في الحديث عن الفرق بين التعصّب والالتزام، والفرق بين المجتمع المتعصِّب والمجتمع الملتزم، فإنّ الإنسان المتعصِّب هو الإنسان الَّذي يلغي الآخر تماماً، ولا يدخل معه في حوار، لأنَّه لا يرتبط بالفكرة، ولكنَّه يرتبط بالشَّخص.
ولذلك، فإنَّ المتعصِّب هو إنسان يعيش عبادة الشَّخصيَّة، فإذا تعصَّب لشخص، فكأنَّه يعبد هذا الشَّخص، وإذا تعصَّب لعائلة، فكأنَّه يعبد هذه العائلة، وهكذا إذا تعصَّب لأيِّ جهة فإنَّه يعبدها، وإن لم يوح إلى نفسه بشخصيَّة العابد، وإذا أردت أن تدخل معه في أيِّ فكرة من الأفكار الَّتي يلتزمها أو الأوضاع التي يعيشها فريقه، فإنَّه لا يدخل معك في حوار عقلانيّ، ولكنَّه يواجهك بالسّباب والشَّتائم وبما يملك من القوَّة.
ولذلك، كان المتعصِّبون في مدى التَّاريخ، يمثِّلون النَّاس الَّذين لا يفكِّرون، ولعلَّنا نقرأ سيرة الأنبياء في القرآن الكريم، عندما كانوا يدعون شعوبهم إلى أن يفكِّروا معهم وأن يحاوروهم، فكانوا يواجَهون من قبلِ هؤلاء بالكلمات القاسية، من دون أيِّ منطقٍ يقدِّمونه إليهم.
ولعلَّنا نعرف ذلك من خلال واقعة كربلاء، فإنَّ هؤلاء الَّذين جاؤوا لقتال الإمام الحسين (ع)، كانوا يعيشون التَّعصّب للقيادة الجائرة والظَّالمة، ولم يكن هناك منطق يرتكزون عليه ليناقشوا الحسين (ع) وأصحابه على أساسه، بل كانوا يغلقون عقولهم عن أيِّ منطق. وتنقل لنا السيرة الحسينيَّة، أنَّ الحسين (ع) عندما أراد أن يقودهم إلى الحوار بما عرضه عليهم من كلِّ الحجج الَّتي تثبت أنَّ الحقَّ معه وأنَّهم على باطل، كان جوابهم الَّذي تحدَّث به الشِّمر في منطقه: "مَاْ نَدْرِي مَا تَقُولُ، وَلَكنْ انزِلْ عَلَى حُكْمِ بني عَمِّكَ". إنَّ هذا هو منطق المتعصِّب؛ تتحدَّث معه وتتحدَّث، وتقدِّم إليه الحجَّة تلو الحجَّة، ولكنَّه يصرّ على أن لا يستمع إليك.
إنَّ معنى ذلك أنَّهم كانوا يتحركون بمنطق العصبيَّة، في الوقت الَّذي كان الحسين (ع) وأصحابه يتحدَّثون بمنطق الالتزام، حتَّى إنَّنا رأينا أنَّ أصحاب الحسين (ع) عندما انطلقوا معه، لم ينطلقوا من موقع التعصّب لشخصه (ع)، بل انطلقوا من خلال أنَّه يمثِّل القيادة الشَّرعيَّة للخطِّ الَّذي التزموه، انطلقوا معه من موقع فكرٍ لا من موقع عصبيَّة، وهذا ما لاحظناه من قصَّة زهير بن القين الَّذي يقال إنَّه كان في الخطِّ المنحرف عن خطِّ أهل البيت (ع)، وكان يجتنب اللِّقاء بالحسين (ع)، حتَّى إذا تهيَّأت الظّروف الملائمة للقائه به، وحاوره الحسين (ع)، ووضعه في أجواء الشَّرعيَّة، التزم به ذلك الالتزام العظيم جدّاً.
وهذا ما نلاحظه أيضاً في حديث الحسين (ع) عنهم، عندما كان يواجه كلَّ واحد منهم يخرج للمبارزة، كان يتحدَّث عنهم أنَّهم الملتزمون وليسوا المتعصِّبين، لذلك كان يقول: {مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ}[الأحزاب: 23]، يعني أنَّ الحسين (ع) يريد أن يقول إنَّ أصحابي هم الَّذين عاهدوا الله على أن يقفوا مع الحقِّ ومع قيادة الحقّ، والتزموا ذلك مع الله وليس معي بشكل شخصيّ، ولذلك كان موقفهم موقف الصَّادقين في عهدهم.
* من محاضرة عاشورائيَّة لسماحته، بتاريخ: 13/05/1997م.
