كتابات
27/03/2022

قوَّةُ الشَّخصيَّةِ سبيلُ المؤمنِ إلى الحريَّةِ والاستقلاليَّةِ

قوَّةُ الشَّخصيَّةِ سبيلُ المؤمنِ إلى الحريَّةِ والاستقلاليَّةِ

من الأمور الَّتي أراد الله للإنسان المؤمن أن يتمثَّلها في حياته، سواء كان ذكراً أو أنثى، قوَّة الشخصيَّة؛ أن لا يكون الإنسان ضعيفاً، بل أن يكون قويّاً، يملك رأيه، ويملك موقفه، ويملك كلمته، لأنَّ الإنسان المؤمن إذا كان ضعيفاً، فإنَّ من السَّهل أن يضلِّله الآخرون، وأن يسقطوه ويهزموه، والله لا يريد للمؤمن أن يعيش روح الضّعف في نفسه، بل يريد له الإيحاء لنفسه بالقوَّة أمام القويّ، بحيث يواجه القويّ في مواقع ضعفه بنقاط قوَّته، فإذا لم يستطع أن يواجه، فإنَّ الله لا يريده أن يسقط تحت تأثيره، بل يريد له أن يبتعد عن القويّ المستكبر حتَّى يستجمع قوَّته.

الضّعفُ مرفوضٌ

وهذا المعنى نستفيده من قوله سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} يعني هؤلاء الَّذين توفَّتهم الملائكة، وكانوا قد ظلموا أنفسهم بالكفر أو بالضَّلال أو بالفسق، فماتوا وهم كفَّار، وهم ضالّون، وهم منحرفون، وهم فاسقون.

{قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ}، لماذا ضللتم؟ لماذا انحرفتم؟ {قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ} كنّا ضعفاء يستضعفنا الأقوياء، وقد تحوَّل استضعاف الأقوياء لنا أنَّهم أضلّونا عن الطَّريق، وأنَّهم أوحوا إلينا بالكفر وبالضَّلال وبالانحراف، ولم نكن قادرين على مواجهتهم وجهاً لوجه بالرَّفض لما يوحون به إلينا ولما يأمروننا به.

{قَالُوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فيها}. فلنفرض أنكم ضعفاء، ولا تستطيعون أن تواجهوا الأقوياء، لكن هذا ليس عذراً لكم في أن تسقطوا تحت تأثير تفكيرهم الضّالّ أو الكافر أو المنحرف، حاولوا أن تحيِّدوا، {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فيها}، لتجدوا في مواقعكم الجديدة الإمكانات التي تجعلكم أقوياء، لتعودوا في موقع القوَّة لتواجهوهم بالرَّفض؟! فلم يكن عندهم جواب..

{فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً}[النّساء: 97]. ولكنَّ هناك استثناءً {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً}[النّساء: 98]، ليس لديهم أيّ قدرة على الهجرة أو التخلّص مما هم فيه، بحيث كان الاستضعاف يحيط بهم من كلّ جانب {فَأُوْلَـئِكَ عَسَى اللهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللهُ عَفُوّاً غَفُوراً}[النِّساء: 99].

موقفُ الإرادةِ والقوَّةِ

فإذاً، لا يريد الله للإنسان أن يسقط تحت تأثير القويّ، بل أن يكون قويَّاً في نفسه، بحيث لا يلتزم أيَّ فكرٍ إلَّا بعد أن يقتنع به، ولا يقفُ أيَّ موقفٍ إلَّا بعد أن يؤمن بأنَّه الموقفَ الصَّحيح، ولا يخضع لأيِّ قيادةٍ إلَّا إذا عرف أنَّها هي القيادة الحقيقيَّة، لأنَّ الله يريدُ للإنسانِ أن يكونَ قويّاً في إنسانيَّته، أن يكون عقله هو الَّذي يقوده، وأن تكون إرادته هي الَّتي تحرّكه.

لا يريد الله للإنسان أن يكون لا إرادة له، لا فكر له، لا عقل له، لا موقف له. إنَّ الله يريدنا أن نعيش مع النَّاس، ولكن لا على أساس أن نسقط تحت تأثيرهم، بل أن نتشاور معهم، أن نفكّر معهم، أن نتعاون معهم، أما أن نكون ظلًّا لهم، أن نكون هامشاً من هوامش حياتهم، فالله لا يريد لنا ذلك.

ولذلك، جعل الله الإنسان مسؤولاً، تنطلق مسؤوليَّته من حريَّة الفكر ومن حريَّة الإرادة. الإنسان الذي يملك فكراً ويملك إرادة، ويستطيع أن يحرِّك فكره في أيِّ مجال، وأن يركِّز إرادته في أيِّ موقع، فإنَّه يتحمَّل مسؤوليّة كلامه وموقفه، ويتحمّل مسؤوليّة موقعه. وأمَّا الإنسان الَّذي يعيش على هامش الآخرين، فهؤلاء لا يمكن أن يكونوا مسؤولين، بحيث يتحمَّلون نتائج المسؤوليَّة.

لاحظوا، مثلاً، في آيةٍ من الآيات، يقول الله: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُم مِّن شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}[العنكبوت: 12]، فكلُّ واحدٍ يتحمَّلُ مسؤوليَّته. قد يقول شخصٌ: تعال وامش معنا، وعلى ذمَّتي، وعلى مسؤوليَّتي! مرّة يقول أحدهم لنا تعال وامش معنا، ويقنعنا من خلال الدَّليل والحجَّة والبرهان أنَّ طريقه طريق حقٍّ وصواب، عند ذلك نلتحق به، باعتبار قناعتنا بالموضوع، أمَّا امشوا معنا من دون أن تفهموا المسألة، من دون أن تكون لكم إرادة القبول والرَّفض، ومن دون أن تعرفوا بداية الطَّريق ونهايته؟! فهذا لا معنى له. لماذا أمشي معك؟ من أنت؟ من تمثِّل؟ هل أنت صديق؟ الصَّداقة هي مشاعر وعواطف، ولكنّها لا تفرض علينا أن نكون مع أصدقائنا من دون وعي. هل أنت قريب؟ القرابة لا تفرض علينا أن نكون مع أقربائنا من دون فهم...

