كتابات
20/03/2023

تكريمُ الأمِّ في عيدِها.

تكريمُ الأمِّ في عيدِها.
يحتفل العالم بـ"عيد الأمّ"، على أساس العرف الَّذي يلعب في العصر الحديث دوراً في أن يكون لكلِّ رمز إنسانيّ معطاء وهب ويهب الإنسانيَّة الكثير من نفسه، يوم يحتفل النّاس فيه، ويكرّمونه فيه ويفكّرون كيف يمكن أن يحركوا هذه القيم الكامنة في نفسه ليشجّعوها وليزيدوا فيها.
والأمّ هي الإنسان الذي يعطي للولد كلَّ الحياة، وهذه الخصوصيَّة ليست موجودة في الأبوّة، لأنَّ الأب لا يكلِّف نفسه أيَّ جهد في حركة الولد نحو الحياة؛ إنَّه يعطي البذرة، أمَّا الأرض التي تتفاعل مع البذرة وتسقيها وتنقّيها وتربّيها وتعطيها كلَّ شي‏ء، فهي «الأمّ»، فالأمّ هي التي تمنح الولد كلَّ حياتها في طاقاتها الجسديَّة، وهي في الوقت نفسه تعيش حالة طوارئ جسديّة، من خلال ارتباك الجسد في أجهزته في حالة الحمل، بحيث يخرج عن طبيعته وتوازنه، كما أنها تعيش من خلال هذا الارتباك الجسدي، الكثير من المشاكل النفسية والشعورية والمزاجية، ولذلك يمكن أن نقول إنَّ الأمّ تعطي الحياة بقدرة الله لولدها بكلِّ كيانه.
وهذا هو الذي جعل الإسلام يكرّم الأمّ، ويدعو إلى رعايتها وإلى البرّ بها، وإلى حفظها وحمايتها أكثر من اللازم. ونحن نلاحظ في القرآن، أنَّ الله تحدَّث عن الوالدين، ولكنه خصَّ الأمَّ في الحديث جرّاء ما تتحمَّله من جهد، ففي آيتين كريمتين قال تعالى: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا}(الأحقاف: 15)، وفي آية أخرى: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ المَصِيرُ}(لقمان: 14).
فالله خصّ الأمَّ بالحديث عن جهدها وعن تعبها، ولم يتحدَّث عن الأب إلَّا مع الأمّ، فقد ورد في القرآن الكريم الحديث عن الوالدين ستَّ مرات، وتحدَّث عن الأمّ وحدها مرتين في الآيتين اللّتين ذكرناهما، فالله سبحانه يتحدَّث في الآية الأولى أنَّ الحمل يكلّف الأمَّ مشقَّةً {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا}، وليس المقصود بالكره من دون إرادتها، ولكنَّه الحمل بمشقَّة، والإنسان، بحسب طبيعته، لا يختار المشقة، {وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا} بمشقَّة أيضاً، فهي عانت في حمله، لأنَّ حمله جعل جسدها يمرّ في حالة صعبة، ووضعته كرهاً، لأنَّ وضعه جعلها تعيش حالة الخطر، إضافةً إلى الألم الذي لا يتحمَّل عادةً، ثم {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا}، باعتبار أنَّ أقلّ الحمل ستَّة أشهر، وتبقى فترة الرضاعة في عامين. فالله يريد أن يتحدَّث عن أن دور الأمّ ليس فقط أن تحمل وترعى، ولكن جهدها يستمرّ في عامين، فهي بعدما كانت تغذّي الولد من دمها، أصبحت تغذّيه من لبنها. وهكذا نجد في الآية الثانية {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ}، لأنها تنتقل من ضعف إلى ضعف من خلال الحمل، {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ}، وهذا هو الذي يجعل الأمومة أكثر جهداً، بينما لا يكلّف الأب نفسه، كما ذكرنا، أيّ شي‏ء.
 من هنا، ورد عندنا في أكثر من حديث، أنّ شخصاً جاء إلى رسول الله (ص)، فقال: "من أبرُّ؟ قال: أمّك، قال: ثمّ من؟ قال: أمّك، قال: ثمّ من؟ قال: أمّك، قال: ثمّ من؟ قال: أباك" . ولذلك كان التأكيد على الأمّ، لأنها أكثر تضحيةً من الأب. وإذا كان الآباء يعتبرون أنهم يقاسون في تحصيل الرزق للأولاد، فإنَّ الأمّ تقاسي في تنمية الأولاد بالمزيد من التربية وما إلى ذلك.
ولهذا، علينا كمسلمين أن ننطلق من هذه القيمة الإسلاميَّة للوالدين، وأن ننطلق من هذه القيمة بالنّسبة إلى الأمّ خصوصاً، لنكّرم الأمّ ولنكرّم الأب.
* من كتاب "النَّدوة"، ج1.
يحتفل العالم بـ"عيد الأمّ"، على أساس العرف الَّذي يلعب في العصر الحديث دوراً في أن يكون لكلِّ رمز إنسانيّ معطاء وهب ويهب الإنسانيَّة الكثير من نفسه، يوم يحتفل النّاس فيه، ويكرّمونه فيه ويفكّرون كيف يمكن أن يحركوا هذه القيم الكامنة في نفسه ليشجّعوها وليزيدوا فيها.
والأمّ هي الإنسان الذي يعطي للولد كلَّ الحياة، وهذه الخصوصيَّة ليست موجودة في الأبوّة، لأنَّ الأب لا يكلِّف نفسه أيَّ جهد في حركة الولد نحو الحياة؛ إنَّه يعطي البذرة، أمَّا الأرض التي تتفاعل مع البذرة وتسقيها وتنقّيها وتربّيها وتعطيها كلَّ شي‏ء، فهي «الأمّ»، فالأمّ هي التي تمنح الولد كلَّ حياتها في طاقاتها الجسديَّة، وهي في الوقت نفسه تعيش حالة طوارئ جسديّة، من خلال ارتباك الجسد في أجهزته في حالة الحمل، بحيث يخرج عن طبيعته وتوازنه، كما أنها تعيش من خلال هذا الارتباك الجسدي، الكثير من المشاكل النفسية والشعورية والمزاجية، ولذلك يمكن أن نقول إنَّ الأمّ تعطي الحياة بقدرة الله لولدها بكلِّ كيانه.
وهذا هو الذي جعل الإسلام يكرّم الأمّ، ويدعو إلى رعايتها وإلى البرّ بها، وإلى حفظها وحمايتها أكثر من اللازم. ونحن نلاحظ في القرآن، أنَّ الله تحدَّث عن الوالدين، ولكنه خصَّ الأمَّ في الحديث جرّاء ما تتحمَّله من جهد، ففي آيتين كريمتين قال تعالى: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا}(الأحقاف: 15)، وفي آية أخرى: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ المَصِيرُ}(لقمان: 14).
فالله خصّ الأمَّ بالحديث عن جهدها وعن تعبها، ولم يتحدَّث عن الأب إلَّا مع الأمّ، فقد ورد في القرآن الكريم الحديث عن الوالدين ستَّ مرات، وتحدَّث عن الأمّ وحدها مرتين في الآيتين اللّتين ذكرناهما، فالله سبحانه يتحدَّث في الآية الأولى أنَّ الحمل يكلّف الأمَّ مشقَّةً {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا}، وليس المقصود بالكره من دون إرادتها، ولكنَّه الحمل بمشقَّة، والإنسان، بحسب طبيعته، لا يختار المشقة، {وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا} بمشقَّة أيضاً، فهي عانت في حمله، لأنَّ حمله جعل جسدها يمرّ في حالة صعبة، ووضعته كرهاً، لأنَّ وضعه جعلها تعيش حالة الخطر، إضافةً إلى الألم الذي لا يتحمَّل عادةً، ثم {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا}، باعتبار أنَّ أقلّ الحمل ستَّة أشهر، وتبقى فترة الرضاعة في عامين. فالله يريد أن يتحدَّث عن أن دور الأمّ ليس فقط أن تحمل وترعى، ولكن جهدها يستمرّ في عامين، فهي بعدما كانت تغذّي الولد من دمها، أصبحت تغذّيه من لبنها. وهكذا نجد في الآية الثانية {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ}، لأنها تنتقل من ضعف إلى ضعف من خلال الحمل، {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ}، وهذا هو الذي يجعل الأمومة أكثر جهداً، بينما لا يكلّف الأب نفسه، كما ذكرنا، أيّ شي‏ء.
 من هنا، ورد عندنا في أكثر من حديث، أنّ شخصاً جاء إلى رسول الله (ص)، فقال: "من أبرُّ؟ قال: أمّك، قال: ثمّ من؟ قال: أمّك، قال: ثمّ من؟ قال: أمّك، قال: ثمّ من؟ قال: أباك" . ولذلك كان التأكيد على الأمّ، لأنها أكثر تضحيةً من الأب. وإذا كان الآباء يعتبرون أنهم يقاسون في تحصيل الرزق للأولاد، فإنَّ الأمّ تقاسي في تنمية الأولاد بالمزيد من التربية وما إلى ذلك.
ولهذا، علينا كمسلمين أن ننطلق من هذه القيمة الإسلاميَّة للوالدين، وأن ننطلق من هذه القيمة بالنّسبة إلى الأمّ خصوصاً، لنكّرم الأمّ ولنكرّم الأب.
* من كتاب "النَّدوة"، ج1.
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية