أيُّها الإنسان، إذا كنتَ خائناً لعهد الله معك، وكنت تقطع ما أمرَ الله به أن يوصَل، وكنت تفسد في الأرض من خلال ما تملك من قوّة ماليّة أو سياسيّة أو سلطويّة، فإنَّ الله جعل لك اللّعنة وسوء الدار...
إنّ الله عندما أرسل رسوله، إنّما أرسله من أجل أن يغيِّر العالَم، ومن أجل أن يغيِّر الإنسان؛ وجعل لمن يتحرّك في هذا الخطّ، إذا غيَّر نفسه لمصلحة الحقّ، أن يسير به الله في طريق رضوانه، وفي طريق نعمته. أمّا إذا غيَّرت نفسك إلى الباطل، فإنَّ الله سيسلبك نعمته، وهذا ما عبَّر الله عنه في كتابه الكريم: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ}[الأنفال: 53].
فعندما تكون نيّات النّاس طيّبة وخيّرة وصالحة، وقلوبهم منفتحة على قلوب بعضهم البعض، ويتحرّكون من خلال الحقّ والخير والعدل، حيث لا يفكّر أحد في الاعتداء على أحد، فإنَّ الله سبحانه وتعالى سوف يفيض عليهم النّعمة.
متى يسود الظّلم؟!
أمّا إذا تبدَّلت أفكارهم وذهنيّاتهم باتجاه الباطل والظلم وغير ذلك، فإنَّ الله سيغيّر نعمته عندما يغيّرون. ولهذا، يصرِّح الله {ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ}، {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} [الروم: 41]. الله سبحانه وتعالى يقول لك: من الطبخة التي تطبخها أطعمك، أنتَ عندما تطبخ الباطل، ستأكل نتائج الباطل، وعندما تطبخ طبخة الظّلم، فإنّك ستأكل نتائج تلك الطبخة في نفسك بعد أن تطعمها لغيرك. ولهذا، مَن حَفَرَ حفرةً لأخيه أوقعه الله فيها.
لهذا، جعل الله سبحانه وتعالى قَدَر النّاس في حياتهم من خلال ما يركّزونه في دنياهم. يمكن أن يقول بعض النّاس: ليس لنا علاقة بهؤلاء المسؤولين الّذين يفسدون والحكّام الذين يظلمون، لكنَّ هؤلاء يحملون أوزار هذا الموقف؛ فأنتَ عندما ترى الظلم ولا تتكلَّم، بل تجامل الظالم، ترى الباطل وتسكت عنه، ترى الحقّ مهدوراً ولا تتكلَّم في الدّفاع عنه؛ بهذا السلوك تصبح شريكاً للظالم {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ...}[المائدة: 78 ـ 79]. لا ينهى أحدهم أحداً عن المنكر، ففي السّاحة هناك أكثريّة صامتة، الأكثرية الصامتة قد تؤاخذ بها الأقليّة الظالمة، لأنَّ تلك ظلمت وهذه سكتت، تلك طغت وهذه صفَّقت، تلك تحرّكت وهذه سكتت. وهذا ما يواجهه الناس في كلّ مكان، عندما ينتشر الظلم على جميع المستويات، ويؤخذ حقّ الضعيف، ولا تتحدّث الأُمّة عن ذلك.
حين تحدث هذه الأمور، فإنَّ الحديث الشّريف يقول: "لن تقدَّس أُمّة لا يؤخذ للضّعيف فيها حقّه من القويّ"(1). إنّ بمستطاع الأُمّة ممارسة مسؤوليّتها، ولكن هذا يسكت ويقول لصاحبه لا علاقة لك بالموضوع، وذاك يقول له لا تتعب رأسك، وهكذا يقف الظّالم بدون عقاب، ويجلس المنحرف بدون أن يخشى نقداً، فينتشر الظلم من خلال سكوت الساكتين، كما ينتشر من خلال نطق الناطقين، لأنَّ هذا سكت فخذل، وذاك نطق فعاون، وكلاهما أعان الظّلم في النتيجة.