التَّربيةُ على الاستقلاليّة

هل هناك أكثر من الأمِّ والأب؟ عندما يكون الإنسان طفلاً، فدور الأمِّ والأب في توجيهه، ولكن عندما يكون الولدُ شابّاً وعنده عقل، وتكون البنت صبيّةً وعندها عقل، فدور الأمّ والأب ليس أن يقولا للولد والبنت: افعلا كذا، بل ما رأيكما في أن تعملا كذا؟ أما أن يفرضا عليهما رأيهما، فهو قهرٌ لهما وعمليّة اضطهاد. قد يكون عقل الأمّ أنضج من عقل ابنتها من ناحية الخبرة، كذلك الأب قد يكون عقله أنضج من عقل ولده، حسب المقولة: "أكبر منك بشهر أعرف منك بدهر"، لكن مع ذلك، الولد عنده عقل وفكر، وكذلك البنت.

عندما نخاطب أولادنا، سواء كانوا ذكوراً أو إناثاً، ويكونون في موقع التّفكير، فليكن من موقع الشَّراكة؛ ولنسألهم: ما رأيكم؛ هل هناك مصلحة من هذا العمل أو لا؟ فعندما نعوِّد أولادنا على أن يفكِّروا، معنى ذلك أنَّنا بدأنا ننمِّيهم في أن يصبحوا أقوياء، ننمِّي عقولهم. فكما نعوِّد الولد كيف يأكل، علينا أن نعوِّده كيف يفكّر وحده، الأكل الفكريّ والشّرب الفكريّ تمامًاً مثل الأكل المادّي والشّرب المادّي، فإذا كنّا دائماً نعطي أولادنا الأشياء الجاهزة، فلن يعتمدوا على أنفسهم.

كثير من الآباء والأمَّهات، وحتَّى القيادات، يجرمون في حقِّ النَّاس الّذين يقودونهم ويربّونهم، لأنّهم لا يسمحون لمن تحت سلطتهم بأن يفكّروا، فينشأ شعب يتلقَّى الأوامر، ينشأ أولاد ينفِّذون التّعليمات...

الله يريد للإنسان أن يكون قويّاً، أن يفكِّر باستقلاليَّة ثم يكتشف المواقف، يعني عندما نصبح في موقع المسؤوليَّة، سواء مسؤوليَّة اجتماعيَّة أو مسؤوليَّة سياسيَّة أو أمنيَّة، فعلى الإنسان أن لا يسمح لنفسه بالخوف الَّذي يسحق إرادته أمام القويّ. كثير من النّاس يقولون، مثلاً: إسرائيل هي أقوى منَّا، أمريكا أصبحت القوَّة الأولى في العالم، أصبح النّاس المسلّحون في هذا البلد أقوياء... لا نريد أن نعقِّد حياتنا، ولا أن نتعب أنفسنا، إذاً لنخضع لهم في كلّ ما يقولونه ويفعلونه...!! أليس هناك من يفكِّر بهذه الطريقة؟!

الإسلام يقول: "من رأى منكم منكراً فليغيِّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان"1، أيّ شيء لا نقتنع به ولا نؤمن به ونعتقد أنَّه خطأ، علينا رفضه بعقولنا وألسنتنا وبمواقفنا، علينا أن لا نتعوَّد أن نستسلم، التسليم فقط لله {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}[البقرة: 131]، فالتَّسليم لله فقط، وعندما نسلِّم للرَّسول، فباعتباره تسليماً لله، وكذلك الأئمَّة، أمَّا بقيَّة النَّاس، فكلٌّ له عقل، وأنا أملك عقلاً، فلماذا أخضع له؟ ولماذا أتبنَّى خطَّه؟ نعم، عندما أقتنع به، فلا بأس بذلك. الله يقول: {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ}[الكهف: 29].

لذلك، على الإنسان في الحياة أن يعيش قناعاته ورأيه وموقفه، وعليه أن يواجه ويرفض حسب الظّروف. نحن لا ندعو إلى الفوضى، فكلّ ظرفٍ له حساباته وإمكاناته وأساليبه، ولكن علينا أن ندرس ظروفنا أيضاً.

قوّةُ السيِّدةِ زينبَ (ع)

مثلاً، الآن في هذه الأيَّام، نحتفل بذكرى مولد السيّدة زينب (ع). مشكلتنا مع السيّدة زينب أنَّنا حوَّلناها بحسب أساليب التَّعزية المطروحة عندنا إلى إنسانة نائحة لا تعرف إلَّا البكاء والنَّواح. لذلك، لم نستفد من السيِّدة زينب (ع) في خطِّ حركة المرأة المسلمة إلَّا من الجانب العاطفيّ، بينما لو درسنا جانب القوَّة والصَّلابة والشَّجاعة؛ شجاعة الموقف والوعي السياسيّ عند السيِّدة زينب (ع)، لرأينا أنَّنا نستطيع أن نأخذ منها دروساً ترفع مستوى المرأة المسلمة الَّتي تقتدي بها في مواقف القوَّة.

إنَّ موضوع كربلاء وحركة السيِّدة زينب في كربلاء، وإدارتها للمهمَّات الموكلة إليها، وموقفها الرَّائع الّذي يروى عندما قالت: "اللَّهمَّ تقبَّل منَّا هذا القربان"، هذه مواقف توحي بالصَّبر والعقل وبالإرادة والصُّمود في هذا المجال.

وعندما نأتي إلى زينب (ع) وهي في الكوفة عند ابن زياد الطَّاغية رقم اثنين، باعتبار يزيد الطّاغية رقم واحد، نرى أنَّ أوَّل ما أدخلت على ابن زياد هي والسَّبايا - والحكم في ذلك الوقت كان حكماً ديكتاتوريّاً وحشيّاً صارماً، وكان يتمّ قتل النَّاس وضرب الأعناق من دون محاكمة، فالموقف أمام الحاكم في ذلك الوقت كان يختلف عن أيَّامنا هذه – أخذت زينب (ع) مكاناً في زاوية، التفت ابن زياد وسأل: من هذه؟ قالوا له هذه زينب ابنة عليّ، فالتفت إليها بكلّ فظاظة وغلظة، وقال لها: "كَيْفَ رَأَيْتِ صُنْعَ اللهِ بِأَخِيكِ وَأَهْلِ بَيْتِكِ؟"، فَقَالَتْ (ع): "مَا رَأَيْتُ إِلَّا جَمِيلًا، هَؤُلَاءِ قَوْمٌ كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْقَتْلَ فَبَرَزُوا إِلَى مَضَاجِعِهِمْ"، هؤلاء خاضوا معركة يؤمنون برساليَّتها، ولم تكن موازين القوى والضّعف الَّتي أخضع الله فيها سنن الكون متوازنةً، فقتلوا، كما يقتل النّاس المجاهدون - وَسَيَجْمَعُ اللهُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ، فَتُحَاجُّ وَتُخَاصَمُ، فَانْظُرْ لِمَنِ الْفَلْجُ يَوْمَئِذٍ. ثَكلَتْكَ أُمُّكَ يَابْنَ مَرْجَانَةَ"2.

