في الوصيَّة الَّتي أوصى بها الإمامُ الحسينُ (ع) أخاه محمَّد بن الحنفيَّة عند خروجه، يقول (ع): "إنِّي لمْ أَخْرُجْ أَشِراً ولا بَطِراً، ولا مُفسِداً ولا ظَالماً".
لقد أراد الحسين (ع) أن يؤكِّدَ الصِّفة الإسلاميَّة في عناصر شخصيَّته، في خروجه على الحاكم الظَّالم، ليدفعَ عن حركته هذه، العناوينَ الَّتي يمكن أن تنطلق بها الحركات الأخرى، فهناك الَّذين يخرجون لينتفضوا على الحكم من أجل طموحاتهم الذاتيَّة، لأنَّهم يريدون أن يكونوا في المواقع العالية على أنقاض الآخرين، سواء كان الآخرون ممن يملكون الشَّرعيَّة والمنهج العادل، أو ممن لا يملكونهما، ليست القضيَّة لديهم هي إنقاذ المجتمع من هذا أو ذاك، فهم لا يفكِّرون في هذا الحاكم ما هي خطَّته وما هو منهجه، بل كلّ ما عندهم أنَّهم يريدون إسقاطه ليجلسوا مكانه، على قاعدة "قم لأجلس مكانك". وهذا ما نلاحظه في الكثيرين ممن يقومون بحركات المعارضة أو بالحركات الانقلابيَّة على هذا النّظام أو ذاك، أو هذا الحاكم أو ذاك، من أجل تضخيم دورهم الشّخصيّ.
ولعلَّنا نجد الكثيرين في التَّاريخ وفي الواقع المعاصر من أمثال هؤلاء، فنلاحظ أنَّ بعض النَّاس قد يثورون على الشرعيَّة العادلة تلبيةً لبعض ذاتيَّاتهم، وهذا ما لاحظناه في الحركات الَّتي قامت في وجه الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) منذ استُخلِف. ونحن نعرف أنَّ عليّاً (ع) كان يمثِّل الشَّرعيَّة الإسلاميَّة في خلافته على جميع المستويات، فإذا كنَّا نتحدَّث عن الشَّرعيَّة من خلال كتاب الله وسنَّة رسوله، فإنَّ عليّاً (ع) كان يملك هذه الشَّرعيَّة، والآية الكريمة: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}[المائدة: 55] الَّتي فسَّرها المفسِّرون من السنَّة والشّيعة بأنَّها نزلت في عليّ (ع)، أثبتت له الولاية. وهكذا في كلِّ الكلمات المتنوّعة الَّتي صدرت عن النبيّ (ص) في شأن عليّ (ع) مما لم يصدر عنه (ص) في أيِّ صحابي آخر. وكانت نهاية المطاف في يوم الغدير، عندما قال رسول الله (ص) لجموع المسلمين العائدين من الحجّ: "مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ"، يعني من كنت أولى به من نفسه، وهو معنى الولاية والحاكميَّة، فعليٌّ أولى به من نفسه، بقرينة أنَّه (ص) قال: "أَلَسْتُ أولى بالمؤمنينَ مِنْ أنفسِهم؟".
فإذا كانت الشَّرعيَّة تنطلق كما هو الرَّأي الشِّيعي الإمامي، فعليٌّ يملك الشَّرعيَّة الإسلاميَّة في خلافته منذ البداية، وإذا قلنا إنَّ الشرعيَّة تنطلق من بيعة المسلمين، فلقد بايع المسلمون عليّاً (ع)، وقد اندفع المسلمون إليه، حتَّى لقد وُطِئَ الحسنان، من جهة اندفاع النَّاس إليه. حتى إنَّه جاء في بعض رسائله إلى معاوية، أنَّه قال له إنَّ الَّذين بايعوني هم الَّذين بايعوا أبا بكر وعمر، يعني إذا كنتم تعتبرون أنَّ البيعة هي أساس الشَّرعيَّة، وتعتبرون أنَّ الشَّرعيَّة لأبي بكر وعمر من خلال بيعة المسلمين لهم، فقد بايعني القوم الَّذين بايعوا أبا بكر وعمر، فإذا ثبتت الشَّرعيَّة لهما، فما هو الأساس للثَّورة عليَّ أو لمعارضتي؟
ولذا يقول (ع): فَلَمَّا نَهَضْتُ بِالأَمْرِ، نَكَثَتْ طَائِفَةٌ وَمَرَقَتْ أُخْرَى وَقَسَطَ آخَرُونَ، كَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا كَلاَمَ اللَّهِ حَيْثُ يَقُولُ: {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلَا فَسَادَاً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}[القصص: 83]. بَلى وَالله، لَقَدْ سَمِعُوهَا وَوَعَوْهَا. وَلكِنَّهُمْ حَلِيَتِ الدُّنْيَا فِي أَعْيُنِهِمْ وَرَاقَهُمْ زِبْرِجُهَا".