الحاكم صورة عن المجتمع
لا بدّ لنا من أن نفهم القضيّة على هذا الأساس، ولهذا جاء الحديث الذي يقول: "كما تكونون يُوَلَّى عليكم"، فإذا كان المجتمع مليئاً بالناس الذين يكذب بعضهم على بعض؛ الزوج يكذب على زوجته، والزوجة تكذب على زوجها، والأب يكذب على أولاده، والأُمّ تكذب على أولادها، والجيران يكذب بعضهم على بعض، وهكذا يكذب السيّاسيّون على الناس وبعضهم على البعض... فإذا كان الأمر كذلك، فمن أين سيأتي الحاكم؟ الحاكم تربّى في مدرسة المجتمع، الحاكم تربّى في البيت الذي يتحرّك الأب والأم فيه، فيكذبان ويعملان على أن يخونا في بعض الحالات، وأن يسرقا، وأن يعملا حسب الفرص المتاحة. أليس هناك مَن يذهب ليسرق ويأتي إلى البيت حاملاً ما سَرَق، ويعرف أبوه أنّه سرقة، وتعرف الأمّ ذلك، ويغضَّان النظر؟ وهكذا يأخذ الولد من أبيه وأُمّه غطاءً شرعيّاً بالسرقة؛ كذلك يتعاطى قادة الأحزاب والمنظّمات مع عناصرهم، حين يقتلون ويسرقون، أو حين يخطفون ويفسدون في الأرض، حيث يؤمِّنون لهم الحماية... وفي نهاية المطاف، يسود شعور عام في المجتمع، مفاده أنّ المجرم يكافأ وتتوفَّر له الحماية والملجأ. وتصبح هذه المفاسد من الظّواهر العامّة التي لا تلقى استنكاراً من أحد.
ومن هؤلاء سينطلق حكَّام البلد، سينطلق الوزراء والرّؤساء والمسؤولون على سائر المستويات منهم. فإذا كان المجتمع كاذباً، فلا بدّ من أن يكون الذين يتخرّجون منه كاذبين. الله لا يأتي لنا بجماعة من المرّيخ ليحكمونا، فالله وضع للكون قوانين معيّنة، ومن خلال هذه القوانين القائمة على أنّ لكلّ شيءٍ سبباً، ولكلّ مقدّمة نتائج، تسير حركة المجتمع طبقاً لهذه القوانين.
إنَّ الله يقول إنّكم تأكلون ممّا تطبخون، إذا طبختم المشكلة فلن تأكلوا الحلّ؛ وإذا طبختم البلاء فلن تأكلوا العافية: {وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ}[النحل: 112]. لهذا، نحتاج إلى أن نكون الصادقين بعهد الله، عندما نكون الصادقين مع أنفسنا، والصّادقين مع الناس من حولنا، والصّادقين مع ربّنا.
* من كتاب "الجمعة منبر ومحراب".
البحار، ج:33، ص:608، رواية:744، باب:30.(1)
أيُّها الإنسان، إذا كنتَ خائناً لعهد الله معك، وكنت تقطع ما أمرَ الله به أن يوصَل، وكنت تفسد في الأرض من خلال ما تملك من قوّة ماليّة أو سياسيّة أو سلطويّة، فإنَّ الله جعل لك اللّعنة وسوء الدار...
إنّ الله عندما أرسل رسوله، إنّما أرسله من أجل أن يغيِّر العالَم، ومن أجل أن يغيِّر الإنسان؛ وجعل لمن يتحرّك في هذا الخطّ، إذا غيَّر نفسه لمصلحة الحقّ، أن يسير به الله في طريق رضوانه، وفي طريق نعمته. أمّا إذا غيَّرت نفسك إلى الباطل، فإنَّ الله سيسلبك نعمته، وهذا ما عبَّر الله عنه في كتابه الكريم: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ}[الأنفال: 53].
فعندما تكون نيّات النّاس طيّبة وخيّرة وصالحة، وقلوبهم منفتحة على قلوب بعضهم البعض، ويتحرّكون من خلال الحقّ والخير والعدل، حيث لا يفكّر أحد في الاعتداء على أحد، فإنَّ الله سبحانه وتعالى سوف يفيض عليهم النّعمة.
متى يسود الظّلم؟!
أمّا إذا تبدَّلت أفكارهم وذهنيّاتهم باتجاه الباطل والظلم وغير ذلك، فإنَّ الله سيغيّر نعمته عندما يغيّرون. ولهذا، يصرِّح الله {ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ}، {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} [الروم: 41]. الله سبحانه وتعالى يقول لك: من الطبخة التي تطبخها أطعمك، أنتَ عندما تطبخ الباطل، ستأكل نتائج الباطل، وعندما تطبخ طبخة الظّلم، فإنّك ستأكل نتائج تلك الطبخة في نفسك بعد أن تطعمها لغيرك. ولهذا، مَن حَفَرَ حفرةً لأخيه أوقعه الله فيها.