نادته باسم أمِّه ولم تناده باسم أبيه، باعتبار أنَّه كان هناك نوع من أنواع الخفاء في نسبه ونسب أبيه.

أيُّ موقف هذا؟ ولقد أمر بقتلها لولا تدخّل بعض أصحابه، عند ذلك، حاول أن يتناول الجانب العاطفيّ، فقال لها: "لقد شفى الله قلبي من طاغيتك الحسين والعتاة المردة من أهل بيتك"، فقالت له بطريقةٍ عاطفيَّةٍ: "لقد قتلْت كهلي، وأبدْتَ أهلي، وقطعْت فرعي، واجتثثْت أصلي، فإن يشفك هذا فقد اشتفيت"3. أنت إنسان تتحدَّث بمنطق شفاء الغيظ، أمّا نحن، فنتحدَّث بمنطق الرِّسالة.

وعندما أراد أن يقتل الإمام زين العابدين (ع) لأنَّه ردَّ عليه، جاءت زينب (ع) واحتضنت الإمام (ع) وقالت للطَّاغية: اقتلني قبل أن تقتله. هذا موقف إنسانة قويّة استطاعت أن تصادم الظَّالم في موقف حقّ.

انتهى هذا المشهد.

في مواجهةِ يزيدَ

المشهد الثَّاني عند أهل الكوفة، فقد اجتمع النَّاس على زينب (ع)، وكانت (ع) في حالة سبيٍ ومعها الأطفال والنّساء، وبرغم هذا الموقف الصَّعب، وقفت خطيبةً في أهل الكوفة، وكان من بين ما قالته: "أَمَّا بَعْدُ، يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ، يَا أَهْلَ الْخَتْلِ‏ وَالْغَدْرِ وَالْخَذْلِ، أَلَا فَلَا رَقَأَتِ الْعَبْرَةُ، وَلَا هَدَأَتِ الزَّفْرَةُ، إِنَّمَا مَثَلُكُمْ كَمَثَلِ الَّتِي‏ نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً، تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ... أَلَا بِئْسَ مَا قدَّمَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمِ أَن سَخطَ الله عَلَيكم وفي العذابِ أنتم خَالِدُون. أتبكون أخي؟ أجل والله، فَابْكُوا كَثِيراً، وَاضْحَكُوا قَلِيلاً، فَقَدْ أَبْلَيْتُمْ بِعَارِهَا، وَمَنَيْتُمْ بِشَنَارِهَا... ويلكم يا أهل الكوفة، أتدرون أيَّ كبدٍ لرسولٍ الله فريْتُم؟ وَأَيَّ كَرِيمَةٍ لَهُ أَبْرَزْتُمْ، وَأَيَّ حُرْمَةٍ لَهُ هَتَكْتُمْ، وَأَيَّ دَمٍ لَهُ سَفَكْتُمْ‏؟!"4.

إنسانة ثاكلة، في مصيبةٍ من أشدِّ المصائب، لاقت خلال يومٍ واحد من فقدِ الأولاد والإخوة والأقرباء والأصحاب ما لاقت، ومع ذلك، وقفت أمام جماهير أهل الكوفة، رجالاً ونساءً، وخطبت فيهم هذه الخطبة الطَّويلة.

ثمَّ بعد ذلك، انتقل الموكب إلى مجلس يزيد، وقد كان للحسين (ع) طفلة يقال إنَّها سكينة، جاء شاميّ وقال ليزيد: يا أميرَ المؤمنين - هكذا كانوا ينادون خلفاءهم - هبْ لي هذه الجارية، باعتبار أنّهنّ كسبايا الرّوم والكفّار. الطّفلة كانت واعية، فلاذت بعمَّتها زينب (ع)، فالتفتَتْ (ع) بكلِّ قوَّة وصلابة وقالت: "كذبت والله ولؤمت، والله ما ذلك لك ولا له، فغضب يزيد وقال: كذبت والله، إنَّ ذلك لي، ولو شئت أن أفعل لفعلت. قالت: كلَّا، والله ما جعل الله لك ذلك إلَّا أن تخرج من ملَّتنا وتدين بغيرها. فاستطار يزيد غضباً، وقال: إيَّاي تستقبلين بهذا؟ إنَّما خرج من الدّين أبوك وأخوك، قالت زينب (ع): بدين الله ودين أبي ودين أخي اهتديْتَ أنت وأبوك وجدّك إن كنت مسلماً"5... هذا موقف.

صلابةٌ وشجاعةٌ

الموقف الثاني، خطبة السيّدة زينب (ع) في مجلس يزيد، وهي من أكثر الخطب قوّةً وتأنيباً، قالت له من بين خطبة طويلة: "أَمِنَ الْعَدْلِ يَابْنَ الطُّلَقَاءِ - إشارة إلى أنَّ النبيَّ عندما فتح مكَّة وأسر قريش واجتمعوا وقال لهم: "ما تظنّون أنِّي فاعل بكم؟ قَالُوا: خَيْرًا، أَخٌ كَرِيمٌ، وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ، قَالَ: اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ الطُّلَقَاءُ" - تَخْدِيرُكَ حَرَائِرَكَ، وَسَوْقُكَ بَنَاتِ رَسُولِ اللهِ سَبَايَا؟". هل ما تفعله يمثِّل العدالة؟!

ثمّ قالت له: "ولئن جَرَّت علَيَّ الدَّواهي مُخاطبتَك، إنِّي لأستصغرُ قَدْرَك، وأستَعظمُ تَقريعَك، وأستكثرُ توبيخَك!"6. أنا أعتبر من بلاء الزّمان ودواهيه عليَّ، مخاطبتك، وإلَّا فأنت ليس لك قيمة.

