كان خلفاء بني العباس يخشون على ملكهم من أئمَّة أهل البيت (ع)، لما كانوا يرونه من تعظيم النَّاس لهم وانجذابهم إليهم، ولذلك عمد الخليفة العباسي إلى سجن الإمام العسكريّ (ع). ولكن كيف كانت نظرة السجَّان إليه؟
يروي الكليني في الكافي، بإسناده عن محمَّد بن إسماعيل بن إبراهيم بن موسى بن جعفر قال: "دخل العبَّاسيّون على صالح بن وصيف، ودخل عليه صالح بن عليّ وغيره من المنحرفين عن هذه النَّاحية عندما حُبِس أبو محمَّد (ع)، فقالوا له: ضيِّقْ عليه ولا توسِّع. فقال لهم صالح - مدير السّجن -: ما أصنع به، وقد وكلت به رجلين شرّ مَن قدرت عليه - كانا أكثر النَّاس شرّاً وأشقاهم، ولم يكونا يملكان تقوى ولا ورعاً، كلّ ذلك لكي يضيِّقا عليه - فقد صارا من العبادة والصَّلاة إلى أمر عظيم. ثم أمر بإحضار الموكلَين، فقال لهما: ويحكما، ما شأنكما في أمر هذا الرَّجل؟ - ما الذي غيّركما إلى مثل هذا الصَّلاح؟ - فقالا له: ما نقول في رجل يصوم نهاره ويقوم ليله كلّه، ولا يتكلَّم ولا يتشاغل بغير العبادة، فإذا نظر إلينا ارتعدت فرائصنا، وداخَلَنا ما لا نملكه من أنفسنا. فلمَّا سمع ذلك العباسيون انصرفوا خاسئين"(1).
وكان الإمام العسكري (ع) يهتمّ بكلِّ ما يحدث في العالم الإسلامي، وقد سمع أنَّ رجلاً من فلاسفة العرب ألّف كتاباً في تناقض القرآن، فقال الإمام (ع) لأصحابه، ممن كانوا يتردّدون على هذا الفيلسوف ويدرسون عنده: "أما فيكم رجلٌ رشيد يردع أستاذكم عمَّا أخذ فيه من تشاغله بالقرآن؟". ولكنَّ أحد تلاميذه قال: نحن من تلامذته، كيف يجوز منّا الاعتراض عليه في هذا أو في غيره؟ فقال(ع): "أتؤدّي إليه ما ألقيه إليك؟"، قال: نعم، فقال (ع): "قل له: إن أتاك هذا المتكلِّم بهذا القرآن؛ هل يجوز أن يكون مراده بما تكلَّم به منه غير المعاني التي قد ظننتها أنَّك ذهبت إليها؟ فإنّه سيقول إنَّه من الجائز... فقل له: فما يدريك، لعلَّه قد أراد غير الَّذي ذهبت أنت إليه، فتكون واضعاً لغير معانيه". فنقلوا له ما قاله الإمام العسكري (ع)، وفكَّر الرجل وأجاب بالإيجاب، وعندما سألهم عن مصدر السّؤال وأخبروه، قال: لا يلتفت إلى هذا الكلام العلمي الموضوعي إلَّا من كان من أهل هذا البيت الَّذين زقّوا العلم زقّاً، ومزَّق كتابه(2).
فقد كان الإمام العسكريّ (ع) كأئمَّة أهل البيت (ع)، يلاحقون كلَّ الأوضاع الفكريَّة التي ينحرف فيها البعض في أفكارهم. ومسؤوليَّة علماء الدين في كلِّ مرحلة، أن ينزلوا إلى السَّاحة لمواجهة كلِّ القضايا المنحرفة التي تحاول أن تسيء إلى الإسلام في العالم.
* من خطبة جمعة لسماحته، بتاريخ: 9 ربيع الأوّل 1430 ه/ الموافق: ٦ آذار ٢٠٠٩م.
[1] الإرشاد، الشّيخ المفيد، ج2، ص 334.
[2] الرواية واردة في "بحار الأنوار"، ج10، ص 392.
كان خلفاء بني العباس يخشون على ملكهم من أئمَّة أهل البيت (ع)، لما كانوا يرونه من تعظيم النَّاس لهم وانجذابهم إليهم، ولذلك عمد الخليفة العباسي إلى سجن الإمام العسكريّ (ع). ولكن كيف كانت نظرة السجَّان إليه؟
يروي الكليني في الكافي، بإسناده عن محمَّد بن إسماعيل بن إبراهيم بن موسى بن جعفر قال: "دخل العبَّاسيّون على صالح بن وصيف، ودخل عليه صالح بن عليّ وغيره من المنحرفين عن هذه النَّاحية عندما حُبِس أبو محمَّد (ع)، فقالوا له: ضيِّقْ عليه ولا توسِّع. فقال لهم صالح - مدير السّجن -: ما أصنع به، وقد وكلت به رجلين شرّ مَن قدرت عليه - كانا أكثر النَّاس شرّاً وأشقاهم، ولم يكونا يملكان تقوى ولا ورعاً، كلّ ذلك لكي يضيِّقا عليه - فقد صارا من العبادة والصَّلاة إلى أمر عظيم. ثم أمر بإحضار الموكلَين، فقال لهما: ويحكما، ما شأنكما في أمر هذا الرَّجل؟ - ما الذي غيّركما إلى مثل هذا الصَّلاح؟ - فقالا له: ما نقول في رجل يصوم نهاره ويقوم ليله كلّه، ولا يتكلَّم ولا يتشاغل بغير العبادة، فإذا نظر إلينا ارتعدت فرائصنا، وداخَلَنا ما لا نملكه من أنفسنا. فلمَّا سمع ذلك العباسيون انصرفوا خاسئين"(1).
وكان الإمام العسكري (ع) يهتمّ بكلِّ ما يحدث في العالم الإسلامي، وقد سمع أنَّ رجلاً من فلاسفة العرب ألّف كتاباً في تناقض القرآن، فقال الإمام (ع) لأصحابه، ممن كانوا يتردّدون على هذا الفيلسوف ويدرسون عنده: "أما فيكم رجلٌ رشيد يردع أستاذكم عمَّا أخذ فيه من تشاغله بالقرآن؟". ولكنَّ أحد تلاميذه قال: نحن من تلامذته، كيف يجوز منّا الاعتراض عليه في هذا أو في غيره؟ فقال(ع): "أتؤدّي إليه ما ألقيه إليك؟"، قال: نعم، فقال (ع): "قل له: إن أتاك هذا المتكلِّم بهذا القرآن؛ هل يجوز أن يكون مراده بما تكلَّم به منه غير المعاني التي قد ظننتها أنَّك ذهبت إليها؟ فإنّه سيقول إنَّه من الجائز... فقل له: فما يدريك، لعلَّه قد أراد غير الَّذي ذهبت أنت إليه، فتكون واضعاً لغير معانيه". فنقلوا له ما قاله الإمام العسكري (ع)، وفكَّر الرجل وأجاب بالإيجاب، وعندما سألهم عن مصدر السّؤال وأخبروه، قال: لا يلتفت إلى هذا الكلام العلمي الموضوعي إلَّا من كان من أهل هذا البيت الَّذين زقّوا العلم زقّاً، ومزَّق كتابه(2).
فقد كان الإمام العسكريّ (ع) كأئمَّة أهل البيت (ع)، يلاحقون كلَّ الأوضاع الفكريَّة التي ينحرف فيها البعض في أفكارهم. ومسؤوليَّة علماء الدين في كلِّ مرحلة، أن ينزلوا إلى السَّاحة لمواجهة كلِّ القضايا المنحرفة التي تحاول أن تسيء إلى الإسلام في العالم.
* من خطبة جمعة لسماحته، بتاريخ: 9 ربيع الأوّل 1430 ه/ الموافق: ٦ آذار ٢٠٠٩م.
[1] الإرشاد، الشّيخ المفيد، ج2، ص 334.
[2] الرواية واردة في "بحار الأنوار"، ج10، ص 392.