لهذا، جعل الله سبحانه وتعالى قَدَر النّاس في حياتهم من خلال ما يركّزونه في دنياهم. يمكن أن يقول بعض النّاس: ليس لنا علاقة بهؤلاء المسؤولين الّذين يفسدون والحكّام الذين يظلمون، لكنَّ هؤلاء يحملون أوزار هذا الموقف؛ فأنتَ عندما ترى الظلم ولا تتكلَّم، بل تجامل الظالم، ترى الباطل وتسكت عنه، ترى الحقّ مهدوراً ولا تتكلَّم في الدّفاع عنه؛ بهذا السلوك تصبح شريكاً للظالم {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ...}[المائدة: 78 ـ 79]. لا ينهى أحدهم أحداً عن المنكر، ففي السّاحة هناك أكثريّة صامتة، الأكثرية الصامتة قد تؤاخذ بها الأقليّة الظالمة، لأنَّ تلك ظلمت وهذه سكتت، تلك طغت وهذه صفَّقت، تلك تحرّكت وهذه سكتت. وهذا ما يواجهه الناس في كلّ مكان، عندما ينتشر الظلم على جميع المستويات، ويؤخذ حقّ الضعيف، ولا تتحدّث الأُمّة عن ذلك.
حين تحدث هذه الأمور، فإنَّ الحديث الشّريف يقول: "لن تقدَّس أُمّة لا يؤخذ للضّعيف فيها حقّه من القويّ"(1). إنّ بمستطاع الأُمّة ممارسة مسؤوليّتها، ولكن هذا يسكت ويقول لصاحبه لا علاقة لك بالموضوع، وذاك يقول له لا تتعب رأسك، وهكذا يقف الظّالم بدون عقاب، ويجلس المنحرف بدون أن يخشى نقداً، فينتشر الظلم من خلال سكوت الساكتين، كما ينتشر من خلال نطق الناطقين، لأنَّ هذا سكت فخذل، وذاك نطق فعاون، وكلاهما أعان الظّلم في النتيجة.
الحاكم صورة عن المجتمع
لا بدّ لنا من أن نفهم القضيّة على هذا الأساس، ولهذا جاء الحديث الذي يقول: "كما تكونون يُوَلَّى عليكم"، فإذا كان المجتمع مليئاً بالناس الذين يكذب بعضهم على بعض؛ الزوج يكذب على زوجته، والزوجة تكذب على زوجها، والأب يكذب على أولاده، والأُمّ تكذب على أولادها، والجيران يكذب بعضهم على بعض، وهكذا يكذب السيّاسيّون على الناس وبعضهم على البعض... فإذا كان الأمر كذلك، فمن أين سيأتي الحاكم؟ الحاكم تربّى في مدرسة المجتمع، الحاكم تربّى في البيت الذي يتحرّك الأب والأم فيه، فيكذبان ويعملان على أن يخونا في بعض الحالات، وأن يسرقا، وأن يعملا حسب الفرص المتاحة. أليس هناك مَن يذهب ليسرق ويأتي إلى البيت حاملاً ما سَرَق، ويعرف أبوه أنّه سرقة، وتعرف الأمّ ذلك، ويغضَّان النظر؟ وهكذا يأخذ الولد من أبيه وأُمّه غطاءً شرعيّاً بالسرقة؛ كذلك يتعاطى قادة الأحزاب والمنظّمات مع عناصرهم، حين يقتلون ويسرقون، أو حين يخطفون ويفسدون في الأرض، حيث يؤمِّنون لهم الحماية... وفي نهاية المطاف، يسود شعور عام في المجتمع، مفاده أنّ المجرم يكافأ وتتوفَّر له الحماية والملجأ. وتصبح هذه المفاسد من الظّواهر العامّة التي لا تلقى استنكاراً من أحد.
ومن هؤلاء سينطلق حكَّام البلد، سينطلق الوزراء والرّؤساء والمسؤولون على سائر المستويات منهم. فإذا كان المجتمع كاذباً، فلا بدّ من أن يكون الذين يتخرّجون منه كاذبين. الله لا يأتي لنا بجماعة من المرّيخ ليحكمونا، فالله وضع للكون قوانين معيّنة، ومن خلال هذه القوانين القائمة على أنّ لكلّ شيءٍ سبباً، ولكلّ مقدّمة نتائج، تسير حركة المجتمع طبقاً لهذه القوانين.
إنَّ الله يقول إنّكم تأكلون ممّا تطبخون، إذا طبختم المشكلة فلن تأكلوا الحلّ؛ وإذا طبختم البلاء فلن تأكلوا العافية: {وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ}[النحل: 112]. لهذا، نحتاج إلى أن نكون الصادقين بعهد الله، عندما نكون الصادقين مع أنفسنا، والصّادقين مع الناس من حولنا، والصّادقين مع ربّنا.
* من كتاب "الجمعة منبر ومحراب".
البحار، ج:33، ص:608، رواية:744، باب:30.(1)