ثم تقول له بعد ذلك: "ألا فالعَجَب كلّ العجب، لقتلِ حزبِ الله النّجباء، بحزب الشَّيطان الطّلقاء!... ولئن اتّخَذْتَنا مَغْنَماً، لَتجِدَنَّا وشيكاً مَغْرماً"، بعد مدَّة بسيطة ستدفع ثمن ما فعلت، "حين لا تجدُ إلَّا ما قدَّمتْ يداك، وما ربُّكَ بظَلَّامٍ للعبيد، فإلى الله المشتكى، وعليه المعوَّل. فكِدْ كيدَك، واسْعَ سعيَك، وناصِبْ جهدك، فوَاللهِ لا تمحو ذِكْرَنا، ولا تُميت وحيَنا، ولا تُدرِكُ أمَدَنا، ولا تَرحضُ عنك عارها - أي لا تغسله - وهل رأيُك إلَّا فَنَد - رأي ساقط - وأيَّامك إلَّا عَدَد، وجمعك إلَّا بَدَد؟! يوم ينادي المنادي: ألَا لَعنةُ اللهِ علَى الظَّالمين!"7.

عمّ يعبّر هذا؟ يعبّر عن صلابة الموقف، زينب (ع) الّتي كانت في عمق المأساة، ومع ذلك، شعرت بأنَّ عليها أن تكمل رسالة الحسين (ع)، فتواجه ابن زياد وجهاً لوجه بكلِّ قوّة، وبكلِّ تحقير له، وتواجه يزيد بكلِّ تحقير له، وتواجه أهل الكوفة بكلِّ قوّة، وهي في أشدِّ الحالات ألماً.

هذه هي زينب، وإذا أردتم زينب، فلا تنظروا إلى ما يحدِّثونكم به عن صراخها ونواحها وما إلى ذلك.

موقفٌ واحدٌ أعطت فيه عاطفتها المجال، عندما كان الحسين (ع) ينعى نفسه، وكانت معه، وسمعته يقول: "يا دَهرُ أُفٍّ لَكَ مِن خَليلِ"، وبعد ذلك، كانت (ع) صلبةً قويّة.

المرأةُ ليسَتْ ضعيفةً

ونحن بحاجة، أيَّتها الأخوات، إلى صلابة المرأة المسلمة وإلى قوَّتها؛ قوّتها أمام التحدّيات، قوَّتها أمام الانحراف، قوّتها أمام الكفر، قوَّتها أمام الظّلم والاستكبار، لا نريد صوتاً واحداً، ولكن نريد ملايين الأصوات من النّساء المؤمنات والرّجال المؤمنين، أن يواجهوا الاحتلال كلَّه بقوَّة، وأن يواجهوا الاستكبار كلَّه بقوَّة، والكفر كلَّه بقوَّة.

على المرأة أن لا تستضعف نفسها، أن لا تستشعر في نفسها أنَّها مخلوق ضعيف، فإذا كانت ضعيفة الجسد، فإنَّ بإمكانها أن تكون قويَّة في عقلها وفي إرادتها وفكرها: {وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}[التَّحريم: 11].

أن نكون في موقف القوَّة في هذا المجال، والله سبحانه أعطى الإنسان الفرصة والقدرة على أن يقوِّي نفسه، الله جعل تاريخ الإنسان منطلقاً من إرادة الإنسان في التَّغيير {إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}[الرّعد: 11].

فالله يقول لنا إذا أردتم أن تغيّروا أنفسكم من الضَّعف إلى القوَّة، ومن التخلّف إلى التقدّم، ومن الهزيمة إلى النَّصر... فغيِّروا أفكاركم، وغيّروا أوضاعكم، وغيِّروا أساليبكم وطريقتكم في الحياة. البعض يقول المرأة ضعيفة والرّجل قويّ، ولكنّ الله يقول: {وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً}[النّساء: 28]، المرأة والرّجل. لكنَّ الله يجعل من بعد ضعفٍ قوَّةً.

دورُ المرأةِ تجاهَ الأمَّةِ

لذلك، نحن في الوقت الَّذي نؤكِّد أن تخلص المرأة لمسؤوليَّتها في بيتها تجاه أولادها وزوجها، من جهة أن تصنع الإنسان حتى تمتدَّ الإنسانيَّة، نحن نريد للمرأة أيضاً أن تشارك في اهتماماتها، وفي أفكارها، وفي مواقفها، وفي مواقعها في تطوير حركة أمّتها، وفي إعطاء مواقف القوَّة، والحمد لله نحن نجد أنَّ هناك الكثير من فتياتنا ونسائنا من المؤمنات اللاتي يعيش بعضهنّ في سجون العدوّ، واللاتي يتحركن في مواجهة الظَّالم في أكثر من موقع من مواقع الإسلام، نجد أنَّ هناك طليعةً جيِّدة، وأنَّ علينا أن نقوِّي هذه الطَّليعة وأن نكثّرها، أن تؤمن المرأة بأنها إنسان يستطيع أن يكون قويّاً من خلال الفكر والتَّجربة والمواقف، وتستطيع أن تؤكِّد هذه القوَّة في عمليَّة مواجهة المحتلّين والمستكبرين والضّالّين والكافرين، حيث تستطيع المرأة المسلمة أن تكون قويَّة أمام من يريد إضلالها وانحرافها وإسقاط إرادتها، لأنَّنا جميعاً، أيَّتها الأخوات، سوف لن يغني إنسان عن إنسان شيئاً، فيوم القيامة {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا}[النّحل: 111]، {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ}[الأنعام: 94]، {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً}[مريم: 95].

لذلك، أن يعيش الإنسان نفسه، أن يعيش مسؤوليَّته الفرديَّة، أن ينطلق في كلِّ عمل يعمله، في كلِّ قولٍ يقوله، في كلِّ موقعٍ يعيش فيه، أن تكون له قناعته الَّتي يؤمن بها، بحيث لو سأله الله: لماذا فعلت كذا؟ لكان له جواب، ولماذا قلت؟ لكان له جواب، ولماذا أنشأت هذه العلاقة أو تلك؟ يكون له جواب. {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ}[الصافّات: 24]، وعلى المسؤول أن يقدِّم جواباً لكلِّ سؤال حتى ينجو بنفسه في قضيَّة المصير.

والحمد لله ربِّ العالمين.

*محاضرة ألقاها سماحته، بتاريخ: 14/10/ 1994.

[1]ميزان الحكمة، محمّد الريشهري، ج3، ص 1950.

[2]بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج45، ص 116.

[3]الإرشاد، الشّيخ المفيد، ج2، ص 116.

[4]الاحتجاج، الشيخ الطبرسي، ج2، ص30.

[5]الشّيخ الصّدوق، الأمالي، ص 229.

