أن يتماسك، وأن يصمد، وأن يثبت، لا يريد له أن يسقط أمام البلاء وأمام التحدّي، فالحياة في تعقيداتها السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، قد تفرض على الإنسان، فرداً أو جماعةً، بعض الخوف؛ الخوف على النفس في المشاكل الأمنيَّة، والخوف على المال في المشاكل الاقتصاديَّة، والخوف على الأولاد والأهل في قضايا المرض وما أشبه ذلك.
وهكذا في مسائل الإنتاج ومسائل الجوع، وهذا أمرٌ لا نزال نعيشه في الهزَّات الَّتي تحدث في العالم، فهذه الهزَّات الاقتصاديَّة التي تسقط العملة هنا والعملة هناك، والَّتي تُربِكُ الاقتصاد هنا والاقتصاد هناك، نجد أنَّها تتنقَّل بين قارَّة وأخرى، وبين بلدٍ وآخر، فالكلُّ يشكو من هذه المشكلة؛ هذا يحدِّثك عن السيولة النقديَّة وفقدانها، وذاك يحدِّثك عن القحط في الزّراعة، وذاك يحدِّثك عن غلاء، وعن المشاكل في قضايا الاستيراد والتَّصدير، وما إلى ذلك مما يتخبَّط فيه النَّاس.
وهكذا نجد أنَّ التحدّيات الأمنيَّة على المستوى العامّ وعلى المستوى الخاصّ، تواجه النَّاس، فهذا يفقد ولده، وذاك يفقد أخاه، وما إلى ذلك.
إنَّ الله يقول لنا إنَّ هذا من طبيعة الحياة، لأنَّ الحياة تتحرَّك في خطوط الصِّراع، فالله يدفع النَّاس بعضهم ببعض: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ...}[الحجّ: 40]. فالحياة قائمة على الصِّراع، وقائمة على البلاء الَّذي يتحرَّك من أنّها محدودة، والمحدود لا بدَّ أن يعطيك شيئاً ويمنعك شيئاً آخر.
لذلك، يقول الله لنا فكِّروا في القضيَّة من خلال إيمانكم، ولا تفكِّروا فيها من خلال غرائزكم، فالغرائز الإنسانيَّة قد تُسقِط الإنسان على أساس نقاط الضّعف، فيسقط الإنسان عند الجوع، وعند الخوف، وعند النَّقص في الأنفس والأموال والثَّمرات، يسقط، يجزع، يبكي، يتراجع، ربما يبيع موقفه، ويبيع دينه ونفسه، ولكنَّ الله يقول لك: أوحِ إلى نفسك، أيُّها الإنسان، قل لنفسك إنَّني ملك الله، اصبر، والصَّبر ليس انهزاماً، ولكنَّه موقف التَّماسك، تماسَكْ وفكِّرْ وتحرّكْ نحو المشكلة، لأنَّك إذا سقطت أمام المشكلة، لم يعد لك عقلٌ تفكِّر به، ولم يعد لك إرادة تركّزها.
لذلك اصبر، لا تخضع إذا توتّرَتْ أعصابُكَ، لا تسقط إذا حزن قلبك، لكن تماسك، واصبر، وارفع رأسك إلى الله، وفكِّر أنَّ الحياة ليست الفرصة الأولى والأخيرة لك، ولكنَّ هناك حياةً أخرى، فإذا فقدْتَ شيئاً هنا، فقد تجدُ بدلاً منه على أفضل ما يكون هناك، وإذا ابتلاك الله بشيء، فإنَّه يمكنُ أن يخرجَك من البلاء، إنَّ الَّذي رزقك أوَّلاً يرزقك ثانياً، وإنَّ الله بكرمِهِ عندما أعطاك وجودَكَ، هو الكريمُ حتَّى بعد أن يبتليَك، وسيعطيك كما أعطاك، الله عوَّدك الجميل، فقس على ما مضى، وبشَّر: {ولَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} الَّذين يتماسكون ولا يسقطون، فيحضِّرون عقولهم لتفكِّر، ويحضِّرون إرادتهم لتركِّز الموقف، وينطلقون إلى الله.
{الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} نحن ملك الله، ولله أن يتصرَّفَ بنا كما يشاء، والله لا يتصرَّف معنا إلَّا بحكمة، لأنّه تعالى لا يتصرَّف عن انتقام أو عن حالة نفسيَّة، كما نتصرَّف نحن في ردود الفعل، لأنَّ الله عندما يتصرَّف بأيِّ شيء في خلقه، فإنَّه يتصرَّف من موقع الحكمة التي ركَّز الوجود عليها، والتي أراد للإنسان أن يتحرَّك فيها.
{قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ}، وإذا كنَّا ملكاً لله، فلا نملك من أنفسنا وممن حولنا شيئاً إلَّا ما أعطانا الله، {وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}، وسوف نرجع إليه لنقدِّم حسابنا بين يديه. فلماذا نجزع؟ ولماذا نسقط؟ نحن جزء من نظام الكون، والنِّظام يتنوَّع، ها أنتم ترونَهُ صحواً في يومٍ، ومطراً في يومٍ، وعواصفَ في يومٍ، ونسيماً عليلاً في يومٍ، وحرارةً هنا، وبرداً هناك، ويسير الكون، لأنَّه إذا لم يكن بردٌ وحرٌّ وصحوٌ وشتاءٌ، لم تستقم الحياة، كلّ ما في الكون من مفردات النِّظام، له دور في بناء النّظام.
لذلك، المرض له دور، والصحّة لها دور، والغنى له دور، والفقر له دور، قد لا تعرفه في ذاته، ولكن عندما تدرس كلَّ الواقع الإنسانيّ، تجد أنَّ الله سبحانه وتعالى جعل لكلِّ شيء في الأفراد والجماعات، مصلحةً هنا ومصلحةً هناك.
نحن عندما نفكِّر في الموت، نتعقَّد من الموت، ولكن فكِّروا لو أنَّه لا موت منذ كان الوجود، فهل تتَّسع الحياة لكلِّ النّاس؟ ولذلك "لو دامت لك، لما وصلت إليك". لذلك، هذا الأمر من حكمة الله، فكما يأتي الموسم، وينتهي الموسم، ويصير الخريف، وتتساقط أوراق الخريف، وتبدأ دورة الحياة من جديد، كذلك نحن الأوراق، نتساقط، ويأتي جيل جديد، وتنطلق الحياة، وبعد ذلك {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}[المطفّفين: 6].
*من خطبة جمعة لسماحته، بتاريخ: 5/ 2/ 1999.
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية