كان من أساليب الكافرين المتمرّدين على الرسالات، أنّهم إذا جاءهم النبيّ ـ أيّ نبيّ ـ بالحُجّة ليقتنعوا بها، فإنَّهم لا يستجيبون له، ولا يدخلون معه في مناقشة حول ما يجدون فيها من نقاط ضعف ـ إذا وُجِدَت ـ أو نقاط قوّة، فيرفضون أن يبادلوا الحُجّة بالحُجّة، ويتحرّكون في مواجهة الرّسل من خلال ما ينتمون إليه في غرائزهم وعواطفهم وتقاليدهم وعاداتهم، ويُتْبعون ذلك كلّه بالسّخرية والاستهزاء، وعندما يتوعَّدهم النبيّ إذا لم يؤمنوا بعذاب الله، فإنَّهم كانوا يتحدُّونه بأن يأتيهم بعذاب الله إذا كان ما يدعو إليه هو الحقّ {فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ}[الأنفال: 32]. كانوا يستعجلون العذاب، لا لأنَّهم يريدونه، ولكنّهم كانوا يحاولون استعمال أساليب السخرية في ذلك، وكأنَّهم يقولون للنبيّ: مَنْ أنت لتهدِّدنا بعذاب الله؟ وما قدرتك حتّى تحدّثنا عمّا يمكن أن ينزله علينا من عذابه وعقابه؟ فهم يستعجلون العذاب، لا استعجال الراغب فيه، ولا المقتنع بأنَّ العذاب آت، ولكنّه استعجال المتحدّي الذي يحاول أن يخرج من حيرته في عجزه عن مواجهة الحجّة بإطلاق التحدِّي الساخر.
القرآن الكريم يعالج المسألة، فهؤلاء الذين يستعجلون العذاب ماذا يتصوَّرون؟ هل يتصوَّرون أنَّ أسلوبهم الانفعالي الاستعراضي الذي يطلقون فيه التحدّي، يمكن أن يَسْتَثير الله سبحانه ليبادلهم التحدّي بتحدٍّ مثله؟ وهل يتصوَّرون الله في وعيهم كأيِّ قويّ من الأقوياء ممّن يحكمون الناس ويسيطرون عليهم، وإذا واجههم أحدٌ بالقوّة، فإنَّهم يواجهونه بقوّة أكبر؟ وهل يتصوَّرون أيضاً أنَّ الله يُنزل العذاب لأنَّ هناك جماعة تستعجل ذلك، أو أنَّه يُنزل الرحمة لأنَّ هناك مَن يستعجلها؟
هذا التصوُّر خاطئ، لأنَّ عذاب الله في الدنيا كما هي رحمته، خاضعان لحكمته، فقد يحكم بحكمته أن يُنزل العذاب على قوم، وقد يمدُّ لهم بالفرصة؛ فيجحدون ويعطيهم، يتمرَّدون عليه ويُنعم عليهم، يكفرون بنعمته ويزيدهم. وهذا ما جرت به سُنّةُ الله، أنّه يمدُّ لعباده، يمدُّ للكافرين، يُملي لهم، يُهيِّئ الفرصة بعد الفرصة ليتراجعوا عن ضلالهم وغيِّهم، وليحاسبوا أنفسهم وليفكِّروا بعقولهم.
وليس إمهالهم ناشئاً عن أنّهم يُعجزونه سبحانه، فهم يرون رأي العين أنَّ الله يرسل العواصف فتقتلع الأشجار من جذورها، ويغمرُ اليابسة بالفيضانات فتدمّر ما عليها، ويهزُّ الأرض بالزلازل والبراكين فتُحدث ما تحدث، وهو تعالى قادرٌ على أن ينزل صاعقة على هؤلاء الكفرة أو على غيرهم من دون أيّ حال عقاب، فيُحدثُ في الكون ما يتلاءم مع مزاج الناس وما لا يتلاءم، فكما هو قادرٌ على إرسال النّعمة، قادرٌ على إرسال النقمة، ولكنّه سبحانه لا يَعْجَل لاستعجالهم، ولا يخرِّب نظام الكون ليردّ تحدّي كافر، ولا يُبطل سُننَه الكونية لأنَّ هناك جاحداً أطلق استعجالاً بحجم التحدِّي.
{وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ} اقتضت حكمته أن يبسط الخير لكلِّ الناس، ويفتح لهم مواقع هذا الخير، فلو يعجِّل سبحانه بالشرّ كما يُعجِّل بالخير، لا من أجل استعجالهم له {لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ}، لجاءهم الشرّ وقُضي عليهم فماتوا وانتهوا {فَنَذَرُ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا}، نترك هؤلاء الذين لم ينفتحوا على الآخرة، ولم يعيشوا قلق المصير في مسألة يوم القيامة، ولم يعيشوا هَمَّ ذلك اليوم {فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} يتحيَّرون ويتردَّدون ويعيشون التّجربة الصّعبة على طريقتهم، فيفقدون كلَّ حُجَّةٍ لهم على الله سبحانه.
من كتاب "حركة النبوّة في مواجهة الانحراف".
كان من أساليب الكافرين المتمرّدين على الرسالات، أنّهم إذا جاءهم النبيّ ـ أيّ نبيّ ـ بالحُجّة ليقتنعوا بها، فإنَّهم لا يستجيبون له، ولا يدخلون معه في مناقشة حول ما يجدون فيها من نقاط ضعف ـ إذا وُجِدَت ـ أو نقاط قوّة، فيرفضون أن يبادلوا الحُجّة بالحُجّة، ويتحرّكون في مواجهة الرّسل من خلال ما ينتمون إليه في غرائزهم وعواطفهم وتقاليدهم وعاداتهم، ويُتْبعون ذلك كلّه بالسّخرية والاستهزاء، وعندما يتوعَّدهم النبيّ إذا لم يؤمنوا بعذاب الله، فإنَّهم كانوا يتحدُّونه بأن يأتيهم بعذاب الله إذا كان ما يدعو إليه هو الحقّ {فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ}[الأنفال: 32]. كانوا يستعجلون العذاب، لا لأنَّهم يريدونه، ولكنّهم كانوا يحاولون استعمال أساليب السخرية في ذلك، وكأنَّهم يقولون للنبيّ: مَنْ أنت لتهدِّدنا بعذاب الله؟ وما قدرتك حتّى تحدّثنا عمّا يمكن أن ينزله علينا من عذابه وعقابه؟ فهم يستعجلون العذاب، لا استعجال الراغب فيه، ولا المقتنع بأنَّ العذاب آت، ولكنّه استعجال المتحدّي الذي يحاول أن يخرج من حيرته في عجزه عن مواجهة الحجّة بإطلاق التحدِّي الساخر.
القرآن الكريم يعالج المسألة، فهؤلاء الذين يستعجلون العذاب ماذا يتصوَّرون؟ هل يتصوَّرون أنَّ أسلوبهم الانفعالي الاستعراضي الذي يطلقون فيه التحدّي، يمكن أن يَسْتَثير الله سبحانه ليبادلهم التحدّي بتحدٍّ مثله؟ وهل يتصوَّرون الله في وعيهم كأيِّ قويّ من الأقوياء ممّن يحكمون الناس ويسيطرون عليهم، وإذا واجههم أحدٌ بالقوّة، فإنَّهم يواجهونه بقوّة أكبر؟ وهل يتصوَّرون أيضاً أنَّ الله يُنزل العذاب لأنَّ هناك جماعة تستعجل ذلك، أو أنَّه يُنزل الرحمة لأنَّ هناك مَن يستعجلها؟
هذا التصوُّر خاطئ، لأنَّ عذاب الله في الدنيا كما هي رحمته، خاضعان لحكمته، فقد يحكم بحكمته أن يُنزل العذاب على قوم، وقد يمدُّ لهم بالفرصة؛ فيجحدون ويعطيهم، يتمرَّدون عليه ويُنعم عليهم، يكفرون بنعمته ويزيدهم. وهذا ما جرت به سُنّةُ الله، أنّه يمدُّ لعباده، يمدُّ للكافرين، يُملي لهم، يُهيِّئ الفرصة بعد الفرصة ليتراجعوا عن ضلالهم وغيِّهم، وليحاسبوا أنفسهم وليفكِّروا بعقولهم.
وليس إمهالهم ناشئاً عن أنّهم يُعجزونه سبحانه، فهم يرون رأي العين أنَّ الله يرسل العواصف فتقتلع الأشجار من جذورها، ويغمرُ اليابسة بالفيضانات فتدمّر ما عليها، ويهزُّ الأرض بالزلازل والبراكين فتُحدث ما تحدث، وهو تعالى قادرٌ على أن ينزل صاعقة على هؤلاء الكفرة أو على غيرهم من دون أيّ حال عقاب، فيُحدثُ في الكون ما يتلاءم مع مزاج الناس وما لا يتلاءم، فكما هو قادرٌ على إرسال النّعمة، قادرٌ على إرسال النقمة، ولكنّه سبحانه لا يَعْجَل لاستعجالهم، ولا يخرِّب نظام الكون ليردّ تحدّي كافر، ولا يُبطل سُننَه الكونية لأنَّ هناك جاحداً أطلق استعجالاً بحجم التحدِّي.
{وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ} اقتضت حكمته أن يبسط الخير لكلِّ الناس، ويفتح لهم مواقع هذا الخير، فلو يعجِّل سبحانه بالشرّ كما يُعجِّل بالخير، لا من أجل استعجالهم له {لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ}، لجاءهم الشرّ وقُضي عليهم فماتوا وانتهوا {فَنَذَرُ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا}، نترك هؤلاء الذين لم ينفتحوا على الآخرة، ولم يعيشوا قلق المصير في مسألة يوم القيامة، ولم يعيشوا هَمَّ ذلك اليوم {فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} يتحيَّرون ويتردَّدون ويعيشون التّجربة الصّعبة على طريقتهم، فيفقدون كلَّ حُجَّةٍ لهم على الله سبحانه.
من كتاب "حركة النبوّة في مواجهة الانحراف".