فكانت المسألة أنَّ بعض الصَّحابة، ومعهم أمُّ المؤمنين عائشة، انطلقوا إلى البصرة لينتفضوا على عليّ (ع).
وحاول (ع) أن يتفادى الحرب، لأنَّه لم يكن يفكِّر في أيّ حرب في الواقع الإسلاميّ، بل كان حريصاً على أن يحفظ المسلمين؛ أن يحفظ دماءهم، وأن يحفظ نظامهم، وأن يحفظ قوَّتهم، ولهذا قال: "لَأُسْلِمَنَّ مَا سَلِمَتْ أُمُورُ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا جَوْرٌ إِلَّا عَلَيَّ خَاصَّةً". ولذلك، عندما كان خارج نطاق الخلافة مع الخلفاء الثَّلاثة الَّذين تقدَّموه، كان يعمل بكلِّ ما عنده من قوَّة في سبيل أن يبعد المسلمين عن الفتنة، وليجنِّبهم الأخطار الَّتي تحيط بهم. حتَّى إنَّه، كما ورد في "نهج البلاغة"، نصح الخليفة الثَّاني في أن لا يذهب إلى الحرب الَّتي كانت تدور بين المسلمين والفرس بناءً على نصيحة قائد الحرب، لأنَّه قال له إنَّنا نخاف عليك أن تُقتَل، وأنت لم تعد تمثِّل نفسك، بل تمثِّل الموقع الإسلاميَّ، بقطع النَّظر عن شرعيَّة هذا الموقع أو عدم شرعيَّته.
وهكذا نرى أنَّه عندما انطلقت الفتنة بين المسلمين في مسألة الهجوم على عثمان، كان عليّ (ع)، بحسب ما تقول كتب السّيرة، يعمل على الدِّفاع عنه، وكان سفيراً بينه وبين المسلمين من أجل إزالة كلِّ الأمور الَّتي كان بعض المسلمين يأخذونها على عثمان.
لذلك، كان عليّ (ع) يعمل على إبقاء الواقع الإسلاميّ سالماً من الفتنة والارتباك، كما كان يعمل على أن يكون سالماً من كلِّ خطوات الظّلم. ولذلك، وقف مع أبي ذرّ الغفاريّ (رض)، عندما قام أبو ذرّ بمعارضة بعض الأمور الَّتي انحرفت عن الخطِّ الإسلاميّ الأصيل، ودعمَهُ، بالرّغم من أنَّ خليفة ذلك الوقت لم يقبل بذلك.
فعليّ (ع) لم يكن الإنسانَ الَّذي يريد أن يحارب المسلمين، ولهذا، كانت أولى التّعليمات الَّتي يوجِّهها (ع) إلى جيشه في كلِّ الحروب الَّتي خاضها: "لَا تَبْدَأوهم بِقِتَالِ"، لأنَّ الإمام، وهو يدفع جيشه، إنّما كان يرغب في أن يكون هذا الجيش عنصرَ ضغط ربَّما يجعل الآخرين يرتدعون عن خطِّ الانحراف والظّلم وإيجاد الفتنة بين المسلمين...
* من محاضرة عاشورائيَّة لسماحته، بتاريخ: 18/ 3/ 2002م.
في الوصيَّة الَّتي أوصى بها الإمامُ الحسينُ (ع) أخاه محمَّد بن الحنفيَّة عند خروجه، يقول (ع): "إنِّي لمْ أَخْرُجْ أَشِراً ولا بَطِراً، ولا مُفسِداً ولا ظَالماً".
لقد أراد الحسين (ع) أن يؤكِّدَ الصِّفة الإسلاميَّة في عناصر شخصيَّته، في خروجه على الحاكم الظَّالم، ليدفعَ عن حركته هذه، العناوينَ الَّتي يمكن أن تنطلق بها الحركات الأخرى، فهناك الَّذين يخرجون لينتفضوا على الحكم من أجل طموحاتهم الذاتيَّة، لأنَّهم يريدون أن يكونوا في المواقع العالية على أنقاض الآخرين، سواء كان الآخرون ممن يملكون الشَّرعيَّة والمنهج العادل، أو ممن لا يملكونهما، ليست القضيَّة لديهم هي إنقاذ المجتمع من هذا أو ذاك، فهم لا يفكِّرون في هذا الحاكم ما هي خطَّته وما هو منهجه، بل كلّ ما عندهم أنَّهم يريدون إسقاطه ليجلسوا مكانه، على قاعدة "قم لأجلس مكانك". وهذا ما نلاحظه في الكثيرين ممن يقومون بحركات المعارضة أو بالحركات الانقلابيَّة على هذا النّظام أو ذاك، أو هذا الحاكم أو ذاك، من أجل تضخيم دورهم الشّخصيّ.
ولعلَّنا نجد الكثيرين في التَّاريخ وفي الواقع المعاصر من أمثال هؤلاء، فنلاحظ أنَّ بعض النَّاس قد يثورون على الشرعيَّة العادلة تلبيةً لبعض ذاتيَّاتهم، وهذا ما لاحظناه في الحركات الَّتي قامت في وجه الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) منذ استُخلِف. ونحن نعرف أنَّ عليّاً (ع) كان يمثِّل الشَّرعيَّة الإسلاميَّة في خلافته على جميع المستويات، فإذا كنَّا نتحدَّث عن الشَّرعيَّة من خلال كتاب الله وسنَّة رسوله، فإنَّ عليّاً (ع) كان يملك هذه الشَّرعيَّة، والآية الكريمة: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}[المائدة: 55] الَّتي فسَّرها المفسِّرون من السنَّة والشّيعة بأنَّها نزلت في عليّ (ع)، أثبتت له الولاية. وهكذا في كلِّ الكلمات المتنوّعة الَّتي صدرت عن النبيّ (ص) في شأن عليّ (ع) مما لم يصدر عنه (ص) في أيِّ صحابي آخر. وكانت نهاية المطاف في يوم الغدير، عندما قال رسول الله (ص) لجموع المسلمين العائدين من الحجّ: "مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ"، يعني من كنت أولى به من نفسه، وهو معنى الولاية والحاكميَّة، فعليٌّ أولى به من نفسه، بقرينة أنَّه (ص) قال: "أَلَسْتُ أولى بالمؤمنينَ مِنْ أنفسِهم؟".
فإذا كانت الشَّرعيَّة تنطلق كما هو الرَّأي الشِّيعي الإمامي، فعليٌّ يملك الشَّرعيَّة الإسلاميَّة في خلافته منذ البداية، وإذا قلنا إنَّ الشرعيَّة تنطلق من بيعة المسلمين، فلقد بايع المسلمون عليّاً (ع)، وقد اندفع المسلمون إليه، حتَّى لقد وُطِئَ الحسنان، من جهة اندفاع النَّاس إليه. حتى إنَّه جاء في بعض رسائله إلى معاوية، أنَّه قال له إنَّ الَّذين بايعوني هم الَّذين بايعوا أبا بكر وعمر، يعني إذا كنتم تعتبرون أنَّ البيعة هي أساس الشَّرعيَّة، وتعتبرون أنَّ الشَّرعيَّة لأبي بكر وعمر من خلال بيعة المسلمين لهم، فقد بايعني القوم الَّذين بايعوا أبا بكر وعمر، فإذا ثبتت الشَّرعيَّة لهما، فما هو الأساس للثَّورة عليَّ أو لمعارضتي؟
ولذا يقول (ع): فَلَمَّا نَهَضْتُ بِالأَمْرِ، نَكَثَتْ طَائِفَةٌ وَمَرَقَتْ أُخْرَى وَقَسَطَ آخَرُونَ، كَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا كَلاَمَ اللَّهِ حَيْثُ يَقُولُ: {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلَا فَسَادَاً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}[القصص: 83]. بَلى وَالله، لَقَدْ سَمِعُوهَا وَوَعَوْهَا. وَلكِنَّهُمْ حَلِيَتِ الدُّنْيَا فِي أَعْيُنِهِمْ وَرَاقَهُمْ زِبْرِجُهَا".
فكانت المسألة أنَّ بعض الصَّحابة، ومعهم أمُّ المؤمنين عائشة، انطلقوا إلى البصرة لينتفضوا على عليّ (ع).
وحاول (ع) أن يتفادى الحرب، لأنَّه لم يكن يفكِّر في أيّ حرب في الواقع الإسلاميّ، بل كان حريصاً على أن يحفظ المسلمين؛ أن يحفظ دماءهم، وأن يحفظ نظامهم، وأن يحفظ قوَّتهم، ولهذا قال: "لَأُسْلِمَنَّ مَا سَلِمَتْ أُمُورُ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا جَوْرٌ إِلَّا عَلَيَّ خَاصَّةً". ولذلك، عندما كان خارج نطاق الخلافة مع الخلفاء الثَّلاثة الَّذين تقدَّموه، كان يعمل بكلِّ ما عنده من قوَّة في سبيل أن يبعد المسلمين عن الفتنة، وليجنِّبهم الأخطار الَّتي تحيط بهم. حتَّى إنَّه، كما ورد في "نهج البلاغة"، نصح الخليفة الثَّاني في أن لا يذهب إلى الحرب الَّتي كانت تدور بين المسلمين والفرس بناءً على نصيحة قائد الحرب، لأنَّه قال له إنَّنا نخاف عليك أن تُقتَل، وأنت لم تعد تمثِّل نفسك، بل تمثِّل الموقع الإسلاميَّ، بقطع النَّظر عن شرعيَّة هذا الموقع أو عدم شرعيَّته.
وهكذا نرى أنَّه عندما انطلقت الفتنة بين المسلمين في مسألة الهجوم على عثمان، كان عليّ (ع)، بحسب ما تقول كتب السّيرة، يعمل على الدِّفاع عنه، وكان سفيراً بينه وبين المسلمين من أجل إزالة كلِّ الأمور الَّتي كان بعض المسلمين يأخذونها على عثمان.
لذلك، كان عليّ (ع) يعمل على إبقاء الواقع الإسلاميّ سالماً من الفتنة والارتباك، كما كان يعمل على أن يكون سالماً من كلِّ خطوات الظّلم. ولذلك، وقف مع أبي ذرّ الغفاريّ (رض)، عندما قام أبو ذرّ بمعارضة بعض الأمور الَّتي انحرفت عن الخطِّ الإسلاميّ الأصيل، ودعمَهُ، بالرّغم من أنَّ خليفة ذلك الوقت لم يقبل بذلك.
فعليّ (ع) لم يكن الإنسانَ الَّذي يريد أن يحارب المسلمين، ولهذا، كانت أولى التّعليمات الَّتي يوجِّهها (ع) إلى جيشه في كلِّ الحروب الَّتي خاضها: "لَا تَبْدَأوهم بِقِتَالِ"، لأنَّ الإمام، وهو يدفع جيشه، إنّما كان يرغب في أن يكون هذا الجيش عنصرَ ضغط ربَّما يجعل الآخرين يرتدعون عن خطِّ الانحراف والظّلم وإيجاد الفتنة بين المسلمين...
* من محاضرة عاشورائيَّة لسماحته، بتاريخ: 18/ 3/ 2002م.