في الحديث عن الفرق بين التعصّب والالتزام، والفرق بين المجتمع المتعصِّب والمجتمع الملتزم، فإنّ الإنسان المتعصِّب هو الإنسان الَّذي يلغي الآخر تماماً، ولا يدخل معه في حوار، لأنَّه لا يرتبط بالفكرة، ولكنَّه يرتبط بالشَّخص.
ولذلك، فإنَّ المتعصِّب هو إنسان يعيش عبادة الشَّخصيَّة، فإذا تعصَّب لشخص، فكأنَّه يعبد هذا الشَّخص، وإذا تعصَّب لعائلة، فكأنَّه يعبد هذه العائلة، وهكذا إذا تعصَّب لأيِّ جهة فإنَّه يعبدها، وإن لم يوح إلى نفسه بشخصيَّة العابد، وإذا أردت أن تدخل معه في أيِّ فكرة من الأفكار الَّتي يلتزمها أو الأوضاع التي يعيشها فريقه، فإنَّه لا يدخل معك في حوار عقلانيّ، ولكنَّه يواجهك بالسّباب والشَّتائم وبما يملك من القوَّة.
ولذلك، كان المتعصِّبون في مدى التَّاريخ، يمثِّلون النَّاس الَّذين لا يفكِّرون، ولعلَّنا نقرأ سيرة الأنبياء في القرآن الكريم، عندما كانوا يدعون شعوبهم إلى أن يفكِّروا معهم وأن يحاوروهم، فكانوا يواجَهون من قبلِ هؤلاء بالكلمات القاسية، من دون أيِّ منطقٍ يقدِّمونه إليهم.
ولعلَّنا نعرف ذلك من خلال واقعة كربلاء، فإنَّ هؤلاء الَّذين جاؤوا لقتال الإمام الحسين (ع)، كانوا يعيشون التَّعصّب للقيادة الجائرة والظَّالمة، ولم يكن هناك منطق يرتكزون عليه ليناقشوا الحسين (ع) وأصحابه على أساسه، بل كانوا يغلقون عقولهم عن أيِّ منطق. وتنقل لنا السيرة الحسينيَّة، أنَّ الحسين (ع) عندما أراد أن يقودهم إلى الحوار بما عرضه عليهم من كلِّ الحجج الَّتي تثبت أنَّ الحقَّ معه وأنَّهم على باطل، كان جوابهم الَّذي تحدَّث به الشِّمر في منطقه: "مَاْ نَدْرِي مَا تَقُولُ، وَلَكنْ انزِلْ عَلَى حُكْمِ بني عَمِّكَ". إنَّ هذا هو منطق المتعصِّب؛ تتحدَّث معه وتتحدَّث، وتقدِّم إليه الحجَّة تلو الحجَّة، ولكنَّه يصرّ على أن لا يستمع إليك.
إنَّ معنى ذلك أنَّهم كانوا يتحركون بمنطق العصبيَّة، في الوقت الَّذي كان الحسين (ع) وأصحابه يتحدَّثون بمنطق الالتزام، حتَّى إنَّنا رأينا أنَّ أصحاب الحسين (ع) عندما انطلقوا معه، لم ينطلقوا من موقع التعصّب لشخصه (ع)، بل انطلقوا من خلال أنَّه يمثِّل القيادة الشَّرعيَّة للخطِّ الَّذي التزموه، انطلقوا معه من موقع فكرٍ لا من موقع عصبيَّة، وهذا ما لاحظناه من قصَّة زهير بن القين الَّذي يقال إنَّه كان في الخطِّ المنحرف عن خطِّ أهل البيت (ع)، وكان يجتنب اللِّقاء بالحسين (ع)، حتَّى إذا تهيَّأت الظّروف الملائمة للقائه به، وحاوره الحسين (ع)، ووضعه في أجواء الشَّرعيَّة، التزم به ذلك الالتزام العظيم جدّاً.
وهذا ما نلاحظه أيضاً في حديث الحسين (ع) عنهم، عندما كان يواجه كلَّ واحد منهم يخرج للمبارزة، كان يتحدَّث عنهم أنَّهم الملتزمون وليسوا المتعصِّبين، لذلك كان يقول: {مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ}[الأحزاب: 23]، يعني أنَّ الحسين (ع) يريد أن يقول إنَّ أصحابي هم الَّذين عاهدوا الله على أن يقفوا مع الحقِّ ومع قيادة الحقّ، والتزموا ذلك مع الله وليس معي بشكل شخصيّ، ولذلك كان موقفهم موقف الصَّادقين في عهدهم.
* من محاضرة عاشورائيَّة لسماحته، بتاريخ: 13/05/1997م.