[6]معالم المدرستين، السيّد مرتضى العسكري، ج3، ص 163.

[1]المصدر نفسه.

من الأمور الَّتي أراد الله للإنسان المؤمن أن يتمثَّلها في حياته، سواء كان ذكراً أو أنثى، قوَّة الشخصيَّة؛ أن لا يكون الإنسان ضعيفاً، بل أن يكون قويّاً، يملك رأيه، ويملك موقفه، ويملك كلمته، لأنَّ الإنسان المؤمن إذا كان ضعيفاً، فإنَّ من السَّهل أن يضلِّله الآخرون، وأن يسقطوه ويهزموه، والله لا يريد للمؤمن أن يعيش روح الضّعف في نفسه، بل يريد له الإيحاء لنفسه بالقوَّة أمام القويّ، بحيث يواجه القويّ في مواقع ضعفه بنقاط قوَّته، فإذا لم يستطع أن يواجه، فإنَّ الله لا يريده أن يسقط تحت تأثيره، بل يريد له أن يبتعد عن القويّ المستكبر حتَّى يستجمع قوَّته.

الضّعفُ مرفوضٌ

وهذا المعنى نستفيده من قوله سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} يعني هؤلاء الَّذين توفَّتهم الملائكة، وكانوا قد ظلموا أنفسهم بالكفر أو بالضَّلال أو بالفسق، فماتوا وهم كفَّار، وهم ضالّون، وهم منحرفون، وهم فاسقون.

{قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ}، لماذا ضللتم؟ لماذا انحرفتم؟ {قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ} كنّا ضعفاء يستضعفنا الأقوياء، وقد تحوَّل استضعاف الأقوياء لنا أنَّهم أضلّونا عن الطَّريق، وأنَّهم أوحوا إلينا بالكفر وبالضَّلال وبالانحراف، ولم نكن قادرين على مواجهتهم وجهاً لوجه بالرَّفض لما يوحون به إلينا ولما يأمروننا به.

{قَالُوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فيها}. فلنفرض أنكم ضعفاء، ولا تستطيعون أن تواجهوا الأقوياء، لكن هذا ليس عذراً لكم في أن تسقطوا تحت تأثير تفكيرهم الضّالّ أو الكافر أو المنحرف، حاولوا أن تحيِّدوا، {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فيها}، لتجدوا في مواقعكم الجديدة الإمكانات التي تجعلكم أقوياء، لتعودوا في موقع القوَّة لتواجهوهم بالرَّفض؟! فلم يكن عندهم جواب..

{فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً}[النّساء: 97]. ولكنَّ هناك استثناءً {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً}[النّساء: 98]، ليس لديهم أيّ قدرة على الهجرة أو التخلّص مما هم فيه، بحيث كان الاستضعاف يحيط بهم من كلّ جانب {فَأُوْلَـئِكَ عَسَى اللهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللهُ عَفُوّاً غَفُوراً}[النِّساء: 99].

موقفُ الإرادةِ والقوَّةِ

فإذاً، لا يريد الله للإنسان أن يسقط تحت تأثير القويّ، بل أن يكون قويَّاً في نفسه، بحيث لا يلتزم أيَّ فكرٍ إلَّا بعد أن يقتنع به، ولا يقفُ أيَّ موقفٍ إلَّا بعد أن يؤمن بأنَّه الموقفَ الصَّحيح، ولا يخضع لأيِّ قيادةٍ إلَّا إذا عرف أنَّها هي القيادة الحقيقيَّة، لأنَّ الله يريدُ للإنسانِ أن يكونَ قويّاً في إنسانيَّته، أن يكون عقله هو الَّذي يقوده، وأن تكون إرادته هي الَّتي تحرّكه.

لا يريد الله للإنسان أن يكون لا إرادة له، لا فكر له، لا عقل له، لا موقف له. إنَّ الله يريدنا أن نعيش مع النَّاس، ولكن لا على أساس أن نسقط تحت تأثيرهم، بل أن نتشاور معهم، أن نفكّر معهم، أن نتعاون معهم، أما أن نكون ظلًّا لهم، أن نكون هامشاً من هوامش حياتهم، فالله لا يريد لنا ذلك.

ولذلك، جعل الله الإنسان مسؤولاً، تنطلق مسؤوليَّته من حريَّة الفكر ومن حريَّة الإرادة. الإنسان الذي يملك فكراً ويملك إرادة، ويستطيع أن يحرِّك فكره في أيِّ مجال، وأن يركِّز إرادته في أيِّ موقع، فإنَّه يتحمَّل مسؤوليّة كلامه وموقفه، ويتحمّل مسؤوليّة موقعه. وأمَّا الإنسان الَّذي يعيش على هامش الآخرين، فهؤلاء لا يمكن أن يكونوا مسؤولين، بحيث يتحمَّلون نتائج المسؤوليَّة.

لاحظوا، مثلاً، في آيةٍ من الآيات، يقول الله: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُم مِّن شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}[العنكبوت: 12]، فكلُّ واحدٍ يتحمَّلُ مسؤوليَّته. قد يقول شخصٌ: تعال وامش معنا، وعلى ذمَّتي، وعلى مسؤوليَّتي! مرّة يقول أحدهم لنا تعال وامش معنا، ويقنعنا من خلال الدَّليل والحجَّة والبرهان أنَّ طريقه طريق حقٍّ وصواب، عند ذلك نلتحق به، باعتبار قناعتنا بالموضوع، أمَّا امشوا معنا من دون أن تفهموا المسألة، من دون أن تكون لكم إرادة القبول والرَّفض، ومن دون أن تعرفوا بداية الطَّريق ونهايته؟! فهذا لا معنى له. لماذا أمشي معك؟ من أنت؟ من تمثِّل؟ هل أنت صديق؟ الصَّداقة هي مشاعر وعواطف، ولكنّها لا تفرض علينا أن نكون مع أصدقائنا من دون وعي. هل أنت قريب؟ القرابة لا تفرض علينا أن نكون مع أقربائنا من دون فهم...

التَّربيةُ على الاستقلاليّة

هل هناك أكثر من الأمِّ والأب؟ عندما يكون الإنسان طفلاً، فدور الأمِّ والأب في توجيهه، ولكن عندما يكون الولدُ شابّاً وعنده عقل، وتكون البنت صبيّةً وعندها عقل، فدور الأمّ والأب ليس أن يقولا للولد والبنت: افعلا كذا، بل ما رأيكما في أن تعملا كذا؟ أما أن يفرضا عليهما رأيهما، فهو قهرٌ لهما وعمليّة اضطهاد. قد يكون عقل الأمّ أنضج من عقل ابنتها من ناحية الخبرة، كذلك الأب قد يكون عقله أنضج من عقل ولده، حسب المقولة: "أكبر منك بشهر أعرف منك بدهر"، لكن مع ذلك، الولد عنده عقل وفكر، وكذلك البنت.

عندما نخاطب أولادنا، سواء كانوا ذكوراً أو إناثاً، ويكونون في موقع التّفكير، فليكن من موقع الشَّراكة؛ ولنسألهم: ما رأيكم؛ هل هناك مصلحة من هذا العمل أو لا؟ فعندما نعوِّد أولادنا على أن يفكِّروا، معنى ذلك أنَّنا بدأنا ننمِّيهم في أن يصبحوا أقوياء، ننمِّي عقولهم. فكما نعوِّد الولد كيف يأكل، علينا أن نعوِّده كيف يفكّر وحده، الأكل الفكريّ والشّرب الفكريّ تمامًاً مثل الأكل المادّي والشّرب المادّي، فإذا كنّا دائماً نعطي أولادنا الأشياء الجاهزة، فلن يعتمدوا على أنفسهم.

كثير من الآباء والأمَّهات، وحتَّى القيادات، يجرمون في حقِّ النَّاس الّذين يقودونهم ويربّونهم، لأنّهم لا يسمحون لمن تحت سلطتهم بأن يفكّروا، فينشأ شعب يتلقَّى الأوامر، ينشأ أولاد ينفِّذون التّعليمات...

الله يريد للإنسان أن يكون قويّاً، أن يفكِّر باستقلاليَّة ثم يكتشف المواقف، يعني عندما نصبح في موقع المسؤوليَّة، سواء مسؤوليَّة اجتماعيَّة أو مسؤوليَّة سياسيَّة أو أمنيَّة، فعلى الإنسان أن لا يسمح لنفسه بالخوف الَّذي يسحق إرادته أمام القويّ. كثير من النّاس يقولون، مثلاً: إسرائيل هي أقوى منَّا، أمريكا أصبحت القوَّة الأولى في العالم، أصبح النّاس المسلّحون في هذا البلد أقوياء... لا نريد أن نعقِّد حياتنا، ولا أن نتعب أنفسنا، إذاً لنخضع لهم في كلّ ما يقولونه ويفعلونه...!! أليس هناك من يفكِّر بهذه الطريقة؟!

الإسلام يقول: "من رأى منكم منكراً فليغيِّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان"1، أيّ شيء لا نقتنع به ولا نؤمن به ونعتقد أنَّه خطأ، علينا رفضه بعقولنا وألسنتنا وبمواقفنا، علينا أن لا نتعوَّد أن نستسلم، التسليم فقط لله {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}[البقرة: 131]، فالتَّسليم لله فقط، وعندما نسلِّم للرَّسول، فباعتباره تسليماً لله، وكذلك الأئمَّة، أمَّا بقيَّة النَّاس، فكلٌّ له عقل، وأنا أملك عقلاً، فلماذا أخضع له؟ ولماذا أتبنَّى خطَّه؟ نعم، عندما أقتنع به، فلا بأس بذلك. الله يقول: {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ}[الكهف: 29].

لذلك، على الإنسان في الحياة أن يعيش قناعاته ورأيه وموقفه، وعليه أن يواجه ويرفض حسب الظّروف. نحن لا ندعو إلى الفوضى، فكلّ ظرفٍ له حساباته وإمكاناته وأساليبه، ولكن علينا أن ندرس ظروفنا أيضاً.

قوّةُ السيِّدةِ زينبَ (ع)

مثلاً، الآن في هذه الأيَّام، نحتفل بذكرى مولد السيّدة زينب (ع). مشكلتنا مع السيّدة زينب أنَّنا حوَّلناها بحسب أساليب التَّعزية المطروحة عندنا إلى إنسانة نائحة لا تعرف إلَّا البكاء والنَّواح. لذلك، لم نستفد من السيِّدة زينب (ع) في خطِّ حركة المرأة المسلمة إلَّا من الجانب العاطفيّ، بينما لو درسنا جانب القوَّة والصَّلابة والشَّجاعة؛ شجاعة الموقف والوعي السياسيّ عند السيِّدة زينب (ع)، لرأينا أنَّنا نستطيع أن نأخذ منها دروساً ترفع مستوى المرأة المسلمة الَّتي تقتدي بها في مواقف القوَّة.

إنَّ موضوع كربلاء وحركة السيِّدة زينب في كربلاء، وإدارتها للمهمَّات الموكلة إليها، وموقفها الرَّائع الّذي يروى عندما قالت: "اللَّهمَّ تقبَّل منَّا هذا القربان"، هذه مواقف توحي بالصَّبر والعقل وبالإرادة والصُّمود في هذا المجال.

وعندما نأتي إلى زينب (ع) وهي في الكوفة عند ابن زياد الطَّاغية رقم اثنين، باعتبار يزيد الطّاغية رقم واحد، نرى أنَّ أوَّل ما أدخلت على ابن زياد هي والسَّبايا - والحكم في ذلك الوقت كان حكماً ديكتاتوريّاً وحشيّاً صارماً، وكان يتمّ قتل النَّاس وضرب الأعناق من دون محاكمة، فالموقف أمام الحاكم في ذلك الوقت كان يختلف عن أيَّامنا هذه – أخذت زينب (ع) مكاناً في زاوية، التفت ابن زياد وسأل: من هذه؟ قالوا له هذه زينب ابنة عليّ، فالتفت إليها بكلّ فظاظة وغلظة، وقال لها: "كَيْفَ رَأَيْتِ صُنْعَ اللهِ بِأَخِيكِ وَأَهْلِ بَيْتِكِ؟"، فَقَالَتْ (ع): "مَا رَأَيْتُ إِلَّا جَمِيلًا، هَؤُلَاءِ قَوْمٌ كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْقَتْلَ فَبَرَزُوا إِلَى مَضَاجِعِهِمْ"، هؤلاء خاضوا معركة يؤمنون برساليَّتها، ولم تكن موازين القوى والضّعف الَّتي أخضع الله فيها سنن الكون متوازنةً، فقتلوا، كما يقتل النّاس المجاهدون - وَسَيَجْمَعُ اللهُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ، فَتُحَاجُّ وَتُخَاصَمُ، فَانْظُرْ لِمَنِ الْفَلْجُ يَوْمَئِذٍ. ثَكلَتْكَ أُمُّكَ يَابْنَ مَرْجَانَةَ"2.

نادته باسم أمِّه ولم تناده باسم أبيه، باعتبار أنَّه كان هناك نوع من أنواع الخفاء في نسبه ونسب أبيه.

أيُّ موقف هذا؟ ولقد أمر بقتلها لولا تدخّل بعض أصحابه، عند ذلك، حاول أن يتناول الجانب العاطفيّ، فقال لها: "لقد شفى الله قلبي من طاغيتك الحسين والعتاة المردة من أهل بيتك"، فقالت له بطريقةٍ عاطفيَّةٍ: "لقد قتلْت كهلي، وأبدْتَ أهلي، وقطعْت فرعي، واجتثثْت أصلي، فإن يشفك هذا فقد اشتفيت"3. أنت إنسان تتحدَّث بمنطق شفاء الغيظ، أمّا نحن، فنتحدَّث بمنطق الرِّسالة.

وعندما أراد أن يقتل الإمام زين العابدين (ع) لأنَّه ردَّ عليه، جاءت زينب (ع) واحتضنت الإمام (ع) وقالت للطَّاغية: اقتلني قبل أن تقتله. هذا موقف إنسانة قويّة استطاعت أن تصادم الظَّالم في موقف حقّ.

انتهى هذا المشهد.

في مواجهةِ يزيدَ

المشهد الثَّاني عند أهل الكوفة، فقد اجتمع النَّاس على زينب (ع)، وكانت (ع) في حالة سبيٍ ومعها الأطفال والنّساء، وبرغم هذا الموقف الصَّعب، وقفت خطيبةً في أهل الكوفة، وكان من بين ما قالته: "أَمَّا بَعْدُ، يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ، يَا أَهْلَ الْخَتْلِ‏ وَالْغَدْرِ وَالْخَذْلِ، أَلَا فَلَا رَقَأَتِ الْعَبْرَةُ، وَلَا هَدَأَتِ الزَّفْرَةُ، إِنَّمَا مَثَلُكُمْ كَمَثَلِ الَّتِي‏ نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً، تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ... أَلَا بِئْسَ مَا قدَّمَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمِ أَن سَخطَ الله عَلَيكم وفي العذابِ أنتم خَالِدُون. أتبكون أخي؟ أجل والله، فَابْكُوا كَثِيراً، وَاضْحَكُوا قَلِيلاً، فَقَدْ أَبْلَيْتُمْ بِعَارِهَا، وَمَنَيْتُمْ بِشَنَارِهَا... ويلكم يا أهل الكوفة، أتدرون أيَّ كبدٍ لرسولٍ الله فريْتُم؟ وَأَيَّ كَرِيمَةٍ لَهُ أَبْرَزْتُمْ، وَأَيَّ حُرْمَةٍ لَهُ هَتَكْتُمْ، وَأَيَّ دَمٍ لَهُ سَفَكْتُمْ‏؟!"4.

إنسانة ثاكلة، في مصيبةٍ من أشدِّ المصائب، لاقت خلال يومٍ واحد من فقدِ الأولاد والإخوة والأقرباء والأصحاب ما لاقت، ومع ذلك، وقفت أمام جماهير أهل الكوفة، رجالاً ونساءً، وخطبت فيهم هذه الخطبة الطَّويلة.

ثمَّ بعد ذلك، انتقل الموكب إلى مجلس يزيد، وقد كان للحسين (ع) طفلة يقال إنَّها سكينة، جاء شاميّ وقال ليزيد: يا أميرَ المؤمنين - هكذا كانوا ينادون خلفاءهم - هبْ لي هذه الجارية، باعتبار أنّهنّ كسبايا الرّوم والكفّار. الطّفلة كانت واعية، فلاذت بعمَّتها زينب (ع)، فالتفتَتْ (ع) بكلِّ قوَّة وصلابة وقالت: "كذبت والله ولؤمت، والله ما ذلك لك ولا له، فغضب يزيد وقال: كذبت والله، إنَّ ذلك لي، ولو شئت أن أفعل لفعلت. قالت: كلَّا، والله ما جعل الله لك ذلك إلَّا أن تخرج من ملَّتنا وتدين بغيرها. فاستطار يزيد غضباً، وقال: إيَّاي تستقبلين بهذا؟ إنَّما خرج من الدّين أبوك وأخوك، قالت زينب (ع): بدين الله ودين أبي ودين أخي اهتديْتَ أنت وأبوك وجدّك إن كنت مسلماً"5... هذا موقف.

صلابةٌ وشجاعةٌ

الموقف الثاني، خطبة السيّدة زينب (ع) في مجلس يزيد، وهي من أكثر الخطب قوّةً وتأنيباً، قالت له من بين خطبة طويلة: "أَمِنَ الْعَدْلِ يَابْنَ الطُّلَقَاءِ - إشارة إلى أنَّ النبيَّ عندما فتح مكَّة وأسر قريش واجتمعوا وقال لهم: "ما تظنّون أنِّي فاعل بكم؟ قَالُوا: خَيْرًا، أَخٌ كَرِيمٌ، وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ، قَالَ: اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ الطُّلَقَاءُ" - تَخْدِيرُكَ حَرَائِرَكَ، وَسَوْقُكَ بَنَاتِ رَسُولِ اللهِ سَبَايَا؟". هل ما تفعله يمثِّل العدالة؟!

ثمّ قالت له: "ولئن جَرَّت علَيَّ الدَّواهي مُخاطبتَك، إنِّي لأستصغرُ قَدْرَك، وأستَعظمُ تَقريعَك، وأستكثرُ توبيخَك!"6. أنا أعتبر من بلاء الزّمان ودواهيه عليَّ، مخاطبتك، وإلَّا فأنت ليس لك قيمة.

ثم تقول له بعد ذلك: "ألا فالعَجَب كلّ العجب، لقتلِ حزبِ الله النّجباء، بحزب الشَّيطان الطّلقاء!... ولئن اتّخَذْتَنا مَغْنَماً، لَتجِدَنَّا وشيكاً مَغْرماً"، بعد مدَّة بسيطة ستدفع ثمن ما فعلت، "حين لا تجدُ إلَّا ما قدَّمتْ يداك، وما ربُّكَ بظَلَّامٍ للعبيد، فإلى الله المشتكى، وعليه المعوَّل. فكِدْ كيدَك، واسْعَ سعيَك، وناصِبْ جهدك، فوَاللهِ لا تمحو ذِكْرَنا، ولا تُميت وحيَنا، ولا تُدرِكُ أمَدَنا، ولا تَرحضُ عنك عارها - أي لا تغسله - وهل رأيُك إلَّا فَنَد - رأي ساقط - وأيَّامك إلَّا عَدَد، وجمعك إلَّا بَدَد؟! يوم ينادي المنادي: ألَا لَعنةُ اللهِ علَى الظَّالمين!"7.

عمّ يعبّر هذا؟ يعبّر عن صلابة الموقف، زينب (ع) الّتي كانت في عمق المأساة، ومع ذلك، شعرت بأنَّ عليها أن تكمل رسالة الحسين (ع)، فتواجه ابن زياد وجهاً لوجه بكلِّ قوّة، وبكلِّ تحقير له، وتواجه يزيد بكلِّ تحقير له، وتواجه أهل الكوفة بكلِّ قوّة، وهي في أشدِّ الحالات ألماً.

هذه هي زينب، وإذا أردتم زينب، فلا تنظروا إلى ما يحدِّثونكم به عن صراخها ونواحها وما إلى ذلك.

موقفٌ واحدٌ أعطت فيه عاطفتها المجال، عندما كان الحسين (ع) ينعى نفسه، وكانت معه، وسمعته يقول: "يا دَهرُ أُفٍّ لَكَ مِن خَليلِ"، وبعد ذلك، كانت (ع) صلبةً قويّة.

المرأةُ ليسَتْ ضعيفةً

ونحن بحاجة، أيَّتها الأخوات، إلى صلابة المرأة المسلمة وإلى قوَّتها؛ قوّتها أمام التحدّيات، قوَّتها أمام الانحراف، قوّتها أمام الكفر، قوَّتها أمام الظّلم والاستكبار، لا نريد صوتاً واحداً، ولكن نريد ملايين الأصوات من النّساء المؤمنات والرّجال المؤمنين، أن يواجهوا الاحتلال كلَّه بقوَّة، وأن يواجهوا الاستكبار كلَّه بقوَّة، والكفر كلَّه بقوَّة.

على المرأة أن لا تستضعف نفسها، أن لا تستشعر في نفسها أنَّها مخلوق ضعيف، فإذا كانت ضعيفة الجسد، فإنَّ بإمكانها أن تكون قويَّة في عقلها وفي إرادتها وفكرها: {وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}[التَّحريم: 11].

أن نكون في موقف القوَّة في هذا المجال، والله سبحانه أعطى الإنسان الفرصة والقدرة على أن يقوِّي نفسه، الله جعل تاريخ الإنسان منطلقاً من إرادة الإنسان في التَّغيير {إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}[الرّعد: 11].

فالله يقول لنا إذا أردتم أن تغيّروا أنفسكم من الضَّعف إلى القوَّة، ومن التخلّف إلى التقدّم، ومن الهزيمة إلى النَّصر... فغيِّروا أفكاركم، وغيّروا أوضاعكم، وغيِّروا أساليبكم وطريقتكم في الحياة. البعض يقول المرأة ضعيفة والرّجل قويّ، ولكنّ الله يقول: {وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً}[النّساء: 28]، المرأة والرّجل. لكنَّ الله يجعل من بعد ضعفٍ قوَّةً.

دورُ المرأةِ تجاهَ الأمَّةِ

لذلك، نحن في الوقت الَّذي نؤكِّد أن تخلص المرأة لمسؤوليَّتها في بيتها تجاه أولادها وزوجها، من جهة أن تصنع الإنسان حتى تمتدَّ الإنسانيَّة، نحن نريد للمرأة أيضاً أن تشارك في اهتماماتها، وفي أفكارها، وفي مواقفها، وفي مواقعها في تطوير حركة أمّتها، وفي إعطاء مواقف القوَّة، والحمد لله نحن نجد أنَّ هناك الكثير من فتياتنا ونسائنا من المؤمنات اللاتي يعيش بعضهنّ في سجون العدوّ، واللاتي يتحركن في مواجهة الظَّالم في أكثر من موقع من مواقع الإسلام، نجد أنَّ هناك طليعةً جيِّدة، وأنَّ علينا أن نقوِّي هذه الطَّليعة وأن نكثّرها، أن تؤمن المرأة بأنها إنسان يستطيع أن يكون قويّاً من خلال الفكر والتَّجربة والمواقف، وتستطيع أن تؤكِّد هذه القوَّة في عمليَّة مواجهة المحتلّين والمستكبرين والضّالّين والكافرين، حيث تستطيع المرأة المسلمة أن تكون قويَّة أمام من يريد إضلالها وانحرافها وإسقاط إرادتها، لأنَّنا جميعاً، أيَّتها الأخوات، سوف لن يغني إنسان عن إنسان شيئاً، فيوم القيامة {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا}[النّحل: 111]، {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ}[الأنعام: 94]، {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً}[مريم: 95].

لذلك، أن يعيش الإنسان نفسه، أن يعيش مسؤوليَّته الفرديَّة، أن ينطلق في كلِّ عمل يعمله، في كلِّ قولٍ يقوله، في كلِّ موقعٍ يعيش فيه، أن تكون له قناعته الَّتي يؤمن بها، بحيث لو سأله الله: لماذا فعلت كذا؟ لكان له جواب، ولماذا قلت؟ لكان له جواب، ولماذا أنشأت هذه العلاقة أو تلك؟ يكون له جواب. {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ}[الصافّات: 24]، وعلى المسؤول أن يقدِّم جواباً لكلِّ سؤال حتى ينجو بنفسه في قضيَّة المصير.

والحمد لله ربِّ العالمين.

*محاضرة ألقاها سماحته، بتاريخ: 14/10/ 1994.

[1]ميزان الحكمة، محمّد الريشهري، ج3، ص 1950.

[2]بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج45، ص 116.

[3]الإرشاد، الشّيخ المفيد، ج2، ص 116.

[4]الاحتجاج، الشيخ الطبرسي، ج2، ص30.

[5]الشّيخ الصّدوق، الأمالي، ص 229.

[6]معالم المدرستين، السيّد مرتضى العسكري، ج3، ص 163.

[1]المصدر نفسه.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية